يبدو أن التراجع الذى تشهده «الولاياتالمتحدة» هذا العام، ليس على المستوى السياسى والدولى فحسب، بل أيضاً على المستوى الفنى للأفلام التى تراجعت عن الصدارة. فمع نهاية كل عام، يبدأ النقاد العالميون بفرز الأفلام لاختيار (الأفضل)، ولكن يبدو أن التنافس الدولى الشرس الذى تشهده الساحة العالمية قد ألقى بظلاله على صناعة الأفلام، إذ زخر هذا العام بأفلام عالمية استطاعت بجدارة منافسة «هوليوود» أرض صناعة السينما، سواء على شباك التذاكر، أو فى المهرجانات العالمية. (استطلاع نقاد) قام به موقع «إندى واير» منذ أيام، وهو استطلاع سنوي. وفى هذا العام سأل الموقع 304 من النقاد والصحفيين من جميع أنحاء العالم بالتصويت على أفضل أفلام 2019. وبالفعل، تم اختيار 25 فيلماً عالمياً، ولكن كانت المفاجأة حصول فيلم كورى جنوبى على المرتبة الأولى. ومن الملحوظ أيضاً، أنه رغم وجود عدد من الأفلام الأمريكية القوية، إلا أن الأفلام الأجنبية أثبتت جدارتها فى ترتيب الأفضل. الأفلام الأجنبية تخطف النقاد تصدر فيلم (طفيلى) قائمة الأفضل لهذا العام. وهو كوميديا سوداء من كوريا الجنوبية، من تأليف وإخراج «بونج جون هو» الذى حاز أيضاً على أفضل مخرج فى نفس الاستطلاع، وأفضل سيناريو أيضاً. يتحدث الفيلم عن الفوارق الاجتماعية فى «كوريا الجنوبية» من خلال عرض حياة أسرتين، الأولى غنية جداً، والثانية فقيرة جدا ولكن تتغير حياتهم عندما يدخلون فى عالم الأسرة الغنية.. ورغم أنها فكرة تقليدية إلا أن طريقة تناولها ليست تقليدية، إذ حُطم فيه الإطار المعروف عن الخير والشر، أى لم يتناول الفيلم فكرة وجود أشخاص أبرياء وآخرين أشرار بناء على اختلاف طبقاتهم، بل ركز على مشاعرهم، وتقلباتهم، وردود أفعالهم، وفقاً لما يعيشونه فى حياتهم. وهذا ما جذب انتباه الجمهور، أن الفيلم يتناول قضايا تتعلق بالجميع فى كل أنحاء العالم، وليس قضية ما فى كوريا الجنوبية فقط. فيلم (طفيلى) كان واحداً من أكبر قصص النجاح لهذا العام، بعد أن أصبح «بونج» أول مخرج كورى يفوز بجائزة «السعفة الذهبية» فى «مهرجان كان السينمائى». كما تم اختياره للمنافسة على أفضل فيلم روائى عالمى فى «الأوسكار» القادم. ومن المتوقع أن يرشح الفيلم لعدد من الجوائز الأخرى، مثلما رشح فيلم (Roma) المكسيكى فى العام الماضى. ومن فرنسا يأتى فيلم (Portrait of a Lady on Fire- صورة سيدة على النار) وهو فيلم درامى تاريخى من تأليف وإخراج «سيلين سيما»، تدور أحداثه فى أواخر القرن الثامن عشر، عن علاقة محرمة فى هذا الوقت بين أرستقراطية، ورسامة كانت ترسم صورتها.. ويوضح الفيلم أن الفتاتين تعبرا عن نفسهما بعيدًا عن القيود الأخلاقية للمجتمع الذى يسيطر عليه الذكور خلال تلك الحقبة. الفيلم فاز فى مهرجان «كان» بجائزة «كويير بالم» فى مهرجان كان، ليصبح أول فيلم من إخراج امرأة تفوز بالجائزة. كما فازت «سيما» أيضاً بجائزة أفضل سيناريو فى نفس المهرجان. الفيلم حول مخرج وكاتب سيناريو إسبانى مشهور عالميًا. يمر بمرحلة صعبة من المعاناة من المرض وانحسار الأضواء عنه.يجتهد للتصالح مع جوانب مختلفة من ماضيه.. ومع ذلك، أكد «المودوفار» فى أحد الحوارات الصحفية، أن الفيلم ليس سيرة ذاتية، بل يتعلق كثيرًا به، أو الأقرب لحياته، مع وضع بعض الاختلافات التى استوحاها من حكايات عائلته، وأصدقائه، وبعض معارفه، قائلاً: «دعنا نقول فقط أن جميع الأماكن وجميع المواقف التى حدثت فى الفيلم مألوفة بالنسبة لى، لكننى لم أعشها، إذ تستند على بعض الأشياء الرئيسية فى حياة شخص قريب جدا منى». وكما ذكر المخرج فى بعض التصريحات الصحفية أنه استخدم أثاث بيته، وبعض ملابسه لشخصية «سلفادور». أما The Elephant Sitting Still)-لايزال الفيل موجوداً)، فهو فيلم لديه حكاية خاصة جدا، الفيلم من تأليف وإخراج الروائى «هو بو»، وهو الفيلم الأول والأخير له، إذ انتحر «بو» بعد فترة وجيزة من الانتهاء من فيلمه فى 12 أكتوبر 2017، عن عمر يناهز 29 عامًا، وجاء ذلك بسبب النزاعات مع المنتجين لأنهم أرادوا تقليص وقت العرض إلى النصف، وفقاً للتقارير الإخبارية !! قصة الفيلم مقتبسة عن إحدى رواياته التى تحمل عنوان (Huge Crack)، أو (الصدع الكبير)، التى صدرت عام 2017. وتدور الأحداث على مدار يوم واحد فى الخراب الذى تعيشه إحدى مقاطعات الصين، إذ يتعرض أبطال الفيلم لكل أشكال المآسى، وتصل حياتهم إلى طريق مسدود، ويحاولون الهرب، بعد أن يعلقوا آمالهم على فكرة الخلاص من خلال قصة يسمعونها عن فيل موجود فى أقصى شمال الصين. ويتكون الفيلم بالكامل تقريبًا من لحظات مؤلمة. لذلك، تشكك البعض، إذا كان هذا الخلاف مع المنتجين هو سبب انتحار الروائى، أم نفسيته التى كتب بها تلك القصة المأساوية. أى تكون القصة التى قتلت صاحبها. حصل الفيلم على 8 جوائز عالمية. كما حاز على إشادة من كبار المخرجين والنقاد أيضاً، الذين أوضحوا أنه رغم وفاة مخرجه بعد فترة قليلة من عرض الفيلم، إلا أن تحفة الأربع ساعات التى تركها خلفه سوف يتردد صداها على مر العصور. أفلام مشتركة تنضم لقائمة الأفلام غير الأمريكية مجموعة أخرى، ساهمت الاستديوهات الأمريكية فى المشاركة فى إنتاج بعضها منها (A Hidden life-حيافة خفية) وهو فيلم سيرة ذاتية تاريخى ملحمى، يحكى أحداث قصة حقيقية لبطل نمساوى غير مشهور يدعى «فرانز جاجرشتاتر» الذى رفض أن يكافح مع النازيين فى الحرب العالمية الثانية. وعليه، يتم إعدامه عن عمر يناهز 62 عاماً. ولكن بعد فترة يعلن أنه استشهد بعد تعرضه للضرب من الكنيسة الكاثوليكية. الفيلم من إخراج «تيرانس ماليك» الذى حاز على 42 من أصل 56 ترشيحاً. ومن ألمانيا يلمع هذا العام فيلم (Transit-العبور) وهو فيلم آخر يحكى عن النازية، إذ تحكى قصة الفيلم عن لاجئ سياسى ألمانى يدعى «جورج» نجا من معسكرات الاعتقال الألمانية، ويحاول إيصال خطاب إلى كاتب معروف يدعى «فرانز فايدل»، ليكتشف أنه انتحر. ومن ثم يأخذ مخطوطاته ووثائق هويته، والتى تعده بملاذ آمن فى المكسيك. تستند قصة الفيلم إلى رواية للمؤلفة «آنا سيجرس» لعام 1944، تعتمد القصة على تجربتها الخاصة فى زمن الحرب فى فرنسا. والغريب هذا العام تألق فيلم أفريقى فى فترة ندر فيها ظهور الأفلام الأفريقية المهمة، لكن فيلم (Atlantic-أتلانتيك) السنغالى يحجز مكانه هذا العام بين أفضل أفلام 2019. الفيلم درامى رومانسى خيالى، من إخراج السنغالية «ماتى ديوب»، فى أول فيلم روائى طويل لها، وقد تم اختياره للتنافس على جائزة «السعفة الذهبية»، لتصبح «ديوب» أول امرأة سمراء تخرج فيلمًا يدخل هذه المنافسة فى المهرجان. ويمثل الفيلم دولة السنغال فى جوائز الأوسكار. ثم يأتى فيلم (The Farewell- الوداع)، ورغم أن الفيلم أمريكى، إلا أن طاقم العمل صينى، بداية من المخرجة إلى الممثلين. وتدور قصته حول عودة امرأة صينية-أمريكية إلى «الصين»، بعد أن تصاب جدتها بالسرطان، ويبقى لديها ثلاثة أشهر فقط للحياة. وتتجادل «بيلى» وأسرتها بشأن إخبار الجدة حول مرضها، إذ ترى البطلة من وجهة نظرها الأمريكية التى تربت عليها ضرورة مصارحتها، ولا تفهم التقاليد الصينية فى عدم إخبارها مراعاة لشعورها، وضرورة الترابط الأسرى المطلوب لتحسين حالتها فى آخر أيامها. فى هذا الفيلم يتم استكشاف الشد والجذب بين روابط الدم، وعلاقات الثقافة المختلفة، إذ يصطدم التفكير الأمريكى بالصينى، واختلاف طريقة إخراج المشاعر الأمريكية مع الطريقة الصينية، وكيف تتواجد الهويتان فى «بيلى». التفاصيل هى أكثر ما أثار إعجاب النقاد والجمهور فى هذه الدراما العائلية وشبه السيرة الذاتية للكاتبة والمخرجة «لولو وانج». فقد استند الفيلم إلى قصة اسمها (ما لا تعرفه) التى كتبتها «وانج» ونشرتها على البرنامج الأمريكى (The American Life) فى أبريل 2016. أفلام أمريكية خالصة أما الأفلام الأمريكية الخالصة، فكان الأفضل والذى حاز على ثانى أفضل فيلم فى الاستفتاء هو فيلم الجريمة والسيرة الذاتية (The Irishman)، أو (الأيرلندي) الذى أثار ضجة كبيرة فى جميع المهرجانات التى استضافته هذا العام، ويعود ذلك لقصة الفيلم المقتبسة عن قصة حقيقية، وقد فسر الفيلم سر اختفاء النقابى الشهير «جيمى هوفا» عام 1945، واعتراف «فرانك شيران» زعيم النقابات العمالية، المشهور بال«الأيرلندي» بأنه قتله. ثم جاء بعده فيلم (Marriage Story)، أو (قصة زواج) الذى حصل على إشادة من النقاد، خاصةً فى سيناريو «نوا باومباخ»، وبراعة تمثيل «آدم درايف»، و«سكارليت جوهانسن» التى جسدت دورها بشكل بعيد تماماً عن أدوارها السابقة، وقد تم اختيار الفيلم من قبل «المعهد الأمريكى للسينما والمجلس الوطنى للمراجعة»، كأحد أفضل عشرة أفلام فى السنة. وأيضاً فيلم (Once Upon time in Hollywood)، أو (حدث ذات مرة فى هوليوود)، وفيلم (الجوكر) اللذان أحدثا ضجة كبيرة، شكلا ومضمونا، كما أن الفيلم الأخير استطاع تحقيق إيرادات هائلة تجاوزت المليار دولار.