بين الجمود وفتح جبهات جديدة إلى أين تتجه الحرب الروسية الأوكرانية؟ منذ فبراير 2022 والعالم يترقب تطور أوضاع الحرب الروسية الأوكرانية عن كثب.. فمع شدة التوتر بين طرفى النزاع، والأزمات التى ضربت العالم شرقًا وغربًا على كافة مناحى الحياة من أزمة اقتصادية إلى شح الغذاء ثم أزمة الطاقة.. الأمر الذى يجعل مستقبل هذه الحرب غامضًا ولا يمكن التنبؤ بوقت انتهائها.. خاصة أن عام 2023 وفق كافة التحليلات السياسية والاستراتيجية لا ينبئ بعام انتهاء الحرب خاصة مع جمود الوضع فى أوكرانيا عند مرحلة الكر والفر.. فلا إنجاز يحسب وتراجع ملحوظ بين كلا الطرفين، فضلًا عن حديث روسيا الدائم بضرورة نهاية هذه الحقبة من سيطرة الولاياتالمتحدة والغرب على النظام العالمى، وظهور عالم جديد متعدد الأقطاب.. يتكون فيه روسيا والصين هما أول المستفيدين من هذا العالم الجديد.. ومع التخبط الغربى و«العند» الروسى ستبقى هذه الحرب دائرة ربما لتتخطى هذا العام وربما لأعوام أخرى لا يعرف عددها.. لكن يبقى السؤال المحير.. هل يستطيع العالم الصمود أمام أزماته لعام آخر؟
سومى.. بلدة نائية على الحدود الشمالية الشرقيةلأوكرانيا.. والتى يتوقع خبراء وأجهزة الاستخبارات فى حكومة كييف أن تكون بداية لعملية عسكرية جديدة لروسيا فى فبراير المقبل، فى الذكرى الأولى لبداية الحرب الروسية على أوكرانيا... الأمر الذى يؤكد تغيرًا فى استراتيجية موسكو خلال عملياتها العسكرية.. رغم أنها قبل نهاية العام الماضى وتحديدًا فى ديسمبر شنت موسكو العديد من الهجمات على العاصمة كييف، إلا أن هذه الهجمات وصفها البعض بأنها مجرد عمليات «تشتيت» للقوات الأوكرانية.. فى المقابل اتبعت قوات كييف خططًا جديدة لصد «حرب الشمال» كما أطلق عليها.. وهذه الاستراتيجية تتمحور فى قوة «الغابات» والخنادق البدائية.. فى خطوة تؤكد فيها أوكرانيا صمودها لآخر المطاف أمام روسيا. استراتيجية الحرب فى تصريحات لوزير الدفاع الأوكرانى، أوليكسى ريزنيكوف، والقائد العام للقوات المسلحة، فاليرى زالوجنى، لصحيفة «نيويورك تايمز» أوضحا أن شهر فبراير المقبل سيكون فترة محتملة لمحاولة إعادة الحرب الروسية على أوكرانيا، ومن جانبه، يرى رئيس المخابرات الدفاعية فى البلاد، كيريلو بودانوف، أن التهديد بالمنطقة الشمالية يبقى منخفضًا رغم أنه ممكن نوعًا ما لكن هذا لا ينفى الخطط الجديدة لروسيا لشن حرب «الشمال». ووصف بودانوف، نقل روسيا لمعدات عسكرية إلى المنطقة، بأنه «حملة تضليل» لإبعاد القوات الأوكرانية عن المعارك فى الشرق، موضحًا أن جهاز استخباراته، لم يكتشف بعد نوع الوحدات الهجومية التى انتقلت إلى المناطق الحدودية الشمالية لبلاده. وترى القوات الأوكرانية أنه فى حال استهداف روسيا لمنطقة الشمال، فإن مدينة سومى الحدودية هى النقطة المتوقع أن تكون البداية من خلالها، حيث ظهرت بعض التمركزات للقوات الروسية قرب المدينة النائية. لكن تأتى الطبيعة لتكون هى خط الدفاع الأول لقوات أوكرانيا.. حيث تمتلئ المنطقة بالغابات المطيرة، كما تمركزت وحدات من قوات الدفاع الإقليمية فى خنادقها بمنطقة سومى النائية، وتتمثل هذه القوات من كتائب تضم متطوعين فى خنادق تحت الأرض لصد أى هجوم روسى محتمل. وقد فرغت أغلب البلدات والقرى المتاخمة للحدود الأوكرانية- الروسية من معظم سكانها، ووسط غابات وحقول منطقة سومى، حفرت وحدات العسكريين المتطوعين خنادق طويلة لحماية حدود البلاد من أى هجوم جديد. وبالرغم من أن هذه المواقع المعزولة، لا تحمل نفس الوضع القتالى والاستراتيجى، مثل نظيرتها فى الشرق والجنوب الأوكرانى، إلا أنه لا يمكن التقليل من أهميتها، بحسب الجارديان التى تشير إلى أنها تشكل خط الدفاع الأول، إذا ما قررت روسيا بدء حربها الجديدة من الشمال، ويمكن أن يحدد نجاحها فى التصدى للقوات الروسية مصير الحرب الأوكرانية بأكملها. مقاومة حتى الموت فى مقابلة صحفية مع الميجور جنرال أندرى كوفالتشوك، فى الجيش الأوكرانى، أوضح عزم روسيا شنّ عملية عسكرية كبيرة فى أوكرانيا من الشمال، حيث تتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لمحاولة موسكو السيطرة على كييف فى فبراير2022. وشدد كوفالتشوك على أن أوكرانيا ستنتصر فى الحرب، وستستعيد السيطرة على جميع أراضيها بما فى ذلك شبه جزيرة القرم، محذرًا من قتال عنيف مرتقب من الجهة الشمالية مع احتمال فتح القوات الروسية جبهة جديدة فى الحدود الشمالية لأوكرانيا، أى عبر بيلاروسيا، لاستهداف كييف. وأوضح القائد العسكرى: «ندرس هجومًا محتملًا من بيلاروسيا فى نهاية فبراير أو ربما فى وقت لاحق. نستعد لذلك، ونراقب التحضيرات عن كثب». وأشار كوفالتشوك إلى أنه «إذا حاول بوتين للمرة الثانية، بالاعتماد على ما تبقى من 300 ألف جندى حشدهم خلال الصيف، فإن أوكرانيا ستكون أكثر استعدادًا لصدهم هذه المرة». كما ألمح كوفالتشوك إلى احتمال أن يأمر الرئيس الروسى بتعبئة كاملة فى روسيا، الأمر الذى سيؤمّن ملايين الرجال لإرسالهم إلى القتال. أزمة السلاح فى ديسمبر الماضى، دفعت واشنطن بمعدات عسكريّة إلى ميناء شمال بولندا العضو فى حلف شمال الأطلسى (ناتو) والجارة لأوكرانيا، وأوضحت إدارة واشنطن أن هذه المعدات تشكل جزءًا من حوالى 2400 مركبة وصلت إلى بولندا واليونان -خلال شهر نوفمبر 2022- من فرقة المشاة الأولى التابعة للجيش الأمريكى. وعادة ما تستضيف بولندا نحو 4 آلاف جندى أمريكى بالتناوب، جزء منهم ضمن مجموعة قتالية بقيادة حلف الناتو، تم إرسالهم إلى المنطقة فى أعقاب ضم روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014. ومع بدء الحرب فى أوكرانيا منذ فبراير 2022، دفع الرئيس الأمريكى جو بايدن ب 4700 عسكرى إضافى، فى خطوة انتقدتها موسكو التى دعت لخفض وجود قوات الناتو فى بولندا ودول البلطيق، التى كانت سابقًا تحت المظلة السوفييتية. ورغم زيادة الدعم العسكرى الغربى المتزايد مع أوكرانيا فى حربها، إلا أن كييف ترى أنه من الضرورى أن تصبح الأسلحة الغربية التى ترسل لأوكرانيا «أكثر فتكًا» حتى تصد أى هجوم روسى كبير. وأوضح الميجور جنرال أندرى كوفالتشوك أن الجيش الأوكرانى «بحاجة إلى المزيد من الأسلحة الجماعية مثل المدافع الرشاشة والذخيرة العنقودية». وهذا يعنى أن أوكرانيا بحاجة إلى زيادة الأسلحة الهجومية وليس الدفاعية فقط من قبل الغرب. تحدث القائد العسكرى عن عملية قواته لاستعادة مساحات شاسعة من الأراضى على الجانب الغربى من نهر دنيبرو فى الجنوب، بما فى ذلك العاصمة الإقليمية خيرسون فى 11 نوفمبر، وقال إن الهدف النهائى كان تدمير جميع الجنود الروس على الضفة الغربية للنهر، ومع ذلك، فإن نقص الذخيرة جعل الروس فى النهاية قادرين على التراجع. كما أوضح كوفالتشوك أن روسيا قد تلجأ إلى سلاح «محادثات السلام» قريبًا لكن هذا سيكون فقط «ذريعة لإعادة التسلح وتجنيد القوات». السلاح الجديد وفى المعسكر المقابل، قالت وزارة الدفاع الروسية، نهاية ديسمبر الماضى، إنها بدأت استخدام نظام مطور من قاذفات الصواريخ المتعددة المعروفة باسم «تورنيدو جى». وتقول الوزارة الروسية إن التحديثات الجديدة على منظومة «تورنيدو جى» تتضمن نظام توجيه آلى يسمح للطاقم بالعمل من قمرة القيادة دون تعريض أنفسهم للخطر، كما تتيح إطلاق الصواريخ بعد أقل من دقيقتين على تحديد موقع الهدف. وأظهرت مقاطع فيديو -نشرتها وزارة الدفاع الروسية- مشاركة المنظومة المطورة فى العمليات القتالية الجارية بمقاطعة دونيتسك شرق أوكرانيا. من جانب آخر، كشفت وزارة الدفاع البريطانية سر تراجع الضربات الجوية فى أوكرانيا، وقالت على «تويتر» نقلًا عن معلومات استخبارية، إن شهر مارس الماضى كان يشهد القيام بما يصل إلى 300 مهمة يوميًا. وأضافت الوزارة، فى بيان، أن القوات الجوية الروسية خسرت أكثر من 60 طائرة حتى الآن، من بينها قاذفة تكتيكية من طراز «سوخوى سو - 24»، ومقاتلة أرضية من طراز «سوخوى سو- 25»، خلال الأسبوع الماضى فقط. وذكر البيان أن التراجع يرجح أن يكون بسبب التهديد المستمر من جانب الدفاعات الجوية الأوكرانية، والقيود المفروضة على ساعات الطيران المتاحة للطائرات الروسية، وسوء الأحوال الجوية. فى المقابل، نقل موقع بلومبيرغ الأمريكى أن السلاح الأهم الذى تعتمد عليه روسيا فى حربها هو «سلاح الشتاء»، وقد أوضح وزير الخارجية أنتونى بلينكن قوله إن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يستخدم فصل الشتاء سلاحًا ضد المدنيين الأوكرانيين، واصفًا هذا بأنه «عمل همجى».