«على قد ما حبينا وتعبنا فى ليالينا..الفرحة فى مشوارنا تانى هتنادينا» لم تكن مجرد مصادفة أن يبدأ على الحجار مشواره الغنائى الممتد لأكثر من أربعين عامًا بهذه الأغنية التى كتبها الشاعر عبدالرحيم منصور، ولحنها الموسيقار بليغ حمدى لتجعل من صوته سهمًا نافذًا فى قلوب عشاقه ومحبيه، ولتصبح جواز مرور لفنه يضمن له الإقامة الدائمة فى وجدان أجيال متعاقبة، تربت على أغنياته، وكبرت معه، ولكن الأهم أن تلك الأغنية قد شكلت كلماتها نبوءة تحققت أمام الجميع فى احتفالية عيد ميلاده الخامس والستين التى أقيمت منذ أيام. كان الحب والفرح هما عنوان الاحتفالية العريض، وثمرة جهد وإبداع استمر معه منذ بداية المشوار الذى تعاون فيه مع عمالقة الشعر والتلحين حتى تجاوز رصيده الفنى خمسة آلاف أغنية، ساهم معظمها فى تشكيل عواطف العشاق والمحبين، فكان صوته الدافئ رفيقًا مخلصًا لكثير من قصص الحب، والفراق، أما تترات المسلسلات التى غناها فلا تزال حتى الآن تقطر حكمة وخبرة فى كل مرة يعاد سماعها فيها، وفى السطور التالية نصف مجرد مشاهد من يوم ميلاد فنان حقيقى. ونخاف من بكرة ليه؟ مين عارف بكرة إيه؟ ما الذى من الممكن أن يفكر فيه المشاهير عندما إتمامهم الخامسة والستين؟ هل هذه مناسبة تستحق الاحتفال؟ وإذا كانت حقا كذلك، فلماذا يخفيها الأغلبية، بل يمنحون لأنفسهم أعمارًا تقل عن أعمارهم الحقيقية بعشر سنوات على الأقل؟، الأمر لا يقتصر على النجمات فقط، فقليلون هم من يمتلكون الجرأة على ذكر أعمارهم الحقيقية بعد الستين، ونادرون من يحتفلون باستقبال عامهم الجديد دون أن تفسد عليهم مخاوفهم من المستقبل لذة احتفالاتهم. أسئلة كثيرة جالت بخاطرى بينما كنت فى طريقى إلى حضور حفل عيد ميلاد الحجار الخامس والستين، جاءتنى إجاباتها جميعا بمجرد دخولى قاعة الاحتفال، ورؤيته بشوشًا، مرتديًا بدلة بيضاء مبهجة، يصافح ضيوفه بحرارة، ويمد لهم يده بنفس الحماس الذى يمد به يده لصغار الملحنين والشعراء الذين يتعاون معهم، ليأخذ بهم إلى طريق النجومية، دون النظر إلى أعمارهم، أو تاريخهم الفنى، فخبرته الطويلة، وموهبته المتفردة تمنحانه قدرة عجيبة على فرز الموهوبين، والصادقين أيضًا. يمكن اكتشاف ذلك بنظرة سريعة فى وجوه الحضور، الذين يحملون فى عيونهم كل الحب والحنين، بينما يمنحهم هو فيضًا من شباب روحه، وصفاء نفسه، ويمنحهم أيضا بطريقته الخاصة إجابة على سؤال حيرهم به من قبل فى أغنية «زى الهوا» التى كتبها سيد حجاب، ولحنها عمر خيرت «ياترى إللى بيعيش الزمن إحنا، ولا الزمن هو إللى بيعيشنا» ..نحن من نعيش الزمن، ونقرر كيف نعيشه، أو نسمح له أن يعيشنا، إذا منحناه الفرصة أن ينتصر علينا، ولم نوقن إن العمر مجرد رقم، وأن الإبداع الحقيقى لا يمكن أن يشيخ، وأن «الحب زاد إللى عايش». روح.. جسد.. بنت وولد لدى الفنان على الحجار سبعة من الأبناء لا ينتمون جميعهم إلى نفس الأم، وبشكل عام يكون التقريب بين الأبناء فى مثل هذه الحالات ليس بالأمر اليسير، وفى حالة الحجار نفسه فإن التحدى أصعب، خاصة مع وجود فروق عمرية كبيرة بين الأبناء تصعب من المسألة، لكن ما بدا فى الحفل هو أنه استطاع اجتياز التحدى بنجاح، ليقدم نموذجا أبويا غاية فى الرقى، حيث لا تشغل تلك المسألة حيزًا من تفكير الأبناء السبعة، فجميعهم يجلسون مع بعضهم على نفس الطاولة، يتشاركون الأحاديث، والضحكات، ويشتركون فى حب الرجل الذى ساهم فى غرس كل هذا القدر من المودة فى قلوبهم. بينما تربت كبرى بناته مشيرة بكل حنو على كتف أختها الصغرى جنى، يقف إبراهيم وبثينة –سماهما على اسم والده ووالدته ليكونا امتدادًا لهما- ليلتقطا صورة سويا مع والدهما، أما أحمد فيرسل رسالة مصورة من محل إقامته بأمريكا أذيعت فى الحفل ليعلن عن اشتياقه، وحزنه على عدم التواجد بين إخوته للاحتفال بوالده. وإذا كانت العلاقة بين الجيل الأصغر من عائلة الحجار تحمل كل هذا الود، فإن من الطبيعى جدا أن تكون هدية أحمد الحجار لإخيه على فى عيد ميلاده أغنية رائعه بعنوان «أخويا على» وصفه فيها بأنه «دموعه قريبة وقلبه جميل ومن طبعه إنه يرد الجميل» وتظلل كل هذه العلاقات الجميلة علاقته بآخر زوجاته «هدى» حيث لا يمكن أن تشعر لحظة أنها سبقها إلى قلبه أحد، وبالأحرى يمكن تلخيص هذه العلاقة بجزء من أغنية «إنت طلعتى لى منين» والتى أهداها لها أثناء الحفل «إيه إللى عملتيه فيا إزاى جرحى على إيدك طاب.. صحيتى ربيع العمر ياعمرى ورجعتينى شباب» ما أحلى الحياة بأصحابنا وأهالينا جميلة هى القلوب المحبة بصدق، وخاصة عندما تكون تلك القلوب يمتلكها أصدقاء العمر المخلصون الذين حرص الحجار على وجودهم فى الحفل، وحرصوا هم بدورهم على الحضور مهما كانت مشاغلهم، أو متاعبهم، حيث حضر لطفى لبيب رغم ظروفه الصحية، ووقف محمود حميدة ليغنى على المسرح رائعة محمد فوزى «يا نور جديد فى يوم سعيد.. ده عيد ميلادك أحلى عيد» رغم ما يعانيه من آلام فى الظهر، حيث داعب الحجار على المسرح، وأشار بيديه إلى مكان حزام الظهر الطبى الذى يرتديه. حرص بعض الفنانين على الحضور مع زوجاتهم، مثل مصطفى قمر، وصبرى فواز، أما صلاح عبد الله، أو«عم صلاح» كما يحلو للجميع أن يناديه، فقد اعتذر عن تصوير مشاهده من مسلسل «قيد عائلى» فى هذا اليوم، وظل يجرى بثا مباشرا للقطات من الحفل عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك. كان من بين الحضور الفنان أحمد عبدالعزيز، والذى يعد نجم الدراما الأول فى فترة التسعينيات التى غنى الحجار معظم تتراتها، مثل مسلسل «المال والبنون» و«ذئاب الجبل» ومن بين ضيوف الحفل كان شباب الكتاب والملحنين الذين ساهموا فى تجهيز الألبوم القادم «لو عايز» وبشكل عام، فإن البهجة التى يحدثها على الحجار بفنه، وبعلاقاته مع البشر تؤكد أن مصر كانت وستزال بوجود من هم على نفس قدر موهبته «حلوة الحلوات». أنا بيكى يا سمرا الحديث عن على الحجار من خلال انطباعات شخصية ومشاهدات ممتع جدا، لكن من المؤكد أن حديث أحد أبنائه عنه له وقع مختلف، لأنه سيكون أكثر صدقا من غيره، وهو ما دفعنى لمحاورة كبرى بناته «مشيرة» فى محاولة للتعرف منها على الحجار كأب وليس كفنان، وعن ذلك قالت: على الحجار صديقى أكثر من كونه أبى، فلديه قدرة هائلة على الاستماع، والاستيعاب، وعنده يقين بأن فرض الرأى أو النصيحة المباشرة دائما ما تأتى بنتائج عكسية، لذا فهو دائما ما يمنحنا حرية التصرف بعد نقاش يخلو من فرض وجهات النظر. تعلمت مشيرة من أبيها الكثير أما عن أكثر شيء تعلمته منه فتقول، يسير أبى فى حياته وفقا لحكمة تقول «أن أكبر عقاب لمن باعك هو حرمانه من وجودك فى حياته.. فلست بحاجة أن تنتقم أوتثأر منه» وفى الحقيقة أصبحت هذه الحكمة هى منهجى فى الحياة، وعن أغنيتها المفضلة، فتقول: أحب كل أغانيه، لكن أقربها إلى قلبى «أن بيكى يا سمرة» لأنها لها عندى ذكرى جميلة، فضلا عن كونها أغنية مبهجة. أما عن علاقتها بإخوتها فتقول: أبى حريص على أن تكون علاقتنا جيدة ببعضنا البعض، ورغم أن كل واحد منا يعيش فى بيت مختلف عن الآخر، فإن لقاءاتنا مستمرة ولا تنقطع، فضلا عن أننا نجتمع فى منزل والدى بشكل دائم، وخاصة فى نهاية الأسبوع، لنتناول الغداء سويا، ونتسامر مثلنا مثل أى أسرة أخرى. وعن رأيها فيما يقدمه من فن تقول: طوال الوقت أشعر أنه يستحق مكانة فنية أفضل مما هو عليه، وبالطبع لدى وجهة نظر فيما يقدمه من أعمال أحيانا يأخذ بها، لكن فى المجمل أعرف أن جيل والدى مازال مصدوما مما حدث فى سوق الأغنية بشكل عام، فلم يعد الطرب والغناء هو الفيصل، ولم يعد الناس ينتظرون صدور الألبوم لشرائه والاستماع إليه، فحتى العائد المادى من الغناء لم يعد يعتمد على بيع الألبومات فى زمن اليوتيوب، ومنصات التواصل الاجتماعى، لذلك يقف والدى فى المنتصف ويحاول أن يرضى الجميع، ويحسب له استمراره فى إقامة حفلة شهرية فى ساقية الصاوى منذ عشر سنوات. تسببت تلك الحفلات وفق ما تقول مشيرة فى تعريف جيل صغير السن على فن على الحجار، وأذكر أننى أول من أقنعه بإقامة تلك الحفلات والمواظبة عليها، لأنه كان مكتفيا بحفلات دار الأوبرا الموسمية، كما يحسب له أيضا تعاونه مع شباب الملحنين والشعراء، لأن الفنان الحقيقى لابد أن يستمع إلى وجهات نظر جديدة فى المزيكا، ولا يكتفى بموسيقى زمن واحد دون أن يطور نفسه، فالتطور سر النجاح، والاستمرار.