وزير التموين: استلام 2.4 مليون طن قمح من المزارعين حتى الآن    المقاومة تعلن استهداف 7 جنود للاحتلال من مسافة صفر بجباليا    الجنائية الدولية: نسعى لتطبيق خارطة الطريق الليبية ونركز على تعقب الهاربين    الدوري الإسباني.. موعد مباراة جيرونا ضد فياريال فى صراع الوصافة    ضبط مسجل خطر يُزور محررات رسمية بأسيوط    جلسة تصوير للجنة تحكيم المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الدولي    وزيرة الهجرة: للمجتمع المدني دور فاعل في نجاح المبادرات القومية الكبرى    شعبة الأدوية: الشركات تتبع قوعد لاكتشاف غش الدواء وملزمة بسحبها حال الاكتشاف    «الزراعة»: مشروع مستقبل مصر تفكير خارج الصندوق لتحقيق التنمية    برلماني: مصر قادرة على الوصول ل50 مليون سائح سنويا بتوجيهات الرئيس    انعقاد برنامج البناء الثقافي للأئمة بمديرية أوقاف دمياط    وزير التعليم يفتتح الندوة الوطنية الأولى حول «مفاهيم تعليم الكبار»    الأسلحة الأمريكية لإسرائيل تثير أزمة داخل واشنطن.. والبيت الأبيض يرفض الإجبار    العراق يؤكد استمرار دعم وكالة «الأونروا» لتخفيف معاناة الفلسطينيين    نائب محافظ أسوان تتابع معدلات تنفيذ الصروح التعليمية الجديدة    سموحة يتقدم على الاتحاد السكندري في الشوط الأول    "أغلق تماما".. شوبير يكشف ردا صادما للأهلي بعد تدخل هذا الشخص في أزمة الشحات والشيبي    الشيبي يظهر في بلو كاست للرد على أزمة الشحات    تردد قناة سبيس تون للاطفال الجديد 2024 Spacetoon بجودة عالية    جامعة كفرالشيخ تتقدم 132 مركزا عالميا في التصنيف الدولي CWUR وتأتي ضمن الأفضل عالميا    مصرع شخص غرقاً فى مياه نهر النيل بأسوان    مصدر أمني: انتهاء المهلة الممنوحة للأجانب المعفيين من تراخيص الإقامة أول يوليو    هيئة الأرصاد الجوية تحذر من اضطراب الملاحة وسرعة الرياح في 3 مناطق غدا    «على قد الإيد».. أبرز الفسح والخروجات لقضاء «إجازة الويك اند»    ضاحي: منشآت التأمين الصحي قديمة وتحتاج إلي هيكلة    تعرف على القطع المميزة لشهر مايو بالمتاحف على مستوى الجمهورية | صور    بعد تصدرها التريند.. أعمال تنتظر نسرين طافش عرضها تعرف عليها    لماذا أصبح عادل إمام «نمبر 1» في الوطن العربي؟    1.6 مليون جنيه إيرادات الأفلام في السينما خلال يوم واحد    "العيد فرحة".. موعد عيد الأضحى 2024 المبارك وعدد أيام الاجازات الرسمية وفقًا لمجلس الوزراء    قبل البيرة ولا بعدها؟.. أول تعليق من علاء مبارك على تهديد يوسف زيدان بالانسحاب من "تكوين"    الحكومة: غداً.. بدء التشغيل لمحطات الجزء الثالث من الخط الثالث للمترو    يخدم 50 ألف نسمة.. كوبري قرية الحمام بأسيوط يتجاوز 60% من مراحل التنفيذ    مقبلات اليوم.. طريقة تحضير شوربة الدجاج بالمشروم    بالصور.. وزير الصحة يبحث مع "استرازنيكا" دعم مهارات الفرق الطبية وبرامج التطعيمات    طالب يضرب معلمًا بسبب الغش بالغربية.. والتعليم: إلغاء امتحانه واعتباره عام رسوب    القومي للمرأة يشارك في ورشة عمل بعنوان "القضية السكانية.. الواقع والرؤى المستقبلية"    تأجيل محاكمة المتهم بقتل زوجته بكفر الشيخ لجلسة الخميس المقبل    «الحرية ورحلة استعادة المجتمع».. رسائل عرضين بالموسم المسرحي بالفيوم    تصريحات كريم قاسم عن خوفه من الزواج تدفعه لصدارة التريند ..ما القصة؟    داعية إسلامي: يوضح ما يجب على الحاج فعله فور حصوله على التأشيرة    دعاء للميت في ذي القعدة.. تعرف على أفضل الصيغ له    رسميا مانشستر يونايتد يعلن رحيل نجم الفريق نهاية الموسم الحالي    مهرجان الإسكندرية يعلن تفاصيل المشاركة في مسابقة أفلام شباب مصر    وزير الدفاع البريطاني: لن نحاول إجبار أوكرانيا على قبول اتفاق سلام مع روسيا    «الداخلية»: ضبط 25 طن دقيق مدعم قبل بيعها في السوق السوداء    5 شروط لتملك رؤوس الأموال في البنوك، تعرف عليها    مفتي الجمهورية يتوجه إلى البرتغال للمشاركة في منتدى كايسيد للحوار العالمى..    نموذج RIBASIM لإدارة المياه.. سويلم: خطوة مهمة لتطوير منظومة توزيع المياه -تفاصيل    أبو الغيط: العدوان على غزة وصمة عار على جبين العالم بأسره    السيد عبد الباري: من يحج لأجل الوجاهة الاجتماعية نيته فاسدة.. فيديو    أحمد الطاهرى: فلسطين هي قضية العرب الأولى وباتت تمس الأمن الإقليمي بأكمله    مصر تدين الهجوم الإرهابى بمحافظة صلاح الدين بالعراق    فى أول نزال احترافى.. وفاة الملاكم البريطانى شريف لوال    "مقصود والزمالك كان مشارك".. ميدو يوجه تحية للخطيب بعد تحركه لحماية الأهلي    رئيس جامعة القاهرة: زيادة قيمة العلاج الشهري لأعضاء هيئة التدريس والعاملين 25%    "أسنان القناة" تستقبل زيارة الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد    الإسكان: الأحد المقبل.. بدء تسليم الأراضي السكنية بمشروع 263 فدانا بمدينة حدائق أكتوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تصبح مجتمعاتنا كالملائكة

أتمنى من الجميع أن يفكّر ويكتب أو يتحدث بروح حيادية فى أكثر من مسألة تحتوى كلها على مثالب وأوضار ازداد تأثيرها فى ثقافتنا السياسية خصوصا، ويا للأسف الشديد.. وهى ظاهرة ينبغى معالجتها علاجا هادئا وجذريا وبكل صبر وأناة للتخلص منها أو الحد من سلبياتها على مستقبلنا فى القرن 12. وأتمنى من كل من لا يعجبه مثل هذا الموضوع كونه مازال يؤمن بالشعارات المزيفة.. أن يفكر بواقعه ويقارنه بالأمم الأخرى التى لم تعان من آفات مدمرة كهذه التى ابتلينا بها لأسباب تاريخية وسياسية..
إن إصلاح البيت لابد أن يتم من داخله قبل أن يعبر إلينا من خارج حدوده، أى : أن يفكر الإنسان بهدوء ويعالج شئونه مع أهله بروح ديمقراطية حتى وإن خاصمهم أو اختلف معهم، وأن ذلك لا يتأتى إلا بتوافقهم وتوازنهم واعتراف أحدهم بالآخر، واحترام كل التنوعات والخصائص والثقافات وأن يسمو تفكيرهم ليخلصهم من ترسبات وأمراض وتعقيدات وآثار وعادات وتقاليد وطقوس تربوا عليها منذ عشرات السنين، أوصلتهم إلى ما هم عليه اليوم.. ودوما أقول إن المشاكل يتحمل وزرها كل من الدولة والمجتمع معا، إذ أن كلا منهما نتاج حقيقى للآخر ! وينبغى أن يدرك كل واحد منهما مسئولية الآخر تجاهه ضمن عقد اجتماعى يتفق عليه لتبقى المعادلة متوازنة بتحقيق الأهداف المرسومة مع اختلاف وجهات النظر، ولكن ما يجمع الكل المبادئ الأساسية التى يؤمن بها الجميع.
ظواهر خطيرة
ثمة ظواهر خطيرة نعيشها اليوم، لكنها متوارثة، إذ كانت ولم تزل وراء هزائم الأمة، وهى مجموعة كذبات كبرى ومبالغات مفرطة لا حد لها من الاستخفاف والعبثية وقلة العقل ! إن عملية النهوض بالهمم و صنع الإرادة ليست بحاجة إلى أن يكذب أغلب المسئولين على الناس كذبات فاضحة كبرى ! وأن عملية دفع الإرادة إلى حيث الصمود والتحدى لا تتم بأساليب جوفاء لا نفع فيها، ولا بخطب عصماء لا تصمد أمام المعلومات ! وأن عملية التغيير لا تتم من خلال مبادرات سياسية وشعارات إعلامية بل من خلال التزامات بقوانين وتعليمات وعهود ومواثيق! وأن أى مواجهة سياسية أو حضارية خطيرة مع العالم لا يمكنها أن تعيش على أيدى الفاسدين فى الأرض من الذين يغيبون الحقائق ويلوون الوقائع ويدفنونها من أجل مصالح فئوية وأنوية ونرجسية نفعية ضيقة ! وأن بناء المستقبل لأمة مثقلة بالتواريخ والمال والحضارة.. لا يمكن أن يتم إلا على أيدى بشر لهم أفقهم الواسع ورؤيتهم المعمقة للأشياء والأحداث !
حديث المستقبل : كذبات كبرى
قلت فى مقال قديم نشر لى عام 2004 : (لقد سببت المشاكل والآليات الخطابية وكم الأفواه السياسية والاجتماعية إلى ممارسات غير طبيعية أبدا.. إن الاحتيال والنصب والرشوة حتى فى الأجهزة الرسمية ! وكأن كل هذه الخطايا قد أصبحت مقبولة لدى الدولة ! لقد مضى أكثر من مائة سنة ولم تتعلم مجتمعاتنا كيفية مرور الناس والسيارات فى شوارعهم الداخلية ! ولم يتعلم الأطفال كيفية الحفاظ على الزهور والنباتات فى الأماكن العامة.. ولا يعرف الشباب وهم عماد الأمة مبادئ متحضرة لابد أن يتعلموها فى المدارس منذ الصغر !.. يمكنك أن تتصور واقعًا مليئًا بالموبقات ولا أدرى كيف يعيش أهله فيه.!
وباء المتنافرين
ثمة قضية أخرى من نوع آخر، إذ وصل التنافر بين أبناء (الأمة) العربية إلى درجة جد عالية لم يجدها لا المتنبى عندما وصفها جاهلة فى زمنه وقد غدت أضحوكة بين الأمم قبل ألف سنة.. ولم يجدها ابن خلدون عندما وصف أحوالها المنقسمة وخرابها قبل ستمائة سنة!! لقد زاد الخراب أضعافا مضاعفة ولا يمكن أن نبقى نتغنى بأنها (خير أمة أخرجت للناس) وهى معتلة بأكثر من علة وداء.. قلت فى مكان آخر فى العام 2004 أيضا : (ما أردت إثارته اليوم فى موضوع لا مفكر فيه - مع الأسف - ذلك هو الكامن فى المغالاة بالأشياء والعناوين، فإن انتقد أحدهم ظاهرة سيئة فى بلد عربى، تحسس ابن هذا البلد وبدأ متمردا يدافع عن سيئات بلده عن غباء أو خوف أو حساسية الاعتزاز (الوطنى) الأجوف.. ولما كانت الأجيال الجديدة قد تربت على الخلط فى المفاهيم، فمن يثير مسألة اجتماعية أو اقتصادية عن بلد عربى.. ألبسوها لبوسا سياسيا واعتبر ذلك مسا بالنظام السياسى، وكأن الأنظمة السياسية أصبحت بمثابة أوطان مقدسة ! أو غدا زعيم البلد يعد نفسه بمثابة وطن ! ثمة ظواهر ربما كانت موجودة وربما تبلورت مؤخرا.. أنك تجد ثلة أو جماعة من بلد عربى معين مختلفة فى ما بينها، ولكن تتحد على الخطأ إذا ما وجدت غريبا بدأ يشاركهم حدة الاختلاف ! وآخر صاحب منصب معلوم فى بلد عربى معين يقابلونه على إحدى الفضائيات يجعل الأسود أبيض ولا يعترف أبدا بأخطاء ارتكبت ضد حقوق الإنسان فى بلاده!)!
المبالغات المفرطة
ثمة خلل أودى بنا جميعا إلى هزيمة تلو أخرى.. خلل عانت منه حياتنا على امتداد القرن العشرين يكمن فى التهويلات والمبالغات التى لا حدود لها.. ربما أفهم ذلك كمثقف عربى عند الشعراء ومن يتبعهم من الغاوين، ولكن أن يتحول الواقع إلى خيال، وتتبدل الحقائق إلى أكاذيب، وتتجسم صور فى الذاكرة إلى محال.. وتصور الهزائم انتصارات.. وتذاع البيانات التى تحتوى على كم هائل من التلفيقات ! وتزور إرادة الأمة ب 99 بالمائة فى الانتخابات.. وتنطلى على الناس جملة لا حد لها من الأوهام والمفبركات.. ويؤمل أبناء الأمة أن إسرائيل ستلقى فى البحر فى غضون ساعات ! وتغدو الانقلابات العسكرية التى يشعلها ضباط ثكنات سواء كانوا خونة أو وطنيين من أعظم الثورات والإنجازات ! وتعلق الآمال فى النهضة والتقدم على المانشيتات والإعلانات ! ويسير الزمن الثمين فى سفاسف الأمور وأغباها فى مطولات وخطابات ومحاضرات ومواعظ وندوات ومؤتمرات! ولا تسلم حتى التصرفات وبعض التقاليد والعادات من المبالغات فى التعامل مع الحياة ولا أرى الناس قد ملت أو كلت من فرط المضخمات.. وحتى فى توصيف الأشياء والمسميات.!
الشتائم المقذعة
لا أريد أن ألقى بمثل هذه التهم على كل العرب، فهناك مجتمعات عربية غاية فى حسن الأدب والأخلاق والتهذيب، لأنها تربت على تقاليد أصيلة لا تستطيع الخروج عليها، ولكن هناك مجتمعات عربية تتبارى فى التعامل مع أسوأ الكلام ورديئة سواء على مستوى الكبار من الزعماء والمسئولين وصولا إلى المواطنين العاديين.. صحيح أن لمجتمعات أخرى فى هذا العالم الواسع سبابًا وشتائم، ولكن ليست كالتى يمارس فيها بعض العرب سبابهم وشتائمهم وبشاعة كفرهم. فمن يقف بوجه هذه التصرفات السيئة التى قد تمارس عند شعوب أخرى، ولكن ليس بمثل هذه الفجاجة والغلظة وسوء الأدب. فصاحب الرأى يجد نفسه فجأة وسط لجة من الاتهامات والمنكرات.. وكلها من أجل إسكاته سياسيا وتكميم صوته!
الضرورات بعيدا عن المحظورات
إن أجيالنا بحاجة إلى تأسيس مدارس تربوية خاصة تعلمهم الأساليب الديمقراطية، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. وأن التغيير (أو : الإصلاح كما تسميه بعض المبادرات) لا يمكنه أن يتم من دون أن يتربى الإنسان على المرونة والشفافية وأن يكون واقعى التفكير وأن يعترف بالخطأ وأن يتقبل الآخر ويحترمه وألا يصل بحساسياته (الوطنية) المزيفة إلى حد الفجاجة.. وألا يخشى فى الله لومة لائم، وألا يكتم الرأى المخالف، ويحجر على العقل وألا يبالغ فى ما لا أصل له وأن يتخلص من أوهام تعشش فى رأسه وأن يتخلص من مبالغاته وحساسياته ومقذعاته..
وألا يتشفى بمصائب الآخرين كونهم غدوا مشردين مثله وألا يتدخل فى شئون الآخرين، أو فى ما لا يعنيه من أجل مصالح معينة على حساب الآخرين.. علينا أن نغير خرائط العقول وأساليب التعامل الساذجة. فهل سيتغير التفكير بسهولة ويسر؟ وهل ستصبح مجتمعاتنا كالملائكة ؟ إننى أشك فى ذلك !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.