أربعة أيام فقط كانت كفيلة بتغيير المشهد من الانكسار إلى الانتصار.. ومن التطاول إلى الفخر والرأس المرفوع.. 96 ساعة كانت خير دليل على قوة الدولة المصرية، وحمايتها لجميع أبنائها فى الداخل والخارج، تحركات سياسية ودبلوماسة ومخابراتية، تكللت بالنجاح فى الساعات الأولى من صباح الخميس بإعادة العمال المصريين المحتجزين فى ليبيا. بداية الأزمة
بداية الواقعة كانت يوم الأحد الماضى بتداول فيديو على مواقع التواصل الاجتماعى يظهر عددا من العمال المصريين محتجزين من قبل ميليشيات مسلحة تابعة لقوات بركان الغضب فى ترهونة، وأظهرت المشاهد عمليات تعذيب وحشى وإهانة تعرّض لها العمال المصريون، وإجبارهم على الوقوف تحت أشعة الشمس حفاة، وعلى قدم واحدة ورفع أيديهم إلى الأعلى، وإجبارهم على ترديد ألفاظ نابية وهتافات مؤيدة لحكومة الوفاق التى تسيطر على العاصمة طرابلس.
بمجرد نشر الفيديو، بدأت تحركات على أعلى المستويات من أجل الكشف عن تفاصيل الواقعة والتأكد من حقيقة الواقعة من أجل إعادة حقوق العمال المصريين، حيث أكدت الحكومة المصرية أنها لن تقف مكتوفة الأيدى أمام إهانة أبنائها فى الخارج، ومع التحركات الرسمية، خرجت داخلية حكومة الوفاق لتعلن تبرؤها من الميليشيات المسلحة التى قامت باحتجاز العمال المصريين، وتعلن عن مكافأة لمن يدلى بمعلومات عن مكان احتجازهم.
المتحدث باسم الجيش الليبى، اللواء أحمد المسمارى، خرج، مساء الأحد، مقدما الاعتذار للشعب المصرى والقيادة المصرية، عن الفيديو الذى ظهر فيه عدد من العمال المصريين أثناء تعرضهم للتعذيب على أيدى الميليشيات فى طرابلس، متهما صبية أردوغان بأنهم وراء الحادث، مؤكدا أن العمال المصريين ضيوف فى ليبيا، جاءوا للعمل لكنهم وقعوا فى أيدى ميليشيات تسعى إلى تعذيبهم. البرلمان يتدخل
أروقة مجلس النواب، كان الأشد جدلا خلال يوم الاثنين الحديث عن أزمة العمال المصريين فى ليبيا، فما بين اجتماعات اللجان الخاصة إلى الجلسة العامة للبرلمان لم تمر الأزمة دون المطالبات بتدخل عاجل من أجل كرامة المصريين، حيث أكد النائب مصطفى بكرى عضو مجلس النواب أن مصر لن تسكت على وقائع تعذيب المصريين فى ليبيا، وما حدث للعمال المصريين من تعذيب وإذلال لن يمر دون عقاب، مصر لا تفرط فى حقوق أبنائها.
من جانبها، أكدت وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج السفيرة نبيلة مكرم، أن مصر لن تسكت تجاه أى اعتداء على المصريين فى الخارج، وستتخذ موقفا عمليا من أجل حمايتهم، مستشهدة خلال اجتماع لجنة الشئون العربية بمجلس النواب، بما قامت به الدولة المصرية للرد على جريمة داعش التى ارتكبتها فى حق المصريين بليبيا.
وطالب النائب أحمد رسلان، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، باتخاذ إجراء رادع وقوى ضد الانتهاكات التى تمارس مع العمال المصريين فى ليبيا، وهو ما رد عليه رئيس مجلس النواب الدكتور على عبدالعال خلال الجلسة العامة: «اصبر اصبر.. كل شىء سيتم ولكن بحساب».
تحركات مصرية
على مدار ما يزيد على 72 ساعة، قادت مصر العديد من التحركات من أجل تأمين سلامة العمال المصريين، ففور ورود الأنباء والمعلومات حول احتجاز المواطنين، تم البدء فورًا فى اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للتعامل مع الموقف وبالتواصُل مع المؤسسات والسلطات الأمنية فى ليبيا من أجل تحرير العمال المصريين، انطلاقًا من حرص الدولة المصرية على أمن وسلامة مواطنيها فى الداخل والخارج.
وقادت مؤسسات الدولة المصرية، ممثلة فى اللجنة الوطنية المعنية بالملف الليبى، المشكلة من وزارة الخارجية والأجهزة الأمنية والسيادية باتصالات مكثفة مع بعض الشخصيات الليبية فى حكومة الوفاق وبالتنسيق مع الجيش الوطنى الليبى.
وعملت القطاعات المختلفة فى الدولة على تنفيذ تكليفات الرئيس عبد الفتاح السيسى بتأمين عودة العمالة المصرية المختطفة فى مصراتة، والتحرك للإفراج عن أى عامل مصرى مختطف غرب البلاد، وهو ما تكلل رسميا مساء الأربعاء بالإعلان الرسمى عن ضبط المتورطين فى عملية احتجاز العمال المصريين.
حكومة الوفاق
ومع مساء يوم الأربعاء الماضى، خرج بيان من داخلية حكومة الوفاق الليبيبة، معلنة القبض على المتورطين فى الإساءة للعمال المصريين، والتحقيق معهم تمهيدا لإحالتهم لمكتب النائب العام فى طرابلس.
وكشفت داخلية حكومة الوفاق أن أجهزة الضبط تمكنت من رصد مكان واقعة الإساءة للعمال المصريين، والكشف عن المتورطين فى الواقعة، ونحجت فى القبض عليهم ويجرى حاليا التحقيق معهم، وأنه تم التعرف على العمال المصريين وهم جميعا بخير وحاليا يتمعتون بحريتهم ويمارسون أعمالهم، وأنه سيتم الاستماع لأقوالهم فيما تعرضوا إليه من إساءات تخالف القوانين والأعراف.
داخلية حكومة الوفاق أكدت فى بيانها على العلاقات التاريخية التى تربط ليبيا بمصر وأنه لا يمكن للتصرفات الفردية أن تنال منها، موضحة فى الوقت نفسه أن الاختلافات السياسية لا يمكن أن تمس من علاقات الأخوة والمحبة بين الشعبين.
خطة العودة
بالتزامن مع الإعلان الرسمى من حكومة الوفاق، صدرت توجيهات من الرئيس السيسى لجميع الأجهزة المعنية بتأمين إعادة المصريين إلى مصر، ومع الساعات الأولى من صباح الخميس، تكللت جهود السلطات المصرية بالنجاح فى إعادة 23 مصريا احتجزتهم الميليشيات الليبية، وكان فى استقبالهم بمنفذ السلوم اللواء خالد شعيب محافظ مطروح والقيادات الأمنية المعنية مع حفاوة الترحيب والاستقبال وعودتهم سالمين إلى أرض الوطن.
وأكد محافظ مطروح أن مصر تحافظ على أبنائها فى الداخل والخارج ولن تتهاون فى الحفاظ على كرامتهم، موضحا أنه تم التنسيق مع حكومة الوفاق والجيش الليبى لإعادة المصريين، موضحًا أنه نتيجة التنسيق تم عودة المصريين والقبض على تلك الميليشيات. ووجه محافظ مطروح رسالة طمأنة للمصريين العائدين، قائلًا: «حمدا لله على سلامتكم، مصر أولى بكم وستحضنكم ولن يبنى مصر إلا سواعد أبنائها، لا تقلقوا مصر بها مشروعات تنموية كبيرة فى كل المحافظات وستجدون وظائف تعملون بها».
وأضاف محافظ مطروح أن كل الأجهزة المعنية لم يغمض لها جفن، وتم التنسيق بشكل كامل بين الأجهزة لعودة المصريين، موضحًا أن توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى، منذ بدء الأزمة بأن كل الأجهزة المعنية تشكل خلية لإدارة الأزمة، ووجه محافظ مطروح الشكر للرئيس السيسى: «شكرا للرئيس السيسى الذى لم يغمض له جفن حتى عودة المصريين وكل أجهزة الدولة وشكرا للجيش المصرى، وهى دى مصر وكرامة المصرى فوق كل شىء».
فرحة العودة
فرحة كبيرة سادت جميع أنحاء محافظة بنى سويف، حيث عمت قرية كوم الرمل الزغاريد والأفراح، بعد أن استيقظ الأهالى على خبر عودة 23 من أبناء القرية بعد احتجازهم داخل أحد المدن الليبية على أيدى الجماعات المسلحة وتدخل القيادة السياسية لعودتهم لأرض الوطن.
وعبر الشباب العائدون من ليبيا لحظة وصولهم للقرية عن سعادتهم الكبيرة بما قدمه لهم الرئيس عبد الفتاح السيسى، وقدموا الشكر للرئيس القوات المسلحة والأجهزة المعنية على إعادتهم لأرض الوطن، مؤكدين أنهم بعد تلك الحماية لهم من أيدى الجماعات المسلحة شعروا بأنهم يعيشون فى وطن يحمى أبناءه بكل قوة ولا يهاب أحدا، وأن القوات المسلحة المصرية جيش لا يقهر وقادرون على حماية أبنائهم فى مصر وخارجها.
ووجه أهالى المحتجزين الشكر للرئيس السيسى والدعاء له بأن ينصره الله، مستنكرين ما تقوم به الجماعات الإرهابية، خاصة جماعة الإخوان، وقالوا إنهم كانوا يتوقعون قيام الدولة بإنقاذهم ولكنهم لم يتوقعوا حدوث ذلك بسرعة كبيرة.
الدكتور محمد هانى، محافظة بنى سويف، أكد أن القيادة المصرية أثبتت للمصريين والعالم أجمع، أن الشعب المصرى فى أعين قيادتها ويحميهم، ومصر تحافظ على المصريين فى كل مكان وتحمى حريتهم وحقهم وتصونه داخل الدولة المصرية وخارجها. وأضاف: «كل مواطن مصرى من حقه أن يعرف أن فيه دولة بتحميه وترجعه لحد بلده، وأن رجال الدولة قاموا بملحمة كبيرة لإعادتهم لمنازلهم، وتوجد حالة ارتياح كبيرة بين الشعب المصرى، ومن يومين كنا عاوزين نطمن عليهم ودلوقتى بعد يومين رجعوا أرض بنى سويف، فهناك قيادة واعية تعمل وتحل كل الأزمات على أرض الوطن وخارجها، فالقيادة المصرية تطمئن الجميع أن أى مواطن مصر يتواجد بالخارج فى أعين القيادة السياسية ولن يتم تركه يتعرض للخطر».
توجيه رئاسى للمخابرات
الرئيس عبدالفتاح السيسى وجه المخابرات العامة بمواصلة الجهود واتخاذ جميع الإجراءات بالتعاون مع أجهزة الدولة من أجل الحفاظ على سلامة وأرواح المصريين فى الخارج.
جاء ذلك خلال اجتماع الرئيس الخميس مع رئيس المخابرات العامة عباس كامل، حيث تم استعراض جهود أجهزة الدولة فى غنهاء أزمة العمال المصريين الذين كانوا محتجزين فى ليبا بناء على تكليفات الرئيس عبدالفتاح السيسى.
المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، السفير بسام راضى، كشف أن اجتماع الرئيس السيسى مع رئيس المخابرات تناول التطورات الحالية للأزمة الليبية، بعد صدور مبادرة «إعلان القاهرة» والجهود المبذولة من أجل تحقيق بنودها، خاصة وقف إطلاق النار.
تحذيرات الخارجية
المستشار أحمد حافظ، المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية، كشف تفاصيل خطة إعادة العمال المصريين من ليبيا، مؤكدا أنه فور ورود الأنباء والمعلومات حول احتجاز المواطنين، تم البدء فورًا فى اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للتعامل مع الموقف وبالتواصُل مع المؤسسات والسلطات الأمنية فى ليبيا والتى نثمن جهودها واستجابتها السريعة، حيث أسفر ذلك عن سرعة الإفراج عن المواطنين المصريين المحتجزين وتأمين عودتهم إلى أرض الوطن، فى إطار التعاون مع الأشقاء فى ليبيا وانطلاقًا من حرص الدولة المصرية على أمن وسلامة مواطنيها فى الداخل والخارج.
وناشد المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية المواطنين المصريين المتواجدين بالأراضى الليبية بتوخى أقصى درجات الحيطة والحذر، والابتعاد عن مناطق التوتر والاشتباكات حرصًا على سلامتهم وذويهم، لاسيما مع تزايد أنشطة بعض العصابات المسلحة الخارجة عن القانون فى بعض المناطق بليبيا.