ارتبط شهر رمضان بالتجمعات العائلية على موائد الإفطار «العزومات»، ومع زيادة الأسعار أصبح تنفيذ هذه «اللمة» يحتاج إلى ميزانية مستقلة، وفى الوقت الذى ينتظر من برامج «الطبخ» فى القنوات الفضائية أن تكون وسيلة تعليمية تقدم الوصفات لسيدات المنازل من أبناء الطبقة المتوسطة فإنها تحولت بمرور الوقت إلى «كرنفال» لاستعراض طرق طهى الأطعمة والوصفات باهظة الثمن، التى تحتاج لإمكانيات لا تتوافر فى بيوت الطبقة المتوسطة، ليصبح لسان حال سيدات تلك الطبقة «العين بصيرة والإيد قصيرة». يهتم الكثير من السيدات والفتيات بتعلَم الطهى وعمل أطباق جديدة فى محاولة منهن للوصول لقلوب الأزواج وإرضاء الأولاد، لذلك كانت برامج الطبخ هى الوسيلة الأسهل فى التعلم.. بدأت برامج الطهى بالانتشار منذ عدة سنوات على جميع القنوات التليفزيونية، فباتت تحقق مكاسب كبيرة ونسب مشاهدة عالية، لتتحول بعد ذلك ل «سبوبة» لدرجة فتح قنوات مخصصة للطهى فقط لتحقق أعلى نسب مشاهدة من قبل السيدات والفتيات. « أنا مش عارفة الناس دول بيطبخوا أكل غريب ويستخدموا حاجات غريبة ليه» كلمات رددتها ميرفت، ربة منزل فى الخمسين من عمرها، وقالت أنها كانت دائماً ما تبحث على برامج الطهى فى وقت فراغها، لكن الأمر أصبح يمثل عبئًا نفسيًا واقتصاديًا عليها، لأن البرامج تحولت ل«معارض طعام» بحسب تعبيرها، لا يمكن لأصحاب الدخول المتوسطة إعداد هذه الوصفات التى تعتمد دائمًا على استخدام المكسرات الغالية، واستخدام اللحوم والدجاج والأسماك. وأشارت ميرفت إلى أن الكثير من الأسر المصرية تستخدم منتجات اللحوم والأسماك مرة أو مرتين فى الأسبوع فقط، لتتماشى مع ميزانية البيت، وقالت أن ميزانيتها لا تتعدى 2000 جنيه، ولابد من توفير الطعام ل 5 أفراد يوميا، وتابعت:« أنا لو فضلت أعمل لحمة وفراخ كل يوم ميزانيتى هتخلص من تانى أسبوع» . أما عن التأثير النفسى لبرامج إعداد الطعام فتقول ميرفت : «ساعات بعد ما بتفرج على طبخة معينة، نفسى كانت بتروح لها، ولما كنت بأحسب تكلفتها كنت بلاقى إن ميزانية الشهر مش هتكفى فإما كنت بقول لجوزى وتدب خناقة يا إما كنت بسكت وبتحسر». لذلك تطمح لوجود برامج «طبخ» توجه رسالتها إلى أصحاب الدخل المتوسط أو القليل وتركز على عمل طبخات تتلاءم مع الموظفين فى سهولة تحضيرها وتكلفتها. وفاء سيدة فى الأربعين من عمرها، كانت موظفة بإحدى المصالح الحكومية، قالت : إن مشاهدة برامج الطهى الخاصة بالحلويات كانت أكثر ما يعجبها، مشيرة لأنها تعلمت الكثير من الوصفات وأماكن شراء الخامات من البرامج، لكن دائما ما كانت تشعر بضيق الحال بسبب غلاء أسعار الخامات المستخدمة، وتابعت أنها لم تستطع مشاهدة برامج الطهى دون تقليد وصفاتها، مما أثر على حالتها النفسية لعدم مراعاة شعور الطهاة بحال متوسطى الدخل. وأوضحت وفاء أنها بدأت فى عمل «جمعية» حتى تستطيع شراء « كيتشين ماشين» لعمل وصفات كثيرة كانت لا تستطيع عملها لعدم وجوده، وهو ما تسبب فى وجود خلافات مع زوجها عندما يراها تشاهد برامج الطبخ لأنها سبب كثرة الطلبات عليه، وهو ما جعله يحذف كل قنوات الطهى من التليفزيون حتى لا تحزن لعدم قدرتها على تنفيذ هذه الوصفات. على الجانب الآخر فإن رمضان يعد شهر العزومات و«لمة العيلة» على الإفطار، فدائما ما كان اليوم الأول هو يوم العائلة، ويوم لم الشمل من جديد، مهما فرقت الأيام الأسرة وقلت التجمعات إلا أن اليوم الأول والعزومة الأولى كانت كفيلة بجعل «المية تعود لمجاريها»، لكن كيف أثر غلاء الأسعار على عزومات رمضان، وهل ستلجأ الأسرة المصرية للتخلى عن واحدة من عاداتها فى التجمع والعزومات؟ منال، سيدة فى الخمسين من عمرها قالت رغم أن العزومات أصبح لها ميزانية خاصة فى رمضان لا يمكنها التوقف عن عزومة أقاربها وأصدقائها، لكنها بدأت فى تقليص عدد العزائم فى الشهر مع زيادة الأسعار، تخصص يوما تجمع فيه كل أصدقائها فى يوم واحد، ويوم آخر للعائلة، كما تغيرت الأصناف التى تقدمها واقتصرت على الدجاج والنشويات والمقبلات، بدلا من تقديم أكثر من صنف من اللحوم فى الماضى،كما لجأت لعمل الحلويات منزليًا. اما ولاء، فقالت أنه بعد الخروج على المعاش تصبح الأمور المادية مختلفة تماما، وتابعت «أنا زمان كنت بعمل عزايم كتير وكان لسه في صحة، أما دلوقت إحنا يدوب الدنيا بتكفى معانا احتياجات رمضان بالعافية» وأوضحت ولاء بأنها كانت تخصص يوما لعزومة أقارب زوجها ويوم لأخواتها، بالإضافة لأصدقاء أولادها لكن الآن وجدت أنه لا يوجد دخل يستطيع أن يكفى كل هذه العزائم خاصة مع ارتفاع الأسعار، قائلة « الفرخة بقت ب 80 جنيه وكيلو اللحمة ب 160، أنا مقولتش هجيب أرانب ولا ديك رومى ولا حتى بط، فى الأسعار دى هتخلينى أعزم كام واحد، والعزومة الواحدة ممكن تكلفنى 1000 على الأقل». لذلك لجأت ولاء منذ العام الماضى لعمل عزومة واحدة فى منزلها وجمعت ابنيها وزوجتيهما وأولادهما، مشيرة أنها بعدت عن استخدام المكسرات وأيضا قللت من استخدام «ياميش» رمضان بسبب ارتفاع سعره، كما قررت تربية بعض الدواجن فى المنزل قبل رمضان توفيرا للنفقات، وأشارت ولاء إلى أنها لا تشعر بروح «اللمة» فى الشهر الكريم دون أبنائها والتجمعات، مما يجعلها تحزن أحيانا لأنها لا تستطيع أن تجمع أبناءها فى بيتها دائما مثل السابق. مروة، إحدى حديثات الزواج، أشارت إلى أن رمضان هذا العام هو الأول فى بيتها قائلة «هو رمضان السنادى مختلف، غير المسئولية إلى بقت عندي، لاقيت أن فيه كمان مسئولية العزومات»، مشيرة إلى أن عمليات التحضير والتجهيز وشراء المستلزمات كانت الأصعب، ولكن بعد شراء مستلزمات الطعام وأنها وجدت أن ميزانية العزائم ستفوق ميزانية المنزل فقد قررت مروة ضم العزائم يوما لأهلها وأهل زوجها، وآخر للأصدقاء سويا.