ترك لنا عام 2018 وهو يغيب أملا كبيرًا فى عودة وهج الإبداع المسرحى المصرى، إذ إن الصفة الأساسية له أنه عام الغزارة المسرحية، إذ شهد إنتاجًا متنوعًا يعبر عن حضور لأجيال جديدة، كما شهد إصرارًا حقيقيًا لجيل الوسط الذى بدأ مساره المهنى منذ منتصف الثمانينيات لأن يستعيد وجهه الإبداعى الجاد، كما شهد رغبة واضحة لنجوم لامعة فى العودة لبيتها الأصلى. يحدث هذا ليستعيد المسرح المصرى مساره التاريخى بين فنون التسلية وفنون الإبداع، إذ أن الفصل المصطنع بين الفرجة والفكر لهو بمثابة تعبير عن أزمة عميقة فى الإبداع فى أية مرحلة زمنية. الفصل الممكن هو الفصل القائم على الجمهور المستهدف بين فن النخبة والفنون الجماهيرية، وكلما ضاقت المسافة بينهما كلما ازدهر الفن المسرحي، وهذا هو درس إمعان النظر فى تاريخ الدراما، أما الجمع بين التسلية والفكر فهذا هو إنجاز العباقرة وهو أمر نادر الحدوث فى تاريخ الفنون، ولكن السعى نحو الجمع بين الفرجة والفكر ليس سعيًا للجمع بين المتناقضات كما يظهر فى حالة المسرح المصرى فى 2018، إذ أن الانفصال حاد للغاية بين الفرجة والفكر. ويعد المثال الواضح على ذلك هو مسرح مصر الذى بدأ عام 2011 بمسمى تياترو مصر، فى الاعتماد على التسلية عبر فنون ( الاسكتش وإلقاء النكات) حيث تعمق وتجذر الإنفصال بين الفرجة والفكر، وكان تواجده المنفرد تقريبًا منذ عام 2011، وعمله الإنتاجى الاحترافى المنظم وراء قدرته على تحقيق العلامة الواضحة فى الكم الإنتاجى وصناعة المضحكين الجدد، وتكوين صورة ملتبسة لدى الجمهور العام ولدى أجيال جديدة لم يتح لها رؤية المسرح المصرى الفنى بصياغته الجمالية، وجوهر هذا الالتباس هو الخلط بين فن المسرح وفنون السمر والإسكتش الهازل، ولكنه ومن زاوية إنتاجية حقق إنجازًا واضحًا فى التراكم والاستمرارية، ربما يؤدى إلى تحول نوعى يراه البعض ممكنًا فى تجربته الجديدة فى مسرح الريحاني. المدهش أن مصر المبدعة تمنحنا أجيالا جديدة مدهشة، فالشباب الجامعى لفت أنظار النقاد برؤية جمالية وإخلاص واضح لفن المسرح، ليس فقط لحصده عددًا من الجوائز بالمهرجان القومى للمسرح، ولكن لأنه كان أكثر حيوية فى طرح القضايا التى تهم المجتمع، وأكثر فهمًا لمفهوم العمل الجماعى الجمالى للمسرح، وقد انضمت فرق جديدة للجامعات المصرية العريقة غير كليات جامعة القاهرة وعين شمس والإسكندرية مثل الجامعة البريطانية والأكاديمية البحرية وغيرها مما يؤكد بداية اهتمام الجامعات الخاصة بالجانب الإبداعى لشبابها، إلا أن القنوات الفضائية المصرية لم تهتم بهذه الظاهرة وإذا خصص التليفزيون المصرى وقتًا محددًا لها لأتاح للمسرح الفنى حق الوجود على الشاشات كما هو متاح لمسرح التسلية. الظاهرة اللافتة أيضًا هى غياب العروض اللامعة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة وإن كان عام 2018 قد شهد اعتمادًا جديدًا لخطة المسرح فى الأقاليم بلغ 109 مسرحيات، يمكن بالمتابعة والرعاية وتبادل مواقع العروض إنجاز حالة مسرحية جديدة بالأقاليم المصرية، والتى لازالت تعانى حتى الآن من فكرة كونها الأطراف المحرومة، التى يمكن ملاحظة نشاط مسرحي ملحوظ فى مدنها الساحلية حيث حاول القطاع الخاص ومسرح الدولة عودة الموسم الصيفى بمدينة الإسكندرية وجمصة وقد كان هو الموسم النشط قبل نحو عشرين سنة مضت. اللافت للنظر أيضًا هذا العام ظاهرة الورش المسرحية المنتشرة بمقابل مادى يدفعه المتدربون، بينما يقوم عليها عدد من غير المختصين، بينما يمكن تثمين قيمة ورشة (أبدأ حلمك) التى قدمها مسرح الشباب. أما عن دور العرض المسرحى فقد تم تجديد وإعادة افتتاح مسرح محمد عبد الوهاب بالإسكندرية، ومسرح بلدية طنطا ومسرح قصر ثقافة دسوق، ومسرح قصر ثقافة شرم الشيخ، وهو اتجاه يجب تعزيزه حرصًا على كسر مركزية الثقافة فى العاصمة. بينما خرجت دور عرض أخرى من دائرة العمل، فالمسرح العائم لايزال فى التطوير وانضم له مسرح الطليعة ومسرح القاهرة للعرائس ومسرح ليسية الحرية بالإسكندرية، بينما يعانى مسرح متروبول ومسرح الغد بالعجوزة تعثرات بسبب افتقاده لشروط الحماية المدنية. الظاهرة اللافتة أيضًا هى عودة عروض مسرح الأطفال الجيدة مثل عرض أليس فى بلاد العجائب وسنو وايت والقطط، مع استمرار احتفاظ مسرح العرائس بعرضه الفريد الليلة الكبيرة هذا ويعود عدد من نجوم التمثيل مثل محمد صبحى بعرضه «خيبتنا» فى مدينة سنبل، ويحظى بحضور جماهيري رغم أن المسرح يقع بطريق مصر الإسكندرية الصحراوى مما يدل على وجود جمهور مسرحى باحث عن المسرح الفني، وكذلك يعود أحمد بدير بمسرحيته فرصة سعيدة ونبيل الحلفاوى بمسرحية لينين الرملى اضحك لما تموت. وبخلاف ذلك قام عدد من الهواة والجدد والمحترفين بدورهم فى ليالى عروض كثيفة شهدها هذا العام، فالمسرح المصرى يدافع عن وجوده، حتى لو لم يعد سببًا مباشرًا للأرباح المالية الكبيرة. أما لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة فهى تواصل ذات الأداء المتكرر بالابتعاد عن رسم السياسة الثقافية للمؤسسات المسرحية الرسمية كما لم تقدم حتى الآن حلا مؤسسيًا للمسرح المستقل الذى شهد غيابًا ملحوظًا عام 2018، كما أن نقابة المهن التمثيلية تقدم عروضها للشباب الجدد على مسرح النهار بشارع القصر العينى بعيدًا عن العمل الاحترافى رغم كونها البيت المهني، وإن كان يحسب لها إيقاف الهزل الخشن الذى قدمته باسم مسرح النهار عام 2017، ولكن كان عليها إيجاد البديل الاحترافى فى 2018، كما أنها لا تزال تحفظ المسافة الآمنة بين عملها النقابى الضرورى وبين مشكلات مؤسسات الدولة المسرحية ومشكلاتها مع فنانى الدولة وأهمها استمرار عقود الإذعان التى تمنع أية حقوق للفنانين مقابل كل الحقوق للطرف الأول. إلا أن دورها فى استقدام خبرات أجنبية لتدريب عدد من الهواة والمهنيين يعتبر خطوة مهمة نحو دورها التدريبى المفقود تاريخيًا. أما المهرجان القومى للمسرح فقد منح جوائزه هذا العام للجدد من الموهوبين، وإن إشار من بعيد لظاهرة ندرة المؤلف المسرحى المصري، كما حاول المهرجان الدولى للمسرح التجريبى والمعاصر إدماج نفسه مع أصله الحقيقى ألا وهو مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، حيث احتفل باليوبيل الفضى للمهرجان واستعاد ذاكرة مهمة، كما اهتم بعقد عدد من الورش الفنية لخبرات أجنبية إلا أن الجانب المعرفى فى الإصدارات والترجمة لا يزال غائبًا منذ أن أصبح اسمه التجريبى والمعاصر، وقد كانت الإصدارات أحد أهم إنجازات الربع قرن الماضي، ويمكن له إعادة إصدارها حتى ولو بطريقة النشر الإلكتروني. عام 2018 إذن لا يزال يمثل الصراع الحيوى بين مسرح التسلية والمسرح الفنى إلا أن العلامة الواضحة فيه هى إرادة المسرحيين فى مصر وأجيال جديدة شابة تؤكد إمكانية استعادة الدور الهام للمسرح المصرى فقط بزيادة ممكنة لمخصصاته فى الموازنة العامة للدولة، وبوجود الرؤية العامة التى تحتاج للتنظيم وللعمل المؤسسى نحو التنسيق بين كافة جهات الإنتاج الرسمية والأهلية، إنه عام 2018 يرحل وهو يعلن لنا إمكانية عودة الروح للمسرح المصرى.