على امتداد السنوات الماضية، حقَّقت الدبلوماسية المصرية انتصارات متتالية، وبذلت جهودًا من أجل حماية المصالح المصرية فى جميع دوائر وملفات السياسة الخارجية، وفقًا لتكليفات القيادة السياسية، بصورة فاعلة؛ عكست ثقل مصر الإقليمى والدولى. أبرز جهود الدبلوماسية المصرية كان دورها النشيط فى أروقة منظمة الأممالمتحدة، وقد شهد عام 2020 فوز اثنين من المرشحين المصريين، هما: السفير د.محمد عز الدين، بعضوية لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك انتخاب السفيرة وفاء بسيم، فى عضوية لجنة حقوق الإنسان، ما يعكس جهدًا متواصلًا وتنسيقًا من جانب وزارة الخارجية المصرية، وبعثتنا لدى المنظمة التى تحتفل هذا العام؛ بالذكرى الخامسة والسبعين لإنشائها. وبهذه المناسبة، استعرض السفير محمد إدريس، رئيس البعثة المصرية ومندوب مصر الدائم لدى الأممالمتحدة، تاريخ ودور مصر فى المنظمة، خلال حوار شامل ل«روزاليوسف». وفى بداية حواره معنا، أكد السفير محمد إدريس على أن مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال السنوات الست الماضية؛ كانت من أبرز المشاركات الفاعلة. وإلى نص الحوار: بالنسبة لمنظمة الأممالمتحدة يكتسب عام 2020 أهمية خاصة؛ إذ يتواكب مع الذكرى الخامسة والسبعين لإنشائها، وقد كانت مصر من الدول الخمسين المؤسسين للمنظمة ولها دور كبير فى دعم أهدافها بالفعل، ولذلك يجب علينا ونحن نحتفى بمرور 75 عامًا على إنشاء منظمة الأممالمتحدة، أن نشير إلى الدور المحورى الذى لعبته مصر تاريخيًا فى إطار كل من حركة عدم الانحياز والمجموعات العربية والإفريقية والإسلامية. لم تسهم مصر فقط فى تأسيس المنظمة، ولكنها ظلت ملتزمة بمواثيقها وأهدافها ومقاصدها، وأسهمت بفاعلية فى تطوير المفاهيم وطرح المبادرات وتأصيل الممارسات فى عمل الأممالمتحدة. وكيف أصبحت مصر سابع أكبر المساهمين فى قوات الأممالمتحدة لحفظ السلام؟ - هذا المجال هو أحد أهم أنشطة الأممالمتحدة، وأحد أهم إسهامات مصر فى هذه الأنشطة، فقد امتدت مساهمة مصر الفاعلة فى عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة على مدار الستين عامًا الماضية منذ عام 1960 بما يزيد على 30 ألف فرد من القوات العسكرية والشرطية، لتتحول مصر من دولة مضيفة لأول بعثة حفظ سلام (بعثة هيئة الأممالمتحدة لمراقبة الهدنة UNTSO) عام 1948 إلى سابع أكبر مساهم بقوات فى حفظ السلام اليوم. وتتمتع القوات المصرية بالسمعة الحسنة والأداء المتميز والمهنية والكفاءة وفقًا لما تشير إليه التقارير الأممية فى هذا الشأن. وبالإضافة إلى ذلك، تحرص مصر على تركيز مشاركتها فى بعثات حفظ السلام بالدول الإفريقية؛ التزامًا منها بدعم الأشقاء الأفارقة، حيث تشارك فى 8 دول تشمل: مالى والكونغو الديمقراطية وإفريقيا الوسطى ودارفور وجنوب السودان وأبيى والصومال، فضلًا عن الصحراء الغربية. كما تلعب مصر دورًا نشطًا فى صياغة مفاهيم وسياسات حفظ السلام، ودعم جهود إصلاح وتطوير عمليات الأممالمتحدة لحفظ السلام. ويمكن الإشارة فى هذا الإطار إلى المؤتمر الإقليمى الذى استضافته القاهرة فى نوفمبر 2018، ومبادرة مصر بإطلاق خارطة طريق القاهرة لتطوير أداء حفظ السلام، وهى وثيقة مشهود لها دوليًا، كما اعتمدها مجلس السلم والأمن الإفريقى مؤخرًا لإرشاد جهود القارة فى هذا الشأن، وسبق أن دعمتها حركة عدم الانحياز فى الوثيقة الختامية لقمة باكو بأذربيجان. و تقوم مصر كذلك بدور رائد فى ملف بناء السلام فى ظل عضويتها شبه الدائمة بلجنة بناء السلام. تتولى مصر حاليًا دور المنسق الإفريقى لعملية مراجعة هيكل الأممالمتحدة وبناء السلام لعام 2020.. فما أهم الخطوات التى اتخذتها وسط النزاعات الحالية؟ تمكنت مصر من توحيد موقف القارة من خلال صياغة موقف إفريقى مشترك لضمان تحقيق مصالح القارة، فضلًا عن تولى السيد رئيس الجمهورية ريادة ملف إعادة الإعمار والتنمية فى أعقاب النزاعات فى إفريقيا، واستضافة مصر للمركز الإفريقى الذى سيتولى فور تشغيله دعم جهود بناء السلام فى دول القارة تعزيزًا لملكية وقيادة إفريقيا لجهود بناء السلام. وماذا عن أجندة مصر فى مجال مكافحة الإرهاب؟ - تعد قضية مكافحة الإرهاب ذات أولوية كبرى لمصر فى ضوء ما تمثله تلك الظاهرة من تهديد خطير للأمن والاستقرار فى مصر والمنطقة العربية والإفريقية بل والعالم أجمع. وتعد مصر من الدول التى اكتسبت خبرة واسعة فى مجال مكافحة تلك الظاهرة، فضلا عن الدور الرائد للأزهر الشريف والكنيسة القبطية فى مكافحة الفكر المتطرف ونشر المبادئ الدينية الوسطية. وتهتم جميع الدول بالتشاور والتنسيق مع مصر فى هذا المجال على ضوء تلك الخبرة المعروفة لدى مصر، وإسهاماتها المهمة فى المنظومة الأممية، لاسيما خلال رئاستها للجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن عامى 2016 و2017، والقرارات المهمة التى صدرت عن المجلس فى تلك الفترة. وفيما يتعلق بالتعاون مع الأممالمتحدة فى هذا الصدد، فقد تواصل التعاون بين الجانبين فى مكافحة الإرهاب، وتحرص مصر على التنفيذ الدقيق لجميع قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن ذات الصلة، بما فى ذلك الاستراتيجية العالمية للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، التى شاركت مصر فى صياغتها ومراجعتها وتطويرها. كما تقوم مصر بالتنسيق الوثيق مع أجهزة الأممالمتحدة المعنية، وأهمها مكتب الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب، ومركز الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب، والمديرية التنفيذية لمكافحة الإرهاب، ولجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن، ولجنة عقوبات داعش والقاعدة، ويتم تبادل الزيارات والمعلومات مع أجهزة الأممالمتحدة المختلفة ذات الصلة. للإدارة المصرية دور كبير فيما يتعلق بالأزمة الليبية؟ - تتمسك مصر بموقفها الثابت والداعم للتسوية السياسيّة للأزمة الليبية فى إطار المسار الأممى، ونتائج مؤتمر برلين، الأمر الذى يقتضى تثبيت وقف إطلاق النار وتوقف العدائيات عند خط سرت – الجفرة، الذى أعلنت عنه فى أكثر من مناسبة. واستكمالًا لجهود مصر المتواصلة فى دعم التسوية السياسية للملف الليبى التى تضمنت إعلان القاهرة، واستضافة اجتماعات لشيوخ وعواقل القبائل وغيرها، فقد استضافت مدينة الغردقة مؤخرًا برعاية مشتركة مصرية أممية، اجتماعات الحوار العسكرى الليبى التى كانت بمثابة المباحثات الرسمية الأولى بين الجيش الوطنى الليبى وحكومة الوفاق، والتى مهدت الطريق بشكل كبير لاجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 فى جنيف. وفى هذا الصدد، ترى مصر أنه يتعين العمل على حسن استغلال الفرصة الحالية لتثبيت وقف إطلاق النار، وتحريك الحوار السياسى الليبى، مع قيام الليبيين أنفسهم بالدور الرئيسى فى رسم مستقبل بلادهم، وإقرار أى ترتيبات أمنية مستقبلية، الأمر الذى يقتضى خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا. تبذل مصر جهودًا واضحة لحل الأزمة السورية واليمنية؟ بالطبع.. تدعم مصر جهود المبعوثين الخاصين للسكرتير العام لكل من سوريا واليمن للعمل على دفع مسارات التسوية السياسية والتوصل لوقف شامل لإطلاق النار وتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وتؤكد مصر ضرورة اضطلاع مجلس الأمن بدور أكثر فاعلية نحو دفع جهود التسوية السياسية لتلك الأزمات، بما قد يسهم فى توفير الظروف الملائمة لعودة اللاجئين بشكل طوعى وآمن. وسط تلك الأزمات الأخيرة التى بدأت مؤخرًا فى عدد من دول الجوار.. هل القضية الفلسطينية لا تزال فى مرتبة متقدمة؟ - تحتل القضية الفلسطينية على الدوام أولوية قصوى فى السياسة الخارجية المصرية، حيث لا يتصور تحقيق السلام والاستقرار فى المنطقة من دون التوصل لحل عادل ودائم للقضية الفلسطينية على أساس مقررات الشرعية الدولية وقرارات الأممالمتحدة خاصة القرار رقم 2334 لعام 2016، ومرجعيات عملية السلام المتفق عليها ومن أبرزها مبادئ مدريد ومبادرة السلام العربية ومبدأ الأرض مقابل السلام. وما نصيب القارة السمراء من اهتمامات مصر؟ - تحظى إفريقيا بأولوية وباهتمام كبير فى السياسة الخارجية المصرية وعلى أجندة الأممالمتحدة، فالقارة تستضيف أكبر عدد من عمليات حفظ السلام ومكاتب الأممالمتحدة السياسية على مستوى العالم، فضلًا عن أن المجموعة الإفريقية فى الأممالمتحدة تشكل أكبر مجموعة جغرافية تفاوضية، وهى كلها من الأمور التى تصب فى تعزيز الثقل الإفريقى فى الأممالمتحدة. وفى هذا المجال تقوم مصر بدور مهم داخل المجموعة الإفريقية ومن خلالها فى بلورة المواقف الإفريقية وحشد الدعم والتأييد لقضايا القارة والدفاع عن مصالحها. كما يوجد بند ثابت على جدول أعمال الجمعية العامة بشأن المساعدات الإنسانية، ولكن فى الدورة الجديدة يكتسب وضعًا خاصًا وأهمية غير مسبوقة فى ضوء ما أدت إليه جائحة كورونا من تداعيات هائلة على المستوى الإنسانى، خاصة بالنسبة للدول النامية وعلى الأخص القارة الإفريقية، حيث قامت مصر بتقديم المساعدات العينية والدعم السياسى لتخفيف تداعيات وتبعات الأزمة المالية على القارة الإفريقية. تتعدد جبهات العمل الدبلوماسى المصرى فى الأممالمتحدة.. فما أبرز محاور ذلك؟ تعمل مصر على عدة محاور، منها التنمية وحفظ السلام وحقوق الإنسان، كما تتنوع المجموعات التى تشارك مصر فى عضويتها بين المجموعات العربية والإفريقية وعدم الانحياز والتعاون الإسلامى وال77+الصين، فضلًا عن مجموعات من الدول متشابهة الفكر التى تنتمى لأقاليم جغرافية متنوعة، ومن خلال هذه المسارات المتعددة الأطراف، ينطلق العمل الدبلوماسى المصرى، للتعامل مع أجندة الأممالمتحدة التى أصبحت أجندة دولية شاملة تتناول جميع أوجه النشاط الإنسانى، بما يستوجب المتابعة المستمرة والانخراط المتصل وبناء التحالفات والتوافقات التى تخدم المواقف والرؤى المصرية، وتدافع عنها حفاظًا على المصالح الوطنية. هذا العام شهد فوز مرشحين مصريين السفير د.محمد عز الدين بعضوية لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك تم انتخاب السفيرة وفاء بسيم فى عضوية لجنة حقوق الإنسان.. ما دلالة ذلك بالنسبة لمصر من وجهة نظرك؟ - يعكس نجاح الترشيحات المصرية فى المناصب الدولية المهمة ثقة المجتمع الدولى فى الدولة المصرية؛ صاحبة الترشيح، وفى قدرات وإمكانات المرشح؛ حيث تتوفر لكل من السفير د.محمد عز الدين والسفيرة وفاء بسيم، خبرات ومؤهلات دبلوماسية عالية. كما يأتى هذا النجاح نتيجة جهد متواصل وتنسيق من جانب وزارة الخارجية المصرية والبعثة فى نيويورك وسفاراتنا بالدول المختلفة من أجل دعم المرشحين المصريين فى جميع المناصب الدولية، وتجدر الإشارة إلى فوز مصر بهذين المنصبين فى توقيت شبه متزامن ووسط منافسة حادة من العديد من الدول بما يعكس تقديرًا لمصر ودورها الإقليمى والدولى، وهو دور تاريخى أرسته المواقف المصرية، وتقاليد دبلوماسية عريقة وقامات دبلوماسية مصرية متميزة على مدى عقود من الزمن، مستلهمة تاريخًا وحضارة عريقة ومستهدفة مصالح مصرنا العزيزة ومستقبل شعبها العظيم.