فى تصعيد غير مسبوق، بدت عملية تكثيف الضغوط على «المنظمات الدولية» لتحقيق المصالح الأمريكية وحدها، وكأنها جزء أصيل من سياسات «إدارة ترامب».. وخلال الفترة الماضية فقط، استخدم «ترامب» ورقة فرض العقوبات، أو التهديدات المتنوعة، أو المشادات الكلامية العنيفة للضغط على تلك المنظمات. انعكاسا للأسلوب ذاته.. تفاقمت حدة العلاقات بين «الولاياتالمتحدة» والمحكمة الجنائية الدولية (ICC)، بعد أن أمر الرئيس «ترامب» بفرض عقوبات على مسئولى المحكمة، الذين يقومون بالتحقيق فى جرائم حرب محتملة، ضد ضباط الجيش الأمريكى، وحلفائهم. إذ تحظى المحكمة الجنائية الدولية بولاية قضائية على أربع جرائم رئيسية، وهى: (الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب، وجريمة العدوان). والمثير فى تلك التحركات الأمريكية، هو ظهور مزاعم تفيد بأن هذه الخطوة اتخذت بدفعة من جانب الكيان الصهيونى. وقد أعربت المحكمة الجنائية الدولية عن أسفها العميق لإعلان الإدارة الأمريكية عن مزيد من التهديدات والإجراءات القسرية، بما فى ذلك الإجراءات المالية ضد المحكمة، ومسئوليها. ثم وصفت الإجراء الأمريكى بأنه الأحدث فى سلسلة من الهجمات (غير المسبوقة) عليها، ويشكل تصعيدًا، ومحاولة غير مقبولة للتدخل فى سيادة القانون، والإجراءات القضائية للمحكمة. موقع (CNN) أكد بدوره أنه بموجب الأمر التنفيذى الأمريكى الجديد، فإن أى أفراد شاركوا بشكل مباشر فى أى جهد من جانب المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق فى قضايا تخص موظفى «الولاياتالمتحدة»، أو اعتقالهم، أو احتجازهم، أو محاكمتهم، من دون موافقة «واشنطن». أو حاولوا القيام بنفس تلك الخطوات ضد (حليف) للولايات المتحدة من دون أخذ موافقة، قد يخضعون للعقوبات. جاءت الخطوة الأمريكية الأخيرة، بعد شهور من تفويض المحكمة الجنائية الدولية بإجراء تحقيق فى جرائم الحرب التى ارتكبتها القوات الأمريكية والأفغانية داخل «أفغانستان»، بالإضافة إلى جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التى ارتكبتها حركة «طالبان». كما جاءت تلك الخطوة أيضاً فى أعقاب دفع مدعى عام المحكمة «فاتو بنسودة» للتحقيق فى الجرائم المحتملة، التى ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين. وتم شجب هذا الإجراء الأمريكى فى بيان أرسل إلى «البيت الأبيض»، كتبه 175 من علماء القانون والمحامين المتخصصين فى القانون الدولي، الذين قالوا إن معاقبة المدعين والمحققين، بدلاً من مرتكبى جرائم الحرب الدولية «خطأ من حيث المبدأ، ويتعارض مع القيم الأمريكية، ويضر بالأمن القومى الأمريكى». وكتبوا: «إن السعى لتخويف المحققين ومعاقبة المدعين يفسد الغرض، ويقوض شرعية العقوبات»، وفقاً لمجلة «ناشيونال إنتريست». ثم أوضحت المجلة الأمريكية (أى: ناشيونال إنتريست) أن الدافع لهذه الخطوة الأخيرة من جنون العقوبات الأمريكية، هو توفير غطاء لإسرائيل، وأن الإدارة الأمريكية نسقت العقوبات مع حكومة «بنيامين نتنياهو» الإسرائيلية. إذ يوجد الكثير أمام المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق فيه، فيما يخص الخسائر البشرية بين المدنيين الفلسطينيين فى جولات القتال الإسرائيلية. وفى المقابل.. أكدت صحيفة «جيروزاليم بوست» أن إدارة «ترامب» قامت بتنسيق الأمر التنفيذى، الذى يجيز العقوبات الأمريكية، ضد موظفى المحكمة الجنائية الدولية مع الحكومة الإسرائيلية، وفقا للمراسل الدبلوماسى للقناة 13 الإسرائيلية «باراك رافيد». وأضاف «رافيد»: إن أحد الأسباب الرئيسية لزيارة وزير الخارجية الأمريكى «مايك بومبيو» لإسرائيل خلال مايو الماضى، كان من أجل تنسيق وكيفية تنفيذ تلك العقوبات، وفقاً لأقوال مصادر إسرائيلية، رفض ذكر أسمائها. مؤكداً أن تبادل وجهات النظر بين الحكومتين، فيما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية كانت متقاربة جدًا. وهو أمر لم يتم ذكره، من أجل منع تسرب المعلومات بالخطأ. وأوضح التقرير الإسرائيلى أن «نتنياهو»، ووزير البنية التحتية للطاقة والموارد المائية الاسرائيلى «يوفال شتاينيتز»، المسئول أيضاً عن الدفاع عن الجانب الإسرائيلى ضد المحكمة الجنائية الدولية، كانا حاضرين هذا الاجتماع. وقد دفع «شتاينيتز»، «بومبيو» لإصدار عقوبات ضد المسئولين داخل المحكمة الجنائية الدولية فى ذلك الوقت. وبعد تلك الزيارة، ظل الجانبان على اتصال وثيق فيما يتعلق بتوقيت الخطوة، وكذلك ما ستستلزمه العقوبات. وبعدها، ندد وزير الخارجية الأمريكى «بومبيو» بالمحكمة الجنائية الدولية، التى تضم 123 دولة، باعتبارها (محكمة الكنغر). وهو مصطلح يعنى أن المحكمة القضائية تتجاهل بشكل صارخ القوانين المعترف بها، ومبادئ العدالة، وتتجاهل فيها عمداً أى التزامات قانونية أو أخلاقية. ثم كتب فى بيان «البيت الأبيض»، أن: «رغم الدعوات المتكررة من جانب «الولاياتالمتحدة» وحلفائها للإصلاح، إلا أن المحكمة الجنائية الدولية لم تتخذ أى إجراء لإصلاح نفسها، وتواصل متابعة التحقيقات ذات الدوافع السياسية ضد «واشنطن» وحلفائها، بما فى ذلك إسرائيل...نحن قلقون من أن الدول المعادية تتلاعب بالمحكمة الجنائية الدولية، بتشجيع هذه الادعاءات ضد أفراد «الولاياتالمتحدة». كانت المدعى العام «بنسودة»- الملغى تأشيرتها من قبل «واشنطن» كعقوبة- تريد التحقيق مع الحكومة الإسرائيلية، بشأن جرائم الحرب التى ارتكبت فى «الضفة الغربية»، و«القدسالشرقية»، وقطاع «غزة». مؤكدة أن لديها سببًا للاعتقاد بأن الجيش الإسرائيلى ارتكب جرائم حرب فى «غزة»، وخاصة خلال حرب 2014. كما كتبت «بنسودة» أن لديها سببا للاعتقاد بأن تصرفات السلطات الإسرائيلية فى «الضفة الغربية»، و«القدسالشرقية» يمكن أن تندرج تحت بند «جريمة حرب»، وذلك على خلفية نقل السكان المدنيين إلى الأراضى المحتلة. وعلق «بومبيو» فى شهر يناير الماضى، أن المحكمة الجنائية الدولية استهدفت إسرائيل بشكل غير عادل، عندما تم الإعلان عن هذه التصريحات. وفى ديسمبر الماضى، أعلن أن موقف «الولاياتالمتحدة» بشأن هذه المسألة، هو أن المستوطنات الإسرائيلية فى «الضفة الغربية» قانونية بموجب القانون الدولى!! وفى النهاية، أثارت تحركات الإدارة الأمريكية لردع تحقيقات المحكمة، إدانة على الساحة العالمية، تماماً مثل جميع ردود الفعل الدولية الأخرى التى جاءت بعد قرارات «ترامب» العنيفة، والهوجاء فى بعض الأحيان تجاه المنظمات الدولية، التى طالما ادعى الغرب احترامها! فقد قالت «الأممالمتحدة» إنها تشعر بقلق إلى الأمر التنفيذى الأمريكى. واتفق معها مسئول السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، «جوزيب بوريل»، بأن القرار الأمريكى يعد أخبارا سيئة للغاية، ومسألة مثيرة للقلق الشديد. كما أعربت دولتا «ألمانيا»و«فرنسا» عن استيائهما. وقال وزير الخارجية الهولندى «ستيف بلوك» إنه منزعج للغاية من الإجراءات الأمريكية، ضد المحكمة الجنائية الدولية. ثم كتب على موقع التواصل «تويتر»: «ندعو «الولاياتالمتحدة» إلى عدم معاقبة موظفى المحكمة الجنائية الدولية. و«هولندا» تدعم المحكمة الجنائية الدولية بشكل كامل، وستواصل القيام بذلك. المحكمة الجنائية الدولية حاسمة فى مكافحة الإفلات من العقاب، ودعم سيادة القانون الدولى». كما علقت منظمة حقوق الإنسان أن تجميد الأصول وحظر السفر يجب أن يكون لمنتهكى حقوق الإنسان، وليس المدعين العامين، والقضاة الذين يسعون إلى تحقيق العدالة للضحايا. وفى وسط كل هذا، كانت إسرائيل، هى المرحبة الكبرى بالقرار الأمريكى، إذ اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلى «نتنياهو» المحكمة الجنائية الدولية بتلفيق اتهامات غريبة ضد حكومته!