كتب: نور علي من داخل حزبه «العدالة والتنمية»، يستعد الرئيس التركى رجب طيب أردوغان لتلقى ضربة موجعة من أصدقائه القدامى ورفقاء دربه، والذين قرروا إعلان عصيانهم وتمردهم عليه، بسبب سياساته الاستبدادية، وذلك بالانشقاق عن حزبه وتأسيس أحزاب جديدة. وعقب انتهاء الانتخابات المحلية بنجاح أحزاب المعارضة فى السيطرة على أهم البلديات الكبرى فى تركيا وعلى رأسها إسطنبولوأنقرة وإزمير وأنطاليا، تعالت الأصوات داخل «العدالة والتنمية» - الذى يترأسه أردوغان- بضرورة إجراء تغييرات جذرية، وهو ما وصل إلى حد الانشقاق وتأسيس أحزاب جديدة. جول وأوغلو ويلدريم ونقلت وسائل الإعلام التركية، خلال الأيام القليلة الماضية، أخبارًا حول حالة التفكك التى يشهدها الحزب الحاكم فى البلاد، نتيجة السياسات الفاشلة التى بات ينتهجها رئيسه، رجب طيب أردوغان. ويعتزم نواب وأعضاء مؤثرون فى «العدالة والتنمية» القفز من سفينة «أردوغان» الغارقة، بعد أن أثبت فشله فى إدارة الأزمة الاقتصادية، معربين فى الوقت نفسه عن امتعاضهم من طريقة إدارة المناقصات الحكومية. فى البداية، نقل الإعلام أخبارا حول نية الرئيس التركى السابق عبد الله جول، ورئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، ووزير الاقتصاد الأسبق على باباجان، للانشقاق عن «العدالة والتنمية» وتأسيس حزب جديد، لكن تم تكذيب هذا بعد ذلك. وأوضح الكاتب التركى حسن أوزتورك، فى مقاله بصحيفة «ينى شفق» -أكبر الصحف التركية الموالية- أن «جول» و«أوغلو» يعتزمان تأسيس حزبين جديدين، وليس حزبًا واحدًا، كما تردد خلال الآونة الأخيرة. وأضاف «أوزتورك» «الحزب الأول سيكون برئاسة داود أوغلو، والمشاورات تجرى فى أنقرة حاليا على قدم وساق لتأسيسه»، لافتاً إلى أن قرابة من 50 إلى 60 من النواب السابقين ل«العدالة والتنمية»، فضلا عن 5 أو 6 وزراء سابقين وقعوا على بيان تأسيس الحزب الجديد، وعلى رأسهم عمر دينتشار، والذى كان وزيرا فى حكومة داود أوغلو. وكشف عن أن شعار حزب «أوغلو» المزمع تأسيسه هو «لا بد من خطاب جديد»، موضحاً أن عددًا من الكتاب المؤيدين للرجل يتولون طرح هذا الشعار بين الحين والآخر فى وسائل الإعلام الموالية لهم، على أن يتشكل الحزب من وزراء سابقين وأشخاص من أحزاب «الشعب الجمهورى» و«الحركة القومية» و«الخير»، وفق وسائل الإعلام التركية. أما الحزب الثاني، ذكر «أوزتورك»، أن الرئيس السابق جول هو من سيتزعمه، ويضم وزير الاقتصاد الأسبق على باباجان، فضلا عن عدد كبير من الشخصيات السياسية، وسيبدأ الحزب تعليق لافتاته فى غضون شهر. وأوضح الكاتب: «كان من المزمع تأسيس حزب واحد يضم داود أوغلو وعبد الله جول معا، لكن الأول تراجع عن إشراك جول معه فى الحزب الجديد، ما جعل أنصار الثانى يسعون لتأسيس حزب منفرد». وأكثر الأمور غرابة التى نقلها الإعلام التركى بخصوص الانشقاقات داخل الحزب الحاكم، كانت عن رئيس البرلمان السابق، بن على يلدريم، ففى مارس الماضي، كشفت صحيفة «ينى تشاغ» عن كواليس الخلافات بين أعضاء الحزب الحاكم مؤخرا، قائلة: «بن على يلدريم يعيش حالة من التوتر والعصبية مؤخرًا بعدما تخلى عن رئاسة البرلمان»، لافتة إلى أن الانقسامات داخل صفوف الحزب الحاكم ربما تدفع «يلدريم» للانفصال عنه، وتشكيل حزب جديد. وبدأت بوادر الانفصال قبل أشهر، ونشرت صحيفة «بيرجون»، فى يناير الماضي، معلومات عن موجة استقالات جماعية ب«العدالة والتنمية»، شملت 800 عضو فى إزمير، لافتة إلى أن مرشح «الشعب الجمهورى« لرئاسة بلدية بيركلى سيردار صندل، ورئيس المدينة التابع للحزب دينيز يوجيل، رحبا بالأعضاء المنشقين فى حفل بحى إيميك. وكان من بين المنشقين، سيد إسماعيل سارى المرشح لرئاسة البلدية عن «العدالة والتنمية» عام 2014، ونائبا رئيس البلدية عثمان أولوداغ ورجب أصلان، وأمينها إسر ساري، ومندوبها منصور أوغلو. أسباب الانشقاق أسباب كثيرة وراء رغبة الانشقاق التى تشهدها صفوف حزب «العدالة والتنمية» الآن، أبرزها يتمحور حول التعديلات الدستورية التى أقرها «أردوغان» فى 2017، والتى سمحت له بتحويل البلاد من نظام برلمانى إلى رئاسى أو نظام «الرجل الواحد». النظام الرئاسى منح كل السلطات للرئيس، ومكنه من تعيين كبار مسؤولى الدولة بمن فيهم الوزراء مباشرة، بجانب حقه فى أن يعين نائبا أو عدة نواب للرئيس، وفى التدخل فى القضاء، وتقرير ما إن كان يتوجب فرض حالة الطوارئ أم لا، مع إلغاء منصب رئيس الوزراء. والنظام الرئاسى بمقتضاه يتم تنظيم انتخابات تشريعية مرة كل 5 سنوات بدلا من 4، وبالتزامن مع الاستحقاق الرئاسي، فضلاً عن إلغاء المحاكم العسكرية التى سبق أن دانت ضباطا وحكمت على رئيس الوزراء السابق عدنان مندريس بالإعدام إثر انقلاب 1960. كل هذه التعديلات الدستورية لم تلق قبولا من الشعب ولا رموز المعارضة، وحتى من عناصر الحزب الحاكم بأنفسهم، لأنها فتحت الطريق على مصرعيه أمام الفساد والمحسوبية والقمع الأمنى وتقييد حرية الصحافة وعدم احترام القوانين وقمع المعارضين، وبالتالى تراجع شعبية «أردوغان» بعد 18 عامًا من الهيمنة على مقاليد الحكم. كما أنها مكنت الرئيس من تغذية الانقسام والكراهية فى تركيا، من خلال التعامل مع الخصوم السياسيين بطريقة منفعلة ومتشنجة، فضلا عن مساهمتها بشكل كبير فى تراجع كارثى للاقتصاد التركي، خاصة فى ظل إصرار الرئيس على تعيين صهره بيرات ألبيراق فى وزارة الخزانة والمالية، و«ألبيراق» البالغ 40 عامًا تزوج «إسراء» الابنة الكبرى ل«أردوغان» عام 2004 ، وتنامى نفوذه فى السنوات الأخيرة بشكل مفاجئ، وتورط فى العديد من قضايا الفساد، منها التحايل على العقوبات الأمريكية لتهريب نفط إيران. كل الأسباب السابقة زادت من الانقسام والخلافات وحالة الهياج داخل «الحرية والعدالة»، ودفعت بعض القادة والمنتمين للحزب إلى التحرك نحو تأسيس أحزاب سياسية جديد. وفكرة تأسيس أحزاب جديدة لاقت قبولا لدى الشارع التركي، الذى يطمح للتغيير وضخ دماء جديدة، لحل الأزمات الراهنة، وهو ما عبر عنه الصحفى التركى الأرمينى أتيان محجوبيان، المستشار السابق لرئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، بقوله: «ينبغى تأسيس حزب جديد، هو أمر لا بد منه، لأن تركيا لا تدار جيدا». وأضاف «الجميع يرون جيدا أن تركيا لا تدار بالشكل اللائق، وهناك بعض الشرائح داخل العدالة والتنمية غير راضية بالمرة عن التعيينات التى تتم من خلال ممارسات بعيدة كل البعد عن معايير اللياقة والكفاءة، وغير راضين عن الطرق التى تمنح بها مناقصات الدولة». أما الصحفى التركى أحمد طاقان فأشار فى مقال له بصحيفة «ينى تشاغ» تحت عنوان «مشروع جول الجديد من الباب الخلفى» إلى أن الأحزاب الجديدة ستكون مركزية، مؤكدا أن هذه الأسماء «جول وداود أوغلو وباباجان» لها عمقها الاستراتيجى فى تركيا، وغيابهم عن الساحة لا سيما فى ظل الأوضاع التى تشهدها البلاد دفع الأتراك إلى التساؤل عن مكانهم، ومواقفهم إزاء ما يجري، وسيكون عودتهم للساحة مرة أخرى مؤشر جيد. النازلين من القطار الرئيس التركى الذى لا يتحمل النقد والاعتراض، وصف الأشخاص الذين يسعون للانشقاق عن حزبه وتأسيس حزب جديد ب«النازلين من القطار»، وقال: «هناك بعض الأشخاص الذين بدأنا هذا المشوار معهم، كانوا سعداء ومرتاحين عندما منحناهم مناصب عديدة، لكن جاء وقت قلنا لهم تنحوا جانبا لتستريحوا قليلا وتفسحوا المجال للزملاء الجدد، فإذا بهم نزلوا من قطارنا ليركبوا قطارا آخر، سلوك لا يليق بالمؤمنين بالدعوة والرسالة ذاتها وبمن يتقاسمون القدر نفسه، فالذين يخونوننا اليوم سيخونون غدًا من يذهبون إليهم أيضا». أردوغان خلال تصريحاته هذه نسى أمرا هامًا، وهو أنه نزل من القطار من قبل. ففى أوائل التسعينيات هو نفسه ومعه تلك الأسماء أو معظمها سبق وانشقوا جميعهم من حزب «الفضيلة» الذى قاده الراحل نجم الدين أربكان، وكانت حجتهم آنذاك التغيير والديمقراطية.