هيئة الدواء المصرية تشهد توقيع شراكة استراتيجية لتوطين صناعة المستلزمات الطبية بين القابضة للأدوية ودوا الأمريكية    بالفيديو.. الطريق الدائري يتزين لاستقبال زوار المتحف المصري الكبير    وزير النقل: الدائري وجميع المحاور المؤدية للمتحف المصري الكبير جاهزة لحفل الافتتاح غدا    مستشفى ناصر يتسلم من الصليب الأحمر جثامين 30 فلسطينيا    حسن حمدي ومحمود فهمي يحرصان على التصويت في انتخابات الأهلي    محمد مكي مديرا فنيا للسكة الحديد مودرن    الطقس مائل للبروده...حالة الطقس المتوقعه اليوم الجمعه 31اكتوبر 2025 فى المنيا    السيطرة على شقة سكنية دون إصابات بالتجمع    عطل مفاجئ يوقف قطار ركاب ببني سويف.. ومصدر: تشغيل الحركة مؤقتًا على خط واحد    5 إصابات في حادث اصطدام سيارة ميكروباص بالرصيف بالتجمع الخامس    مصرع شاب وإصابة والدته في حادث تصادم بمنطقة كرداسة في الجيزة    الإسكندرية تتابع افتتاح المتحف المصري الكبير عبر 22 شاشة عملاقة في ميادينها وشوارعها    بعد خلافهما الأخير.. عمر كمال يوجه رسالة مؤثرة لمحمد فؤاد    تعرف على إيراد أمس الخميس لفيلم "السادة الأفاضل"    وزير الصحة يستقبل محافظ الشرقية لمتابعة المشروعات الصحية وتدشين منشآت جديدة    إدراج 29 جامعة مصرية في تصنيف ليدن الهولندي لعام 2025    شبكة أطباء السودان: نزوح 4500 مواطن من بارا في شمال كردفان    أفغانستان وباكستان تتفقان في إسطنبول على استئناف المحادثات    إعصار ميليسا يضرب الكاريبى بقوة.. وتضرر أكثر من 700 الف طفل.. فيديو    ضبط 3 أطنان ملح صناعي مجهول المصدر بشبرا الخيمة وتشميع الموقع    حبس المتهم بسرقة خلاطات مياه مسجد ببولاق الدكرور    محافظ أسيوط يجري مقابلات لاختيار رؤساء قرى جدد    أسعار المأكولات البحرية والجمبري اليوم الجمعة 31-10-2025 في محافظة قنا    أحمد حسن: فوز بيراميدز على أهلي جدة أربك حسابات المنتخب    بعد تغيير الساعه.. مواقيت الصلاه اليوم الجمعه 31 أكتوبر 2025 فى محافظة بني سويف    دعاء يوم الجمعة المستجاب ..«اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي» (ردده الآن)    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : رحم الله أبى !?    خشوع وسكينة.. أجواء روحانية تملأ المساجد في صباح الجمعة    "التنمية المحلية × أسبوع" نشرة الحصاد الأسبوعي لرصد أنشطة الوزارة    مع بدء تطبيق التوقيت الشتوي.. تعرف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم الجمعة 31 أكتوبر 2025 بمحافظة السويس    سعر الريال السعودي في بداية التعاملات اليوم 31 أكتوبر 2025    الصين: على واشنطن توخي الحذر في الأقوال والأفعال بشأن قضية تايوان    بالصور.. سقوط هادي الباجوري وزوجته خلال رقصهما في حفل زفافهما    لوموند تشيد بالمتحف المصرى الكبير..أكبر صرح فى العالم مخصص لحضارة واحدة    هل اعتزلت حلا شيحة الفن؟..والدها يحسم الجدل    مواعيد مباريات الجمعة 31 أكتوبر - دربي الرياض ومواجهات قوية لحمدي فتحي وكهربا    آدم كايد يغيب عن الزمالك فى السوبر المحلي بالإمارات    ديربي الرياض.. تشكيل الهلال المتوقع أمام الشباب في الدوري السعودي    انطلاق التصويت بانتخابات النادي الأهلي    إصابة ربة منزل وزوجها ونجلهما ب«مادة كاوية» في مشاجرة بالجمالية    وكيلة الصحة بالإسماعيلية تتابع توفير الأدوية بالوحدات الصحية    وزير العمل: افتتاح المتحف المصرى يجسد فخر المصريين بما تحقق من إنجاز حضارى    «زي النهارده».. استقالة مهاتير محمد من حكم ماليزيا 31 أكتوبر 2003    تراجع أسعار الذهب عالمياً في بداية تعاملات الجمعة    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 31 كتوبر    بعد إعلان ترامب.. «فانس» يدافع عن التجارب النووية وبيان مهم ل الأمم المتحدة    «آخره السوبر.. مش هيروح بالزمالك أبعد من كدة».. أحمد عيد عبد الملك يوضح رأيه في فيريرا    هيجسيث يأمر الجيش بتوفير العشرات من المحامين لوزارة العدل الأمريكية    قوات الاحتلال تداهم عددًا من منازل المواطنين خلال اقتحام مخيم العزة في بيت لحم    رئيس مجلس الشيوخ يستقبل محافظ القاهرة لتهنئته بانتخابه لرئاسة المجلس    موعد وشروط مقابلات المتقدمين للعمل بمساجد النذور    ندوة «كلمة سواء».. حوار راقٍ في القيم الإنسانية المشتركة بالفيوم    د.حماد عبدالله يكتب: "حسبنا الله ونعم الوكيل" !!    مش هتغير لونها.. طريقة تفريز الجوافة لحفظها طازجة طوال العام    التخلص من دهون البوتاجاز.. طريقة سهلة وفعّالة لتنظيفه وإعادته كالجديد    بعد معاناة المذيعة ربى حبشي.. أعراض وأسباب سرطان الغدد الليمفاوية    مبادئ الميثاق الذى وضعته روزاليوسف منذ 100 عام!    عندما قادت «روزا» معركة الدولة المدنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسرى النبوءة وأكاذيب اليهود والأمريكيين عن السيد المسيح أنه ولد يهوديًا.. لماذا تضحى أمريكا بمصالحها الاستراتيجية من أجل إسرائيل؟

على مدار الأيام الماضية خرج العديد من التصريحات اللافتة من بعض كبار الساسة الأمريكيين، منهم رئيس مجلس النواب مايك ونسون الذى قال فى تصريح صحفى: إسرائيل حليف حيوى لنا، أعتقد أن معظم الناس يتفهمون ضرورة هذا التمويل (26 مليار دولار لإسرائيل) إنهم يقاتلون من أجل وجودهم.. بالنسبة لنا نحن المؤمنين هناك توجيه فى الإنجيل بأن نقف إلى جانب إسرائيل، وسنفعل ذلك بلا ريب وسينتصرون طالما كنا معهم. لم يكن هذا التصريح الذى يربط السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل بالعقيدة المسيحية البروتستانتية كما أمر بها الإنجيل- وفق اعتقادهم- هو الأول من نوعه هذه الأيام، فبالتزامن مع ذلك استجوب عضو مجلس النواب الأمريكى عن الحزب الجمهورى ريك دبليو. ألين رئيسة جامعة كولومبيا ذات الأصول المصرية نعمت شفيق.
بدا ألين جادا للغاية حين سألَ نعمت: لماذا لا تدعم جامعة كولومبيا إسرائيل بشكل كافٍ؟ لنكن واضحين هذا ميثاق قطعه الرب مع النبى إبراهيم وهذا الوعد واضح للغاية: إذا باركتَ إسرائيل سأباركك، وإذا لعنتَ إسرائيل سألعنك. وأضاف وفى العهد الجديد (الإنجيل) تم التأكيد على أن جميع الأمم ستكون مباركة من خلالك. لذا ألم تكونى تعلمين بهذا؟ رئيسة الجامعة: سمعته من قبل ولكن تم شرحه الآن بشكل أفضل. هو: «جيد أن ذلك يبدو مألوفا لديك. هل تريدين أن تكون جامعة كولومبيا ملعونة من رب الإنجيل؟» فأجابت: «بالقطع لا». يبدو المتابع لهذه التصريحات التى تربط السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل والمنحازة لها بتعاليم الإنجيل على لسان أهم وأكبر النخب السياسية الأمريكية أمرا غريبا صادرا من قلعة العلمانية والرأسمالية العالمية، ويثير كثيرا من الأسئلة أكثر مما يعطى من الإجابات القاطعة حول فهم هذه العلاقة الراسخة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
لقد كتب يوما ريتشارد كورتيز، وهو موظف متقاعد من وزارة الخارجية الأمريكية ورئيس تحرير تقرير واشنطن عن شئون الشرق الأوسط، عن قيمة المساعدات الأمريكية الرسمية وغير الرسمية التى دفعتها أمريكا إلى إسرائيل منذ عام 1948 وحتى 1995م، قائلا: نحن، دافعى الضرائب، نقدم إلى دولة إسرائيل الصغيرة أكثر من 6 مليارات دولار كمساعدات خارجية وعسكرية فى العام. يكمل كورتيز وخلال 46 سنة مضت قدم دافعو الضرائب فى الولايات المتحدة إلى إسرائيل ما مجموعه 62.5 مليار دولار، هذا يعنى أننا أعطينا واحدة من أصغر دول العالم من المساعدات المالية بقدر ما قدمناه إلى دول جنوب الصحراء الإفريقية وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبى مجتمعة، فإن مجموع المساعدات إلى هذه الدول تقدر بحوالى 40 دولارا عن الشخص الواحد، فى حين تساوى المساعدات إلى إسرائيل 10 آلاف و775 دولارا عن الشخص الواحد. منذ عام 1948 وحتى 1995 قدمت أمريكا لإسرائيل مساعدات بقيمة 83 مليار دولار.
لم يذكر كورتيز هذا فقط، بل أكد أن هناك جهات أمريكية أهلية ومسيحية أخرى تقدم هبات إلى إسرائيل غير خاضعة للضرائب، بحيث يصل مجموع الأموال إلى ما يعادل 83 مليار دولار فى الفترة ما بين 1948 وحتى عام 1995، أى ما يعادل أكثر من 14 ألف دولار سنويا من أمريكا لكل شخص إسرائيلى. وبسبب هذا الدعم الضخم المالى والمعنوى من بريطانيا والولايات المتحدة لإسرائيل، وأمام أدلة وبراهين لا تكاد تخطئها عين المراقب تساءلت الصحفية الأمريكية جريس هالسل، التى عملت كاتبة مع الرئيس الأمريكى الأسبق ليندون جونسون فى الستينيات بالبيت الأبيض، عن السر الذى يدفع بلدها إلى التضحية بمصالحها الاستراتيجية إلى هذا الحد من أجل إسرائيل؟ ومن أجل الإجابة عن هذا السؤال بصورة أعمق، وأمام الأدلة المتتابعة التى شاهدتها جريس بنفسها، قررت أن تبحث وتقرأ وتسافر وتلتقى بكل من لديه إجابة على استفساراتها، وقد تمخضت هذه الرحلة الطويلة عن كتابيها: النبوءة والسياسة، الإنجيليون العسكريون فى الطريق إلى الحرب النووية و«يد الله، لماذا تضحى الولايات المتحدة بمصالحها من أجل إسرائيل؟» وهما عملان مهمان يكشفان لنا جانبا أساسيا من جوانب اندفاع العقل الأمريكى الاستراتيجى ناحية إسرائيل بكل حماسة، بل بعمى استراتيجى أحيانا. حتى إن هذا العقل تغاضى عن كثير من جرائم إسرائيل ليس فى حق الفلسطينيين والعرب فقط، بل فى حق أمريكا نفسها حين ضربت إسرائيل السفينة الأمريكية ليبرتى التى كانت راسية فى شرق البحر المتوسط أثناء حرب 1967، ومقتل 34 بحارا أمريكيا على متنها حتى تحقق أهدافها كاملة فى احتلال سيناء والجولان والضفة الغربية وغزة فى سرعة خاطفة، وقد صمتَ الساسة الأمريكيون وعلى رأسهم الرئيس جونسون عن هذه الجريمة وابتلعوها.
وتعود الأسباب الرئيسية إلى العلاقة الثورية التى جاءت بها حركة الإصلاح الدينى فى القرن ال16 فى قلب المسيحية الكاثوليكية فى أوروبا، حين وقف القسيس الألمانى مارتن لوثر فى وجه البابوية فى روما داعيا إلى حركة إصلاح عميقة وثورية فى وجه تغول الكنيسة سياسيا ولاهوتيا، خاصة مع احتكارها لفهم النص المقدس، وعدم قبولها بترجمته أو تأويله إلى اللغات المحلية الأوروبية، ثم بالممارسات التى لا تتطابق مع روح الكتاب المقدس وعلى رأسها غفران الخطايا مقابل صكوك مالية. وكان الكتاب الذى ألفه مارتن لوثر في عام 1523 وعنوانه «عيسى ولد يهوديا» بمثابة إعادة لاعتبار التراث اليهودى فى المسيحية بعد 16 قرنا كان العداء فيها متأصلا بين الفريقين، فقد رأى لوثر أن «الروح القدس أنزل كل أسفار الكتاب المقدس عن طريق اليهود وحدهم.. إن اليهود هم أبناء الله، ونحن الضيوف الغرباء».
ورغم أن لوثر تراجع عن آرائه فى هذا الكتاب، فإن الحركة البروتستانتية قد تشبعت بها، لا سيما مع الفرنسى جون كالڤن، ومع انتشار هذه الآراء فى الجغرافيا الأنجلوساكسونية وتجذرها حتى انفصلت الكنيسة الإنجيلية البريطانية عن روما فى عام 1534. ومع اكتشاف الأمريكيتين فى نهاية القرن ال15 والصراع الدامى الذى وقع بين الإنجليز والفرنسيين والإسبان والهولنديين على أمريكا الشمالية، ثم السيطرة البريطانية شبه المطلقة على أمريكا، أدى ذلك لهجرة البروتستانت بأعداد هائلة تجاه القارة الجديدة التى اتخذوها موطنا، حتى أعلن الأمريكيون استقلالهم عن بريطانيا فى نهاية القرن ال18، فى حين ظلت العقيدة الدينية واحدة.
الحركة البروتستانتية تشبعت بآراء مارتن لوثر التى كتبها فى كتاب «عيسى ولد يهوديا»؛ ويصف بعض مؤرخى الأديان البروتستانتية بأنها حركة «تهويد واسعة للمسيحية»، لأنهم اعتبروا أن فهم واستيعاب العهد الجديد «الإنجيل» لا يحدث دون قراءة وفهم الجذور الموجودة فى «العهد القديم» (التوراة)، وذلك على خلاف القراءة المسيحية القديمة قبل عصر الإصلاح التى كانت ترى أن المسيحية وريثة اليهودية وهى الأجدر بحمل الأمانة التى تخلى عنها اليهود حتى صلبوا المسيح وفقا لاعتقادهم. وتأخذ جريس هالسل هذا الخيط لتصل منه إلى الأسباب الحقيقية التى جعلت أمريكا تتغاضى عن مصالحها الاستراتيجية لصالح إسرائيل إلى هذا الحد الفاضح، فتجد الإجابة فى سيرتها الذاتية الدينية خاصة التى مرت بها منذ الطفولة وحتى الكبر.
ففى الطفولة كانت تستمع إلى المبشِرين وهم يربطون قصص الكتاب المقدس بأعداء الله، وتركيز الإنجيليين خاصة التى كانت تستمع لهم باهتمام حول الإشارات المحددة لأحداث العالم المقبلة، «إنه يتضمن نبوءات تهز الدنيا، فمعركة هرمجدون (وادى مجيدون) فى موقعها، ويمكن أن تقع فى أى وقت لتحقيق نبوءة حزقيال، إنها على استعداد لأن تحدث، فالولايات المتحدة تقع فى هذا المقطع من نبوءة حزقيال، ونحن على استعداد».
ومن أجل فهم هذه العقيدة التى تشكل العقل السياسى الأمريكى المعاصر، سافرت هالسل عدة مرات إلى وادى مجيدو، الذي يقع فى شمال فلسطين المحتلة اليوم، ضمن أفواج دينية من اليمينيين الجدد ممن كان الرعاة الإسرائيليون يستقبلونهم فيها استقبالا لائقا، وقد تعرفت فى تلك الأفواج على العديد من المواطنين الأمريكيين الذين يبدون عاديين ولكنهم فى الوقت نفسه مشبعين بنبوءات الكتاب المقدس ومتحمسين لها. ووفقًا لهذه النبوءة فإن نزول المسيح لتخليص العالم فى نهاية الزمان لن يحدث إلا فى ظل معركة هرمجدون، ولن تحدث هذه المعركة التى يعتقد بعضهم أن المسيح عليه السلام سيقودها، حيث سيقتل فيها نحو 200 مليون إنسان إلا بعد عودة اليهود إلى فلسطين وإنشاء دولتهم القومية، وستكون شرارتها بناء الهيكل على أطلال المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، ذلك أن المسلمين لن يقفوا صامتين أمام هذه الأحداث.
وقد لاحظت جريس أن السبب الرئيسى الذى أدى إلى الانتشار القوى لهذه الأفكار فى القرنين الأخيرين يكمن فى ظهور الحركة المسيحية الإنجيلية القدرية «الجبرية»، وهى الحركة التى فسرت أحداث العالم تفسيرا قدريا جبريا يريده الرب ويأمر به. وكان ظهور ذروة هذه الأفكار على يد القسيس الأمريكى الإنجيلى سايروس سكوفيلد عام 1921 الذى أدخل تأويلاته وملاحظاته على الكتاب المقدس فخرج باسم «الإنجيل المرجع»، وأصبح هذا الإنجيل منذ عام 1909 واحدا من أكثر الأناجيل مبيعا فى العالم، وفيه رأى أن أحداث نهاية العالم كلها تتمحور حول إعادة إسرائيل إلى الوجود، فعلى اليهود أن يفعلوا ما يجب أن يفعلوه حتى يعود المسيح. وإذا نظرنا إلى الأدبيات اليهودية التى تسربت إلى العقيدة الإنجيلية البروتستانتية فسنجد أنها تركزت على 3 نقاط أساسية، تعد هى الأسس التى قامت عليها الصهيونية المسيحية اليهودية فى وقتنا الحاضر، وهى:
أن اليهود شعب الله المختار وأنهم يكونون بذلك الأمة المفضلة على كل الأمم. وأن ثمة ميثاقا إلهيا يربط اليهود بالأرض المقدسة فى فلسطين وهو ميثاق سرمدى أبدى. وربط الإيمان المسيحى بعودة السيد المسيح، وعودته لن تتم إلا بقيام دولة إسرائيل أى بتجميع اليهود فى فلسطين.ويؤرخ أستاذ الدراسات الدينية والأمريكية «بول ميركلى» فى كتابه «الصهيونية المسيحية 1891-1948» أولَ لقاء جمع بين ممثلى الفريقين الأكثر شهرة فى عام 1896، أى بين مؤسس الحركة الصهيونية اليهودى النمساوى ثيودور هرتزل والقس الإنجيلكانى البريطانى الألمانى الأصل وليام هنرى هتشلر، قسيس السفارة البريطانية فى ڤيينا. لقد قابل هتشلر هرتزل لأول مرة فى مارس من نفس العام، وقدم إليه نفسه بطريقة غريبة حين قال: «ها أنذا» فرد عليه هرتزل: «يمكننى أن أرى ذلك، ولكن من أنت؟» رد هتشلر: «ستصاب بالحيرة إذا علمت أننى تنبأت منذ زمن طويل يعود إلى عام 1882 بمجيئك إلى أمير بادن فى ألمانيا، وها أنذا الآن مقبل على مساعدتك».
لقد تأثر هرتزل بهذا القسيس الإنجيلكانى، بأسلوبه وحديثه، وبعلاقاته القوية بالأمراء الألمان لأنه كان أستاذا لأمير بادن وأبنائه، ومن ثم فهو من سيفتح له الأبواب المغلقة للوصول إليهم، ووصوله إليهم سيمكنه من إقناعهم، وهم أى الألمان حلفاء العثمانيين المسيطرين على فلسطين. لقد زار هرتزل فيما بعد القس هتشلر فى بيته، ورأى منه حماسة منقطعة النظير فى عودة اليهود إلى الأرض المقدسة، كتب هرتزل يقول: «أمس الأحد بعد الظهر زرت القس هتشلر.. الغرفة التى دخلتها فى بيته كانت جدرانها مغطاة بالكتب من الأرض إلى السقف، لا شىء إلا كتب الأناجيل. يكمل هرتزل قوله «وقد أطلعنى السيد هتشلر على كنوزه الكتابية وخريطة فلسطين آخر الأمر، إنها خري»طة أركان عسكرية كبيرة مؤلفة من 4 قطع غطت أرضية الغرفة كلها عندما نشرت، دلنى على المكان الذى يجب أن يقع فيه هيكلنا الجديد وفقا لحساباته، إنه موقع بيت إيل، لأنه مركز البلاد، أطلعنى أيضا على نماذج الهيكل القديم قائلا: لقد أعددنا الأرض لكم». يرى بول ميركلى أن هذا اللقاء يعد الأساس المبكر لنشأة وتحالف الصهيونية اليهودية المسيحية المعاصرة فى الأعوام الأخيرة من القرن ال19، وهو لقاء كان له ما بعده، فقد تأثر كبار الساسة البريطانيين ثم الأمريكيين فيما بعد بهذه الأفكار وسعوا لتطبيقها، وقد رأينا دعم بريطانيا لهجرة اليهود إلى فلسطين ومدهم بالسلاح والعتاد طوال سنوات احتلالهم منذ 1917 وإلى عام 1948 وما بعدها.
حتى إن رئيس وزراء إسرائيل الحالى بنيامين نتنياهو ألقى خطابا فى فبراير عام 1985، وكان سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة وقتها، يعترف فيه بهذه الحقيقة قائلا: إن كتابات المسيحيين الصهيونيين من الإنجليز والأمريكيين أثرت بصورة مباشرة على تفكير قادة تاريخيين مثل لويد جورج رئيس الوزراء البريطانى وآرثر بلفور وزير الخارجية البريطانى وودرو ويلسون الرئيس الأمريكى فى بداية هذا القرن العشرين . يسترسل نتنياهو «إن حلم اللقاء العظيم أضاء شعلة خيال هؤلاء الرجال الذين لعبوا دورا رئيسيا فى إرساء القواعد السياسية والدولية لإحياء الدولة اليهودية.. لقد كان هناك شوق قديم فى تقاليدنا اليهودية للعودة إلى أرض إسرائيل، وهذا الحلم الذى يراودنا منذ 2000 سنة تفجر من خلال المسيحيين الصهيونيين.
ترصد هالسل فى كتابها «النبوءة والسياسة» مدى تغلغل النبوءات التوراتية المتعلقة بيأجوج ومأجوج وتفسيرها عند الإنجيليين المعاصرين بأنها روسيا، ومعركة هرمجدون التى ستقع فى وادى مجدون شمال فلسطين المحتلة بقيادة المسيح ضد أعدائه، وكذلك مفهوم أعداء الرب أو أعداء إسرائيل وغيرها من المصطلحات الدينية الأخرى لدى النخبة السياسية الأمريكية، وعلى رأسهم الرؤساء جيمى كارتر ورونالد ريجان وجورج بوش الأب وكلينتون وغيرهم. على سبيل المثال، فى وقت مبكر من عام 1986 بعد حادثة تفجير طائرة ركاب أمريكية فوق قرية لوكيربى الأسكتلندية وضلوع نظام الزعيم الليبى الراحل معمر القذافى فى ذلك الوقت، تقول هالسل: أصبحت ليبيا العدو الدولى رقم واحد لرونالد ريجان.. كره ريجان ليبيا لأنه رآها واحدة من أعداء إسرائيل الذين ذكرتهم النبوءات وبالتالى فإنها هى عدو لله». وكما تروى هالسل نقلا عن الرئيس الأسبق لمجلس الشيوخ فى ولاية كالفورنيا جايمس ميلز أنه جمعه لقاء برونالد ريجان فى عام 1971 قبل أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة، «بدأ ريجان فجأة يتحدث إلى ميلز حول النبوءات الإنجيلية، وحول حتمية مقاتلتنا للاتحاد السوڤيتى (يأجوج ومأجوج) فى الكتاب المقدس». ويذكر ميلز هذا الحادث فى عدد أغسطس 1985 من مجلة سان دييجو ويقول: إن ريجان أخبره بتأكيد جازم: فى الفصل 38 من إصحاح حزقيال هناك نص يقول إن أرض إسرائيل سوف تتعرض إلى هجوم تشنه عليها جيوش تابعة إلى دول لا تؤمن بالله. وتقول إن ليبيا ستكون من بينهم، هل تفهم ماذا يعنى ذلك؟ لقد أصبحت ليبيا الآن شيوعية وهذا مؤشر إلى أن يوم هرمجدون ليس ببعيد». وتشير هالسل أيضا إلى أنه فى بعض خطابات الرئيس الأمريكى جيمى كارتر سنجد التأثر نفسه بالنبوءات التى آمن بها ريجان من بعده حين يقول: يعنى خلق إسرائيل عام 1948 العودة أخيرا إلى أرض الميعاد التى أخرج منها اليهود منذ مئات السنين، إن إقامة الأمة الإسرائيلية هو تحقيق للنبوءة التوراتية والتنفيذ الجوهرى لها. وترصد هالسل فى كتابها الآخر يد الله أبرز الجماعات المسيحية اليمينية الإنجيلية فى الولايات المتحدة ومظاهر تأييدها لإسرائيل ماليا وخطابيا وسياسيا، واللوبى القوى الذى أنشأته مع إسرائيل ويهود أمريكا.
وترى أن العلاقات التى جمعت بين الطرفين كانت تزداد متانة بمرور الزمن، وقد برز ذلك فى اللقاءات الكنسية والتلفزيونية الأسبوعية التى كان يقيمها أشهر القساوسة الأمريكيين فى ذلك الوقت، وكان على رأسهم جيرى فالويل عام 2007 الذى أهدى له الإسرائيليون طائرة نفاثة فى سبعينيات القرن الماضى، واستضافوه فى الجولان وأنشأوا غابة باسمه فيها. فى الكتاب ترصد هالسل تنظيمات الجماعات المسيحية اليمينية الإنجيلية التى تغلغلت فى الانتخابات الأمريكية المختلفة وتوضح هالسل أن فالويل كان فى المقابل يدعمهم بصورة مطلقة بخطاباته وكتبه بل وجمع التبرعات لهم، وأصبح دوره كبيرا لدرجة أن رؤساء الوزراء الإسرائيليين، مثل نتنياهو، كانوا يحرصون على زيارته كلما زاروا الولايات المتحدة.
كما ترصد الكاتبة تنظيماتهم السياسية التى تغلغلت فى الانتخابات الأمريكية المختلفة فى السنوات الأخيرة، وتصل فى النهاية إلى أن النبوءات التوراتية أصبحت تطغى على قضية «المسيح» ومركزيته فى الفكر المسيحى القدرى/ الجبرى الذى أصبح يهيمن على المشهد الأمريكى السياسى والدينى. مما سبق يمكننا فهم سؤال مقالنا عن الأسباب الكامنة التى تجعل نخبة الولايات المتحدة السياسية تتغاضى عن مصالحها الحيوية فى الشرق الأوسط من أجل دعم إسرائيل دعما مطلقا، والحق أن هذه الإجابة لا تقف عند الأبعاد الكامنة فى العلاقة الدينية الوثيقة التى جمعت الصهيونية المسيحية بالصهيونية اليهودية كما رأينا، وإنما تجمعها أيضا التقاء المصالح السياسية والإستراتيجية والاقتصادية والتاريخية وهى أمور لا يمكن التغاضى عنها.
2
3


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.