انتشر مؤخرًا فى مواقع التواصل الاجتماعى تريند: «الاعتراف بالخطايا التى لا يعرفها الناس» أمام الجمهور تحت دعاوى «التطهر من الخطايا واكتساب الاتساق مع النفس» الأمر الذى أثار جدلاً واسعًا بين الناس حيث إن بعض تلك الاعترافات يشتمل على أخطاء أخلاقية، وبمجرد النشر يصبح معرفة تفاصيلها متاحًا عبر الإنترنت. علماء الدين من جانبهم اعتبروا قضية الاعتراف العلنى بالأخطاء والمعاصى عبر وسائل التواصل الاجتماعى مخالفة صريحة للشريعة باعتبارها نشرًا للفاحشة.. وكشفًا لستر الله على عباده، فمن جانبه يرى د.مجدى عاشور المستشار العلمى لمفتى الجمهورية أن عدم الانضباط الشائع على استعمال المنصات الإلكترونية انعكس سلبًا على المجتمعات بما يخالف القيم الدينية والهوية الوطنية الراسخة لدى الشعوب. وأكد أن ما يسمى بتريند: «الاعتراف بالخطايا التى لا يعرفها الناس» أمام العامة تحت مبررات التوبة والطهارة والتخلص من الخطايا والاتساق مع النفس، وهى مبررات هلامية تبدو لأول وهلة أنها صحيحة وواقعية، وهى آفة خطيرة تؤدى إلى نزع الحياء من النفوس، واحتقار الناس بعضهم بعضا. أضاف د. عاشور: إن الإسلام شدد على عدم تتبع أخبار الآخرين وكشف خطاياهم وعيوبهم وما يكرهون أن يظهر، وفى ذلك يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا)، وخطب المصطفى صلى الله عليه وسلم بالناس مرة، فقال بنبرةٍ حادَّةٍ: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه فى بيته. واستطرد قائلاً: إن أولى الناس وأحقهم بالستر هو الإنسان؛ ولذلك يجب عليه ستر نفسه وكتم عيوبه وزلاته وذنوبه الخفية، فإذا فعل عكس ذلك -كما تحفزه هذه الدعوات المضللة- وقع فى ذنب أعظم من هذه الأمور فى نفسها، وهو جهره بذنب ستره الله عليه، بل بيَّن النبى صلى الله عليه وسلم أن فاعل ذلك يكون قد تسبب فى عدم مغفرة الله تعالى له لمجاهرته بالمعاصى،حيث يقول صلى الله عليه وسلم: «كل أمتى معافى -أي: يعفو الله تعالى عن خطأه وزلته- إلا المجاهرين -وهم الذين يتكلمون بخطاياهم ويعلنون معاصيهم عدم مبالاة بالقول أو الفعل-، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة -يعنى أقرب وقت لعمل الذنب- كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه». ويؤكد د. مجدى عاشور أن هذه المعانى والقيم النبيلة تفضح هذه الدعوات الهدامة التى مقصودها فى الأساس التأثير سلبًا على الأمن القومى بزعزعة الاستقرار واهتزاز الثقة وحسن الظن بين أفراد الوطن والخروج على القيم الحضارية الراسخة والقواعد الدينية القطعية التى تؤيد مبررات هذه الدعاوى القائلة: «التطهر من الخطايا واكتساب الاتساق مع النفس»، لكن ليس بطريق النشر والفضيحة وجعلها على الملأ بصورة متاحة للجميع، إنما يكون بالستر والندم والاتساق مع النفس بصورة حقيقية من خلال الصدق، واستواء العلانية والخفاء للشخص، والتوبة الصادقة لله تعالى، وبذلك نقتدى بفعل الله مع العبد يوم القيامة، حيث أذنب فى الدنيا، ثم تاب وندم وعمل صالحًا، قال النبى صلى الله عليه وسلم: «إن الله يدنى -يعنى أن الله تعالى يطلع عبده المؤمن يوم القيامة على معاصيه سرًا فضلا منه سبحانه- المؤمن، فيضع عليه كنفه -حفظه- ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أى رب، حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى فى نفسه أنه هلك -باستحقاقه العذاب على ذنوبه-، قال: سترتها عليك فى الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته» (متفق عليه) بدعة منكرة من جهته يرى د.أحمد كريمة أستاذ الفقه بجامعة الأزهر أن قيام الإنسان بالتصريح بما ارتكبه من معاص للآخرين بأى وسيلة سواء عبر الفيس بوك أو وسائل التواصل الاجتماعى وغيرها أو بصورة مباشرة، فهذا محرم، والقول بأن كشف الستر عن الذنوب والتصريح بها للناس من باب الاعتراف بالخطايا فهذه بدعة منكرة، ومخالفة لما أمر به الإسلام من الستر. أضاف إن الإسلام ينفرد بأن الإنسان إذا ارتكب ذنبًا أو اقترف خطيئة فإنه يتوب إلى الله تعالى مباشرة، وقد قال الله تعالى فى كتابه الكريم: «قُلْ يَاعِبَادِىَ 0لَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ 0للَّهِ إِنَّ 0للَّهَ يَغْفِرُ 0لذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ 0لْغَفُورُ 0لرَّحِيمُ»، وقال تعالى : «وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» والأيات فى التوبة كثيرة فى القرآن الكريم، بالإضافة إلى الأحاديث النبوية التى توجب على الإنسان أنه إذا أذنب أن يلجأ إلى الله تعالى مباشرة. ولفت إلى أن الفقهاء والعلماء أجمعوا فى كل زمان ومكان أن المذنب والآثم إذا ارتكب شيئًا من المحظورات فإنه يستر على نفسه ولا يحدث الآخرين إطلاقًا بذنبه مهما كان الآخر شيخًا أو عالمًا، فهذا ممنوع فى الإسلام. الدكتورة إلهام شاهين أستاذ الفلسفة والعقيدة والأمين العام المساعد للواعظات كان لها رأى موافق لما سبق، حيث تؤكد أن الأساس فى التعامل مع المعاصى هو التوبة والستر، وقالت: إن هؤلاء الذين وقعوا فى الذنوب والمعاصى كان الواجب عليهم أن يتوبوا منها ويحمدوا الله أن سترها عليهم، أما وأنهم بعد أن بات يسترهم الله، أصبحوا يكشفون ستر الله عليهم فقد استحقوا غضب الله عليهم وكذلك ما يصيب مجتمعهم من مصائب تتوالى عليه بسبب غضب الله لقوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ». خداع النفس كما يرى د. محمد عبدالسميع أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية أن مسألة التطهير من الخطايا بالاعتراف بها على الملأ، واكتساب الاتساق مع النفس هى خدعة ينخدع بها بعض الناس، وليست هى السبيل الحقيقى للتطهر من الذنوب، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى الحديث الشريف «عاهدونى على ألا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا ولا تزنوا» ثم عدد صلى الله عليه وسلم صنوفًا من الذنوب والمعاصى.. ثم قال : ومن أصاب من ذلك شىء فستره الله فهو إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه»، وقال أيضًا : ومن أصاب من ذلك شىء فعوقب فى الدنيا فهو كفارة له». أضاف: إن السبيل الأمثل للتخلص من الخطايا والذنوب والمعاصى هو التوبة، والستر، والندم على الذنوب والعزم على عدم العودة إليها.. ورد الحقوق لأصحابها، وورد فى حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل أمتى معاف إلا المجاهرين، فسأل الصحابة : ومن المجاهرين يارسول الله، فقال : الرجل يبيت فى معصية الله ثم يصبح فيقول لأخيه فعلت البارحة كذا وكذا وكذا.. قال صلى الله عليه وسلم : بات يستره ربه ثم أصبح ليكشف ستر الله عنه». وشدد د.عبدالسميع قائلا: إن ظاهرة التطهر من الخطايا بالاعتراف بها للناس أعتبرها من قبيل إشاعة الفاحشة، لأن الله تعالى يقول: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» فالآية تتكلم عن إشاعة الفاحشة بشكل عام، والمعترفون بالخطايا يخبرون بأنهم وقعوا فيها، وهذا يهون الفاحشة على قلوب الناس ويقلل من بشاعتها وبغضها، ويفتح الأبواب أمام الناس ليقتدوا بمن فعل تلك المعصية».