بالفيديو.. المغازي يكشف موعد انتخابات مجلسي النواب والشيوخ 2026    جامعة بنها تعلن توافر فرصة عمل ب«كلية الزراعة» (الشروط والمستندات المطلوبة)    قرار جمهوري بتعديل بعض أحكام قانون مجلس الشيوخ    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025    أسعار البيض والفراخ اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025 في أسواق الأقصر    أسعار الأرز الشعير والأبيض اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025 في أسواق الشرقية    تراجع سعر الذهب وسط ترقب نتائج المحادثات التجارية بين أمريكا والصين    أسعار مواد البناء اليوم الثلاثاء بالأسواق (موقع رسمي)    الحوثي: إسرائيل تستهدف ميناء الحديدة اليمني    بأسلاك مكهربة.. فلسطيني بالضفة يحصن منزله ضد المستوطنين الإسرائيليين    يحيى عطية الله يعلن جاهزيته مع الأهلي قبل كأس العالم للأندية    استعدادا للموسم الجديد.. مودرن سبورت يجدد عقود ثلاثي الفريق الأساسي    مواعيد مباريات اليوم في تصفيات كأس العالم 2026 والقنوات الناقلة    ترقبوا.. موعد نتيجة الصف الثاني الإعدادي في القاهرة الترم الثاني 2025 برقم الجلوس    حالة الطقس اليوم الثلاثاء 10-6-2025 في محافظة قنا    التربية والتعليم تبدأ استقبال اعتذارات المعلمين عن المشاركة في أعمال امتحانات الثانوية العامة حتى الخميس المقبل    أمينة خليل تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي بعد حفل زفافها على أحمد زعتر في اليونان (صور)    فنان العرب محمد عبده والمايسترو هاني فرحات يحطمان الأرقام القياسية في حفلات عيد الأضحي 2025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 10-6-2025 في محافظة قنا    حكم توزيع لحوم الأضاحي بعد العيد وأيام التشريق؟.. أمين الفتوى يوضح    "عيالي نزلوا هنا كانوا بيضحكوا".. نهر النيل يبتلع فرحة أسرة في ليلية زفاف بأسيوط- صور    سارة وفيق ترد على انتقاد طارق الشناوي ل "ريستارت": "عرفت تبقي تريند من غير ما تنقد الفيلم"    إحالة سيدتين للجنايات بتهمة الاتجار في المخدرات وسرقة المواطنين بالساحل    إصابة 3 أشخاص إثر استهداف مسيرة إسرائيلية "وادي جنعم" بأطراف بلدة شبعا جنوب لبنان    حبس وغرامة، عقوبة استخدام حساب خاص بهدف ارتكاب جريمة فى القانون    فى أحضان الفراعنة.. عروض فنية لقصور الثقافة بالأقصر في احتفالات عيد الأضحى    قتيل و4 جرحى حصيلة الهجوم الروسي على أوديسا جنوب أوكرانيا    تحذير عاجل من عبوات "باراسيتامول" بالأسواق، وهيئة الأدوية البريطانية: فيها تلوث قاتل    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الثلاثاء 10 يوينو 2025    استقرار سعر الذهب اليوم وعيار 21 يسجل 4675 جنيها    الصور الكاملة لحفل «واما» بعد تألقهم ب الساحل الشمالي في عيد الأضحى 2025    وفد من أمانة حزب مستقبل وطن بالدقهلية يقدم العزاء لأسرة البطل خالد شوقي عبدالعال    السيطرة على حريق شب داخل فيلا بالتجمع    القبض على صاحب مطعم شهير بالمنيا بعد تسمم أكثر من 40 شخصًا    «الأرصاد منعتنا من النزول.. وشركة المقاولات حفرت لوحدها».. اعترافات المتهم الخامس في قضية انفجار خط الغاز ب طريق الواحات (خاص)    خاص| الدبيكي: نعمل على صياغة اتفاقية دولية لحماية العاملين من المخاطر البيولوجية    يوميات أسبوع نكسة 1967 في حياة طبيب شاب    مباراة السعودية وأستراليا في تصفيات كأس العالم 2026.. الموعد والقنوات الناقلة    ذكريات كأس العالم!    حقك لازم يرجع.. وزير الزراعة يزور مسؤول حماية الأراضي المعتدى عليه ب سوهاج    تامر عاشور يشيد بزوجته نانسي نور: قوية وحنونة وتتفهم طبيعة حياتي    ماكرون: الحصار المفروض على دخول المساعدات إلى غزة "فاضح"    ترامب: إيران ستشارك في مفاوضات المحتجزين في غزة.. وسنرى ما سيحدث    الخارجية الإيرانية تعلن موعد الجولة المقبلة من المفاوضات مع واشنطن حول البرنامج النووى    رافاييل فيكي يدخل دائرة ترشيحات الزمالك لتولي القيادة الفنية    صحة سوهاج: 560 جلسة علاج طبيعي لمرضى الغسيل الكلوي خلال أيام عيد الأضحى    ب"شورت قصير".. أحدث جلسة تصوير جريئة ل دينا فؤاد والجمهور يعلق    ما حكم الشرع في بيع لحوم الأضاحي.. دار الإفتاء توضح    أول تعليق من يحيى عطية الله لاعب الأهلي بعد غيابه عن مباراة الفريق أمام باتشوكا    وزير الصحة الأمريكي يُقيل اللجنة الاستشارية للقاحات    أجواء مشحونة بالشائعات.. حظ برج الدلو اليوم 10 يونيو    حاكم كاليفورنيا ينتقد قرار ترامب بنشر المارينز ويصفه ب "المختل"    خط دفاع تحميك من سرطان القولون.. 5 أطعمة غنية بالألياف أبرزها التفاح    سباليتي يعترف: من العدل أن أرحل عن تدريب منتخب إيطاليا    إجراء 2600 جلسة غسيل كلوي خلال إجازة عيد الأضحى بمحافظة قنا    استقبال 13108 حالة طوارئ بالمستشفيات خلال عيد الأضحى بالمنوفية    هل تنتهي مناسك الحج في آخر أيام عيد الأضحى؟    دار الإفتاء تنصح شخص يعاني من الكسل في العبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثائق «الضربة القاضية» فى سرقة أغنية «مدد.. مدد»!
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 01 - 03 - 2020

ما كانتش بتكره قد الموت مع أن الموت شايلاه جواها بعمر سنينها، توائم وياها، فين ما تحب تروح وياها، قبل وبعد طلوع الروح
( شارع قصر العينى 2020 )

الموت.. يبقى الموت دائمًا، حاضرًا، فى مفردات شعر شاعر العامية المصرى الراحل «زكى محمد إبراهيم» الشهير ب «زكى عمر»

(19871938) فهو يراه منذ طفولته، محمولًا على ظهر أمه، رغم كرهها الشديد له. ويراه على ملامحها وهى تُعد له قدح الشاى كل صباح. ويراه بين يدها مع كسرة الخُبز، التى تتناولها قبل جرعة الدواء كل مساء.(لفت بيه أراضى الناس شغلة/ لفت بيه بيوت الناس غسالة/ طلعت بيه،على السقالة/ نزلت بيه.. ولفت بيا، وبيها العالم) هذا بعض كتبه فى قصيدته الرائعة «وقفة قصيرة على قبر أمى» تلك القصيدة التى كتبها لها بعد رحيلها فى منتصف الستينيات من القرن الماضى. ليتذكر فى كل وقت، وفى كل حين، ذلك الضيف غير المرغوب فيه، الذى يحمل اسم.. الموت. وليُذكر الموت نفسهُ أنه أى الابن ليس مثل الأم يخافه أو يهابه. ولذلك واجهه بثبات، وقوة، عندما باغته فجأة، وهوعلى سواحل منفاه الاختيارى، بمدينة عدن عاصمة اليمن الجنوبية قبل الوحدة مع اليمن الشمالية لحظة محاولة إنقاذه لابنته «أمل» تعمل طبيبة الآن وهى تصارع الموت فى مياه بحر الخليج العربى. هذا الصراع الذى انتهى بنجاة الابنة. وموت الأب ! نعم.. مات زكى عمر يوم 24 يونيو 1987 ليترك خلفه موج البحر الذى كتم أنفاسه بقسوة حزينًا، على رحيل شاعر، كان صادقًا، وعفيفًا، وشريفًا، ونبيلًا، ومرهف المشاعر، فى كل ما يكتب وكل ما يقول. لقد تذكرت كلماته الصادقة تلك، عن أمه التى تشبه الأم المصرية خاصة فى الريف والصعيد، والصادمة عن الموت، فى هذه القصيدة الحزينة، وأنا أسيرعلى رصيف شارع قصر العينى وسط القاهرة ذات مساء شتوى ممطر، متجهًا للجلوس على مقهى قريب من مجلة «روزاليوسف» فى انتظار رئيس تحريرها هانى عبدالله الذى جاء بعد وصولى بدقائق. لنجلس سويًا قبل أن ينضم لنا طارق رضوان رئيس تحرير مجلة صباح الخير قرابة الساعة نتحاور، ونتناقش، ونتبادل الآراء حول قصة حياة ذلك الشاعر، الذى كان يُعد من كبار شعراء العامية المصرية، وعن غربته التى هاجر إليها مقهورًا، ومظلومًا، بعدما ضاق به الوطن، فلم يعد يسمع منه أو يُسمح له مرة أخرى؛ بأن يلقى أشعاره وسط الجماهير. سافر الرجل إلى اليمن الجنوبى، وترك خلفه أشعاره فى دواوين طبعت مرة واحدة منها «كلام عن الأدهم 1969. الحلم فى عز الظهر 1971. طلوع الروح 1977 لمن يهمه الأمر1981» وأكثر من مسرحية شعرية أشهرها مسرحية «الشرارة» التى كانت تُعرض على مسرح المنصورة عام 1969 والتى أدخلت عليها تعديلات جوهرية، لتعرض يوم 13 أكتوبر 1973 على مسرح الطليعة بالقاهرة، لدعم العبور، وقواتنا المسلحة فى حرب أكتوبر المجيدة، وحملت اسم أشهر أغانى العرض «مدد.. شدى حيلك يا بلد». تلك الكلمات التى كانت ومازالت تعُد نداءً تاريخيًا، استنهاضيًا، أطلقه بقلبه، وعقله، وصوته زكى عمر عام 1969 فى شوارع مدينة المنصورة قلب الدلتا مخاطبًا من خلاله الوطن بعد نكسة يونيو 1967

ليرفض الهزيمة، ويواصل الوطن، المقاومة حتى النصر، وهو الذى تحقق بالفعل فى أكتوبر 1973.

استمر حديثنا متوترًا.. ورغم برودة الجو، حتى جاء النادل بعد دقائق حاملًا معه، ما طلبناه قبل قليل من مشروبات ساخنة نطارد بها البرد الساكن تحت معاطفنا الثقيلة.

خلفى كان يجلس رجل «سبعينى»، لم أتبين ملامحه كثيرًا، وكان فيما يبدو يستمع إلى حديثنا بتركيز شديد، واهتمام له ما يبرره.. بعد دقائق جاء صوته، مقتحمًا الفضاء حولنا، وهو يوجه كلامه لى منفعلًا «اسمعك تقول الآن أن كلمات أغنية مدد.. مدد..شدى حيلك يا بلد» التى تربينا عليها، وحفظتها قلوبنا، ورددتها حناجرنا، لأكثر من 45 سنة؛ هى كلمات سُرقت من صاحبها الأصلى، ونسبت زورًا، وبهتانا، إلى شاعر آخر.

قلت وأنا أرتشف بهدوء كوب الشاى الذى أمامى: نعم.. كل الوثائق الصحفية، والكتابات النقدية، والشهادات الحية، للعديد من المعاصرين وهم أحياء بيننا لتلك الحقبة الزمنية، وأدلة الثبوت الأخرى بالمصطلح القانونى تقول لنا ذلك بالفعل. سكت الرجل قليلا ثم عرفنى بنفسه قائلًا: اسمى عماد التميمى صاحب هذا المحل وأشار بيده خلفنا حيث كنا نجلس على الرصيف أمام المقهى ثم أكمل قائلًا: كنت فى بداية حياتى أعمل فى كازينو بشارع الهرم اسمه«لاروند» قال هانى عبدالله: هذا الملهى كان يمتلكه فنان مغمور وقتها اسمه لطفى عبدالحميد وشهرته الفنية «فتلة». رد عماد التميمى مؤكدًا على ذلك ثم واصل حديثه: كنت أعمل فى وظيفة تسمى «كابتن أوردر» وكان كل ليلة يأتى إلينا المطرب الراحل محمد نوح ويهتف بكلمات «مدد.. مدد شدى حيلك يا بلد» التى تتحدثون عنها الآن. وأنا مازلت أذكر تلك الدقائق التى كانت تلتهب فيها مشاعر رواد الملهى لاحظ أنه ملهى ليلى، وليس مدرجات جامعة القاهرة، ولكن يبدو أن مرارة الهزيمة فى 67 كانت فى حلق الجميع وراء صوت محمد نوح بصورة مدهشة، فقد كانت الكلمات مثل طلقات الرصاص. سألته: فى أى عام كان ذلك؟ رد: عام 1972، قبل حرب أكتوبر المجيدة.. هنا سألنى هانى عبدالله. إذن متى كتب زكى عمر هذه الكلمات؟ قلت الإجابة سنجدها فى مدينة المنصورة، فهى كانت البداية وكانت النهاية لهذا الشاعر.

(المنصورة 1938)
على مشارف هذه المدينة تقع قرية صغيرة تسمى «كفرالأعجر» أُطلق عليها الآن اسم منية السلام ولد فيها شاعر اسمه زكى. يكتب الشعر، والأغانى، فى مزارعها البعيدة. وينشد الحب والأمانى، تحت ظلام لياليها الحزينة، ويبحث عن العدل، والحق، والجمال، ليجعل من آماله، وأيامه، للحب سفينة، يبحر بها بين دروب الفقر والقهر، ليصل إلى شاطئ الأمن، والأمان، والأحلام الجميلة. نشأ كحال معظم أبناء القرى فى وضع اجتماعى شديد القسوة، بعد رحيل أبيه عن الدنيا. ومرت الأيام بكل أحزنها، وألمها، وفقرها، حتى كبر الطفل وصار عمره فوق العشرين عاما. فى شوارع القرية، وتحت ليلها المعتم الحزين، كان يسمع، أحاديث و«مواويل» أهله الفلاحين، تلك الأحاديث التى فجرت بداخله المىشاعر، ليكتب، ويهتف بداخله الشاعر، رافضا الظلم، وباحثا عن العدل والخير والجمال.

فى مدينة المنصورة التقيت مع عادل عبدالباقى ( عمره الآن 80 عاما) مسرحى ومعلم ومثقف من أبناء المدينة قال: «فى أوائل عام 1969 كونا فرقة مسرحية من شباب اليسار فى ذلك الوقت وهم (محمد سعيد. حمد يوسف. محيى الحنفى. سعد الحنفى. أحمد حسنى. وزكى عمر. وأنا كنت أشاركهم كلما استطعت، لأننى كنت جنديا فى القوات المسلحة فى ذلك الوقت. وبدأت هذه الفرقة تنشد كلمات الشاعر زكى عمر فى القرى والشوارع لرفع الروح المعنوية للشعب بعد النكسة. وكانت كلمات «مدد.. مدد» التى كتبها زكى عمر هى المحرك القوى للمشاعر الملتهبة للجماهير فى أندية الشباب، ومحطات السكة الحديد، ومواقف السيارات، وكل مكان به تجمعات من المواطنين. وبعد فترة تم تطوير الفرقة من مجموعة الهواة إلى عمل احترافى بعدما انضم لنا الملحن الشاب أحمد متولى كان من المهاجرين من مدينة بورسعيد إلى مدن الدلتا والمخرج محمود حافظ، لتتحول هذه الاسكتشات الغنائية إلى عمل مسرحى أُطلق عليه وقتها «الشرارة» وبدأنا عرضه على مسارح مدينة المنصورة والمدن المجاورة، إلى أن استقر عرضه على مسرح قصر ثقافة المنصورة القومى منذ عام 1972». نحن مازلنا فى مدينة المنصورة نبحث عن بداية كلمات (مدد.. مدد ) وكيف جاءت للحياة الأدبية، والغنائية، لنعرف الحقيقة، والوقوف أمامها. هنا يحدثتا الدكتور. مصطفى يوسف شقيق شاعر المنصورة الراحل محمد يوسف ليدلى بدلوه فيقول: «أغنية مدد.. مدد.. صاحبها الحقيقى هو الشاعر زكى عمر، وليس أى شاعر آخر. ولقد كتبها فى بيتنا القديم 6 حارة سلطان. من شارع سندوب. مدينة المنصورة. وكان وقتها جالسًا مع أخى وصديقه الشاعر الراحل محمد يوسف، وكنا وقتها فى منتصف عام 1969 تقريبا ومن هذا المكان وفى ذلك الزمان خرجت تلك الكلمات للجماهير».

هذه هى بعض الشهادات التى حصلت عليها من رحلتى للمنصورة، وألقيت بها، أمام هانى عبدالله وعماد التميمى على المقهى، الذى مازلنا نحن جالسين فيه، رغم برودة الجو الشديدة. التفت لى التميمى مودعًا وهو يقول: ما أعرفه قلته لك قبل قليل، أثناء استماعى لحديثكما بالصدفة، ثم ودعنا وغادر رصيف المقهى. هنا سألنى هانى عبدالله لكن الفنان الراحل محمد نوح له فيديو شهير على مواقع التواصل الاجتماعى يقول فيه قولا قاطعا، لا لبث فيه، أن مؤلف الكلمات هو الشاعر إبراهيم رضوان.. فكيف تأتى أنت أو غيرك وتقول لنا أن هذا الكلام غير صحيح وأن الأغنية سُرقت من صاحبها الأصلى زكى عمر. ثم عدل هانى عبدالله النرجيلة التى أمامه وقضب حاجبيه تقطيبًا ملحوظًا وهو يقول: وما هى أدلتك على هذا القول، الذى تزعمه الآن بعد كل هذه السنوات الطويلة من التكتيم على تلك الجريمة؟ قلت دعنا نعود إلى الوراء، قليلا.. قبل 45 عامًا، عبر الأحداث، والكتابات الموثقة، بالكلمة والصورة فى الصحف القومية الحكومية المصرية، وهناك سنجد الإجابة!

(القاهرة 1973)
الساعة الآن السابعة من مساء يوم العاشرة من أكتوبر حيث تواصل قواتنا المسلحة توغلها خلف خطوط العدوعلى طول خط القناة بعد العبور العظيم. الجنود البواسل على الجبهة فى حرب التحرير، فيما غيرت المسارح ودور العرض السينمائية، والإذاعة، والتليفزيون، ومن قبلها الصحافة برامجها المعدة سلفًا، قبل العبور بأعمال تدعم وتشد من أزر الجنود على الجبهة. فى ذلك الوقت كانت سيدة المسرح الفنان سميحة أيوب تجلس مع فرقة المسرح الحديث، وتحثهم على ضرورة تقديم عرض مسرحى، يكون متمشيًا مع نداء الحرب. كان يجلس معها المخرج الراحل عبدالغفارعودة. قالت له حسب شهادة الشاعر والكاتب محمد بهجت «نريد عرض بسرعة يا عودة»! قال: هذا الشاب يقصد محمد نوح يشارك فى عرض يعرض على مسرح المنصورة القومى ونستطيع تقديمه هنا فى أقل من 72 ساعة. ردت: اتفضل.. وأرجوا أن يكون ذلك بأقصى سرعة. وبالفعل رفع الستار عن خشبة مسرح الطليعة، لنجد العرض المسرحى الذى حمل عنوان « مدد.. شدى حيلك يا بلد» وتم الاستغناء على اسمه الأصلى «الشرارة» وإن كان قد عرض بعد ذلك بنفس الاسم والاستغناء عن ألحان الشاب أحمد متولى، لتحل مكانها ألحان محمد نوح. وتم الاستغناء عن المخرج الأصلى للنص محمود حافظ، ليحل مكانه المخرج عبدالغفار عودة. وتم الإبقاء على اسم الشاعر زكى عمر حيث يضم العرض 10 أغنيات من دواوينه فى مقدمتها كلماته « مدد.. مدد.. شدى حيلك يا بلد» التى استعان بها عبدالغفار عودة وجعلها الاسم البديل لاسم «الشرارة». وبدأ مسرح الطليعة وسط القاهرة ابتداء من ليلة 13 أكتوبر 1973 تقديم العرض، الذى ألهب مشاعر الجماهير منذ ليلة عرضه الأول. وهذه الحالة لفتت نظر الكاتب الصحفى جلال فؤاد الذى كتب فى مجلة الإذاعة والتليفزيون وقتها يقول: «مدد.. مدد.. أشعار زكى عمر وألحان محمد نوح، يُقبل عليها الناس بقوة، وحماس، لأنها تفجر فى القلوب الحب العميق لمصر. ويكتب عبدالنور خليل فى مجلة المصور فى 27 ديسمبر 1973 يقول: ( إن كان فى أرضك مات شهيد.. فيه ألف غيره بيتولد) هذه الكلمات يغنى معها الناس.. وتفجر فى صالة المسرح عشرات الحناجر من خلال القصيدة الشعرية التى كتبها شاعر يكاد يكون مغمورًا من مدينة المنصورة اسمه زكى عمر. وتصرح السيدة سميحة أيوب فى يوم 7 فبراير 1973 لصحيفة المساء «لو لم تم تجهيز عرض مدد.. مدد.. فى ثلاثة أيام؛ لاضطررنا إلى إغلاق المسرح». وتكتب الكاتبة والناقدة فريدة النقاش فى صحيفة الجمهورية يوم الخميس 35 أكتوبر 1973 تقول : عرض شدى حيلك يا بلد هو عرض شعرى أعده شاعر العامية زكى عمر، الذى يتميز شعره بالنضال، فهو الذى يقول: إن كان فى أرضك مات شهيد. فيه ألف غيره بيتولد. ويكتب الكاتب والناقد فتحى العشرى فى الأهرام يوم 26 أكتوبر 1973 واصفا أشعار زكى عمر بالأشعار الحماسية الملتهبة، خاصة أبياته مدد.. مدد.. شدى حيلك يا بلد إن كان فى أرضك مات شهيد فيه ألف غيره بيتولد.. والتى تعد شعارًا لحربنا الدائرة الآن على العدو. ويكتب الكاتب والناقد حمدى الجابرى فى صحيفة الجمهورية يوم الجمعة 26 أكتوبر 1973 أبياتًا كاملة من القصيدة مؤكدا فيها على أنها كلمات الشاعر زكى عمر. ويكتب الكاتب والناقد سامى خشبة فى صحيفة المساء يوم 14 نوفمبر 1973: (الشعر واحد لشاعر واحد.. من أبناء الدقهلية هو زكى عمر) بالإضافة إلى أفيشات المسرحية، التى عرضت وقتها، وعلقت فى شوارع القاهرة ونشرت فى الصحف حاملة إشارة لاسم الشاعر زكى عمر، كشاعر واحد ووحيد النص وأغانيه. مع ألحان محمد نوح وفرقة النهار. هذه الشهادات وغيرها لكتاب، ونقاد كبار مثل الكاتبة ثناء فتح الله والناقد أحمد عبدالحميد. والكاتب سعد هجرس والمخرج الراحل نور الدمرداش. والناقد غالب هلسا. وغيرهم ممن كتبوا عن عرض «الشرارة» وعرض «مدد.. شدى حيلك يا بلد» والعملان كتبهما زكى عمر وكُرم بسببهما من محافظ الدقهلية الراحل الدكتور محمد إبراهيم دكرورى بمنحة تفرغ من عمله فى تفتيش زراعة دكرنس حتى يواصل إنتاجه الشعرى لمسرح المنصورة القومى.. وذلك حسب نص القرار بعد نجاح مسرحيتيه ( الشرارة وشدى حيلك يا بلد) اللتين تعرضان فى القاهرة والمنصورة فى ذلك الوقت.

(القاهرة 20 20 )
أنا مازلت أجلس على المقهى فى شارع قصر العينى، ومازالت برودة الجو تجبرنا على تناول المشروبات الساخنة باستمرار. الآن غادر عماد التميمى مكانه، بعدما ذكر لنا شهادته التى جاءت بالصدفة، ثم هنا نظر لى هانى عبدالله وهو يقول: إذن كل هذا الذى ذكرته، يؤكد أن كلمات الأغنية والنص المسرحى المصاحب لنا من المنصورة سواء كان اسمه «الشرارة» أو «شدى حيلك يا بلد» هى للشاعر الراحل زكى عمر.. فكيف إذن انقلبت الأمور ونُسبت للشاعر إبراهيم رضوان؟ وما دور الملحن والمؤدى محمد نوح فى ذلك؟ ولماذا لم يتكلم زكى عمر نفسه طيلة هذه السنوات الطويلة ويدافع عن إبداعه الذى سُرق منه؟ قلت له: نعم.. هذه أسئلة مشروعة، وموضوعية، وكاشفة بالدرجة الأولى للملابسات، والأحداث، والمعطيات، التى صاحبت ذلك الحدث منذ عام 1974، لذلك دعنى قبل الإجابة عن تلك الأسئلة بموضوعية، وشفافية، لنضعها أمام الوسط الثقافى بصفة خاصة، والرأى العام بصفة عامة، فى إطار البحث عن الحقيقة فى تلك القضية المؤلمة، والمحزنة، والمخجلة، دعنى أقول لك، ما قاله زكى عمر: « مشوارنا لسه فى أوله
وما دام بدأنا نكمله
فاتحملوا.. اتحملوا»
يُتبع فى العدد المقبل خيرى حسن
ترحب مجلة «روزاليوسف» بنشر المساهمات حول هذا التحقيق «سواء كانت شهادات أو ردودًا» من الأطراف كافة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.