«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شبه الجزيرة الكورية من وجهة نظر المصالح الدولية
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 28 - 04 - 2024

تعد العلاقات بين «كوريا الشمالية»، «وكوريا الجنوبية» من بين أكثر العلاقات الدراماتيكيةً على الساحة الدولية، إذ تشهد شبه الجزيرة الكورية منذ فترة طويلة نزاعًا دائمًا، يهدأ تارة ويشتعل تارة أخرى.
فبعد نهاية الحرب الكورية فى عام 1953، التى كانت واحدة من أكثر الصراعات تدميرًا فى القرن العشرين، استمر التوتر بين البلدين، رغم محاولات السلام الفاشلة، ما أدى إلى تفاقم الأزمة، وزيادة القلق الدولى بشأن استقرار شبه الجزيرة الكورية.
وخلال العشر سنوات الماضية، شهدت العلاقات بين البلدين أحداثًا دراماتيكية وتطورات مهمة، كانت تهدف جميعها لإدارة الأزمة باستخدام الوسائل المختلفة، وصولًا إلى تفاقم الأوضاع بين البلدين، وتحديدًا فى عام 2023، ومطلع 2024.
وبعد أكثر من 70 عامًا من الهدنة، لا يزال السلام فى شبه الجزيرة الكورية بعيد المنال.
وفى هذا التقرير، تستعرض صفحات مجلة «روزاليوسف» العلاقات بين الكوريتين خلال العقد الماضى، حيث طرأت عدة تغيرات فى المشهد على مستوى الدولتين، وعلى الساحة الدولية، بصورة أثرت فى مختلف مراحل الأزمة بين الكوريتين؛ وذلك إلى جانب تسليط الضوء على السبيل الذى اتبعته «سول»، و«بيونج يانج» لإدارة الأزمة بينهما، وتحديداً خلال آخر ثلاث سنوات التى تصاعدت فيها التوترات بينهما؛ فضلاً عن التركيز على دور الأطراف الدولية فى هذه القضية، ومناقشة أبرز السيناريوهات المتوقعة فى المستقبل القريب.

سياسة تكوين الأحلاف بين معسكرى (الشرق) و(الغرب) .. منافسة القوى العالمية فى إدارة الأزمة الكورية

منعطف فى غاية الخطورة صارت شبه الجزيرة الكورية تقف عنده، جراء التوترات المتزايدة، والمعقدة، التى تسود مشهد العلاقات السياسية بين الكوريتين..فخلال الشهور القليلة الماضية، وصل سوء العلاقات بين البلدين لذروته جراء عدة أسباب، وعلى رأسها التصعيد المتبادل، وتحديدًا من قبل «بيونج يانج»، التى زادت من وتيرة اختبارات صواريخها الباليستية.

فصار لا يمر أسبوع إلا وتعلن «سول» عن إطلاق جارتها الشمالية صواريخ باليستية.. وكان أحدثها ما أعلنته «كوريا الجنوبية»، واليابان»، يوم الإثنين الماضى، أن «كوريا الشمالية» أطلقت صاروخًا بالستيًا. حيث قالت هيئة الأركان المشتركة الكورية الجنوبية، إن: ««كوريا الشمالية» أطلقت صاروخًا غير محدد فى اتجاه بحر الشرق (بحر اليابان)».
بدورها، أوضحت وزارة الدفاع اليابانية أن صاروخًا بالستيًا تم إطلاقه من «كوريا الشمالية»، ونقلت عن خفر السواحل اليابانيين قوله، إن: «الصاروخ سقط فى البحر على ما يبدو».
إن ما آلت إليه الأمور بين الكوريتين فى الوقت الراهن، ليس وليد اللحظة بالطبع، إنما هو نتاج سنوات من انعدام الثقة المتبادل، جراء التدخلات الخارجية فى المقام الأول، إلى جانب عدة أسباب متراكمة ومتشابكة.
خلفية العلاقات بين الكوريتين
فى 27 يوليو 1953، وقع القادة العسكريون من «الولايات المتحدة، وكوريا الشمالية، والصين» اتفاقية هدنة أنهت الأعمال العدائية للحرب الكورية؛ واتفق الطرفان (كوريا الشمالية والجنوبية) على الوقف الكامل للأعمال العدائية، ولجميع أعمال القوة المسلحة، حتى يتم التوصل إلى تسوية سلمية نهائية؛ كما أوصوا بعقد مؤتمر سياسى فى غضون ثلاثة أشهر من تاريخه، من أجل التسوية السلمية للمسألة الكورية. ولكن، بعد أكثر من 70 عامًا من الهدنة، لا يزال السلام فى شبه الجزيرة الكورية بعيد المنال، رغم محاولات السلام الفاشلة، حيث يظل اتفاق الهدنة الآلية الوحيدة الملزمة قانونًا التى تحافظ على السلام، رغم عدم استقراره فى شبه الجزيرة.
فى عام 2017، اقتربت شبه الجزيرة الكورية من الحرب أكثر من أى وقت مضى.. حيث هددت «كوريا الشمالية»، «كوريا الجنوبية، والولايات المتحدة» بضربة نووية استباقية وحرب إبادة، ما دفع «واشنطن» لترد بتهديدات سميت ب(النار والغضب)، وعمليات (قطع الرأس).
ومع ذلك، تغيرت الصورة العدائية –فجأة- عندما أدت سلسلة من مؤتمرات القمة بين زعماء «الولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية، وكوريا الشمالية» فى عام 2018 إلى رفع التوقعات بشأن عملية لبناء نظام سلام، حيث قررت حكومة الرئيس الكورى الجنوبى «مون جاى إن» –منذ توليها فى عام 2017 حتى 2022 استغلال رغبة «كوريا الشمالية، والولايات المتحدة» –تحت قيادة الرئيس الأمريكى السابق «دونالد ترامب» (2017-2021) –بوقف التصعيد، وسياسات «ترامب» غير التقليدية لتشجيع (قمة سنغافورة) التاريخية، باعتبار أنها خطوات مثّلت أفضل فرصة منذ عقدين من الزمن، للتوصل إلى اتفاق بشأن العلاقات بين «واشنطن، وبيونج يانج»، ما سيسفر عن تهدئة مع «سول».
ولكن، بعد فشل «الولايات المتحدة، وكوريا الشمالية» فى التوصل إلى اتفاق فى العاصمة الفيتنامية «هانوى» فى فبراير 2019، عاد الوضع الأمنى فى شبه الجزيرة الكورية إلى طبيعته المعتادة من المواجهة والصراع، إلا أنه أصبح أسوأ بكثير عن السنوات التى سبقت ذلك، بسبب الديناميكيات المتطورة للأسلحة النووية.
وبعدها، تدهورت العلاقات بين الكوريتين لأدنى مستوياتها، إذ اتخذت «بيونج يانج» عدة خطوات فى عام 2023، تشير إلى تغير نواياها تجاه الجنوب، وأنها لم تعد تعتبر (التوحيد) هدفها؛ وظهر هذا النهج بوضوح فى خطاب الزعيم الكورى الشمالى «كيم جونج أون» فى ديسمبر 2023، حين قال، إن: «بلاده لن تسعى -بعد الآن- إلى المصالحة والتوحيد مع «كوريا الجنوبية» واصفًا إياها بدولة (معادية).
من جانبها، تبنت حكومة «كوريا الجنوبية»–أيضًا- نهجًا أقل تسامحًا تجاه الشمال مقارنة بالسنوات الأخيرة، وتحديدًا منذ تولى إدارة الرئيس الكورى الجنوبى «يون سوك يول» إدارة البلاد فى شهر مايو 2022.. حيث قالت «سول» فى 8 يناير 2024، إنه: «لم تعد هناك منطقة عازلة مع «كوريا الشمالية» ، وذلك بعد أن شارك البلدان فى تدريبات بالذخيرة الحية، بالقرب من حدودهما البحرية المتنازع عليها، خط الحد الشمالى وعليه، صارت شبه الجزيرة الكورية تقف عند منعطف حرج منذ مطلع عام 2024، منذ أن انخرط زعيما الكوريتين فى حرب كلامية وأفعال متبادلة تأرجحت بين التهديد والتحذير، وبلغت ذروتها حين قال «كيم جونج أون»، إن «كوريا الشمالية» لن تتردد فى إبادة الجنوب بالكامل إذا تم استفزازها. وفى الوقت نفسه، تعهد الرئيس الكورى الجنوبى بمعاقبة جارته الشمالية -عدة مرات- إذا هاجمت بلاده.
إدارة الأزمة بين الكوريتين
اتبعت «كوريا الشمالية» وجارتها الجنوبية سياسات مختلفة فى إدارة تطورات الأزمة الأخيرة بينهما، وتحديدًا منذ منتصف عام 2022 حتى الآن، اتسمت فى أغلبها بالعدائية، والتهديدات المتبادلة، وتكوين الأحلاف، فى محاولة لردع الدولة الأخرى والضغط عليها، انطلاقًا من عقيدة (الحرب من أجل السلام).
فتبنت «كوريا الشمالية» (سياسة العزلة والعداء تجاه «كوريا الجنوبية»)، جراء فشل مفاوضات السلام بينهما، وتوطيد «سول» لعلاقتها مع «واشنطن»، ما أدى لتصاعد التوترات على المستوى السياسى والعسكرى بين البلدين.
كما قامت «بيونج يانج» ب(زيادة القدرات العسكرية، وتجارب الصواريخ الباليستية، وتطوير الصواريخ النووية)، بشكل غير مسبوق خلال آخر ثلاث سنوات، بما فى ذلك: إطلاق قمر صناعى عسكري، واختبار صاروخ باليستى عابر للقارات، وإطلاق نيران المدفعية على طول خط الحد الشمالي، فضلًا عن إطلاق عشرات الصواريخ الأخرى قصيرة ومتوسطة المدى وغيرها.
وكانت تلك الخطوة تسعى لتحقيق عدة أهداف، وعلى رأسها: تطوير قدراتها الصاروخية والعسكرية الكورية الشمالية لردع الخصوم، حال نشوب صراع محتمل؛ واللعب بورقة التهديدات لتعزيز قدراتها التفاوضية، ولتصبح وسيلة للضغط على «كوريا الجنوبية» والمجتمع الدولى، ولدفع «الولايات المتحدة» على تقديم تنازلات، من أجل تخفيف العقوبات المفروضة على «بيونج يانج».
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ وظفت «كوريا الشمالية» (المتغيرات الدولية لتحقيق مكاسب اقتصادية وعسكرية)، حيث انتبهت كسائر دول العالم أنها أمام بيئة إقليمية متغيرة، ونظام دولى يتغير شكله مع صعود بعض القوى على الساحة.
وعليه، اختارت «كوريا الشمالية» كتلة (الشرق) المتمثلة فى «روسيا» والصين»، فى مواجهة كتلة (الغرب) بقيادة «الولايات المتحدة»، التى تدعم «كوريا الجنوبية».
فى المقابل، قامت «كوريا الجنوبية» ب(تغير نهجها التعاونى إلى نهج تنافسى)، وتحديدًا عقب تولى إدارة الرئيس الكورى الجنوبى «يون سوك يول» شئون البلاد فى شهر مايو 2022.. فعلى سبيل المثال: قامت «سول» بتعليق جزئى للاتفاقية العسكرية الشاملة لعام 2018 مع «بيونج يانج»، بعد أن عملت فى إدارة الرئيس الكورى الجنوبى السابق «مون جاى إن» على إقامة قنوات اتصال مباشرة مع «كوريا الشمالية»، لتخفيف التوترات والتواصل المباشر بين البلدين.
كما صعد الجيش الكورى الجنوبى من تهديداته لنظيره الشمالي، كرد على اختبارات إطلاق الصواريخ والتدريبات العسكرية الكورية الشمالية، حيث أطلق الجيش الكورى الجنوبى أكثر من 400 طلقة مدفعية جنوب خط الحدود الشمالى مباشرة فى يناير 2024، كرد على التدريبات العسكرية الكورية الشمالية بالقرب من الحدود الجنوبية.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أصرت «كوريا الجنوبية» على (زيادة التحالف مع الدول الغربية)، وتحديدًا «الولايات المتحدة»، وحلفاءها الآسيويين، لهدفين، أولهما: هو تعزيز القدرات العسكرية، ومستوى الجاهزية، عبر توسيع الاستثمار فى النظام الدفاعي، المكون من ثلاثة محاور، وهى: (الضربة الاستباقية، والدفاع الصاروخى، ومفهوم «العقاب والانتقام الشامل)؛ ثانيهما: هو ردع «كوريا الشمالية» تحديدًا، عبر تسليط الضوء على الدفاع المشترك الذى تتمتع به «سول، وواشنطن»، حال تفكير «بيونج يانج» على الإقدام على ضربة استباقية.. فعلى سبيل المثال: تزايدت المناورات بين «كوريا الجنوبية، والولايات المتحدة» خلال السنوات الثلاث الماضية، وكان أحدثها المناورات التى نفذت فى 19 أبريل الماضى، حيث نفذ الجيش الكورى مناورات جوية مع القوات الجوية الأمريكية.
دور الأطراف الدولية فى إدارة الأزمة
لعبت عدة دول على الساحة الإقليمية لشبه الجزيرة الكورية، والساحة الدولية، دورًا فعالًا فى إدارة الأزمة بما تخدم مصالحها، ما كان له تأثير واضح على الأزمة الكورية، وعلى الأوضاع فى المنطقة ككل، ومنها:

روسيا
تلعب «روسيا» دورًا فى الأزمة الكورية، رغم أن تأثيرها قد يكون أقل بعض الشىء، مقارنة بدولتى «الولايات المتحدة»، و «الصين».
فقبل أى شىء، تعد «روسيا» عضوًا فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كما تملك استخدام حق النقض (فيتو)، والذى تستخدمه، من أجل عرقلة فرض أى عقوبات على «كوريا الشمالية».
كما تمتلك «روسيا» علاقات دبلوماسية وعسكرية مع «كوريا الشمالية»، تثير مخاوف الدول الغربية، إذ يعتبرون أن «موسكو» يمكنها أن تعزز أسلحة الدمار الشامل الكورية الشمالية، والقوات التقليدية.
كما أثار تحرك السكك الحديدية، والسفن المتزايدة عبر الحدود بين «روسيا»، و «كوريا الشمالية»، الشكوك حول زيادة عمليات نقل الأسلحة بين البلدين، ما دفع «الولايات المتحدة» لوصف مستوى التعاون العسكرى بين «موسكو، وبيونج يانج» بأنه «غير مسبوق»؛ محذرة من أنه قد يغير طبيعة التهديد فى المنطقة بشكل جذرى.
الصين
تظل «الصين» فاعلًا مهمًا قويًا وفعالًا على الساحة الدولية، حيث تمتلك القدرة على ممارسة الضغط على النظام الشمالي، لتحقيق التقدم فى مفاوضات السلام، وتقديم التنازلات.
ومع ذلك، تتبنى «بكين» سياسة الاستقرار فى المنطقة، وتفضل حل الأزمة عبر الحوار والمفاوضات السلمية بين الكوريتين والدول الإقليمية.
كما تعارض «الصين» بشدة أى تصعيد عسكرى قد يؤدى إلى اضطرابات فى شبه الجزيرة الكورية؛ مثلما ترفض الضغط «كوريا الشمالية» لتقديم تنازلات.
وتعد «الصين» مؤثرة فى المشهد الكورى لعدة أسباب، ومنها: كونها عضوًا أساسيًا فى مجلس الأمن، وتمنع –إلى جانب «روسيا» - فرض أى عقوبات على «كوريا الشمالية»؛
كما تعد أكبر شريك اقتصادى بالنسبة لكوريا الشمالية.
وتعد «بكين» –أيضًا- حليفًا استراتيجيًا لبيونج يانج، إذ تعد «كوريا الشمالية» الدولة الوحيدة التى أبرمت معها «الصين» معاهدة دفاع مشترك، ما يعنى أن تورط «بيونج-يانج» فى حرب يدفع «بكين» للدفاع عنها، وهو ما تضعه «واشنطن» –الداعمة لسول- فى الحسبان.
الولايات المتحدة
إن دور «الولايات المتحدة» فى شبه الجزيرة الكورية لا يتوقف عن تكثيف حجم المناورات مع حليفتها «كوريا الجنوبية» فحسب، بل تعد «واشنطن» لاعبًا رئيسيًا آخر مؤثرًا فى الأزمة الكورية، لعدة أسباب، ومنها: تاريخها الطويل من التدخل فى منطقة شبه الجزيرة الكورية؛ إلى جانب وجود القوات الأمريكية العسكرية فى «كوريا الجنوبية»، حيث تعتبر «واشنطن»، «سول» حليفًا استراتيجيًا، وتلتزم بحمايتها من التهديدات الشمالية؛ ناهيك عن كون عضوية «الولايات المتحدة»بمجلس الأمن يمتلك حق النقض (فيتو).
اليابان
فى الشهور الأخيرة، برز دور «اليابان» فى محاولة للعب دور فى الأزمة بين الكوريتين، حيث تركز دورها على تعزيز التعاون الأمنى مع «الولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية»، وذلك لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة من «كوريا الشمالية».
وشمل ذلك تعزيز القدرات الدفاعية لليابان، وتعاونها الوثيق مع القوات الأمريكية المتمركزة فى البلاد، بما فى ذلك: من خلال تطوير نظام الدفاع الصاروخي، وتحسين التنسيق العسكرى.
وفى الوقت ذاته، عملت «اليابان» -على الصعيد الدبلوماسي- على تعزيز الجهود الدولية للضغط على «كوريا الشمالية» للالتزام بالقرارات الدولية، والتخلى عن برنامجها النووى والصاروخي؛ كما تحث «طوكيو» جارتها «بيونج-يانج» على فتح سبيل للحوار والتشاور، إذ اقترح رئيس الوزراء اليابانى «فوميو كيشيدا»، فى 25 مارس 2024، عقد لقاء قمة مع الزعيم الكورى الشمالى «كيم جونج أون» لحل الأزمة بين الكوريتين، وخفض التصعيد فى المنطقة.
كما تسعى «اليابان» –أيضًا- إلى تعزيز الحوار مع «كوريا الجنوبية»، والدول الأخرى فى المنطقة، من أجل تحقيق الاستقرار والسلام فى شبه الجزيرة الكورية.

دول جنوب شرق آسيا (آسيان):
تبرز رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) كلاعب محورى فى نزع فتيل التوترات فى شبه الجزيرة الكورية، بسبب نفوذها الإقليمى ومكانتها الدبلوماسية.
وباعتبارها منظمة ذات ثقل، تتمتع الرابطة بثقة الكوريتين، الأمر الذى يوفر منصة محايدة للحوار.
ومن خلال الاستفادة من القنوات الدبلوماسية لرابطة (آسيان)، والدور الذى تلعبه «إندونيسيا» كوسيط، فإن الجهود التعاونية من الممكن أن تمتد إلى ما هو أبعد من المناقشات السياسية.
ويعتقد بعض المحللين السياسيين أنه من الممكن أن ترسى المبادرات التى تركز على المساعدات الإنسانية، والتبادل الثقافي، والتعاون الاقتصادى الأساس لبناء الثقة، مما يمهد الطريق أمام حوارات سياسية أكثر جوهرية وبناءة فى المستقبل.
التحديات التى تحول دون حل الأزمة
هناك العديد من التحديات والاعتبارات، التى تعمل على تعقيد الجهود الرامية إلى نزع فتيل التوترات فى شبه الجزيرة الكورية، ومنها: التوترات السياسية والتاريخية بين الكوريتين، التى تعود إلى فترة الحرب الكورية، والانقسام الناتج عنه، مما يجعل الحلول السلمية للأزمة أكثر تعقيدًا، ومنها:
انعدام الثقة العميق الناشئ عن العداوات التاريخية، والاختلافات الأيديولوجية بين الكوريتين، ما يستلزم بذل جهود مستدامة، ومدروسة، من أجل بناء الثقة والتفاهم المتبادلين؛ التدخلات الخارجية، حيث تتعرض الأزمة بين الكوريتين لتدخلات من قبل القوى الإقليمية والدولية، جراء الجغرافيا والبيئة السياسية التى تمتع بها شبه الجزيرة الكورية، ما يجعل المنطقة محورًا للمصالح الإقليمية والدولية، ويعقد الأوضاع بين البلدين، ويجعل من الصعب تحقيق التوافق على الحلول السلمية.
أبرز السيناريوهات المتوقعة، رغم وجود عدد من السيناريوهات المتوقعة لمستقبل الأزمة بين الكوريتين، إلا أن أغلبها تمحور حول 3 سيناريوهات أساسية تتباين احتمالات حدوثها، فى ظل بيئة دولية متغيرة، وهى:
سيناريو استمرار التوترات وزيادة التصعيد العسكرى
وهو السيناريو الذى من المحتمل أن تتخذ الأزمة العسكرية شكل عمل عسكرى محدود فى البداية من جانب «بيونج يانج» ضد «سول».. مثل هجوم فى (البحر الأصفر)، ومهاجمة الجزر المتنازع عليها بنيران المدفعية الصاروخية، نظرًا لقربها الجغرافى من «كوريا الشمالية» ووجود مدنيين.
فى هذا السيناريو، سيكون جيش «كوريا الجنوبية» فى حالة تأهب قصوى، تحسبًا لهجوم آخر من قبل الشمال، ويستعد للانتقام من خلال إجراء عمليات إطلاق خاصة به.
ومن شأن مثل هذا السيناريو أن يؤدى للتأثير على العمليات والسفر فى «آسيا»، ويشمل ذلك: تعليق القطارات المحلية، وإغلاق المواقع السياحية، واحتمال تأخير وإلغاء الرحلات الجوية؛ وتقلبات فى الأسواق المالية، والعملات المحلية والمؤشرات.
فى حال أسوأ السيناريوهات، (وهو عدم احتواء التصعيد)، أن يؤدى ذلك إلى تدخل القوى الكبرى التى تعهدت بالدفاع عن حلفائها فى المنطقة، ما قد يؤدى لحرب عالمية دامية.
احتمالات هذا السيناريو
تعد احتمالات هذا السيناريو (متوسطة إلى ضعيفة).
فبالنسبة إلى الجزء الخاص ب(اتخاذ الأزمة العسكرية شكل عمل عسكرى محدود) فهو متوسط الحدوث، نظرًا لعدم احتواء التصعيدات الجارية بين البلدين المدعومتين بأحلاف متنافسة.
كما هناك سابقة لهذا السيناريو، فى عام 2010، عندما أطلقت «كوريا الشمالية» نيران المدفعية على جزيرة «يونبيونج»، ما أسفر عن مقتل جنديين ومدنيين اثنين. وردت «كوريا الجنوبية» –حينها- بإطلاق نيران المدفعية باتجاه «كوريا الشمالية».
وعليه، فإنه من المحتمل أن يتضمن النصف الثانى من عام 2024 المزيد من الأعمال الاستفزازية من كلا الجانبين.
أما فيما يخص (عدم احتواء التصعيد العسكرى بين الكوريتين، وتدخل القوى الكبرى فى مواجهة مباشرة)، مايسفر عن احتمالية حرب عالمية، فهو سيناريو (ضعيف) فى عام 2024 لعدة أسباب، ومنها:عدم رغبة «الولايات المتحدة»، و «الصين» فى الدخول فى مواجهات عسكرية مباشرة فى الوقت الحالي؛وعدم رغبة القوى الكبرى فى اشتعال منطقة أخرى بالحروب، نظرًا لانشغالهم بالحرب الروسية الأوكرانية، والعدوان الإسرائيلى على غزة، والتصعيد المتنامى فى الشرق الأوسط بين إيران وإسرائيل؛ انشغال أغلب دول العالم، وعلى رأسها «الولايات المتحدة» نفسها بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر عقدها فى نوفمبر 2024؛ وانشغال «الصين» بالنزاعات مع «الفلبين» على بحر الصين الجنوبى؛ وانشغال «الولايات المتحدة»، و «الصين» بأزمة «تايوان»؛ والعواقب الإنسانية والاقتصادية الكبرى التى قد يترتب على مثل هذا الإجراء. فالحرب لا تزال غير محتملة إلى حد كبير بين كوريا الشمالية والجنوبية، تحديدًا فى عام 2024.
سيناريو تحسن العلاقات
وصولًا لتحقيق السلام عبر المفاوضات
وهو السيناريو الذى تصل فيه الكوريتان لإبرام معاهدة سلام، وإنهاء عقود من الحروب والنزاع، عبر المفاوضات، والوسائل السلمية، والطرق الدبلوماسية، وقد ينفذ هذا السيناريو من خلال:نجاح «اليابان» فى التوصل لاتفاق مع الكوريتين على التهدئة؛ أو من خلال ضغط «الصين» على «كوريا الشمالية»؛ أو تحرك فعال لمنظمة (آسيان)؛ أو بقرار من «الولايات المتحدة» بإعطاء «كوريا الشمالية» بعض الحوافز المرضية للجلوس على طاولة المفاوضات وتحقيق خطوات ملموسة للسلام.
احتمالات هذا السيناريو
تعد احتمالات هذا السيناريو (ضعيفة)، لكثرة التدخلات الخارجية فى تلك الأزمة، حيث ترغب كل دولة فى تحقيق مصالحها الخاصة مع إحدى الكوريتين، ما يحول دون الوصول لحل الأزمة، وتشجيع الكوريتين على الجلوس على طاولة المفاوضات. ورغم تغير المشهد فى عام 2017، عندما قررت «الولايات المتحدة» تقديم تسهيلات لكوريا الشمالية، ومحاولة تقريب وجهات النظر بين الكوريتين عبر طاولة المفاوضات، فإن السياسة الأمريكية فى عهد الرئيس «جو بايدن» تغيرت بشكل جذرى، وفى حال إعادة انتخابه مرة أخرى فى نوفمبر 2024 فمن المتوقع أن يستمر نفس النهج الأمريكى
سيناريو تواصل الاستفزازات بين الكوريتين دون اندلاع حرب عسكرية
وفى هذا السيناريو يبقى الوضع على ما هو عليه لشهور أطول، عبر مواصلة «كوريا الشمالية» لتهديداتها، وتصريحاتها بشن مواجهات عسكرية، ومواصلة اختبارات الصواريخ الباليستية وتطوير القدرات النووية، وحتى بعض الهجمات السيبرانية، دون التورط فى حرب عسكرية مباشر.
وفى المقابل، ترد «كوريا الجنوبية» على تلك الاستفزازات بمزيد من المناورات مع «الولايات المتحدة»، وتكوين وتعزيز المزيد من الأحلاف فى محاولة لردع أى تحرك استباقى محتمل من «بيونج يانج»، فضلًا عن تعزيز القدرات الدفاعية الكورية الجنوبية.
احتمالات هذا السيناريو:
من المتوقع أن يكون هذا السيناريو (قويًا)، والأكثر ترجيحًا طوال عام 2024، نظرًا لعدم رغبة العديد من الدول فى اشتعال منطقة أخرى، خاصة مع تلويح «كوريا الشمالية» باستخدام النووى حال خروج الأزمة عن نطاق السيطرة، ما قد يسفر عن تداعيات مأساوية تستمر لعقود مقبلة.
فى النهاية، تعتبر الأحداث التى تشهدها شبه الجزيرة الكورية من بين الأحداث الأكثر دراماتيكية على الساحة العالمية.
إن احتمال نشوء محور متنامٍ بين «كوريا الشمالية، وروسيا، والصين» لن يؤدى إلا إلى تشجيع الزعيم الكورى الشمالى «كيم جونج أون» على تعزيز الموقف الجيوستراتيجى لبلاده.
ومن ناحية أخرى، قد يؤدى تعزيز التعاون بين «الولايات المتحدة، واليابان، وكوريا الجنوبية» إلى سباق تسلح متصاعد فى شمال شرق «آسيا».
باختصار، يمكن القول إنه بعد عقود طويلة من العلاقات المتأرجحة وغير المستقرة بين الكوريتين، إلا أنه فى عام 2024 وصلت الأزمة إلى صراع سياسي، ومساومة بين القوى الكبرى فى شرق آسيا.
وعليه، فإن ما هو على المحك لم يعد برامج «كوريا الشمالية» النووية والصاروخية، أو التنافس بين الكوريتين فحسب، بل –أيضًا- السلام والأمن فى شمال شرق «آسيا».
وعليه، تظل إدارة الأزمة بين «كوريا الشمالية»، و «كوريا الجنوبية» تحديًا كبيرًاعلى الساحة الدولية، وتتطلب جهودًا مشتركة من الفاعلين الدوليين لتحقيق الاستقرار والسلام فى المنطقة.
2
3
4
5


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.