وسط البيوت البسيطة والعشش التى لا يتعدى ارتفاعها المترين، وصلت أحلام البسطاء عنان السماء، وقرروا تحدى حرارة الشمس بالمرح واللعب، رغم قلة الإمكانات، جعلوا بيوتهم ذات الطوب الأحمر الهش تطل على حمام سباحة «بسين» خاص، لتصبح أسطح المنازل المنخفضة منصة الأطفال للقفز فى الماء يطلقون ضحكاتهم الساخرة فى وجه الفقر. فى منطقة الدويقة، ينشغل الرجال بالبحث عن الرزق، والنساء يفترشن المصاطب للحديث هربًا من المنازل الضيقة المكتظة بالكثير من أفراد العائلة، بينما يجد الأطفال متنفسهم الوحيد فى الألعاب البسيطة بعد انتهائهم من مساعدة الأهل فى عملهم، كادر سينمائى ملىء بالحكايات والتفاصيل، وعيون تهرب من عشوائية المكان إلى زرقة السماء، لم يستطع أغلبهم الذهاب للمصيف مطلقًا إذ يعد الأمر رفاهية لا يقدرون عليها من الأساس. انتشرت مؤخرًا صورة حوض سباحة الدويقة على مواقع التواصل الاجتماعى ولاقت الكثير من الإعجاب والدهشة فى وقت واحد. «روزاليوسف» ذهبت هناك لتعرف قصة حوض الماء الذى رسم السعادة على وجوه الأطفال. الفكرة بدأت بخرطوم مياه، يستخدمه «حسين مقبول»، أحد سكان الدويقة، فى رش الأطفال بعد انتهاء وردية التاكسى الذى يعمل عليه، لتخفيف حرارة الصيف، وهو ما جذب كثيرًا من أطفال المنطقة، كانت ضحكاتهم وشعورهم بالفرحة يزداد كلما تساقطت عليهم قطرات المياه، فقرر بعدها أن يقيم لهم مصيفًا صغيرًا فى المنطقة. جذب حسين عرض على مسبح بلاستيكى فى أحد المولات، لتدخل فكرته حيز التنفيذ بالفعل، ويبدأ فى تشييد حوض السباحة تحت منزله لأولاده وأطفال الجيران. فرحة الأطفال كانت هدفه الأول، فالأجر الزهيد الذى يدفعه الأطفال مقابل نزول الماء يتم تخصيصه لصيانة حوض الماء، ودفع فاتورة المياه، إضافة لضرورة شراء حوض جديد كل صيف لأنه يبلى ولا يصلح للاستخدام مرة أخرى. ويشير حسين إلى أن أسعار الأحواض تزيد كل عام فأول حوض بلغت تكلفته 900 جنيه بينما تجاوزت تكلفة الحوض الأخيرال4 آلاف جنيه، موضحًا أنه يحتاج لعناية خاصة إذ يتم تغيير مياه الحوض مرتين يوميًا، إضافة لتنظيف المسبح بالمواد المطهرة حرصًا على صحة الأطفال، وهو ما يتطلب الكثير من المصروفات. لم يتوقع حسين فرحة أهالى المنطقة والأطفال بهذا المسبح، مما دفعه لأن يكمل طوال ال4 سنوات، ويضيف «الحمدلله ما حدش اشتكى من الأطفال ولا الجيران من وجود حوض السباحة، ودايمًا بحافظ إن المياه تكون نظيفة عشان أحافظ على ولادى وأطفال الحتة». قفزات وحركات لأطفال هربوا من ارتفاع درجات الحرارة ليستمتعوا بملهاهم الجديد، لم يحدد أشرف سعرًا ثابتًا لأطفال الدويقة مقابل المسبح، فحسب مقدرة الطفل، بدأ من 50 قرشا إلى 2 جنيه، مقابل الساعة. من ال9 صباحا إلى وقت الغروب هى مواعيد مسبح الدويقة، ورغم انشغاله بالعمل، قرر ترك مهمة العناية بالأطفال والمسبح لزوجته «أم آية» ليطلق عليه الأطفال مع مرور الوقت اسمها، ويسمح بنزول الأطفال من عمر 4 سنوات إلى 12 سنة إلى حوض السباحة الذى يسع 5 أطفال فقط. أوضح حسين بأن فكرة المسبح فى «الدويقة» اقتبسها الكثيرون فى محاولة للترفيه عن أولادهم كما استغل البعض هذه الفكرة فى محاولة لزيادة دخلهم المادى. لم تكن هذه المرة الأولى التى يقرر فيها أهالى الدويقة الترفيه عن أطفالهم بتلك الطريقة المبهجة، ففى وقت سابق قرر «عم سعيد» أحد شيوخ المنطقة، افتتاح حوض سباحة صغير، فى زاوية صغيرة من الشارع الذى يسكن فيه، مقابل حصوله على مبلغ مالى زهيد مقابل نزول الأطفال للماء. أشار حسين إلى أن أطفال الدويقة محرومون من المتعة والرفاهية، مشيرا إلى أنه بمنطقة الدويقة يوجد مركز شباب، ولكن لا يحتوى على حوض للسباحة، مضيفا أنه لا يوجد أى مكان مخصص للأطفال ولا توجد أى حدائق بالمنطقة أو ملاهٍ لهم. أكد حسين بأن معظم أطفال المنطقة لم تسنح لهم الفرصة للذهاب إلى مصيف إلى الآن والبعض منهم لم ير «شاطئًا أو بحرًا» إلى الآن، مشيرًا إلى أنه يشعر بالسعادة كلما وجد الأطفال فى المسبح، ويشعر بالرضا عند سماع صوت ضحكاتهم «أنا مبسوط إنى عرفت أسعد عيال المنطقة وأخفف عنهم صعوبة العيشة، وكمان بفرح إنى عرفت أوفر بديل لعيالى عن المصيف اللى ما كنتش أقدر على تمنه». يوم الأحد هو الأكثر ازدحامًا على «بسين» الدويقة، إذ إن أغلب سكان المنطقة يتقاضون أجورهم يوم السبت من كل أسبوع، ويأتى الأطفال مصطفين حول الحوض كل فى انتظار دوره بعد أن أخذوا المصروف. التزاحم على المسبح وكثرة تواجد الأطفال بصفة مستمرة أمام المنزل خلق جوًا من البهجة فى المنطقة، حتى إن أهالى المنطقة يقومون بمساعدة حسين وزوجته فى أوقات الزحام أو انقطاع المياه فى ملء الحوض بالجرادل بكل ود فرِحين بسعادة أطفالهم. ويضيف «حسين» : إن إقبال الأطفال على المسبح أيام الدراسة يزداد عن الصيف «وقت المدارس بعد ما يخلصوا المدرسة بييجوا، لأن العيل من دول أول ما يخلص امتحانات بينزل على الشغل على طول فمبيبقاش عنده وقت ييجى، وبيبقى موجود الأطفال الصغيّرين اللى ما يقدروش يشتغلوا لسة». «أم آية» زوجة حسين تقول: «حمام السباحة فرّح عيال المنطقة كلهم، وبقوا بييجوا من كل حتة فى الدويقة عشان بعاملهم كويس، وبخلى بالى من هدومهم وموبايلاتهم لحد ما يخلصوا». «سعاد» إحدى سكان المنطقة ترى أن حوض السباحة أعطى المنطقة مشهدًا مُبهجًا «الناس هنا غلابة مش لاقية تاكل عشان تروح تصيف، وحسين جاب المصيف عشان العيال تتبسط باتنين جنيه بس، والأهالى لما بتشوف عيالها فرحانة بتنسَى الهم». «سناء» لم تذهب للمصيف نهائيًا «الموضوع مكلف وعشان أطلع أنا وعيالى يوم واحد بيتكلف 500 جنيه «لكن حمام السباحة يمنحها المرح كما يهب أبناء المنطقة «بناتى بينزلوا بالليل عشان محدش يشوفهم، وأنا ساعات بنزل معاهم، ونفضل نضحك ونهزر، وأهو حاجة من ريحة المصيف ورخيص، مفيش أحسن من كده». ويحلم «أشرف» أحد الجيران، بأن يشارك فى بهجة الأطفال ويزيد من دخله عن طريق شراء دراجات و«بيتش باجى» للتأجير، كما يأمل بأن يوفر مركز شباب الدويقة منطقة لهم ليضعوا أكثر من مسبح، ويشرفوا عليهم لإسعاد أطفال الدويقة.