كانت الشوارع تنبض بالحياة، فالكل يزاول مهامه دون حواجز، تقام الأفراح والمباريات ويذهب الرياضيون إلى صالات الجيم، ويسافر المتطوعون عبر البلاد والقارات دون قيود، ويلتقط مصورو الفوتوغرافيا لقطات يوثقون بها لحظاتٍ سعيدة لدى المحبين. كانت المحبة تغمر العالم، حيث العناق والمصافحات وتبادل الزيارات، تتعالى أصوات ضحك الأطفال لتبعث الدفء والطمأنينة بين السماء والأرض.
كان البعض يقضى أوقاته فى التنزه وزيارة الأماكن المفضلة لديهم، وآخرون يقضون أوقات حياتهم منهمكين بين ساعات العمل، مضت سنوات طويلة والحياة تمضى على ما يُرام إلى أن باتت تتلخص جميعها فى المكوث بالمنزل، وتحولت الأشياء الروتينية لدينا إلى أمنيات وأحلام نتمنى أن نقوم بها مجددًا ذات يوم.
محمود: تعليق الطيران أوقف جولاتى الخارجية
يقضى أيامه فى السفر والانتقال بين الدول، يضع خططًا ويبدأ فى تنفيذها ثم يصطحب حقيبته متجهًا إلى حيث يريد، كانت حياته حافلة بالتجارب والمواقف، ومقابلة أشخاص جدد من مختلف الجنسيات، كان فى رحلة داخل إسبانيا وإيطاليا فى 20 فبراير الماضى، لكن منذ بدء تفشّى فيروس كورونا المستجد فى دول العالم قرر العودة إلى أرض الوطن فى 3 مارس، بعد أن تم تعليق الطيران.
لم يكن الالتزام بالعزل المنزلى أمرا هينا على محمود عبدالمجيد، 31 عاما، فقد أنفق حياته ووقته فى السفر التطوعى، يقول: «شغلنا كله تطوع برا مصر، فى الأول مكناش متوقعين إن الطيران يقف نهائى، فكنا بنحضر لرحلات لدول مفيهاش كورونا، الموضوع كان صعب علينا جدًا، ومع نهاية الشهر هنتوقف تمامًا عن الشغل؛ لأننا لسّه فى البداية، فبنقضى الشهر بشهر وقررنا كلنا نقعد ف البيت».
قرر الشاب الثلاثينى القيام ببعض الأعمال المتاحة «أونلاين» كتعديلات على الموقع الخاص بهم أو الصفحة الخاصة بمؤسسته: «لمّا السفر يفتح هنشوف بلاد جديدة نشتغل عليها ونسافرها نعمل فيها تطوع»، مؤكدًا أنهم واجهوا مشكلة كبيرة، حيث إن لديهم متطوعين كثيرين فى أوروبا: «عندنا 4 فى ألمانيا و5 فى إيطاليا وناس فى إسبانيا وبولندا، بدأنا نتواصل معاهم سريعًا ونشوف محتاجين إيه»، مشيرًا إلى أن 90 % منهم فضلوا المكوث فى الدول الموجودين بها ويعملون من منازلهم، بينما عادت البقية إلى مصر: «عندنا 3 فى تايلاند رجعوا منهم 3.. وواحدة فضّلت تقعد هناك؛ لأن تايلاند مفهاش حالات كتير».
أحمد: «الحجوزات اتلغت.. وشغّالين بربع مرتبنا»
يقضى أيام عمله بين مختلف المناسبات، عقود القران تارة والعزاء تارة أخرى كانت الأمور تسير على ما يُرام حتى يوم 14 مارس حينما ألغت وزارة الأوقاف عقود القران بالأماكن الخاصة بها، لم يظن أن هذا القرار سيطبق عليهم ذات يوم إلى أن تلقى مديرهم مكالمة هاتفية من المساعد المسؤول عن المشروعات ليخبرهم بإلغاء جميع الحجوزات.
يعمل «أحمد حسين»، 25 عامًا، فى مسجد الشرطة بمنطقة صلاح سالم منذ 4 أعوام، حيث قضى فترة خدمته العسكرية هناك، مؤكدًا أن عمله تأثر بنسبة 90 %، ولم يتوقع أن فيروس كورونا سيتفشى بهذه السرعة ويحول بينه وبين عمله: «شغلى فى حجوزات عقود القران وواجبات العزاء، كنا متابعين الأخبار ومتوقعناش أبدًا أن الفيروس يوصلنا، لما وزارة الأوقاف لغت كل حاجة عندها كلمنا العرسان وكانوا بيكلمونا يتأكدوا وإحنا مش مصدقين وبنقولهم إننا قطاع وزارة الداخلية والقرار لا يسرى علينا، لحد ما جاتلنا تعليمات بإلغاء كل الحجوزات، وكان عندنا فوق ال 100 عقد وكلمنا الناس تيجى تسترد فلوسها أو يأجلوا».
كان الجميع فى حالة صدمة ولم يُصدق الكثير من الناس أن مواعيد عقد قرانهم تم إلغاؤها، ظل المكان فى حالة من الفوضى لمدة يومين، إلى أن بات فارغًا وخاليًا من كل المناسبات: «المديرون رفعوا القبض بتاعنا وتقريبًا بقينا شغالين بربع مرتباتنا عشان مفيش حجوزات وكانت فترة خساير للدار، ومتوقعين إن الموضوع لسّه مطوّل، عشمانين فى ربنا إن الشغل يرجع تانى فى أسرع وقت لأن شغلنا على الوقت الإضافى وخدمة 12 ٪ بتكون على العقود وخدمات الدار.. طبعا مفيش شغل فمفيش إضافى ولا خدمة»، مشيرًا إلى أنه يقضى الآن 7 ساعات فى عمله ويغادر فى الثالثة عصرًا:«وضع صعب عمرنا ما تخيلنا وربنا يفك الغمة دى».
صاحب صالات جيم: «باتابع أونلاين.. وأجور العمال من جيبى»
التزم إسلام محمد بإغلاق صالات الجيم الخاصة به منذ لحظة صدور القرار الوزارى بفرض الحظر الجزئى، فهو يرى أن الجيم مكان تجمع كبير ومسئولية على صاحبه، فكل شىء فيه يستدعى اللمس المباشر، ملتزمًا بالمكوث فى المنزل مفضّلاً أن يتابع المتدربين من خلال مواقع التواصل: «كان فيه ناس مشتركة قبل القرار بيوم وكله سحب اشتراكاته، لكن بدفع أجور العمال من جيبى لمدة 15 يوما وإيجار المكان وطبعًا بدأت أحط كل ده من جيبى».
وأكد إسلام أن ما حدث سبّب خسائر للجميع لا سيّما اللاعبين الذين كانوا يؤهلون أنفسهم للبطولات: «فى ناس محضرة لبطولات بقالها شهور عشان توصل لشكل جسم معين وصرفت وكانت عاملة حسابها على ميعاد البطولة عشان توصل لتارجيت معين ومؤهلين يا إما هيكسبوا البطولة أو هيريحوا من التمرين وده دمّر نفسية اللاعيبة، والتمرين من البيت ينفع أكتر للى عاوز يخس، لكن اللى بيعمل عضلات مش هيقدر يحافظ عليها».
يهتم صاحب صالات الجيم بعمل فيديوهات على مواقع التواصل يشجّع فيها الجميع على ممارسة الرياضة من المنزل، لكسر حالة الملل ويحثهم على عمل الأشياء المتاحة أمامهم، كما يحذرهم من مغادرة منازلهم ويحاول إخبارهم بعمل أشياء تجعلهم يستمتعون بالإجازة الإجبارية.
أشار إلى أنه يُقدم لهم نصائح للتوعية ضد فيروس كورونا: «المناعة مهمة جدًا ولعب الرياضة والأكلات اللى فيها فيتامين سى، كل الأكل الصحى اللى مش دسم ومفهوش دهون بيزود المناعة، والرياضة والتمارين بتدعم جهاز المناعة بصفة خاصة».
زيزي: «البوس والأحضان خلوّنى أسيب الجيم»
أما زيزى محمود، مدربة جيم فرى لانس، فقد آثرت أن تغادر صالات الجيم قبل إغلاقها: «كنت بعقّم نفسى كويس بس لقيت الناس بتتعامل عادى وبوس وأحضان قولتلهم أنا إجازة من النهاردة ولو مش هتقفلوا اعتبرونى مش جاية تانى،مبقاش فيه دخل نهائى ودى حاجة سيئة والتمرين بالنسبة لينا زى الأكل والشرب مش حاجة ترفيهية»، مؤكدة أنها تحاول أن تطمئن من حولها بصفتها مدربة وتدعمهم نفسيًا من خلال إرسال الفيديوهات والأنظمة الغذائية: «بركز على فكرة أنهم ميستسلموش للجوع بتاع البيت والشتا لأن ده بيأكل، وده دورنا كمدربين دلوقت».
مصوّر فوتغرافى: «خايف أنزل من البيت عشان اللى حواليا»
كان أحمد عماد، 25 عامًا، مصور فوتوغرافيا، يقضى معظم أوقاته فى منطقة الأهرامات والأماكن السياحية، ويتنقل أحيانًا بين المؤتمرات لرصد توصياتها، كل شىء كان يمضى كما هو مرسوم له؛ حتى اللحظة التى دخل فيها فيروس كورونا المستجد إلى مصر، لتنقلب حياته رأسًا على عقب: «أغلب المصورين إجازة، وأنا كمان شغلى مرتبط بالسياحة وخايف أنزل من البيت عشان اللى حواليا، حتى تصوير المؤتمرات وقف برضه علشان التجمعات».
فى 16 مارس الماضى، تلقى الشاب العشرينى رسالة من الشركة التى يعمل لديها فى دبى عبر بريد المراسلة تؤكد فيه الشركة إلغاء الحجوزات؛ بسبب «كوفيد19»: «شغلى مرتبط بالسيّاح ورحلاتهم فى المقاصد السياحية، خاصة أنه بيتم توفير مصور خاص بالجروب يقدر ياخد أجمل لقطات للفوج فى رحله العمر اللى بتكون فى مصر، وأغلب تعاملنا مع أوروبا، ودول كتير ابتدت تمنع الرحلات».
«مها» ميكب أرتيست: «مش زعلانة على شغلى.. المهم سلامتنا»
مها ممدوح، 25 عامًا، رغم تعطل عملها وإلغاء كافة الحجوزات لم تغضب، إنما وجدت فى ذلك الأمان والطمأنينة: «مش زعلانة على شغلى المهم سلامتنا، العرايس لغوا الحجز عشان القاعة اتلغت كمان، وفى ناس أجّلت لمدة شهر قدام، لكن بلّغتهم إنى مش هينفع أعمل حاجة عشان اللى فى البلد ورجعت ليهم العَرَابين، وهما معترضوش عشان ده لمصلحتهم».
قالت مها إنها واثقة بأنها فترة وستمضى وتعود الحياة كما كانت: «مكنتش زعلانة بالعكس يعنى هفرح لو اتعديت من حد أو كنت السبب فى إنى أعدى حد، هاخد الفلوس دى أصرفها على التعب طالما اللى عملته ده فيه مصلحة الحمد الله، إن شاء الله فترة وهتعدى على خير والشغل هيرجع تانى وأحسن من الأول».
بطل أفريقيا فى المواى تاى: «وصلت النهائى للأسف..!!»
كان يستعد أحمد مشرف، بطل أفريقيا فى رياضة «المواى تاى» وبطل الجمهورية فى «الكيك بوكس» لبطولة نهائى تصفيات المنتخب فى 28 مارس، لكن تفشّى فيروس كورونا المستجد أضاع جهده دون جدوى بعدما تم تعليق النشاط الرياضى فى مصر ودول العالم، يقول: «وصلت للنهائى بس للأسف اتأجلت لأجل غير مسمى وكنت بجهّز ليها من أول الشهر اللى فات لحد نص الشهر ده ودلوقتى فعلاً كل المجهود راح علشان مش عارفين هنخلص النهائى إمتى».
حاول الشاب العشرينى أن يستثمر وقته فى المنزل حيث اتجه إلى (كورسات أونلاين) وبدأ فى إنجاز مهام كثيرة كانت مؤجلة، بسبب انشغاله فى العمل والبطولات: «واخد إجازة فى كل حاجة بسبب كورونا، أما بالنسبة للوقت اللى ببقى فاضى فيه بستغله فى المذاكرة أو بالكورسات الأونلاين وبتدرب فى البيت مع نفسى».