استثمرت د.إيناس عبدالدايم فى الإمكانيات المتاحة ليبقى مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى حاضنا لتجارب المسرحيين فى مصر والعالم، وليتاح لجيل جديد فرصة كبيرة فى إدارة الإنتاج الثقافى لينجح د.علاء عبدالعزيز فى المهمة الصعبة، ألا وهى الحضور التنظيمى المعتمد على الوعى المعرفى لرفع شارة المهرجان الدولى للمسرح التجريبى. الذى يؤكد حضوره هذا العام إرادة الدولة المصرية فى مواجهة الظروف الاستثنائية الصعبة التى فرضت التباعد الاجتماعى الدولى، بينما المسرح هو الاقتراب الإنسانى ذاته. لتأتى الدورة السابعة والعشرين والتى انطلقت فعالياتها فى الفترة من الأول من سبتمبر حتى الحادى عشر منه 2020 لتعلن عودة المهرجان إلى مسماه الأصلى وجوهر اختصاصه وتميزه فى جميع المهرجانات المسرحية فى العالم ألا وهى صفة التجريب. وذلك بعد إلغاء صفة المعاصر والتى بقيت لسنوات ثلاث تربك اختصاصه المتفرد، وفى هذا الإطار ومع عودة الاسم الأصلى للمهرجان يعود د.فوزى فهمى رئيسًا شرفيًا للمهرجان فى إطار الاحتفاء بدوره الريادى التراكمى، ومع تلك العودة يعود للمهرجان دوره فى الإصدارات المترجمة وإن احتفظ المهرجان بالإنجاز والإضافة المهمة لرئيسه السابق د.سامح مهران فى مسألة الورش التدريبية، وهو أمر أتمناه مقسمًا على المواسم المسرحية طوال العام فى إطار كون المهرجان مؤسسة معرفية تقدم التدريب الذى يحتاج لأوقات أطول، وأيضًا الإصدارات لكتب المسرح المترجمة والتى يمكن أن تصبح إصدارًا شهريًا، ليصبح المهرجان فى أيامه المعدودة حصادًا لورش التدريب والترجمة والأفكار والرؤى حول العالم. وقد أهدى المهرجان دورته هذا العام إلى الفنان والمخرج والأستاذ الراحل د.سناء شافع الذى حمل بساطة الصديق وحكمة المعلم الخبير، كما تم تكريم اسم الناقد والأستاذ الدكتور حسن عطية وتم تخصيص محور نقدى لأفكاره المسرحية، وحسنًا أيضًا تكريم اسم المخرج العبقرى المصرى الراحل منصور محمد، صاحب مسرحية اللعبة الذى توهج وهجًا كبيرًا، ورحل رحيلاً مبكرًا. وفى هذا الإطار يستحدث المهرجان هذا العام قسمًا جديدًا خاصًا هو ذاكرة المهرجان ليقدم فيه أهم العروض عبر تاريخه، وهى تُقدم عبر تقنية البث المباشر عبر الإنترنت ومنها مسرحيات بداية العالم لدولة روسيا الاتحادية، وتحت الصفر للعراق، والليدى ماكبث لأوكرانيا. ومن الملاحظ أن إدارة المهرجان لم تختر فى عروض الذاكرة العروض الشهيرة أو التى حصلت على جائز المهرجان، بل هى اختارت بعض العروض المهمة من الهامش. هو تفكير واضح فى تكريم المخرج المحلى الذى لم يغادر بلدته بنى مزار لكنه قدم عروضًا تجريبية مهمة مثل عرض مهرة الوقت، وكذلك تكريم المخرج سامى طه الذى حافظ على دوام نشاط نوادى المسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة والتى كانت الامتداد الحقيقى لتفاعل مفاهيم المسرح التجريبى على امتداد مصر كلها، وإن كنت ممن يرون أن الفنان المخرج حسن الجريتلى وفرقة الورشة المسرحية اسم كبير ربما يمكن تكريمه فى دورات قادمة لدوره البارز فى البحث عن التجريب فى التراث المسرحى المصرى. كما تم تكريم مايا زبيب المسرحية العربية صاحبة الفرقة المستقلة والتى ألقت كلمة اليوم العالمى للمسرح كأول فنانة عربية تلقيها عام 2018. والألمانى ميلوراو، ومؤسس مسرح السامان برونو ميسا، والدنماركى نوللوفاكينى واسم المعلم المسرحى أستاذ التمثيل والإخراج الراحل د.سامى صلاح الذى قدم طرقا ابتكارية فى مناهج تدريس المسرح بأكاديمية الفنون. هذا ووفقا للتفكير السليم قد تم عودة المسابقة الرسمية للمهرجان، وقد تم تقسيمها هذا العام إلى قسمين: الأول هو مسابقة مسرح الخطر. وهى العروض التى تناولت أزمة كورونا وتأثيرها على العلاقات الإنسانية والسلوك البشرى، إنه المسرح المشتبك مع الوباء العالمى وتداعياته. والقسم الثانى: هو العروض المصورة وهى العروض التى تم استخدام الكاميرا والتقنيات الحديثة فى تفاعل واضح مع خشبة المسرح. كما تحظى المسابقة أيضا بمسار خاص لعدد من العروض الحية، هى عروض مصرية لشباب المسرح المصرى فى تسابق خاص. ليصبح التسابق المصرى التجريبى محليا بينما يصبح التسابق نوعيا عالميا فى المسرح المصور، ومسرح الحظر. وهكذا يحاول المهرجان تخطى أزمة حضور كثيف لفرق دولية من كل أنحاء العالم، لكنه يحافظ على الاحتفاء برموز التجريب المسرحى الجدد ويستعيد اسمه وشارته التاريخية وينطلق رغم كل الظروف الصعبة من القاهرة مخاطبا عبر البث الرقمى كل المسرحيين حول العالم. هذا وتبقى ملاحظة جوهرية وهى غياب المحور النظرى الفكرى عن العلاقة بين المسرح والكاميرا، أو المسرح والتكنولوجيا المتقدمة فى البث الرقمى. بينما يأتى البث المباشر للمهرجان والاستخدام التقنى المحترف لموقعه الإليكترونى هو الأساس الذى قام عليه المهرجان هذا العام، ولذلك كنت أتصور محورًا نظريًا عن المسرح فى البلاتوه، والمسرح والكاميرا وهو تفكير سبق للمهرجان الاهتمام به بعيدًا عن أزمة التباعد الاجتماعى، فالمسرح الرقمى ضرورة علمية فنية وهو قادم لا محالة فى المستقبل حتى بعد انتهاء أزمة التباعد الاجتماعى. لذلك كان من المدهش تجاهل مناقشة المسرح الرقمى، كما هو مدهش أيضا تأخر مؤسسة الإنتاج الرسمى فى التفاعل معه تفاعلاً مؤسسيًا علميًا، أذكر ذلك، فى ظل وضوح الوعى المعرفى لدورة المهرجان التجريبى هذا العام بالمسرح المصور ومسرح الحظر وهما أداتان معاصرتان فرضتهما الضرورة، وإن كان السياق الطبيعى لتطور فن المسرح فى مصر والعالم سيشتبك بلا شك مع التكنولوجيا المعاصرة والشبكة الدولية للمعلومات.