يجتهد المسلمون فى شهر رمضان لتحصيل الثواب والفضل من الله، ويزداد هذا الاجتهاد فى العشر الأواخر عسى أن يفوز بفضلها، ولقد اجتهد العلماء منذ القدم بتتبع علامات تلك الليلة للوصول إلى تحديد لها، إلا أن إخفاء تلك الليلة كان لحكمة أن يجتهد المسلم فى تلك الأيام جميعها لنيل فضل الله ورحمته. وليلة القدر فضلها كبير، يغفر فيها لكل عاصٍ، أو مذنب إذا صلحت نيته فى الطاعة وافق ذلك نزول رحمات الله على العباد فى تلك الليلة، إلا أن هناك فئات أربع حرموا من ليلة القدر، حتى وإن أطاعوا واجتهدوا. هؤلاء الأربعة حددهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث ابن عباس الذى قال: «أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول: (فإذا كانت ليلة القدر يأمر الله تعالى جبريل فيهبط فى كبكبة من الملائكة إلى الأرض ومعه لواء أخضر فيركزه على ظهر الكعبة وله ستمائة جناح منها جناحان لا ينشرهما إلا فى ليلة القدر فينشرهما تلك الليلة فيجاوزان المشرق والمغرب، فيبعث جبريل الملائكة فى هذه الأمة فيسلمون على كل قائم وقاعد ومصل وذاكر ويصافحونهم ويؤمنون على دعائهم حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر نادى جبريل عليه السلام يا معشر الملائكة الرحيل الرحيل. فيقولون يا جبريل ما صنع الله فى حوائج المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ فيقول إن الله تعالى نظر إليهم وعفا عنهم وغفر لهم إلا أربعة، فقالوا: ومن هؤلاء الأربعة؟ قال مدمن خمر، وعاق لوالديه، وقاطع الرحم، ومشاحن قيل يا رسول الله ومن المشاحن؟ قال هو المصارم: يعنى الذى لا يكلم أخاه فوق ثلاثة أيام وتابع الرسول قائلا: إن الله يغفر للزانى إن تاب ولا يغفر لمن اغتاب حتى يسامحه من اغتابه». وصايا الفوز بليلة القدر من جانبها توضح دار الإفتاء المصرية أن هناك علامات تعارف عليها لليلة القدر منها أن تطلع الشمس لا شعاع لها، فقد ورد عن أُبَيِّ بن كعب فى ذكر علامة ليلة القدر كما أخبر النبى صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه أن أَمَارَتَهَا «أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِى صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لا شُعَاعَ لَهَا» (رواه مسلم).، وروى عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «هِيَ طَلْقَةٌ بَلْجَةٌ، لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ، كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا يَفْضَحُ كَوَاكِبَهَا، لَا يَخْرُجُ شَيْطَانُهَا حَتَّى يَخْرُجَ فَجْرُهَا»، وطَلْقَة: أى طَيِّبةٌ لا حَرَّ فيها ولا بَرْد. أضافت أن النبى صلى الله عليه وسلم وجهنا إلى أن خير الدعاء فى ليلة القدر«اللهم إنك عفو كريم حليم تحب العفو فاعف عنًا»، مشيرة إلى أن هناك 26 وصية لإحياء ليلة القَدر هى أخذ قسط من الراحة بعد الظهر للنشاط ليلا، وعدم الإكثار من الطعام، والعزم على التوبة عند إحياء هذه الليلة المباركة، والإكثار من الدعاء والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، والإقبال على الله عز وجل بكل جوارحك، حتى يصفو العقل والقلب من كل شىء سوى الله عز وجل. كما أوصت الإفتاء بضرورة الابتعاد عن المشاحنة واعفُ عن كل مَن أخطأ فى حقك، والتركيز على خشوع القلب والإخلاص فى الدعاء والقيام أهم من عدد الركعات التى يكون قلبك فيها مشغولًا بغير الله، والحرص على الطهارة طوال هذه الليلة ما تيسر ذلك، والتيقن من إجابة الدعاء لأن عدم اليقين باستجابة الدعاء قد يشكِّل حاجزًا والإلحاح والإصرار على الدعاء فإن الله عز وجل يحب العبد الُملِحٌّ بالدعاء، والاستغفار من كل ذنب، والإكثار من الصلاة على النبى وآله والترضى عن أصحابه، ومن دعاء النبى صلى الله عليه وسلم: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، والإكثار من طلب العتق من النار، والدعاء بتيسير الرزق الحلال وإصلاح الحال، والدعاء بقول: ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين، ولدعاء للزوج أو الزوجة بصلاح الحال وراحة النفس والبال. واشتملت وصايا الإفتاء أهمية الإكثار من الدعاء حال سجودك فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وإطالة السجود والتضرع لله فإن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «وظهورُكم ثقيلةٌ من أوزارِكم فخفِّفوها عنها بطولِ سجودِكم»، وعدم تضييع أى فرصة للطاعة والحذر من التقصير لحظة فإن الرحمات والنفحات الربانية مفتوحة فى هذه الليلة، وقراءة ما تيسر من القرآن والتصدق فى هذه الليلة بالمستطاع. فضل ليلة القدر العلماء من جانبهم أكدوا أن من حرم ليلة القدر وفضلها فقد حرم الفضل والخير الكثير، فمن جانبه يوضح الدكتور محمد الضوينى، وكيل الأزهر، إن ليلة القدر لها شرف كبير وكرم عظيم فى الإسلام، لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يحرص على تنبيه وتهيئة المسلمين للفوز بخيرها وبركتها، حيث قال صلى الله عليه وسلم «قدْ جاءَكمْ شهرُ رمضانَ، شهرٌ مباركٌ افترضَ اللهُ عليكُمْ صيامَهُ، يفتحُ فيهِ أبوابُ الجنةِ، ويغلقُ فيهِ أبوابُ الجحيمِ، وتغلُّ فيهِ الشياطينُ، فيهِ ليلةٌ خيرٌ مِنْ ألفِ شهرٍ، مَنْ حُرِمَ خيرَها فقدْ حرِمَ». وأوضح د .الضوينى، أن من يقوم فى هذه الليلة المباركة شاكرا عابدا مخلصا لله تعالى، يغفر له ما تقدم من ذنبه، ويرتفع عمله فيها بما يفوق عمله وعبادته فى ألف شهر، كما جاء فى قوله تعالى «ليلة القدر خير من ألف شهر»، مؤكدا أن المسلم الذى يحسن اقتناص حسناتها ويغتنم فرصتها ولا يضيعها؛ فإنه يفوز برضا الله تعالى، ومن يفرط فيها ويهملها فقد باء بالحسرة وحرم الخير. وأكد وكيل الأزهر، أن هذه الليلة المباركة، وما أنزل فيها من قرآن يتلى إلى يوم الدين، فيها تنبيه للأمة إلى أمرين عظيمين، أولهما أنه يجب عليها أن ترتقى بعملها وأخلاقها حتى تسود فى الحياة الدنيا، وتفوز بالآخرة، والأمر الآخر أن هذه الليلة هى دعوة السلام النفسى والإيمانى فى المجتمع. الدكتور على الله شحاتة الجمال من علماء الأزهر والأوقاف قال إن الله تبارك وتعالى جعل فى هذه العشر المباركة ليلة من أعظم الليالى وأفضلها وهى ليلة القدر اختص الله (عز وجل) بها الأمة المحمدية عن سائر الأمم إكراما منه سبحانه وتعالى لأمة حبيبه (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حتى تكثر حسناتها، وترتفع درجاتها. أضاف أن على المسلم أن يحرص على إحياء هذه الليلة العظيمة، ويستثمرها فى طاعة الله (عز وجل)، مبينا أن الله (عز وجل) قد أخفى ليلة القدر، ولم يحددها بليلة محددة، ليجتهد العباد فى طلبها والتماسها، لعل العبد أن يصيبها، بخلاف ما لو عينت وعلمها الناس لاقتصروا عليها فى العبادة دون غيرها، ولهذا كان من سُنة النبى (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) الاجتهاد فى العبادة والطاعة فى تلك العشر، وبذل الوسع فى تحرى تلك الليلة الفاضلة - ليلة القدر - التى هى خيرٌ من ألف شهر.وفى ختام كلمته أكد فضيلته على ضرورة اغتنام هذه الأيام المباركة بالذكر والدعاء، وتلاوة القرآن، وكل ما يقربنا إلى الله (عز وجل)، حتى لا نكون من المحرومين من رحمات الله تعالى فى هذه الليلة (ليلة القدر)، فإن الحرمان فى هذه الليلة هو الحرمان الحقيقى، يقول نبينا (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (...لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ..). الشيخ أحمد دسوقى مكى من أئمة الأوقاف أوضح أن الله (عز وجل) اختص شهر رمضان بخصائص عظيمة دون غيره من الشهور، فهو شهر الصيام والقيام والقرآن، وشهر الانتصارات، شهر الجود والخيرات والبركات والنفحات، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم الخير كله، ولله (عز وجل) فيه عتقاء من النار وذلك فى كل ليلة، ومن أفضل أيام وليالى هذا الشهر العشر الأواخر التى فيها ليلة القدر، والتى هى خير من ألف شهر. وأضاف أن العبادة فى تلك الليلة أفضل من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، فعن مُجَاهِدٍ (رضى الله عنه) أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ لَبِسَ السِّلَاحَ فِى سَبِيلِ اللهِ أَلْفَ شَهْرٍ، قَالَ: فَعَجِبَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ المَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ، سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ »، كما أن عبادة هذه الليلة بإخلاص تفوق حمل السلاح ألف شهر فى سبيل الله. 1 2 4