تراثنا الفنى يزخر بالكثير من المسلسلات والأفلام المأخوذة عن نصوص أدبية لكبار الكتاب، وربما كان قرار تحويل تلك الأعمال الأدبية إلى أعمال يشاهدها الجمهور بدلًا من أن يقرأها فقط تم تقديرًا لما تحمله لنا من تجارب إنسانية تتجاوز الزمان والمكان، إلى كل زمان ومكان تقدم فيه، وما بين تجارب سريعة التحضير قد لا يهتم الجمهور بمشاهدتها مجددًا كما يفعل دون مَلل مع الكلاسيكيات مَهما تكرر عرضها، وبين أخرى تقتبس من فورمات أجنبية بشكل معلن أو خفى ندور فى دائرة مفرغة قوامها انعدام التنافسية، والفقر فى الإبداع، ويبقى تراثنا الأدبى طوق نجاة نحافظ من خلاله على الريادة الدرامية. وإذا كنا لا نستطيع استثمار تراثنا جيدًا؛ فإن الوضع مختلف عربيّا وعالميّا؛ حيث قررت mbc إنتاج محتوى درامى جديد بمواصفات عالمية، وافتتحت تمهيدًا لذلك منذ أيام قليلة مكتب القاهرة لmbc studios التى تم إنشاؤها ككيان فى الربع الأخير من 2018 بهدف إنتاج محتوى بمواصفات ترقى إلى العالمية فى القطاعَين السينمائى والدرامى، وهو ما ظهر جليّا فى رمضان الماضى على المستوى الخليجى؛ حيث تم تقديم مسلسلات حظيت بنسبة مشاهدة مرتفعة مثل (العاصوف2،وبنات الملاكمة) وقد أُعلن تزامنًا مع افتتاح مكتب القاهرة إنتاج العديد من المسلسلات كانت الأعمال التراثية والمأخوذة عن نصوص أدبية حاضرة فيها بقوة، بينما قررت شركة Netflix الرائدة عالميّا فى مجال الترفية عبر الإنترنت أن يكون أولى أعمالها من الدراما المصرية هو مسلسل (ما وراء الطبيعة) المأخوذ عن سلسلة روايات الراحل «أحمد خالد توفيق». تراث أدبى وسير شعبية من القصص الشعبية التى نالت اهتمام أهل السينما والإذاعة والتليفزيون والمسرح قصة (شفيقة ومتولى)، فقد كتب الراحل «شوقى عبدالحكيم» رواية تحمل الاسم نفسه من واقع ما رُوى من تفاصيل تلك القصة فى صعيد مصر، وتم تحويل هذه الرواية إلى مسرحية، ومن هذه المسرحية خرج فيلم (شفيقة ومتولى) من إخراج «على بدرخان»، بطولة «سعاد حسنى، وأحمد زكى، ومحمود عبدالعزيز»، كما تم تقديمها إذاعيّا، ثم انتقلت القصة إلى التليفزيون فقدمتها «معالى زايد، وسميحة أيوب، وعبدالله غيث» فى مسلسل حمل عنوان (حكاية شفيقة ومتولى)، والأصل الذى قامت عليه كل الصيغ الدرامية هو ما رواه المطرب الشعبى «حفنى أحمد حسن»، صاحب الموال المشهور لدى الجميع، واليوم تعتزم mbc studios إنتاج مسلسل جديد يحكى هذه السيرة الشعبية مجددًا، وتاريخيّا، يتم التحضير أيضًا لإعادة إنتاج ملحمة السيرة الهلالية التى تُعد واحدة من أهم روافد الأدب الشعبى العربى، قدمها العديد من الشعراء المهتمين بالسيرة وتجميعها، وهم من يطلق عليهم (المضروبين بالسيرة) ويأتى على رأسهم الشاعر الراحل «عبدالرحمن الأبنودى»، الذى قدمها فى خمسة كتب، كما قدمت تليفزيونيّا فى مسلسل من ثلاثة أجزاء، عرض الجزء الأول منه فى عام 1997، ثم تم تقديم الجزء الثانى فى العام الذى يليه، وكلاهما من إخراج «مجدى أبو عميرة»، وسيناريو وحوار «يسرى الجندى»، فيما تم تقديم الجزء الثالث والأخير عام 2001 من إخراج «هانى إسماعيل»، كما تعتزم الشركة أيضًا ضمن مشروعاتها العديدة تقديم نسخة جديدة من مسلسل (ألف ليلة وليلة)، تلك القصص الشعبية التى رُويت منذ عدة قرون، وانتقلت شفهيّا فى البداية، ثم أُضيف إليها الكثير من القصص العشوائية فى فترات وأماكن مختلفة، حتّى وصل الكتاب إلى منتصف القرن العشرين بستة نماذج مختلفة، وهو ما دفع صناع الدراما إلى تقديمها إذاعيّا وتليفزيونيّا أكثر من مرة، ومؤخرًا، وتحديدًا عام 2015 تم تقديمها فى مسلسل من بطولة «شريف منير، ونيكول سابا»، لكن الأهم أن قطاع الإنتاج بالتليفزيون المصرى قبل وفاته إكلينيكيّا، وتحديدًا فى فترة رئاسة الراحل «ممدوح الليثى» أنتج سلسلة من حلقات (ألف ليلة وليلة) تناوبت على بطولتها العديد من النجمات مثل «شيريهان» التى قدمتها فى شكل فوازير لاتزال محفورة فى الإذهان، بالإضافة إلى حلقات لعبت بطولتها «ليلى علوى وإلهام شاهين والفنانة المعتزلة جيهان نصر»، كما أنتج أيضًا السيرة الهلالية والمأخوذة عنه سيرة بنى هلال. كنز لا ينضب خطة mbc studios لا تقتصر على الأعمال المأخوذة من أصول أدبية فقط؛ حيث تعتزم الشركة تنفيذ العديد من الأعمال التى سوف ترى النور فى الربع الأخير من العام الجارى، منها إنتاجات سعودية؛ حيث يتم الاستعداد حاليًا للبدء فى تصوير عملين سعوديين هما، (خارج عن القانون) و(الورثة)، بالإضافة إلى عمل عربى مشترك بعنوان (عهد الدم). وفى مصر يجرى التحضير لعمل بعنوان (عالم مثالى) بالإضافة إلى المسلسل الصعيدى (شفيقة ومتولى) والمسلسلات التاريخية التى تخصص لها ميزانيات ضحمة، فهناك عدة مشاريع أبرزها مسلسلا (ألف ليلة وليلة) و(السيرة الهلالية)، وأكد المصدر أن خطة مكتب mbc studios فى مصر، الذى يعمل حاليًا تحت إدارة «مصطفى متولى»، وعُين فيه السيناريست «تامر حبيب» مستشارًا دراميّا لا تنفصل عن خطة الكيان ككل، بمعنى أن الأعمال التى يتم تصويرها فى القاهرة لا تعنى أنها ستذاع على قناة mbc مصر فقط، لكن سيتم تقسيمها أثناء العرض على منصات mbc المختلفة وفقًا للجمهور المستهدف من كل شاشة، وعن فكرة تقديم التليفزيون المصرى لهذه الأعمال من قبل، يقول، أنتجت هذه الأعمال من قبل عدة مرات تليفزيونيّا، وإذاعيّا، وقد عرضت mbc حصريّا منذ عدة سنوات مسلسل (ألف ليلة وليلة) من إنتاج «تامر مرسى»، وبطولة «شريف منير، ونيكول سابا»، وهذه النوعية من الأعمال كنز لا ينضب؛ حيث تحتمل إنتاجها عدة مرات نظرًا لثرائها وتنوعها الشديد، بالإضافة إلى أنها جاذبة جدّا للجمهور الذى يقبل عليها بمجرد عرضها مَهما قدمت من قبل، وبالتالى فإن تقديم التليفزيون المصرى ل(ألف ليلة وليلة، والسيرة الهلالية)، ووجود فيلم سينمائى شهير ل(شفيقة ومتولى) لا يتعارض مع تقديمها بشكل جديد ومختلف على mbc، مشيرا إلى أنه لم يتم حتى الآن الاستقرار على أسماء الأبطال أو مخرجى هذه الأعمال، وسيتم الإعلان عنهم بمجرد استقرار الشركة عليهم بشكل نهائى. حلم أصبح حقيقة حظيت روايات الكاتب الراحل «أحمد خالد توفيق» بشعبية كبيرة لم يُعرف حجمها الحقيقى إلا بعد وفاته، الغريب أن تلك الشعبية لم تستغل جيدًا بتحويل مؤلفاته إلى مسلسلات؛ خصوصًا أن مشروع تحويل رواية (حظك اليوم) إلى مسلسل (زودياك) الذى أنتجه «محمد حفظى»، وشاهدناه رمضان الماضى كان يجرى الإعداد له قبل الوفاة، وربما كان الحلم الذى أفصح عنه الكاتب الراحل عدة مرات هو تحويل سلسلة (ما وراء الطبيعة) إلى مسلسل، رُغم علمه بالتكلفة الباهظة، والإمكانيات المرتفعة التى يتطلبها هذا الإنتاج، والتى للأسف لم تتوافر فى حياته؛ حيث بدأ «أحمد خالد توفيق» فى كتابة هذه السلسلة عام 1992، واستمر فى كتابتها حتى عام 2014، فأنتج أكثر من ثمانين عددًا انتهت بوفاة بطل السلسلة الدكتور «رفعت إسماعيل»، وتحقيق هذه السلسلة لمبيعات تخطت ال15 مليون نسخة، جعلها تتربع على عرش أدب الرعب فى الوطن العربى، وجعل شركة.Netflix تختارها لتكون أولى إنتاجها من الدراما المصرية، وثالث إنتاج لها فى منطقة الشرق الأوسط بعد المسلسلين الأردنيين (جن) و(مدرسة الروابى للبنات) وسيساهم فى إنتاج (ما وراء الطبيعة) كل من «محمد حفظى» و«عمرو سلامة» الذى سيكون المخرج والمنتج التنفيذى للمسلسل ليشاهده تقريبًا 148 مليون عضو فى الشبكة فى أكثر من 190 دولة حول العالم.