منذ ما يقرب من مائة عام وبالتحديد فى العام 1920 كان إصدار أول قانون للأحوال الشخصية فى مصر، (القانون 25 لسنة 1920م).. لتتوالى بعد ذلك التشريعات والتعديلات بإنشاء محاكم الأسرة، ولجان التسوية، وإقرار حق طلب الانفصال بالخلع .. ثم رفع سن حضانة الأطفال إلى 15 عامًا.. ومنذ ذلك الحين سواء المائة عام التى مرت على القانون الأول للأحوال الشخصية، أو الخمسة عشر عامًا التى تلت إجراء آخر تعديلات (القانون 4 لسنة 2005م)، لا يزال قانون الأحوال الشخصية عاجزًا عن مواجهة التحديات التى تواجه كل أركان الأسرة، وبات إقرار قانون جديد بمثابة طوق نجاة لآلاف الأسر التى تملأ قضاياها ساحات المحاكم وتؤثر سلبًا على حياتهم، وهو ما دعا مجلس النواب لفتح الباب أمام مناقشة بعض القوانين المقدمة لديه حول الأحوال الشخصية. الرئيس عبدالفتاح السيسى من جانبه وجّه رسالة طمأن فيها المرأة المصرية، بشأن قانون الأحوال الشخصية الذى يناقشه البرلمان، قائلًا: إنَّهنّ يتخوفنّ ألا يحقق القانون التوازن والإنصاف والأمان لهنّ. وأضاف السيسى، خلال كلمته فى منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة الخميس الماضى، بجلسة «تعزيز دور المرأة الأفريقية لتحقيق السلام والأمن والتنمية»: «لن أوقع على قانون لا ينصفكنّ، وأعلم أن البرلمان ونوابه حريصون على المناقشة المتوازنة والمعتدلة فى هذا القانون». ثقة الرئيس فى نواب البرلمان لإخراج قانون متوازن تضعهم أمام مسئولياتهم خاصة بعدما أصاب الأسرة المصرية من وهن وخطر قد يؤثر على سلامة وأمن روابط المجتمع المصرى، ويجعلهم أمام 7 ألغام حقيقية مطالبين بتجاوزها وتلافى عيوب ظهرت وتسببت فى صرخات واعتراضات جميع الأطراف: 1 - أول لغم حقيقى يواجه مجلس النواب هو «قانون الأزهر للأحوال الشخصية» الذى يعتبره بعض النواب نوعًا من «الوصاية الدينية»، فأغلب النواب يعترضون على ما قام به الأزهر من تقديم مشروع قانون، باعتباره ليس مختصًا بالتشريع، وحقه فقط إبداء الرأى، كما أن التشريع المقترح من الأزهر لم يضع حدًا للخلافات القائمة فى عدد من الملفات الخاصة بالأحوال الشخصية مثل سن الحضانة وترتيبها والولاية التعليمية والرؤية وغيرها من الملفات المهمة، حتى إن النائب محمد أبو حامد قال «90% مما جاء بقانون الأزهر للأحوال الشخصية مخالف للدستور والاتفاقيات الدولية فى شأن حقوق الطفل ومنع زواج القاصرات، والأخذ ببعض ما جاء فيه قد يضع مصر فى أزمة من عدم الالتزام بالاتفاقيات الدولية، وفى الحقيقة مقترح الأزهر لا يلبى طموحات الرجال أو النساء، كما أنه لا يضع حدًا لمعاناة الأطفال، وما جاء فيه عبارات رنانة لا ترقى إلى مستوى التنفيذ».. واستشهد أبو حامد، بما جاء فى شأن التأكيد على البت فى قضايا الأسرة خلال شهر فقط، موضحًا أن هذا الأمر يحدده فقط وزير العدل، لأنه أمر مرتبط بالقضاء، وهناك بعض القضايا التى تحتاج لفترات أطول. وأشار إلى أن المشروع المقدم من الأزهر أغفل أمورًا كثيرة، وهى محل خلاف، ومن بينها سن الزواج الذى تركه فى يد القاضى، وهو أمر مرفوض ولا تقبله السيدات. 2 - الأزمة الثانية هى ما تعتبره بعض الكيانات النسائية «مكتسبات» المرأة التى حققتها فى تعديل القانون عام 2005 ولن يتم التنازل عنها، فى حين أن الأرقام الرسمية الصادرة من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، تؤكد وجود زيادة كارثية فى حالات الطلاق، بداية من عام 2005، وهو العام الذى تم فيه رفع سن الحضانة إلى 15 عامًا، وإقرار التخيير للطفل بعد ذلك فى أن يعيش مع الأم التى استمر معها 15 عامًا ولا يعلم إلا غيرها، أو الأب الذى كان يراه 3 ساعات كل أسبوع مع حرمان الصغير من زيارة منزل أبيه أو التعامل مع أى فرد من عائلته من ناحية الأب، مما رسّخ فكرة الحضانة الأبدية للأم. ومن جانبه، قال الدكتور أشرف تمام، رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار السابق: إن الأرقام الرسمية، فى عام 2005 كانت تشير إلى أن أعداد حالات الطلاق تصل إلى 65 ألف حالة، وبعد 4 سنوات فقط أى فى 2009، وصلنا إلى 141 ألفًا و500 حالة طلاق سنوية، وأن 70% من هذه الحالات فى سن العشرينيات والثلاثينيات، موضحًا أن نسب قضايا الخلع لإجمالى عدد قضايا الطلاق بلغت 83.5% عام 2018، بسبب المكتسبات التى تحصل عليها المطلقة والتى أصبحت تفوق المكتسبات التى تحصل عليها أثناء الزواج. كما أن عدد أطفال الشقاق وصل إلى 15 مليون طفل تقريبًا مشتتين بين أسر مفككة تعانى خلافات زوجية مزمنة استعصى أغلبها على الحل. 3 - أنصار «الرؤية» تحت قبة البرلمان مثل الدكتورة عبلة الهوارى يرفضون استبدالها بالاستضافة، لأنه يترتب عليها مشكلات لجميع الأطراف، وهى تحتاج إلى وجود شرطة للأسرة قادرة على إرجاع الطفل للطرف الحاضن وتقول الهوارى: أنا مع الرؤية بشكل منتظم فى أماكن مستقرة، ولمدة 3 ساعات كما هو معمول به. وفيما يتعلق بموقفها من الاستضافة أو الاصطحاب، أكدت أنه إذا كان هناك اتفاق على الاستضافة فلا بد من وضع ضوابط، ومن بينها أن يكون الطفل على قوائم الممنوعين من السفر، حتى لا يلجأ غير الحاضن للسفر به بدون إذن الحاضن.
4 - أنصار الاستضافة تحت قبة البرلمان ومنهم النائب محمد فؤاد يرون أن الرؤية تؤدى إلى أن الحصيلة النهائية لتواصل الأب مع ابنه طيلة 15 عامًا بنظام الثلاث ساعات رؤية لا تزيد عن 90 يومًا فقط، والمشكلة الكبرى هى أن الكثير من الأمهات تمتنع عن المجىء فى كثير من الأحيان، كما اختزل القانون كل حقوق الأطفال لدى أبويهم فى حق الرؤية فقط – بل وجعله حقًا للأبوين دون الأطفال – ولم يرتب أى حقوق معنوية أخرى أى أنه ليس للطفل عند أبيه إلا الرؤية والإنفاق فقط، وكأنه – أى القانون – يرتب حقوقاً لآلة لا روح لها ولا إحساس. والنتيجة نشأة أطفال فى ظروف غير طبيعية على الجفاء بينهم وبين من ليس له حق الحضانة من أهلهم وغالبًا ما يكونون أهل الأب. 5 - ترتيب الحضانة واحدة من أكبر الألغام التى ستواجه «النواب»، حيث ينادى بعض النواب بأن يكون الأب فى الترتيب التالى للأم مباشرة، بينما تنادى عبلة الهوارى عضو اللجنة التشريعية بالبرلمان بأن يكون ترتيب الحضانة من حق الأم ثم أم الأم، ثم أم الأب، ثم الأب، وبذلك يكون ترتيب الأب الرابع، بينما هو فى القانون الحالى ترتيبه 16، أما فى مشروع القانون المقدم من الأزهر فكان الترتيب كالتالى: «الأم، ثم أم الأم، ثم الأخوات بتقديم الشقيقة، ثم الأخت لأم، ثم الأخت لأب ثم الخالات بالترتيب المتقدم فى الأخوات». وهنا نجد أن مشروع القانون المقدم من الأزهر قد جعل الترتيب فى الحضانة لمحارم الصغير من النساء أولاً فإذا لم يوجد أحد منهن انتقلت إلى أم الأب ثم إلى الأب. 6 - الاستعانة بالتجارب العالمية والمواثيق الدولية واحدة من أكبر الأزمات.. فمصر ملتزمة بسن الطفولة المنصوص عليه فى المواثيق الدولية، ولكنها لا تلتزم بمبادئ أخرى مثل حق الرعاية المشتركة، وبنظرة مقارنة للمواد الخلافية بقوانين الأحوال الشخصية بين مصر وعدد من دول العالم، وهى المواد الخاصة بالاستضافة أو «الاصطحاب للطفل»، و«ترتيب الحضانة» و«سن الحضانة»، سنجد إشكالية كبيرة يعانى منها القانون المصرى، ففى السعودية والإمارات وعمان وتونس والجزائر والمغرب، يوجد حق الاصطحاب والزيارة من الأطفال للطرف غير الحاضن ضمن قانون كل دولة للأحوال الشخصية، فيما وضعت العراق بالقانون حق الاصطحاب والتربية والرعاية، ولكن الطفل يبيت آخر الليل عند الطرف الحاضن، فيما اكتفى لبنان بالاصطحاب. وأقرت ألمانيا حق الاصطحاب والرعاية المشتركة، ومثلها الولاياتالمتحدة، وخلاف كل هذه الدول وضع القانون المصرى الحالى ساعات رؤية فقط وفى مادة ترتيب الحضانة، اتفقت دول السعودية والإمارات وعمان وتونس والجزائر والمغرب والعراقولبنان على أن الحضانة للأم ثم الأب، فيما أقرت ألمانياوالولاياتالمتحدة أن الحضانة للأصلح سواء الأب أو الأم، ولكن بمصر جاء الأب رقم 16 فى ترتيب الحضانة وفيما يرتبط بسن الحضانة، جاءت السمة العامة بالدول العربية 7 و9 و11 عامًا للذكر و9 و11 و13 عامًا للأنثى، بينما جعل القانون المصرى سن الحضانة 15 عامًا لكليهما. 7 - صاحب الحق فى الولاية التعليمية حال انقضاء العلاقة الزوجية هو الطرف الحاضن حتى لا تكون مصدرًا للنكاية من الطرف الآخر، ولكن قانون الأزهر يشير إلى أن تكون الولاية التعليمية المتمثلة فى اختيار نوعية التعليم للأب والأم بالتراضى، فإن تنازعا فتكون للأب بشرط ألا تقل نوعية مستوى التعليم عن مستوى تعليم نظائر المحضون، وعلى الأب أداء تكاليفه، وما يلزم ذلك من نفقات انتقال وأدوات مدرسية ونحوها، بما يُعين على تلقى المحضون تعليمه بصورته المناسبة، فإن رَغب الحاضن فى نوعية تعليم تزيد تكاليفه عما اختاره الأب، تحمَّل الحاضنُ فرق التكاليف.