لكل أمة معتقداتها وطقوسها.. إيمانهاوأفكارها.. وعلى أركان الطقوس والعبادات ، تؤدىالصلوات وحفلات الإنشاد.. سواء أكانت هذه الأمة تتبع دينًا سماويًا أم لا. من بين هذه الأمم شعوب «الإنكا» التى كانت تحج إلى مدينة «ماتشو بيتشو» (فى دولة البيرو حاليًا)، ومعناها باللغة الإنكية «قمة الجبل» أو «القلعة الضائعة»، ويسير على دربهم أسلافهم فى الوقت الحالى. و«الإنكا» إمبراطورية قديمة بناها «الهنود الحمر» فى أمريكاالجنوبية، حتى أصبحت من أهم الحضارات التاريخية القديمة، وتشمل أراضيها كلا من بوليفياوالبيرو والإكوادور وأجزاء من تشيلى والأرجنتين. عروس الشمس مدينة «ماتشو بيتشو» واحدة من أهم أماكن الحج حول العالم، أقامها شعب «الإنكا» فى القرن الخامس عشر، وذلك لتقديم «القرابين» للآلهة، لذا وجد علماء الآثار أعدادًا كبيرة من جثث السيدات، اللائى تم تقديمهن إلى «الشمس» آلهة «الإنكا» الذين ظنوا أن «حواء» هى «البنت المقدسة للشمس». وتقع المدينة فى «كوزكو» بدولة البيرو فى أمريكاالجنوبية بين جبلين من سلسلة جبال «الإنديز» على ارتفاع 2340 مترًا فوق سطح البحر، وعلى كلا جانبيها هاوية سحيقة يبلغ ارتفاعها نحو 600 متر، وصنفت ضمن قائمة التراث العالمى من قبل منظمة «اليونسكو» فى العام 1983. ويستغرق حجاج «الإنكا» 3 أيام فى صعود الجبل إلى ضريح «اللورد كيلوريت» فى وادى «سينكارا» جنوب «كوزكو»، سواء بالخيول أو سيرًا على الأقدام، ويبدأون رحلتهم فى السادسة والنصف صباح يوم 17 يونيو، حاملين جميع مستلزمات الرحلة من خيام ومعدات للطبخ ومواد غذائية. وتنقسم مسيرات الحجاج إلى 8 مجموعات، ومنهم من يسترشد فى طريقه بالنجوم وآخرون يعتمدون على النباتات، ويرافق كل منهم راقصون وموسيقيون، وتسير لمدة 5 ساعات متواصلة بين ممرات ضيقة وصخور ومياه جارية حتى تصل إلى نقطة الراحة الأولى لتناول الطعام. بعدها يكملون السير فى جو بارد جدًا حتى الوصول إلى منطقة البيت، حيث يبدأون فى نصب الخيام للمبيت أعلى جبال «فيرونيكا» الشاهقة، وعلى ضفاف بحيرة «إنكاشوتشا» المتجمدة، على بعد 400 متر من أعلى قمة فى سلسلة جبال «الإنديز». وبعد عدة ساعات يواصلون السير صعودا فى طريق حاد متعرج حتى الوصول إلى القمة، وبعدها يبدأون بتحضير الطعام والشراب المحلى الذى يعرف باسم «تشيتشا» وبلغة «الإنكا» الأصلية «الكاتشوا»، والذى يتم تحضيره وتخميره بواسطة الذرة أو عدة أنواع من الفواكه المحلية لعدة أيام، ثم يستخدمون بعضًا من رغوته للتبرك وشكر الإله على نعم الشمس والأرض والسماء، ويعتبرونه بمثابة «مشروب طاقة» بديلًا عن الماء، بجانب مضغ نبتة «الكوكا» كى يستطيعوا متابعة السير. والطريق إلى الجبل ممهدة وواسعة، ويوجد على جنباتها أكشاك لبيع الطعام والشراب، كما تحوى المدينة الكثير من الحدائق والأروقة والبنايات والقصور الفخمة والمعابد والحصون، بالإضافة إلى قنوات الرى وبركات الاستحمام. وتربط السلالم الحجرية بين الحدائق والشوارع المختلفة الارتفاع، وتعتبر بطريقة بنائها «معجزة» فى البناء والفن المعمارى، نظرًا لحاجتها لأدوات حديثة ومعرفة هندسية ومعمارية متقدمة، لذا تصنف كواحدة من «عجائب الدنيا السبع الجديدة». وخلال رحلة الحج يحرص المسيحيون من أحفاد «الإنكا» على وضع الصليب وتماثيل المسيح والعذراء أعلى وأسفل القمم الثلجية، فيما تهتم المجموعات الوثنية التى تعبد الشمس بالصلاة «الركوع» لتحية الجبال وغيرها من معالم الطبيعة. مهرجان «سنو ستار» يتجمع نحو 100 ألف من الحجاج فى وادى «سيناكارا» أعلى جبال «الإنديز» فى بيرو، للاحتفال بمهرجان «بكويلور ريت» أو «سنو ستار»، وهو مهرجان دينى يحتفل به السكان المحليون بالنجوم وموسم الحصاد القادم. وهو أيضا مهرجان كاثوليكى يحتفل به الآلاف من المسيحيين فى تلك المنطقة من نحو 1000 سنة. ويعتبر «سنو ستار» من أغرب مهرجانات العالم، لأنه يجمع بين المعتقدات الكاثوليكية والخاصة ب«الإنكا» والسكان المحليين، وينظم احتفال بالسيد المسيح وب«الجبل الجليدى المقدس»، وفيه يقدم الراقصون الذين يرتدون أزياء ملونة تشبه «التنورة» رقصات تقليدية، على أنغام عزف الطبول و«الفلوت»، لمدة 3 أيام متواصلة. واعتاد «الأوكوكوس»، وهم الرجال الذين يرتدون ملابس أسطورية نصفها لدب والآخر لإنسان، قطع كتل من الجليد والاغتسال بها، معتقدين أن المياه الذائبة منها لديها قوى الشفاء، لكن هذا الطقس محظور منذ فترة بسبب انخفاض حجم الأنهار الجليدية نتيجة التغيرات المناخية. ويتزامن موسم الحج مع «رأس السنة الإنديزية» وعودة ظهور كوكبة «بلياديس» فى سماء نصف الكرة الجنوبى، ويشارك فيه عشرات الآلاف من الحجاج سنويا، وذلك بالرقص ترحيبًا بأشعة الشمس الأولى، وفى 2011 جرى تسجيله وما يرتبط به من مهرجانات على قوائم التراث الثقافى غير المادى لمنظمة «اليونسكو». وتجذب المهرجانات المقامة على هامش موسم الحج زوار من خارج بيرو ودول «الإنديز»، وخاصة من أمريكا الشمالية وأوروبا، وهو ما أثار مخاوف السكان الأصليين من أن يصبح الحج حدثًا تجاريًا، خاصة أن الطبقة المتوسطة أصبحت غير قادرة على المشاركة فيه بسبب تكلفته العالية. لكل أمة «جبل» جبال «الإنديز» ليست الوحيدة التى يقصدها الحجاج، فهناك أكثر من 10 جبال فى العالم تمتلك نفس الميزة، وفلا تخلو أى رحلة حج فى الديانات السماوية وغير السماوية من صعود الجبال، بدءًا من «عرفات» فى الإسلام، وهضبة «موريا» فى اليهودية المبنى عليها المسجد الأقصى ويدعى اليهود أن هيكلهم المزعوم بنى فى هذا المكان، الذى يعد مكان الحج لليهود وكتب عليهم زيارته 3 مرات فى العام. وفى المسيحية هناك صخرة «جلجلة»، والتى بنيت عليها كنيسة القيامة أو كنيسة القبر المقدس، وهى مكان حج المسيحيين، الذين يعتقدون أن المسيح صلب عليها، وأيضا المكان الذى دفنت فيه جمجمة النبى آدم. وهناك جبل «جرزيم»، مكان الحج لأصغر طائفة دينية فى العالم وهى «السامرية» التى يبلغ عدد أفرادها نحو 712 نسمة موزعين على منطقتين: الأولى جبل «جرزيم» فى نابلس والثانية فى منطقة «حولون» بالقرب من مدينة تل أبيب. ويقع الجبل جنوب مدينة نابلس الفلسطينية، ويرتفع 881 مترًا عن سطح البحر، ويطلق عليه اسم «الطور» أو «البركة»، ويعتبر بالنسبة ل«السامريين» قبلة صلاتهم ومكان حجهم السنوى. كما يوجد جبل «المعبد» أو ما يسمى ب«معبد لاش» شمال غرب مدينة الموصل العراقية، والذى يعد مكان حج «الإزيديين»، وقبة «ستوبا» البوذية فى الهند التى توجد على بعد 8 كم إلى الشرق من وسط مدينة «كاتماندو». وهى أكبر قمة فى وادى «كاتماندو»، وتعد مركز البوذية التبتية، ويتكبد البوذيون معاناة قاسية لأداء طقوس الحج وفق عقيدتهم الدينية، حيث يفترض عليهم الزحف على بطونهم مرتدين أحذية مصنوعة من الخشب فى أرجلهم وأيديهم حتى يصلوا إلى تمثال بوذا ويسجدون له. وكذلك جبل «الكرمل» الذى يطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط، على ميناء مدينة «حيفا» وخليج «عكا»، والذى يعتبر النهاية الشمالية لجبال «نابلس»، ويبلغ ارتفاعه نحو 600 متر، ويقع جزء كبير من مدينة حيفا الحالية عليه. و«الكرمل» جبل أثرى مقدس ومقصد الحج عند بعض الطوائف المسيحية، والتى تعتقد أن عودة المسيح تسبقها عودة النبى «إيليا»، كما أنه يضم «ضريح الباب» الذى يقصده البهائيون، وبنى عام 1868 على يد إحدى الطوائف المسيحية الألمانية.