بالنظر إلى خريطة المهرجانات السينمائية فى مصر على مدار السنوات العشر الماضية، نجد أنها تتأرجح ما بين الصالح والطالح وما بين مَنْ أثبت نفسه رغم حداثته وقلة عدد دوراته وما بين من يحارب ليثبت وجوده. مهرجانات أخرى ماتت «إكلينيكيًا» رغم قدمها ومهرجانات تتخبط ولا تستطيع أن تجد لنفسها مكانًا. ومع ذلك فإن كل عشاق السينما ينادون بإقامة مهرجانات فى كل محافظة، وبالفعل هناك نية لإضافة مهرجانين جديدين، ولكن يظل السؤال: هل حققت المهرجانات الموجودة بالفعل الهدف المرجو منها، كى نبدأ فى فتح الطريق أمام مهرجانات جديدة؟ هذا ما حاولنا معرفته فى السطور التالية. فى البداية تحدثنا إلى المنتج «د. محمد العدل» عضو اللجنة العليا للمهرجانات الذى قال: «لا شك أن هناك طفرة نوعية حدثت فى المهرجانات المصرية، فمثلًا مهرجان القاهرة تطور فى السنين الأخيرة من حيث التنظيم والضيوف والأفلام المشاركة، كما أن وجود مهرجان جديد بحجم مهرجان الجونة جعله يستعيد قوته ونشاطه مرة أخرى، وهو ما يدل على أن المهرجانات الجديدة تخلق نوعًا من الحراك المفيد، أما عن اللجنة العليا للمهرجانات فقد اتخذت قرارًا جديدًا بعدم دعم الدولة ممثلاً فى وزارة الثقافة لأى مهرجان جديد إلا بعد أن يثبت نجاح دورته الأولى لأن ميزانيتها محدودة». ويتابع «العدل»: «هناك فكر جديد يسيطر على المهرجانات وأرجو أن ينتشر وهو أن الذين يعملون على إقامة المهرجان هم أبناء المحافظة التى يقام بها، مثل مهرجان ألوان للسينما والمسرح والفنون التشكيلية فى المنيا. وهذا شىء جيد لأن أبناء المحافظة هم أقدر الأشخاص الملمين بما تحتاجه مدينتهم. فللأسف هناك مهرجانات من المفترض أنها تخاطب بلادًا أو أفلامًا معينة ولا نجد لها أى صلة من أى نوع لا بالمنطقة ولا بالأفلام ولا بالضيوف و مهرجانات مازالت تتبع نفس أسلوبها القديم فى التكريمات أو الموضوعات ولا تطور من نفسها رغم قدمها، وهناك مهرجانات جديدة تثبت نفسها وتعتنى بتخصصها مثل الأقصر للسينما الأفريقية ومهرجان أسوان لسينما المرأة. ويتحدث السيناريست «سيد فؤاد» رئيس مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية عن موقفه من زيادة عدد المهرجانات قائلًا: «لدينا ندرة فى المهرجانات على عكس ما يثار فى الأوساط الإعلامية والسينمائية، وذلك قياسًا بعدد الأفلام المنتجة وبحجم السينما المصرية وتاريخها وبعدد السكان والمحافظات وقياسًا بدول أقل منا فى الصناعة وعدد السكان والمحافظات لديها أضعاف مهرجاناتنا، وما يشوب المهرجانات المصرية هو عدم وجود خطة وخريطة واضحة لها، فقط لدينا أفكار ومبادرات فردية، وبالتالى يبدو الموضوع وكأنه نوع من الارتجال دون خطة مدروسة. فللأسف لا توجد لدينا ثقافة أن المهرجانات يجب أن تتكامل ولا تتنافس، كذلك غياب التناسق المادى فهناك مهرجانات تنفق ملايين وأخرى تقام بملاليم. ومطلوب من مهرجان ضعيف وفقير الإمكانيات أن يكون بنفس كفاءة وقوة مهرجان آخر يتكلف الملايين.. مثلًا كل المهرجانات المصرية أصبحت تقارن بمهرجان الجونة وهذا غير منصف بالمرة. ربما فقط مهرجان القاهرة الذى وصلت ميزانيته إلى حوالى 70 مليونًا من حقه أن ينافس ويقارن بالجونة، لكن نحن كمهرجان «الأقصر» مثلاً لدينا خصوصية ومستوى معين نحاول الحفاظ عليه ونتعذب كى نحافظ على هذا المستوى الجيد بالميزانية القليلة. وقد حقق مهرجان الأقصر 80 % من المرجو منه فى التواصل مع القارة الأفريقية، عودة الفيلم المصرى لأفريقيا وجذب الفيلم الأفريقى لمصر، محاولات الإنتاج المشترك ووجود نادى السينما الأفريقية على مدار السنة فى 14 محافظة. وبالنسبة للمهرجانات الأخرى ومدى تحقيق الهدف من ورائها أضاف فؤاد: «لكل مهرجان ظروف خرج من خلالها وطموحات يعمل لتحقيقها، فالجونة مثلاً ظهر فى ظروف مادية جيدة ولديه طموح أن يحقق تسويقًا وترويجًا سياحيًا لأسباب استثمارية ونجح فى ذلك، وفى أن يصبح على خريطة المهرجانات المحترمة، وإن كان بعده الاستثمارى لا يجعل الأفكار الخاصة بالبعد الثقافى مهمة وهذا النوع من المهرجانات أشعر بأنه لن يستمر، أما المهرجانات الأخرى فهى تتراوح بين مهرجانات قادرة على تحقيق بُعد فنى جيد ومهرجانات قديمة تحاول النهوض، ومهرجانات جديدة لديها طموح إذا تحقق ستكون إضافة مثل مهرجان السينما الفرانكوفونية أو مهرجان المنيا أو مهرجان العلمين. وفى النهاية أوضح «سيد فؤاد» أنه من الصعب أن يحدث تكاتف وتعاون بين المهرجانات لأن لكل مهرجان أفكارًا وثقافات ودعمًا ماليًا مختلفًا، وهناك مهرجانات للدولة ومهرجانات للمجتمع المدنى والاستثمارى، مشيرًا إلى أنه من الممكن أن يكون لكل مهرجان طبيعته، التى لا يتعدى عليها المهرجانات الأخرى، أما دعم المهرجانات لبعضها فهذا يحدث فقط فى الجنة، جنة المهرجانات. أما السيناريست «محمد عبد الخالق» رئيس مهرجان أسوان لسينما المرأة، فقد أضاف رأيه فى كثرة عدد المهرجانات قائلًا: «عدد المهرجانات فى مصر لا يتناسب مع دولة بحجمها، وبمعادلة بسيطة يمكن حساب ذلك بحساب عمر صناعة السينما فى مصر وهى ثانى دولة درات فيها الكاميرا قبل عشرات الدول الكبرى وحساب الكثافة السكانية لمصر وهى الدولة رقم 16 عالميًا فى عدد السكان. لذلك أعتقد أن ما وصلنا إليه من عدد مهرجانات السينما لا يتناسب مع حجم الدولة المصرية على الإطلاق.. وبالتالى لا يمكن لأى مهرجان مهما حاول أن يحقق الغرض الذى أُقيم من أجله، بعدد قليل من دوراته، ففى أسوان لا يمكن أن نقول أننا حققنا الهدف كاملًا، خاصة بعد ثلاث دورات، ولكن على المهرجانات أن تثبت جدارتها بالاستمرارية، فكل مهرجان يحمل توجهًا ويسعى لتحقيقه وحتى المهرجانات ذات التمويل الضخم لا يمكنها تحقيق أغرضها بعد مدة صغيرة، وقد يكون المهرجان داعمًا لصناعة الأفلام أو هادفًا لنشر الثقافة السينمائية أو حتى يكون هادفًا للترويج السياحى أو إحداث حراك فى موضوع ما، ولا أظن أن أيًا من المهرجانات الأقدم من مهرجان أسوان قد حققت ما خرجت من أجله، وقد كانت نشأة مهرجان أسوان لدفع الاهتمام بقضايا المرأة وإبداعها. وفى الوسط السينمائى فى مصر ربما لم يستطع المهرجان أن يحرك المياه الراكده فى إنتاج الأفلام الخاصة بالمرأة فى ظروف صار إنتاج الأفلام فيها أزمة، ولكنه استطاع تعديل درجة اهتمام المهرجانات السينمائية بقضايا المرأة وإبداعها، فبعد دورته الأولى خرج مهرجان القاهرة بندوة رئيسية تحمل عنوان سينما المرأة ثم تكريم للمخرجات العرب ثم احتفاء خاص بالمرأة وهكذا.. على أى حال، المهرجانات المصرية الموجودة قليلة وغير متشابهة لا فى نظامها ولا بنيتها ولا مفهومها ولا اقتصادياتها ولا حتى فلسفة إقامتها فما بين مهرجانات الدولة ومهرجانات المجتمع المدنى مسافة ليست بالقليلة ولا يعيب مهرجانات المجتمع المدنى كونها تنبع من مشروعات فردية، المهم ألا تستمر هكذا، فأعظم الإنجازات البشرية خرجت من المشروع الفردى لتتحول إلى عمل جماعى والوقت هو المعيار الذى تكتسب منه المهرجانات مكانتها. الناقد «كمال رمزى» يرى أيضًا أن كثرة عدد المهرجانات ليست عيبًا وأوضح ذلك قائلًا: «فى أغلب بلاد العالم تتعدد المهرجانات، فمثلاً يوجد فى إسبانيا أكثر من 200 مهرجان وفى فرنسا حوالى 150 وهناك دول بها مهرجان فى كل محافظة، فمن حق كل مدينة أن يصبح لديها مهرجان، وإذا طبقنا هذا المعيار على مصر سنجد أن عشرات المحافظات الكبرى لا يوجد بها مهرجانات مثل: مرسى مطروح، المنيا، سوهاج وغيرها، وبذلك المعيار يتضح قلة عدد المهرجانات الموجودة فى مصر رغم أنها تبدو متزايدة، ولكن العدد الإجمالى عشر العدد الموجود فى العالم المتحضر، أما عن مستوى المهرجانات نفسها، فمعظمها باستثناء مهرجانين أو ثلاثة هى ما يقال عليها «مهرجان» والباقى متواضعة، فلا بد أن يكون للمهرجان مثلاً مكان مناسب، فمحافظات كثيرة لدينا لا تصلح أن يقام بها مهرجانات، فالمهرجان يتطلب مبنى به أربع أو خمس قاعات عرض على الأقل. وهناك محافظات لا توجد بها دار عرض واحدة، فالبنية الأساسية للمهرجان ليست موجودة، وإذا كان هناك اتجاه حقيقى لإنشاء مهرجانات لا بد أن تكون هناك خريطة كاملة تتشارك بها الدولة مع المسئولين فى الفن والصناعة.. فمهرجاناتنا لا تزال تنقصها الإدارة المتكاملة التى تعمل طول العام على المهرجان، وليس العمل الموسمى الذى يعتمد على العمل قبل المهرجان بشهرين، كما أنه لا بد أن تكون هناك متابعة لمهرجانات العالم كى يستفيد منها القائمون على المهرجانات هنا، وهذا ليس معناه كثرة المصاريف أو السفر المتكرر فالإنترنت اختصر المسافات ووفر النفقات وأصبح التواصل أسهل بكثير، كما أنه لا بد أن تدعم الدولة متمثلة فى المحليات والمحافظات المهرجانات، لأنها تحصل على ميزانيات ضخمة، ولكن للأسف لا تصرف فى الأماكن الصحيحة. الناقدة «ماجدة خير الله» ترى أنه من الضرورى زيادة عدد المهرجانات والسبب توضحه قائلة: «من المفترض أن المهرجانات تنشأ لعدة أسباب بعضها مثلاً ممكن أن يكون ترويجًا سياحيًا، وهذا فى حد ذاته هدف مهم فعندما وجد مهرجان «كان» الذى يعتبر أهم مهرجان عالمى كان فى الأساس بغرض الترويج السياحى لمدينة «كان» تلك المدينة الصغيرة فى جنوبفرنسا والتى لم يكن يعرفها أحد. لتصبح بعد ذلك من أشهر المدن ويصبح المهرجان معها من أهم المهرجانات السينمائية والأسواق لبيع وشراء الأفلام، وأهم ما يميز المهرجانات هى الأفلام المشاركة من جنسيات مختلفة والتى تزيد من الثقافة السينمائية التى تمتع الناس ولا توجد فى الحياة الفنية إلا قليلاً لأن أغلب الافلام الموجودة فى مصر والعالم أفلام تجارية.. وهناك عامل مهم يضاف لنجاح أى مهرجان، وهو استطاعته أن يصنع لنفسه جمهور ينتظره كل عام كما فعلت بانوراما الفيلم الأوربى، وأيضًا مهرجان الجونة الذى أصبح يجذب جمهورًا من كل المحافظات. وأضافت «خير الله»: «لا أستطيع أن أحكم على كل المهرجانات بنفس الحكم أو المقياس فمهرجان القاهرة مثلًا مهرجان عريق عمره 41 عامًا، وهو المهرجان الوحيد فى المنطقة العربية والشرق الأوسط الذى له ثقل وصفة عالمية، وهو مهرجان ناجح وقيمته فى تزايد، أما مهرجان الجونة فقد لفت إليه الأنظار واستطاع أن يرتبط به الناس. ومهرجان أسوان له تخصص محدد فى سينما المرأة وأفلامها وهو ما منحه مذاقًا خاصًا.. ومن المؤكد أن إقامة مهرجان شىء فى منتهى الصعوبة لأنه يتطلب عملاً شديد الإرهاق طوال العام من إحضار الأفلام والتواصل مع شركات الإنتاج والتوزيع وتكلفة رسوم ومصاريف شحن ووضع ترجمة، وأيضًا الاتفاق على لجان التحكيم والتى يجب الحرص فيها على التنوع من بلدان مختلفة وفى أوقات مناسبة لهم إلى جانب لجان المشاهدة وغيرها من التحضيرات، وهذا ما يصعب زيادة عدد المهرجانات أو إقامة مهرجان فى كل محافظة. فنحن نعانى من نقص العناصر البشرية المؤهلة لعمل مهرجانات ضخمة ومحترمة لأن هذا يتطلب أشخاصًا على درجة معينة من الخبرة. وأكبر دليل على ذلك أن الإمارات كان لديها مهرجانان لم يستطيعا الاستمرار لنقص العناصر البشرية المحترفة والمتخصصة. عامة، نستطيع أن نقول إن المهرجانات على مدار السنوات العشر الماضية فى تحسن وازدياد رغم أن بعضها أو الكثير منها يعانى من قلة الدعم المالى ولا يوجد لديها رعاة مثل أسوان أو الإسماعيلية. وبالنسبة للمهرجانات الجديدة التى نسمع عنها مثل الفرانكوفونى أو العلمين فلا نستطيع الحكم عليها إلا بعد إقامتها على أرض الواقع».