ارتبط الحصول على مؤهل تعليمى متوسط فى أذهان الكثيرين ب«الفشل»، كما صُنف طالب الدبلوم أو الحاصل عليه بأنه شخص عادى، ليس لديه القدرة على الإبداع، لكن الحياة والتجارب أثبتت لنا العكس، فهناك نماذج ناجحة استطاعت أن تخلق لذاتها مناخًا إيجابيًا ساعدها على التفوق، من ترك بصمته فى عالم الفن التشكيلى وصارت لوحاته من مقتنيات الدولة للشباب، وآخر بات محترفًا فى فن الأرابيسك وذاع صيته داخل مصر وخارجها، وثالث دخل بيئة العمل بالتزامن مع التحاقه بالثانوى الزراعى. «روزاليوسف» التقت مجموعة من شباب التعليم المتوسط، لتعرف كيف بدأت مسيرتهم والصعوبات التى واجهتهم وكيف تغلبوا عليها فى ظل الإحباطات التى واجهتهم فى ضوء التعليقات السلبية من جانب المحيطين بهم. «رامى« أول الجمهورية فى الرسم تجلت موهبته فى الرسم منذ الطفولة، كانت رسوماته وأعماله محط أنظار الجميع، لا سيما معلمى الرسم فى مدرسته ممن احتفظوا بلوحاته التى رسمها فى المرحلة الابتدائية ونظموا بها معارض فنية، مرت السنوات ونمت موهبته إلى أن التحق بالثانوى الفنى الصناعى،قسم ملابس جاهزة، درس بعض المواد الفنية مما ساعده على الارتقاء بمستواه، وجاء ترتيبه الأول بين أبناء تخصصه على مدار الثلاثة سنوات، وفيما بعد كرس جهوده للفن الواقعى الكلاسيكى وتناوله من خلال التصوير الزيتى والرسم وهو من تخصصات الفنون التشكيلية. لم يحالف «رامى عبدالحميد عبدالحميد»، صاحب ال34 عاما، الحظ كى يلتحق بالجامعة ليستكمل دراسته الفنية، وذلك رغم حصوله على مجموع 80 %، يقول: « فى هذا العام جاء التنسيق للتعليم الفنى عالى جدًا وكان ذلك بمثابة صدمة نفسية لى، لم أستسلم للصدمة وبدأت بتعليم نفسى ذاتياً، طورت قدراتى فى الفنون التشكيلية وفنون تصميم الأزياء إلى أن وصلت لمرحلة فنية متقدمة جدا قريبة من ما يُدرّس بالجامعات الفنية المختلفة، وبدأت بعمل معارض ولقاءات تعريفية للطلبة داخل الجامعات والكليات المتخصصة بدعوات من الدكاترة المتخصصين وأصبحت الطلبة تقوم بعمل أبحاث عن أعمالى وتقدمها للدكاترة أثناء المراحل الدراسية المختلفة بالجامعة». يستخدم الشاب الثلاثينى المقيم فى مدينة المنصورة الرصاص والفحم والألوان الزيتية فى أعماله. وقد حصل هذا العام على المركز الأول على الجمهورية فى مسابقة المناسبات والاحتفالات الشعبية والاجتماعية المصرية. شارك الشاب الثلاثينى فى معارض كثيرة للفن التشكيلى منها، التصوير الزيتى والرسم بقصر ثقافة المنصورة ودار ابن لقمان، ومعارض أصدقاء النقابة للفنانين وصالون الشباب ومعارض بمحافظة وجامعه المنوفية، ومعارض بقصر ثقافة المنصورة ومعرض معرض تراشى بدار الاوبرا المصرية: «وشاركت فى معارض للأزياء والمكتبة المركزية بجامعة المنصورة»، أما المعارض الدولية فشارك فى معارض تصميم الأزياء والفنون التشكيلية بالمؤتمرات العربية الدولية بجامعة المنصورة وعين شمس والمنوفية وحلوان. باتت الكثير من أعمال «رامى» من مقتنيات الدولة للفنانين الشباب على مدار ثلاث سنوات متتالية، منها لوحة تصوير زيتى بعنوان «النيل» عام 2017، ولوحة رسم رصاص بعنوان «الحسد» عام 2018، ولوحة تصوير زيتى بعنوان «حلم عروس» عام 2019، ويضيف: « حصلت على الجائزة التشجيعية على مستوى الجمهورية فى النحت 2012، المركز الثالث بالجمهورية اشغال فنية 2013، مركز رابع على مستوى العالم العربى بمسابقة تصميم الازياء 2014، مركز أول محافظة الدقهلية فن تشكيلى رسم 2015، مركز ثالث جمهورية مسابقة النيل والرمز والحضارة فن تشكيلى 2017، مركز خامس جمهورية مسابقة انطباعات من وحى البيئة المصرية 2018، مركز اول جمهورية مسابقة المناسبات والاحتفالات الشعبية 2019». يتمنى «رامى« أن يكون فنان مصرى عالمى ويكون قدوة فنية للجميع، موضحًا أن والدته كانت تساعده منذ بداية مشواره: «حياتى لم تقف بعدما ضاع حلم الالتحاق بالجامعة، كرست كل جهودى للفن التشكيلى واستطعت أن اترك بصمة كبيرة فيه». «ياسر» إمبراطور الأرابيسك: شغلى سافر إنجلترا وإيطاليا حصل على دبلوم فنى صناعى،لكن حياته لم تتوقف هنا، التحق بالتعليم المفتوح كلية الإعلام، جامعة القاهرة واستكمل دراسته، كان يحلم بالحصول على وظيفة جيدة وبالفعل عمل فى إحدى شركات البترول، لكن شغفه بفن الأرابيسك كان رفيقه دائمًا، كانت تستهويه المساجد القديمة، فيلتقط لها الصور، وتجذبه المبانى الأثرية فيتمنى لو عاد به الزمن ويكون له حظ وفير للمشاركة فى صُنع جدرانها ونوافذها. قرر «ياسر محمد السعيد سليمان ندا»، ابن ال37 عاما أن يسلك الطريق لاحتراف فن الأرابيسك، كان يذهب إلى النجارين ليتعلم منهم، كان يلاحظ أنهم يعملون بخامات رخيصة وسريعة، لكنه قرر أن يكون مختلفًا ويتبع الطريقة القديمة، يقول: «قررت أشتغل بالطريقة القديمة يكون خامات كلها طبيعية وأنواع خشب مميزة وصدف طبيعى وعظم وأبانوس ودهان بالقطنة والجملكة زى زمان»، مؤكدًا أنه بدأ عمله منذ 10 أعوام وتعرض لهجوم ممن حوله فى سوق العمل، بعضهم كان يسخر منه والبعض الآخر كان يجد أنه بلا خبرة ومهارة، لذا قرر أن يتعلم النجارة من البداية: « روحت عند نجار من بتوع زمان كبير فى السن وعلمنى إزاى أرسم الشغل الإسلامى وأصممه، واتعلمت وماحدش عرف يضحك عليا لأنى فاهم وعرفت أدير مشروعى». جاءت ثورة يناير، وتوقف العمل لكن «ياسر» صمم أن يتخطى تلك المرحلة، فكان يدفع أجور العاملين بورشته من ماله الخاص: «كنت بقبض الناس من جيبى، وبعمل شغل وأركنه عشان الدنيا تمشى»، موضحًا أنه أختار هذا المجال بسبب النزعة الفنية التى اكتشفها بداخله منذ البداية: «كنت بحب أى شئ قديم، بعتبر إن ليه أصل وماحبيتش وإحنا فى مصر نمتلك حضارتين من أعظم الحضارت وهى الفرعونية والإسلامية وأنا بحب الحضارة الإسلامية وحسيت هبدع فيها، اشتغلت فى مساجد وفيلل كتير، شغلى دايمًا ترميم المساجد القديمة، الجديد، الأبواب، الشبابيك، المنابر، شغل الصدف، وناس بتعمل الشبابيك والمداخل فى الفيلل أرابيسك لأن نسبة كبيرة منهم بدأوا يتجهوا شوية للشغل الإسلامى». «أحمد»..عمره 19 عاما ويعمل فى شركات جرافيك: طالب الدبلوم مش فاشل لم يكن متفوقًا فى دراسته، فالمدرسة لم تمنحه الشىء الذى يريده ذات يوم، اتجه إلى المهن التى تعتمد على المجهود البدنى،فتعلم النقاشة والكهرباء والسباكة، إلى أن اهتدى إلى حلمه وهو العمل فى مجال الجرافيك، حينما بلغ ال 17 عاما، فى شركة بمحافظة «بنى سويف» مسقط رأسه، نمَت الشركة ونما معها «أحمد» حتى صار له عملاء يطلبوه بشكل خاص دون أن يبذل أى جهد. وسع «أحمد كمال» 19 عاما، طالب بالصف الثالث الثانوى الزراعى مجال عمله بالجرافيك وعمل فى أكثر من شركة أونلاين، وأنشأ قناة على اليوتيوب ليساعد الشباب فى الدخول إلى مجال الجرافيك، يقول: «بساعدهم يتطوروا ويكبروا فى المجال وهما لسه تحت ال 20 سنة، واللى حبيت أوصله للشباب أنهم ميستنوش يتخرجوا وبعدين يشوفوا شغل، إبدأ وانت صغير حدد هدفك، شوف شغفك وحدد طريق وانطلق فيه وربنا مش هيضيع تعبك». لم ينس «أحمد» أبدًا كلام المحيطين به، عندما كانوا يصفونه دائمًا ب«الفاشل» لأنه لم يكن متفوقًا فى دراسته: «أنا من بنى سويف من قرية تابعة لمركز الواسطى، والمدرسة كانت بسيطة وماكانش فيها تعليم كويسة للدرجة اللى أنا عاوزها، كنت من الناس الشاطرة بس فى الحاجة اللى بحبها، كنت مهتم بالحاسب الآلى جداً، لإنى حابب أخش هندسة كمبيوتر، إنما ماكونتش مهتم بالدراسات والعلوم لإن مش ده هدفى،تعبت كتير وأنا صغير لإنى كنت شغال من وأنا طفل واشتغلت فى شغلانات صعبة وكنت بشيل واحط والكلام ده واشتغلت فى حرف كتير». ما زال «أحمد» فخورًا بما حققه فى مشواره الذى بدأه باكرًا، حيث بدأ عمله فى إحدى الشركات وهو طالب فى الصف الأول الثانوى،واستطاع أن يعمل لشركات خارج مصر أيضًا، ويضيف: «اشتغلت على تطوير الهوية التجارية لشركة من الشركات الكبيرة فى مجال السياحة فى مصر، واشتغلت مع شركتين فى فلسطين وشركة فى السعودية، وعملت براند تيشيرتات وشنط لسه هينزل السوق قريب، وشغال على إنى أعمل معهد كورسات عشان أفيد الشباب الصغير اللى قدى واصغر منى إنه يتعلم مجالات كتير زى التصميم الجرافيكى والبرمج، المهم إن الشباب ميهتموش بالفلوس قد التعليم ونفسى الناس تقتنع إن طالب الدبلوم مش فاشل والراسب فى الدراسة مش فاشل».