«ذاكر وسيب الرسم والتلوين».. عبارة ربما ترددت فى جميع المنازل المصرية، مع الكثير من الأطفال دون مراعاة للموهبة المبكرة التى تولد، وكل أدواتها قلم رصاص وورقة وممحاة، كثير منهم انساقوا وراء طلبات الأسرة المتكررة بأن الرسم لا مستقبل له، والأمل الوحيد التركيز فى المذاكرة ليصبح طبيبًا أو مهندسًا أو طيارًا أو ضابطًا فى المستقبل، وقليلون من أصروا على تحقيق أحلامهم بأن يكونوا رسامين. عدد آخر من الطلاب حاولوا تحقيق أحلام أولياء أمورهم بالاجتهاد فى المذاكرة والالتحاق بالكليات الأكاديمية، وفى الوقت نفسه ممارسة وتنمية هواياتهم، فنظرة الكثير من الآباء والأمهات إلى الرسم بأنه لابد من أن يكون فى وقت الفراغ فقط، وأن دراسة الرياضيات واللغات أهم بكثير من الرسم والتلوين. طريق الحُلم هاجر عزمى من مواليد دكرنس بالمنصورة (فتاة فى العشرين من عمرها)، بدأت الرسم منذ الصغر، كانت هوايتها المفضلة التى تستغرق فيها ساعات، وحرصت على تطوير رسوماتها، وأصبح الالتحاق بكلية الفنون الجميلة واحدًا من أحلامها، بدأت تطور من نفسها بنقل رسومات الكارتون، وحرصت على تعلُّم كل ما هو جديد فى الرسم من خلال اليوتيوب، وبعد الانتهاء من امتحانات الثانوية العامة، اجتازت اختبارات القدرات بكلية الفنون الجميلة، إلا أن مجموعها الكلى فى الثانوية كان الحاجز بينها وبين حلمها، والتحقت بكلية التربية قسم علوم. لم يتوقف حلم هاجر، عند باب الكلية، وسعت لإكمال طريقها الفنى، واستمرت فى الرسم، وعرضت رسوماتها للبيع فى العديد من الأماكن وحققت نجاحًا، وبعد ذلك بدأت تدريس أُسس ومبادئ الرسم للمبتدئين، وشاركت فى العديد من المعارض داخل الجامعة وخارجها. وكانت فريدة كوهلو ولوحاتها بمثابة الإلهام لهاجر، فى إطلاق موهبتها وتشجيعها بالسير على دربها، وطريقة رسم خطوطها وألهمتها على الرسم بألوان الجواش، وبعد افتتاح الدراسات الحرة بكلية الفنون، شعرت بأنها باتت قريبة من تحقيق حلمها كما تحلم بافتتاح جاليرى أو مرسم خاص بها. المهندس الفنان أما «عمر سيد» الشاب ذو ال27 عامًا، والذى تخرج في كلية هندسة جامعة القاهرة، فكان الرسم هوايته من الصغر، دائمًا كان يسعى لإرضاء شغفه وحبه بممارسته، وكان والداه يسعيان لتنمية موهبته إلى جانب تشجيعه على الدراسة، من خلال حضور ورش لتعليم أساسيات للرسم: «كان رسمى مجرد شخبطة وفى آخر عام بالجامعة التحقت بإحدى الورش فى مرسم فريدة دروش وتعلمت فيها أساسيات الرسم». «لم تهتم المدرسة ولا معلمو الرسم بموهبتى ولا تشجيعى على تنمية موهبتى، لذا حين بدأت باختيار الكليات لم يكن الرسم من بينها»..، ويوضح عمر أنه لم يكن على وعى كافٍ بأنه موهوب وأنه سيؤدى جيدًا إذا التحق بإحدى الكليات الفنية، لذا التحق بكلية الهندسة ظنًا منه أنه سيلاقى نجاحًا ومستقبلًا أكثر إشراقًا بكونه مهندسًا وليس رسامًا. يقول عمر إن «البورتريه» هو الرسم المفضل لديه، بالإضافة الى الأناتومى -رسم تشريحى ووصفى لجسم الإنسان-، حيث كان الرسم إحدى الطرق التى يهرب من خلالها من صعوبة دراسته، إلى أن تحول حاليًا إلى مصدر ثانٍ لدخله بجانب عمله كمهندس، وكانت صفحات التواصل الاجتماعى إحدى الوسائل التى لجأ لترويج ونشر أعماله، التى يستخدم فيها الرصاص والفحم والزيت والباستل والآكوريل والخشب لإخراج «اسكتش» أو لوحة معينة، ونجح فى المشاركة بلوحاته ورسوماته فى معرضين: أولهما؛ كان فى الأوبرا.والثانى؛ كان فى درب 1718. لم يكن لعمر أى طقوس ثابتة للرسم، لكن عمله الروتينى كان يعوق بينه وبين عشقه الأول، لذا خصص أيام عطلاته للرسم، ففى يومى الجمعة والسبت كان يجهز نفسه كالعاشق المتيّم الذى على موعد للقاء حبيبته، يجهز أدواته وأحيانًا كان يقضى اليوم كاملًا فى الرسم، ومن رسوماته المفضلة لوحة زيت رسمها منذ صغره، ولكن أعاد رسمها مرة أخرى باحترافية. «دالى ودافنشى» هما الرسامان المفضلان لعمر سيد، ووالده ووالدته كان لهما الدور الأكبر فى تحفيزه وتشجيعه على الاستمرار، من أجل تحقيق حلمه بأن يكون له «أتيليه» خاص يعرض فيه أعماله، ومؤخرا التحق بالدراسة فى كلية الفنون الجميلة قسم الدراسات الحرة. موهبة الطفولة أما «إسراء محمد»، التى تخرجت في كلية الهندسة قسم عمارة، فكانت بداية انطلاقها نحو الفنون من داخل حصص المدرسة، تعلمت فيها الكثير عن أساسيات الرسم، وساعدتها فى تنمية مواهبها، وأولى لوحاتها كانت بالصف الرابع الابتدائى، عن الأهرامات وشهر رمضان. لم تلتحق بكلية الفنون الجميلة بسبب والدتها التى كانت قد تخرجت في كلية الفنون الجميلة، بحجة أن مجالات العمل فى الهندسة أكثر من الكليات الفنية، لذا فضلت إسراء الالتحاق بكلية الهندسة بدلًا من الفنون الجميلة، لكن سرعان ما بدأت فى الانتظام بالورش الخاصة بالرسم والرسم بألوان الزيت والجواش، وكان لقسم العمارة الذى حرصت على الانضمام له الفضل أيضًا فى تنمية موهبة الرسم لديها: «بالرغم من انشغالى فى الدراسة، فإننى لم أنشغل عن الرسم، وخصصت كل خميس للرسم أثناء الدراسة، وبعد الانتهاء من الدراسة نادرًا ما كنت أترك يومًا واحدًا بدون رسم». « Artiness» هو المشروع الذى بدأت إسراء بالتعاون مع أحد أصدقائها فى تنفيذه، وهو عبارة عن شخص يحكى عن اهتماماته وأنشطته وما يحبه وتقوم برسمه بناءً على ما يحبه والشخصية الخيالية التى يحلم بها، بالإضافة لكتابة رسالة بشكل أدبى عن حياته وكأنها قصة، ولاقت فكرتها إعجاب الكثير فالرسومات كانت أقرب للحقيقة. تقول إسراء: «فان جوخ، كريم عبدالملاك، محمد صلاح، جيهان فوزى، هم الرسامون المفضلون لدىّ، فدائمًا ما كانت لوحاتهم مصدر إلهامى»، مشيرة إلى أنها شاركت فى 6 معارض من بينها معرض فى ساقية الصاوى ومعرض فى الأهرام وآخر فى نادى الزهور. دكتور فى الفن السيريالى وعلى الخطى نفسها، يسير «مجدى عنانى» دكتور صيدلى صاحب ال 27 عاما، الذى بدأ الرسم منذ صغره، وكان لمعلم التربية الفنية دور كبير فى تنمية موهبته، وتشجيعه: «الإنترنت والكتب الخاصة بتعليم الرسم والفيديو كانت واحدة من الأدوات التى اعتمدت عليها فى الكبر فى تطوير الموهبة». يقول إن الفن السيريالي، هو النوع المفضل لديه، فعند التحاقه بالكلية، كان يرى أن الكليات الفنية ليس لها مستقبل، لذا فالتحق بكلية الصيدلة: «بندم ندم عمرى على هذا القرار.. مفيش حاجة اسمها الدكتور أحسن من الرسام، لو يرجع بيا الزمن كنت دخلت كلية فنية». مجدى يرى أنه بعد فترة سيتخلى عن عمله فى مجال الصيدلة، ويتجه إلى المجال الفنى وسيكون الرسم والفن نصب تفكيره فقط، وأنه لعشقه للرسم يستطيع تحويل سلسلة ومجموعة من القصائد إلى لوحات فنية، مؤكدًا أنه لا يوجد مكان محدد يحرص على الرسم به، حيث يستطيع الرسم حتى فى المواصلات العامة، مشيرًا إلى أن واحدًا من أحلامه افتتاح مرسم كبير خاص يعرض به لوحاته ومساعدة وتعليم الكثير من الموهوبين: «أنا برسم الفن من أجل الفن». ووقف مجموع الثانوية العامة، حاجزًا أمام «مى المرسي» صاحبة ال 22عامًا، الطالبة بكلية الآداب قسم إعلام فى الالتحاق بكلية الفنون الجميلة برغم اجتيازها اختبار القدرات، ولكنها لم تستسلم لليأس، وأكملت طريقها وبدأت فى تعليم نفسها عن طريق مشاهدة اليوتيوب ومشاهدة كثير من أعمال الرسامين المحترفين، واستطاعت استخدام أنواع كثيرة من الألوان مثل الجواش والأكريليك والزيت والمياه والباستيل والحبر والرصاص. تقول: «من أكبر الصعوبات التى واجهتها عدم وجود أماكن لعرض أعمالى كرسامة حرة، فدائمًا ما كانت تتوافر الأماكن بمبالغ خيالية، أما الفرص فكانت لخريجى الكليات الفنية»، موضحة أنها تسعى بعد إنهاء دراستها للعمل فى مجال الرسم، خاصة أنها استطاعت حتى الآن رسم أكثر من 200 لوحة.