مهدت القمة الثلاثية الثانية، التى شهدتها العاصمة الأردنيةعمان بين مصر والأردنوالعراق، لتحالف اقتصادى جديد، حيث ركزت الشراكة على التوسع فى التعاون الاقتصادى والتجارى والاستثمارى بين البلدان الثلاثة، بما يحقق مصالحها المشتركة ويخدم القضايا العربية. ثمة تحالف جديد بدأ يعلن عن نفسه مؤخرًا بين القاهرة وبغداد وعمان، يهدف إلى استعادة الوحد العربية، ويقوم على زيادة التعاون الاقتصادى بين بلدان المنطقة ولن يقف عند الدول الثلاث فحسب بما ينعكس على الأوضاع السياسية والأمنية والعسكرية فى المنطقة التى عانت من ويلات التدخلات الخارجية خلال العقدين الأخيرين.
يأتى التحرك متماشيًا مع النهج المصرى فى هندسة علاقاتها الخارجية خلال السنوات الست الأخيرة حيث شرعت القاهرة فى نسج وتشكيل محاور وتكتلات اقتصادية وسياسية، تهدف إلى استعادة الدور المصرى الرائد فى منطقة الشرق الأوسط والعالم العربى . وفى تلك السطور نحاول أن نلقى الضوء على تلك التحالفات ومدى فاعليتها فى تعزيز الأمن والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي. مشروع الشام الجديد دفعت الأحداث المتسارعة فى المنطقة والتدخل من بعض الأطراف الإقليمية، لضرورة التنسيق الوثيق بين البلدان الثلاثة، هذا ما أكده الملك عبدالله الثانى رئيس القمة الأخيرة، والتى طرح خلالها رئيس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمى، مشروع الشام الجديد، لربط الدول الثلاث اقتصاديًا وفتح المجال لانضمام دول عربية أخرى، ويشكل هذا المشروع نواة للاستثمار بين الدول الثلاث لخدمة مصالحها، فالعراق يمكن الاستفادة من إمكانياته النفطية ومصر من طاقتها البشرية ومصانعها أما الأردن فيمكنها استغلال موقعه الاستراتيجى الرابط بين القطبين العربيين الكبيرين. ويتعدى طموح القائمين على المشروع أهدافه الاقتصادية، فهم يرون فيه إذا ما توافرت الإرادة نواة لتحالف جديد فى المنطقة سيفضى إلى اتفاقات عسكرية وأمنية وسياسية تجابه التدخلات الخارجية التى باتت تستنزف خيرات هذه البلاد وتستخدم أبناءها وقوداً لمخططاتها كالتدخلات الإيرانية والتركية. وأعرب السفير حسن هريدى مساعد وزير الخارجية الأسبق عن اعتقاده، أن هذا المشروع يحمل أبعادًا استراتيجية مستقبلية، بجانب أبعاده السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، لافتًا إلى أنه يبنى على تجارب سابقة وتحديدًا تجربة الجبهة الشرقية وتجربة مجلس التعاون العربى الذى أُنشئ فى عام 1989 وضم كلًا من العراق ومصر والأردن واليمن. وأضاف أن الفكرة التى طرحها السيد مصطفى الكاظمى، هى فكرة طموحة للغاية ومن المتوقع أن تخلق حالة من التوازن داخل النظام العربي، ثانيًا أنها ستكون بمثابة سياج أمني يحول ويقلل من تدخل القوى الإقليمية فى الشأن العربي، موضحًا أنه عند الحديث عن مشروع للشام الجديد فإنه سيكون بالتأكيد لسوريا دور وموقع فى هذا المشروع، قائلًا: لا يمكن أن نتصور مثل هذا المشروع بدون سوريا . وشدد على أن هذا المشروع من المنتظر أن يشكل محورًا فى وجه القوى الإقليمية التى تتدخل فى شئون المنطقة العربية وهى إسرائيل وتركياوإيران. التكامل الاقتصادي يعد التعاون والتكامل الاقتصادى بين البلدان الثلاثة هو الأساس الذى شكل هذا التحالف الحديث القديم، حيث إن مشروع مد أنبوب النفط من البصرةالعراقية إلى ميناء العقبة الأردنى فى عام 2013 لنقل 2.5 مليون برميل من النفط يوميًا، كان الأساس الذى قام عليه هذا التحالف. وبجانب ذلك فإن نجاح مصر فى تحقيق الاكتفاء الذاتى من الكهرباء ومدها لشبكة الربط الإقليمى لتصدير الفائض لديها من هذه الطاقة، وضع ركيزة أخرى لتحقيق التكامل الاقتصادى بين الدول الثلاث نظرًا لحاجة العراق الشديدة للطاقة الكهربائية، خاصة أن مشروع الربط الكهربائى بين مصر والأردن قائم بالفعل منذ فترة طويلة. ويمهد هذا التعاون الإستراتيجى لسحب البساط من تحت أقدام إيرانوتركيا اللتين تستغلان العراق اقتصاديًا منذ الغزو الأمريكى لبغداد عام 2003، فبالنظر إلى حجم التبادل التجارى بين العراقوتركيا، نجد أنه يصل إلى 16 مليار دولار سنويًا، بينما تصدر إيران بضائع بنحو 9 مليارات دولار سنويًا إلى العراق، فيما تسعى لزيادة التبادل التجارى مع العراق ليصل إلى 20 مليار دولار سنويًا، بغية الالتفاف على العقوبات الأمريكية . وبالمقارنة مع تلك الأرقام يصل حجم التبادل التجارى بين العراقوالأردن لنحو 560 مليون دولار خلال العام الماضي، فيما يبلغ حجم التبادل التجارى بين مصر والعراق لنحو 1.6 مليار دولار. وبات واضحًا أنه لا يمكن الفكاك من سيطرة بعض القوى الإقليمية على ميزان التجارة العربية، إلا عبر تفعيل اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجارى وبرنامجها التنفيذى لإقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى بين الدول العربية، ولعل اتفاق البلدان الثلاثة على إقامة منطقة حرة يكون بداية لتفعيل هذه الاتفاقية التى تعطلت لعقود. وتشكل هذه الاتفاقية إطارًا ناجحًا لتنظيم العلاقات التجارية بين البلدان العربية، كونها اشتملت على جملة من التفضيلات والامتيازات الممنوحة للسلع ذات المنشأ العربى المتبادلة فى إطار المنطقة بشكل أدركت هذه التفضيلات والامتيازات وعلت على ما هو موجود فى اتفاقيات الإطار الثنائي. ولعل ما قامت به الأردن العام الماضي، بعدما ألغت اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا، كان مؤشرًا مهمًا على أننا بصدد تطورات اقتصادية واستراتجية فى المنطقة، خاصة أن معظم الدول العربية تعانى من مشكلة العجز التجارى بسبب اتفاقيات التجارة الحرة مع الأتراك بشكل خاص . تحالف شرق المتوسط إذا كانت مصر فى طريقها لتشكيل تحالف اقتصادى مع العراقوالأردن تأخر لعقود طويلة، فإنها أقامت بالفعل خلال السنوات الثلاث الأخيرة تحالفًا ثلاثيًا آخر مع كل من قبرص واليونان. وتأسس التحالف المصرى القبرصى اليونانى، فى بداية الأمر على أرضية التعاون فى مجال الغاز الطبيعى فى منطقة شرق المتوسط لمواجهة الأطماع التركية- لكنه ما لبث أن توسع لاحقًا ليشمل مجالات الأمن والدفاع والطاقة والسياحة والاستثمارات والابتكار وريادة الأعمال وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وحماية البيئة وحماية التراث الثقافي. وعقدت فى إطار هذا التحالف نحو 7 قمم رئاسية عقدت فى الدول الثلاث خلال السنوات الأربع الأخيرة، وتمخض عن التحالف عدد من الاتفاقيات المهمة، كان أهمها اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين الدول الثلاث، والتى كان آخرها اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين اليونان ومصر، والتى وافق عليها البرلمان اليونانى الأسبوع الماضي. وأسفر هذا التعاون الثلاثى عن إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، والذى أُعلن عن إنشائه فى أكتوبر 2018، أثناء انعقاد القمة الثلاثية فى جزيرة كريت اليونانية، والتى جمعت الرئيس عبدالفتاح السيسى بالرئيس القبرصى نيکوس أنستاسيادس، ورئيس الوزراء اليونانى أنطونيس ساماراس، وضم هذا المنتدى الدول المنتجة والمستوردة للغاز ودول العبور بشرق المتوسط، وهي مصر واليونان وقبرصوالأردن وإيطاليا والسلطة الفلسطينية وإسرائيل وفرنسا. ونجحت مصر واليونان وقبرص فى توقيع اتفاق للربط الكهربائى فى يونية من العام الماضي، لتصدير الطاقة الكهربائية من أفريقيا لأوروبا عبر قبرص واليونان، حيث وقعت مصر اتفاقية لمد شبكة للربط الكهربائى بطول 310 كيلو متر مع شركة قبرصية بقيمة 2 مليار يورو. التحالف الرباعي يعد التحالف العربى الرباعى الذى نشأ بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين، بالتزامن مع إعلان المقاطعة مع قطر فى 2017، أحد أهم التحالفات التى شكلتها مصر مع البلدان العربية الشقيقة، التى اتفقت على أن مشروع الإخوان المسلمين يمثل تهديدًا للأمن القومى العربي. وعلى الرغم من أن هذا التحالف بدى أن هدفه الأساسى يكمن فى الضغط على قطر لإثنائها عن احتضان جماعة الإخوان وتمويل الإرهاب فى البلدان العربية، فإنه ما لبث أن اعتبر تحالفًا عربيًا موجهًا ضد المحور التركى الإيرانى غير المعلن، فقد أدت المقاطعة الرباعية لقطر لكشف التحالف القطرى مع إيرانوتركيا، بعدما وقفت الدولتان أمام هذه المقاطعة عبر مساعدة قطر فى الالتفاف على الآثار التى ترتبت عن تلك المقاطعة. ونتيجة للمواقف السياسية شبه المتطابقة لدول التحالف أصبح يُنظر إلى التحالف الرباعى العربي، بمثابة حائط صد أمام التدخلات الإيرانية والتركية فى المنطقة، حيث اعتبر هذا التحالف أساسًا لترسيخ الاستقرار فى المنطقة، من خلال مكافحة الدولة الداعمة للإرهاب. وبجانب التعاون السياسى والدبلوماسى بين دول التحالف، فقد أدى هذا التحالف لزيادة التعاون الاقتصادي والاستثمارى بين دوله، وتجسد هذا التعاون خلال زيارة الملك سلمان لمصر فى عام 2018، حيث قام الملك سلمان بتوقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية مع مصر بلغت قيمتها نحو 25 مليار دولار، بواقع 2 مليار دولار، لتنمية سيناء مع الصندوق السعودى للتنمية، بينها منحة لا ترد قيمتها 200 مليون دولار، و120 مليون دولار لتطوير مستشفى قصر العينى، واتفاقية تمويل إنشاء محطة كهرباء غرب القاهرة ب100 مليون دولار. فى النهاية نجحت مصر من قبل فى تشكيل تحالفات إقليمية، أثبتت فاعليتها فى كبح جماح القوى الطامعة فى المنطقة، لذلك فما من شك من قدرة التحالف الجديد فى تحقيق الهدف الذى أُنشئ من أجله، والذى بات لا يخفى على أحد أنه يتمثل فى تعزيز الجبهة الشرقية للعرب، والتى تسبب سقوطها فى عام 2003، فى فتح أبواب جهنم على دول المنطقة بأثرها.