نادرًا ما يجد متابعو مسلسلات موسم رمضان أعمالًا من نوعية الدراما الرومانسية، فأغلب التركيز يكون على الكوميديا والدراما الاجتماعية، كثيرًا ما نجد علاقات عاطفية رومانسية فى المسلسلات ضِمْن أحداثها، ولكن موسم رمضان 2020 مختلف؛ حيث شهد عرض عدد من المسلسلات التى تنتمى لهذا النوع أبرزها وأفضلها (ونحب تانى ليه).
ورُغم الفرص والدعاية المكثفة التى حظى بها مسلسل (فرصة تانية) ل«ياسمين صبرى»، وانتظار الكثير من جمهور هذه النوعية علاقة عاطفية كالتى سبق أن شاهدوها فى (حكايتى) العام الماضى بينها وبين «أحمد صلاح حسنى»، رُغم ضعف المسلسل فنيّا؛ فإنه كان بشكل أو بآخر نوع من الدعاية وسبب فى حالة الترقب لمسلسلها هذا العام، الذى جاء أسوأ فنيّا من مسلسل العام الماضى، مما أخرجه مبكرًا من السباق؛ ليتصدر هذه النوعية مسلسل (ونحب تانى ليه) كونه الأنضج والأكثر تماسكًا فى التعامل مع المشاعر وربطها بالطبيعة البشرية والتصرفات المنطقية.
بطلة المسلسل «ياسمين عبدالعزيز» قدّمت أكثر من عمل ضعيف فنيّا فى السنين القليلة الماضية، ومع بداية الموسم لم تكن ضِمْن المسلسلات المتنافسة، أعمالها السابقة واختياراتها لم تكن تدعم النظر بشكل جاد وموضوعى لمسلسلها.. النظرة نفسها وُجّهت ل«شريف منير» بطل المسلسل، لكن مع انطلاق الحلقات الأولى تم دفع هذه الفكرة بعيدًا، ومستواه الجيد دفع متابعيه للتعامل معه بجدية.
السبب الرئيسى فى النجاح هو السيناريست «عمرو محمود ياسين»، الذى يتقدم بشكل ثابت وناجح فى التأليف مقارنة بالتمثيل، تركيزه على كتابة السيناريو هو اختيار ذكى، وكونه يركز أكثر على الرومانسية والعلاقات العاطفية هو مكسب بالتأكيد. انطلاقًا من عنوان المسلسل (ونحب تانى ليه) يعكس «عمرو» على شخصية «غالية - ياسمين عبدالعزيز»، العديد من مشاكل المرأة فى المجتمع المصرى وما شابهه من مجتمعات، فالأم الشابة والزوجة التى تحاول إرضاء زوجها «عبدالله - شريف منير» والفنانة الموهوبة صاحبة «الجاليرى» الذى تعرض فيه إنتاجها للبيع، تجد نفسها فى مأزق حياتى بعد أن انفصل عنها زوجها لتكتشف أنها فى الحقيقة لم تكن حية، بل كانت مدفونة تحت أطنان من المشاعر المزيفة. انطلاقة «غالية» وانفتاحها يجعلاها تتعرف على آخرين وتقع فى الحب من جديد، وكل هذه التفاصيل مثلما صنعت حياتها صنعت المشاكل، فما بين شخصية «عبدالله» الأنانية المسيطرة الطامعة وغيرة الحبيب «مراد - كريم فهمى» تتحمل «غالية» الكثير من الضغوط.
«عمرو محمود ياسين» رسم الشخصيات بعمق يعتمد على دوافع نفسية بناءً على السلوك والطباع وليس بشكل سطحى يركز فقط على المشاعر والحوار الثنائى بين المحبين، لذلك تأثير الشخصيات على الجمهور جاء أكبر، واستطاع المؤلف بذلك أن يهرب من الخطأ الذى يقع فيه كثيرٌ ممن يكتبون أعمالًا رومانسية، ولم يمنع هذا الاهتمام بالشخصيات وطبائعها ألا يتخلل السيناريو الكثير من الكوميديا بشكل موزون.
السيناريو الجيد مدعوم بأداء تمثيلى جيد من الأبطال الثلاثة الرئيسيين «ياسمين وشريف وكريم»، وأداء مميز ل«سوسن بدر، ليلى عز العرب، عماد رشاد، إيمان السيد وتارا عماد». ونستطيع القول إن المسلسل يمثل عودة قوية ل«ياسمين وشريف» فكلاهما بذل جهدًا واضحًا على الشاشة بعد سنوات من غياب لهذا الأداء، ما يعيدنا لنجاحات سابقة فى السينما والتليفزيون ويذكرنا بالسبب وراء تصدرهما المشهد كنجمين من الأساس فى فترات سابقة.
«مصطفى فكرى» مخرج العمل نجح فى إدارة أداء الممثلين وربما تعاونه مع «عمرو محمود ياسين» فى أعمال سابقة منح العمل تناغمًا بين الجميع.
نجاح مسلسل (ونحب تانى ليه) مؤشر على أهمية هذا النوع من الأعمال والمفتقد فى السينما والتليفزيون، والاهتمام بعناصره الفنية وحُسن اختيار الكاتب والمخرج وكذلك تسكين الممثلين يعنى أنه ليس من الصعب أو المستحيل تكرار التجربة ومنافستها لنوعَى الدراما الاجتماعية والكوميديا.
