قديمًا كان الفيضان كارثة يحل بسببها الخراب على الأخضر واليابس، ويعطل حياة الإنسان، إذ يقف عاجزًا عن مواجهته، لكن مع تطور البشرية أصبح بإمكانهم ترويض تلك القوة الطبيعية لصالحهم ببناء السدود، فتحول أثره السلبى إلى نعمة.. هذا بالضبط ما يحاول العالم أن يفعله الآن مع انتشار فيروس كورونا، من خلال استغلال تلك الحالة العامة من القلق لترسيخ عادات إيجابية من شأنها أن تحسن من وضع الناس فيما بعد.
«هتوصل أسرع» كانت المبادرة التى أطلقها شباب «نجع حمادى» بقنا للاعتماد على الدراجات بدلًا من المواصلات العامة، فى الوقت الذى تنتشر التحذيرات من الاختلاط بين الناس وضرورة المكوث فى المنزل، وتهدف المبادرة إلى تقليل التكدس فى وسائل المواصلات وتجنب الإصابة بالفيروس، إضافة إلى الحفاظ على اللياقة البدنية والعيش فى بيئة نظيفة وحياة صحية.
«محمد»: قدرت أحمى نفسى
كانت الفكرة تجول بخاطره منذ فترة طويلة، لكنه لم يجد الفرصة المناسبة لتطبيقها، إلى أن بدأت أزمة فيروس كورونا المستجد، كان محمد عبدالواحد، صاحب ال 32 عامًا، يتابع إرشادات وزارة الصحة ووسائل الإعلام عن تقليل الاختلاط، وضرورة وجود مسافات بين الناس فى تعاملاتهم اليومية، إلى أن تم تطبيق الحظر اليومى للحد من استخدام المواصلات العامة، وهنا قرر إطلاق مبادرة «هتوصل أسرع» لحث المواطنين على استخدام الدراجة والاعتماد عليها فى الانتقال وحتى الذهاب بها إلى العمل.
ويقول: «الفكرة كانت من زمان ولكن اتنفذت من شهر تقريبًا بالتزامن مع بدء تطبيق فكرة التباعد والحد من استخدام المواصلات العامة، والهدف من المبادرة بيئة نظيفة، حياة صحية، توفير وقت، تقليل استهلاك بنزين، توفير نقود، تقليل الضغط على المواصلات العامة واللجوء لها عند الضرورة واقتصارها على الأماكن البعيدة والسفر».
يوضح «محمد» أنه كان يعتمد بشكل كامل فى تنقلاته على المواصلات ما يهدر الكثير من الوقت، إضافة إلى التلاحم الكبير داخل «الميكروباص» الذى يتنافى مع طرق الوقاية من فيروس كورونا المستجد: «فى ناس كتيرة مش بتلتزم بوسائل الوقاية الاحترازية زى الكمامات والجوانتى، ففكرت فى العجلة لأنى ممكن أستفيد منها بشكل رياضى وأقضى بيها كل مشاويرى وأروح بيها الشغل، ووفرت عليا وقت كتير بين مواصلتين انتقال لمقر عملى ووفرت تكلفة مواصلات، كمان فرقت معايا فى تقليل الاختلاط بأكبر قدر من الناس، وحسيت نفسى نشيط ومتفائل وبطلع أى طاقة سلبية جوايا».
ردود أفعال الناس على المبادرة كانت إيجابية حيث بادر البعض بتطبيق الفكرة والالتزام بها: «رد فعل الناس أسعدنى كتير، وكتير حابب يخوض التجربة وطبعًا كان فيه القليل جدًا اللى باصص للموضوع بإنه مش هينفع وهيقلل من شأنه أو مكانته ودى طبعًا ثقافة غائبة عننا ومش كتير بيشوف إيجابيات الموضوع».
يقضى «محمد» يومه كاملًا بالدراجة، حيث يذهب إلى عمله صباحًا ويشترى جميع طلبات المنزل عند عودته: «الحمد لله مفيش أى صعوبات فى المبادرة وتشجيع الناس خلانى أتشجع إنى أكمل فى دعمها ونشر ثقافتها».
«إبراهيم»: مش خايف من العدوى
عمله بصفته معلم تربية رياضية ومدرب أحمال وتأهيل رياضى جعله مدركًا أهمية المبادرة، لذا بادر «إبراهيم عباس» صاحب ال40 عامًا بشراء الدراجة سريعًا، إذ يقطع مسافات طويلة عند ذهابه لعمل جلسات تأهيل، إضافة إلى الصعوبات التى يواجهها فى المواصلات العامة، يقول: «كنت بروح أماكن بعيدة عنى أو خارج المدينة، والسواقين كانوا بيستغلوا الركاب.. اشتركت فى المبادرة عشان المحافظة على الصحة العامة وتنشيط الدورة الدموية وتقوية عضلات جسمى».
ويؤكد «إبراهيم» أن السلبيات التى كان يواجهها خلال يومه فى المواصلات العامة دفعته إلى شراء الدراجة فور انطلاق المبادرة: «كنت بشعر بعدم الراحة من الازدحام، تأخير الوقت وضياعه بسبب توقف السائق كثيرًا بسبب نزول أو ركوب زبون، التدخين داخل السيارة من الركاب ومن السائقين، الموضوع ليه إيجابيات كتيرة زى توفير الوقت والمال، راحة نفسية كبيرة وتنفس هواء نقى، لإنى كنت باختار طرق غير مزدحمة بيكون فيها أشجار أو زرع، كمان بدأت أحس إن نفسى بدأ يطول بسبب زيادة السعة الهوائية وتقوية الرئتين».
يوضح «إبراهيم» أن اعتماده على الدراجة فى التنقل جعله يشعر بالأمان بعيدًا عن تفشى فيروس كورونا واحتمالية الإصابة به: «مش خايف من العدوى وبقوى عضلات جسمى، بعدت عن الزحمة والاستغلال، وطبعًا العجلة بتعمل على تحسين عمل أجهزة الجسم الحيوية، وبتزيد من عملية الحرق اللى بيحتاجها كل إنسان، كما ساعدتنى أخس كام كيلو من وزنى وأحافظ عليه أكتر، هى فعلًا فرصة حلوة أوى لأى حد عاوز ينزل وزنه»، مشيرًا إلى أن ردود أفعال من حوله كانت إيجابية وشجعته على الاستمرار: «جيرانى وزملائى فى العمل استحسنوا الفكرة وفيه فعلًا اللى جاب عجلة وبدأ يروح بيها مشاويره».
«شريف»: أتجنب الطرق المزدحمة
يركب دراجته فى الصباح الباكر متجهًا إلى عمله، يسلك الشوارع والطرق الهادئة، ويحرص على الابتعاد عن الازدحام، هكذا يبدأ «شريف سمير» صاحب ال 39 عامًا، يومه، والذى يعمل بإدارة شركة توكيلات تجارية، يقول: «الفكرة من فترة فى دماغى، وشوفت الرئيس عبدالفتاح السيسى بيشجع على ركوب العجل، اقتنعت أكتر، وكان نفسى أنفّذ الفكرة بس عامل الوقت كان هو السبب، عشان آخد القرار الموضوع خد وقت طويل، لحد ما بدأت أزمة كورونا ولقيت إن ده أنسب وقت لتطبيق الفكرة»، مؤكدًا أن قيادة الدراجة ساعدته على الهروب من الزحام والترشيد فى استخدام السيارات، إضافة إلى فقدانه بعضًا من وزنه والحفاظ على صحته.
ويوضح أن معظم الطرق مؤهلة للاعتماد على الدراجة فى التنقل: «وفرت وقت كتير جدًا الحمد لله، مبقتش بحتك بأى حد فى وسائل المواصلات اللى اتزحمت كمان بعد الحظر، لما الناس شافتنى بالعجلة بدأوا يسألونى عن سعرها ويعرفوا جبتها منين عشان يطبقوا نفس الفكرة، بروح بيها كل مكان واتنقل بين شغلى، وده بيخلى حركتى خفيفة وبعمل كل حاجة بنشاط وسرعة».
«عبده»: بعمل كل مشاويرى بسهولة من غير خوف من الفيروس
توصّل «عبده جمال» صاحب ال 29 عامًا، إلى فكرة المبادرة من خلال موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، وبادر بشراء الدراجة إلى أن باتت رفيقه الدائم أينما يذهب، يقول: «فرقت معايا فى عدم التقيد بالمواصلات العامة.. كنت بركب ميكروباص فى الأول، ودلوقت مفيش أى مشكلة بتقابلنى فى ركوب العجلة، كمان تكلفتها المادية متوسطة، واللى اتغير إنى مبقتش محتاج أنتظر المواصلة لوقت طويل أو أحتك بالناس بصفة مباشرة وعن قرب».
ويعمل «عبده» مدرب لياقة بدنية لدى الاتحاد المصرى للياقة البدنية وكمال الأجسام: «العجلة بتزيد من معدل اللياقة عندى وده مش بيخلينى أحس بالتعب أو الكسل من أداء المشاوير، الحمد لله العجلة مخليانى مش بحتك بالناس بصفة مباشرة ومش بتعامل معاهم عن قرب وده بيتيح ليا إمكانية إنى أعمل كل مشاويرى بسهولة ومن غير قلق أو خوف من العدوى».
ويوضح أن قيادة الدراجة ساعدته على حرق المزيد من السعرات الحرارية: «بتحرق الدهون.. وردود الأفعال من البعض بتكون سيئة بالتريقة أو ما شابه، لكن الأغلب بيكون بكلمة ياريتنا نقدر نعمل زيك، فى الطبيعى إنى بتنقل بيها من بيتى للشغل والعكس ده غير إن لو فى أى مشوار تانى بتكون أول تفكير ليا إنى أروح بيها علشان أبذل طاقة أكبر، بس أكتر صعوبة بتقابلنى المكان اللى هسيب فيه العجلة فى أمان من غير ما أخاف عليها من السرقة».