الحزن يُخيّم على الوجوه، البهجة اختفت من الشوارع، مظاهر الاحتفال لا تكاد تجد لها موطئًا، بعد أن فرض فيروس كورونا قوانينه وشروطه على كافة أرجاء المحروسة، بما فى ذلك الطقوس والاحتفالات الدينية، فأجواء استقبال شهر رمضان المبارك لم تعد كما كانت فى السابق، والتحضيرات له تجرى على استحياء، وسط مخاوف من الوباء اللعين.
الأسر المصرية، أصابها الحزن حول مصير الشهر الكريم، والذى ستحرم فيه للمرة الأولى من ارتياد المساجد، لصلاة التراويح والقيام، فى ظل الإجراءات الوقائية لمنع انتشار «كوفيد 19»، فضلاً عن أن رحلة شراء مستلزمات الشهر واحتياجات الزينة، وغيرها من الطقوس الرمضانية، تغيرت ملامحها؛ وأصبحت لها مخاطر يجب تجنبها، وباتت لرحلة شراء متطلبات الشهر شكلًا مختلفًا عند البعض، واعتبرها آخرون مجازفة نظرًا للظروف الوبائية التى خيمت على البلاد.
بضاعة معقمة
«بضاعة متعقمة تعالوا متخافوش» كانت تلك الكلمات تتردد فى الأرجاء، حين أجرت «روزاليوسف» جولة، فى منطقة العتبة، الغورية، والحسين، أشهر الأماكن المُخصصة لبيع ياميش رمضان، وزينته، لمتابعة حركة البيع والشراء في ظل الظروف الراهنة التى يعانى منها العالم، ورغم حظر التجوال الذى فرضته الحكومة على المواطنين لمنع الاختلاط قدر الإمكان، فإن أسواق بيع الاحتياجات الرمضانية كانت لها زبائنها، الكِبار منهم والأطفال، لم تغير بسيطًا عن ما كان عليه فى السابق من حيث الاحتياطات التى اتخذها المواطنون لمتابعة حياتهم بشيء من الاطمئنان.
مر على زواجها 4 أعوام، وحتى الآن، لم تتخلف «أميمة محمود» عن اصطحاب زوجها، صغارها وحقيبة يدها، لشراء ياميش الشهر الكريم، روتين الرحلة كل عام كان يملؤه البهجة والسعادة بين أفراد الأسرة، تناول الطعام بالخارج، ملابس جديدة وشراء ألعاب لصغارها، لكن هذا العام اختلف الأمر شيئًا ما، فالحياة لم تعد كما كانت منذ بضعة أشهر: «ألزمت زوجى بشراء كمامات وجوانتيات بكمية كبيرة ليستخدمها الأولاد أثناء عملية الشراء، لأن الطريق مزدحم، منطقة الغورية والحسين بها تكدس غير طبيعي، وفى الوقت نفسه لا يمكن أن نستقبل الشهر الكريم بدون شراء ما يلزمنا من احتياجات وما اعتدنا عليه سنويًا، فكانت الاحتياطات خير وسيلة لإتمام العمل».
«أميمة» صاحبة العقد الثالث تحاول قدر الإمكان تجنب الوباء الذى يهدد العالم: «كنت حريصة جدًا على تعقيم كل شيء أقوم بشرائه، إضافة لحرصى على تعقيم يد أبنائى كلما ركبنا وسيلة مواصلات معينة، أو اشتريت لهما شيئًا ولمسا بيدهما، أعقم يدهما فورًا، لا أنكر أن الرحلة هذه المرة مضغوطة إلى حد كبير، مليئة بالتركيز فى كل تفصيلة نقوم بها لحماية صغارنا من أى خطر، لكنها تمت وهذا الأهم الآن».
رمضان المخطوبين
يُعد هذا أول رمضان ل«أحمد» رفقة خطيبته، وفقًا لقوانين الخُطاب، فكان لا بد أن يذهب فى جولة لشراء بعض الهدايا الخاصة بالمناسبة: «ذهبت وأمى لشراء تموين رمضان لخطيبتي، إضافة لبعض الهدايا، مثل الدُمى والشيكولاتة، لكن لم أكن أعلم أن النزول لمثل تلك الأشياء سيتطلب منى شراء كل هذا الكم من المستلزمات الطبية، فاشترطت أمى حتى تصاحبنى لمنطقة العتبة، حيثما أريد أن أقتني، أن أشترى مجموعة من الكمامات لنرتديها ونغيرها من حين لآخر، إضافة لزجاجتين من الكحول، وهو ما فعلته أمى بالفعل، بدأت تعقيم كل الأكياس التى اشتريناها، إضافة لتعقيم يدى قبل وبعد كل معاملة مالية أفعلها، شعرت وكأننى عُدت طفلًا مرة أخرى».
هدايا رمضان
«عمران محمود» لديه محل لبيع ألعاب رمضان «بوجى وطمطم، بكار.. وغيرها»، حيث تردد صاحب العقد الثالث فى البداية حول فتح المحل الخاص به هذا العام من عدمه، لعدم ثقته التامة أنه سيتمكن من البيع مع وجود فيروس كورونا الجديد: «طلب منى عدد صغير من البائعين أن أشاركهم فى فكرة عدم فتح محلى لبيع بضاعة رمضان للعام الجاري، فى البداية كنت مترددًا، لدى تخوفات من التعامل بشكل طبيعى فيصيبنى المرض، وبين ركن البضاعة للعام التالي، وفى هذه الحالة ستتلف معظمها إن لم تتلف كلها، وسأخسر كثيرًا، لذلك سلمت أمرى إلى الله وقررت فتح المحل وبيع بضاعتي».
السبت الماضي، كانت بداية «عمران» وسط الموسم الرمضانى الجديد، قرر اتخاذ احتياطاته الكافية لحماية نفسه من أى أضرار قد يتعرض لها: «بدأت عرض البضاعة الموجودة داخل المخزن، لكن قبل ذلك قمت بتعقيمها بالماء والصابون رفقة زوجتى ونجلى الكبير، ثم عرضها نظيفة أمام الزبائن، كانت الزبائن تخشى لمس أى شيء سوى الشيء الذين يريدون شراءه، لكن بدأت النداء فى الشارع لجذبهم هكذا «بوجى وطمطم رمضان، بضاعة متعقمة بسعر الجُملة» وبدأ البعض يستجيب ويأتى ليشاهد ويشترى واستمر الحال هكذا حتى الآن، والزبائن تزداد كل يوم، لأنهم يخشون النزول يوم والثاني، لكنهم لن يمكثوا فى منازلهم للأبد».
زينة بالجوانتي
أما «أمير» فاستعان ب«الجوانتي المعقم والكمامة» بتعليق مجموعة من الزينة مختلفة الأشكال بعمارة المنزل رفقة أسرته، وأطفال العائلة، الأسبوع الماضي، فى محاولة استدعاء روح شهر رمضان الكريم، فى ظل توتر المرض المحيط بهم، لكنه عانى من نقص فى الزينة التى يجب تعليقها فى الدور الأخير، لذلك قرر شراء المزيد: «علمت أن الشارع الذى أسكن به لن يجمع أموالًا لتعليق زينة رمضان هذا العام بسبب الأجواء التى نعيشها، الذى يعرف منزلنا جيدًا، يعلم أن رمضان والزينة مهمان للغاية ومحببان جدًا بالنسبة لأسرتنا، لذلك قررنا ألا ننغمر خلف مبادرة الشارع، وقررنا تعليق الزينة هذا العام فى عمارتنا الصغيرة فقط، واشترينا أشكالًا وألوانًا منها، كان يومًا طويلًا لكننا سعدنا به كثيرًا بعد أسابيع طويلة من المكوث فى المنزل وفقًا للحجر».
فى تمام الساعة الخامسة عصرًا، انتهى «أمير» من عمله فى المنزل «العمل على طريقة الأون لاين» بدأ فى تجميع أطفال العائلة ليشاركوا معه لحظة تعليق الزينة المنزلية: «أول شيء فكرت فيه هو تعقيم الزينة قبل أن يلمسها الأطفال، وتعقيم يد الأطفال نفسهم احتياطيًا، الخطوة التالية كانت ارتداء الجوانتى والكمامة، ارتديناهما جميعًا حرصًا على سلامة الجميع من أى شيء مُحتمل حدوثه، فى الخلفية، كانت نغمات أغانى رمضان حولنا، لتعطى بهجة للأجواء، وسنستكمل اليوم العمل عقب الانتهاء من شراء الزينة الناقصة».