الأسبوع الماضى، خرجت الصين بقرارٍ مفاجئ أثار ضجة عالمية، سواء على الصعيد السياسى أو الفنى؛ إذ قرر مهرجان شنجهاى السينمائى الدولى عدم استضافة أى مشاركة أمريكية فى دورته الحالية، التى ستقام فى الفترة ما بين 15 حتى 24 يونيو الجارى. الولاياتالمتحدة شاركت فى المهرجان التابع لحكومة الصين، خلال العام الماضى ب6 أفلام، منها فيلم واحد بالمسابقة الرئيسية، واثنان بمسابقة الأفلام الوثائقية، بالإضافة لثلاثة أفلام أخرى فى برامج مختلفة، بينما شاركت بثلاثة أفلام عام 2016 فى المسابقة الرسمية. جاء ذلك أيضًا تزامنًا مع حملة عملاقة أطلقتها الحكومة الصينية ضد نظيرتها الأمريكية، اعتبرت فيها الأولى أن الولاياتالمتحدة تُعادى العالم وتسعى لفرض هيمنتها عليه بأسلحة شتّى، أهمها سلاح القوة الناعمة واستغلال الثقافة والفنون والإعلام لإزاحة الصين من عرش أقوى دولة اقتصادية فى العالم. يُعتبر ذلك أحد أهم أركان ودعائم الحرب التجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين، التى اندلعت فى 22 مارس 2018، حينما أبدى الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» نيته لفرض رسوم جمركية تبلغ 50 مليار دولار أمريكى على السلع الصينية، وهو الأمر الذى جعل الجانب الصينى ينتقم بفرض رسوم جمركية على أكثر من 128 منتجًا أمريكيّا أشهرها فول الصويا. وبعد عام من مناوشات ثنائية أسفرت عن خسائر شديدة لكلا الطرفين، تشهد الحرب بين الدولتين ذروتها، بل انتقلت من الصعيد السياسى والاقتصادى إلى الصعيد التكنولوجى؛ خصوصًا بعد أزمة شركة «هواوى» الصينية الشهيرة، التى بدأت بعد قرار «ترامب» بمنع تعامل الشركات الأمريكية مع الشركة العملاقة. ويبدو أن الحرب بين البلدين شرعت فى الآونة الأخيرة فى أخذ منحنى جديد؛ إذ إن وسائل إعلام أمريكية بدأت فى الحديث عن تأثير تلك الحرب على صناعة السينما الأمريكية، ما فتح الباب لتكهناتٍ شتّى حول تداعيات هذا الأمر على قطاع صناعة الأفلام وهوليوود. لقد كان هدف الصين طيلة العقد الماضى، هو استغلال هوليوود فى نشر ثقافتها الخاصة، فنراها تستخدم الإنتاج المشترك لاستثمار الأفلام الأمريكية فى استعراض جماليات الثقافة الصينية بكامل أوجهها، وقد تبلور هذا الاتجاه بشكل واضح بعد نهاية الثورة الثقافية عام 1976 التى انتهت بموت «ماو تسى تونج». ويمكن القول إن السينما الصينية شهدت مرحلة جديدة فى تاريخها بداية من الثمانينيات، فقد ظهر جيل جديد من المخرجين أشهرهم «وانج سياو شواى»، عكفوا على إرساء دعائم السينما المستقلة، وبدا آنذاك وكأن الصين تستيقظ لتقرر تحرير السوق كى يتطور الفيلم المستقل، وكان التغيُّر الأضخم فى السينما الصينية والأهم كذلك وكان نتيجة التغير الذى بدأ مستهل التسعينيات. إلّا أنه بحلول يونيو العام الماضى، حينما اختفت الممثلة الصينية «فان بينجبينج» التى اشتهرت بدورها فى فيلم «X-Men: Days of Future Past»، وظهرت أنباء أنها تخضع للتحقيق بسبب تهربها من الضرائب، أصبحت صناعة السينما فى الصين تسعى للحفاظ على ماء وجهها أمام العالم. ومن المعروف أن السينما الأمريكية تسعى جاهدة لتحسين انتشارها فى السوق الصينية، حيث إن 61 % من إيرادات شِبّاك التذاكر للأفلام الأجنبية كانت كلها من الصين بداية من فبراير 2017 بعد أن عمدت واشنطنوبكين إلى إعادة التفاوض بشأن اتفاقية الأفلام- مدتها خمس سنوات-؛ حيث حصرت العدد السنوى لصادرات الأفلام الأجنبية إلى الصين وحصة الإيرادات المستحقة لأصحاب الحقوق الأجنبية على 25 % من إجمالى شباك التذاكر. وسعت هوليوود لزيادة أرباحها، فعكفت على رفع حصتها من شباك التذاكر، وتعزيز تواجدها فى شباك التذاكر بدور العرض الرئيسية والمهمة فى الصين، بالتالى أصبح قطاع السينما الأمريكى يحصل على 25 % من مبيعات التذاكر للأفلام التى يتم تشغيلها فى الصين، بينما تضغط إدارة «ترامب» على الصين لزيادة هذا العدد إلى نحو 40 %، وذلك تماشيًا مع الدول الأخرى. ذكرتْ مجلة «فارايتى» الأمريكية، فى تقرير نشرته الأسبوع الماضى، إن الحكومة الصينية شرعت فى فرض قيود على المحتوى الأمريكى الذى يُعرض داخل سوق السينما والتليفزيون والإعلام فى الصين، فى حين أجبر مسئولون صينيون بعض شركات التوزيع المحلية بعدم استيراد الأفلام الأمريكية، وهو ما أثّر بشكل كبير على بعض الممثلين الأمريكيين الذين يعملون فى قطاع السينما الصينى. نقلت المجلة الأمريكية عن مصادر موثوقة تعمل فى صناعة السينما الصينية، قولها إن حكومة بكين تشن حملة شرسة غير رسمية ل«خنق» قطاع السينما الأمريكية تمامًا كما فعلتْ مع الأفلام التى تنتجها كوريا الجنوبية قبل ثلاث سنوات على خلفية قرار سيول بنشر صواريخ أمريكية الصنع. وذكرت مجلة «هوليوود ريبورتر» الأمريكية، إن الشركات الصينية التى تستورد الأفلام الأمريكية شعرت بتهديدٍ كبير إثر تصعيد «ترامب» لنبرته العدائية إزاء الصين تزامنًا مع انطلاق فعاليات مهرجان «كان» السينمائى الدولى؛ الأمر الذى عزّز من فرصة انتقام الصين من الولاياتالمتحدة عبر السينما. إن هوليوود تعيش حالة من الترقب نتيجة امتلاك الصين قبضة قوية على إصدارات الأفلام الأمريكية، بَيْدَ أنَّ بكين تفرض إيرادات شباك التذاكر لأفلام هوليوود التى تُعرض هناك، ومدتها، وتوقيتها، كما يمكنها أن تفرض ضرائب إضافية على واردات هوليوود من شأنها أن تعوّض أى زيادة فى الإيرادات. وتقول «فارايتى» إن أهمية الصين كلاعب رئيسى فى سوق شباك التذاكر تهدد هوليوود بشكل خطير، فضلًا عن أن بعض المنظمين الصينيين عمدوا إلى استغلال البيروقراطية فى تباطؤ عملية الاستيراد نتيجة لقيام المؤسسات الأمريكية المستقلة بإحداث أضرار جانبية كسلاح فى الحرب الاقتصادية بين البلدين. هذا الأمر جعل أكبر استوديوهات هوليوود تتخوف من أن تقرر بكين فرض حظر على الأفلام الأمريكية؛ الأمر الذى سيكبد شركات الإنتاج خسائر بعشرات الملايين من الدولارات، ناهيك عن احتمالية أن تلغى الصين الاتفاقات السابقة؛ خصوصًا أن أفلام هوليوود تُعتبر أحد المنتجات الأمريكية القليلة التى تتجاوز فيها الواردات الصادرات بفارق كبير. وبحسب «هوليوود ريبورتر»؛ فإن نجاح الأفلام غير الأمريكية داخل الصين، مثل أفلام بوليوود وفيلم (كفر ناحوم) للمخرجة اللبنانية «نادين لبكى»، الذى حقق إيرادات فى الصين بقيمة 45 مليون دولار؛ من شأنه أن يعطى بكين ثقة كبيرة بأن الجمهور الصينى سيتعايش مع غياب الأفلام الأمريكية. فى دراسة أخيرة أجرتها شركة «برايس ووترهاوس كوبرز» البريطانية، التى تعد ثانى أكبر شركة خدمات مهنية فى العالم بعد «ديلويت» الأمريكية، تَبين أن الصين ستتفوق على هيمنة الولاياتالمتحدة السينمائية فى العالم بحلول مطلع العام المقبل. وتوقعت الدراسة أن إيرادت شباك التذاكر فى الولاياتالمتحدة ستصل فى نهاية 2019، إلى 12.11 مليار دولار، مقارنة ب11.5 مليار دولار للصين، إلّا أنه فى 2020، ستقفز إيرادات السينما الصينية إلى 11.93 مليار دولار، وذلك منذ أن تربّعت الصين على عرش إيرادات شباك التذاكر فى العالم عام 2015.