تحدثنا فى المقال السابق عن بعض السمات المشتركة بين أغانى المهرجانات وأغانى الراب مثل «الإيقاع السريع والصاخب» و«الحديث عن النفس والمنشأ والأصدقاء»، و«الاعتراض على صعوبات الحياة»، و«الحديث عن الحب والجنس». ولكن يبقى السؤال لماذا تحقق هذه الأغانى نسب استماع هى الأكثر داخل مصر على مدار السنوات الماضية؟ ربما يكون من ضمن الأسباب التى تجعل قطاعات كبيرة داخل مصر تهتم بهذا الشكل من الغناء له علاقة بأن كل الأغانى التى يغنيها المغنون المشهورون أمثال «عمرو دياب ومحمد حماقى وتامر حسنى وشيرين .. إلخ»، لا يتحدثون إلا فى المواضيع التى تخص العلاقة بين الحبيب والحبيبة وهذا أمر غير منطقى لأن من المستحيل اختزال مشاكل أكثر من 100 مليون مواطن يعيش على أرض مصر فى العلاقات العاطفية، والمؤكد أن لدينا قضايا اجتماعية أخرى لا يتم التعبير عنها فى الأغانى «المرضى عنها إعلاميًا». ولذلك نجد أن هناك اتجاهًا من بعض فئات المجتمع فى التفاعل مع الأغانى الشعبية التى تحمل مضمونًا اجتماعيًا بعيدًا عن أزمات العلاقة العاطفية، فمثلًا أغنية مثل آه لو لعبت يا زهر ل«أحمد شيبة» كانت هى الأعلى استماعًا فى 2016 وحققت أكثر من 250 مليون مشاهدة على يوتيوب، وأغنية «الكيف» كانت هى الأكثر بحثًا فى عام 2017 وهى من غناء «طارق الشيخ» مع فريق «كايروكى»، وفى هذا العام سنجد أن أغنية «لأ لأ» هى أكثر أغنية بحث عنها المصريون على محرك البحث جوجل، ويليها مهرجان «أنا جدع»، ولا نرى أى تواجد للأغانى العاطفية فى صدارة نسب المشاهدة أو البحث رغم أنه مسموح لمغنيي الأغانى العاطفية بطرح أغانيهم على القنوات الفضائية والإذاعات والظهور أيضًا فى البرامج وتقوم الصحافة بإجراء الحوارات معهم، ونجد صورهم معلقة فى أضخم الميادين داخل الجمهورية كدعاية لأعمالهم. وعلى العكس تمامًا فالذين يقدمون أغانى المهرجانات لا تذاع أغانيهم على الفضائيات ولا يتم استضافتهم ولا مناقشتهم ولا نرى أن هناك شركات ترعاهم، حتى جودة الأغانى التى يقدمونها تكون ضعيفة بسبب صناعتها فى استديوهات بدائية بأيادى غير المتخصصين وبرغم كل ذلك هى الأكثر انتشارًا واستماعًا بفضل المحتوى الاجتماعى حتى لو كان لدينا اعتراضات على طريقة تعبيرهم. حتى وإن حملت هذه الأغانى بعض الصفات السلبية، فهذه الصفات موجودة فى الشارع المصرى والأغانى تعبر عنه ولكنها لا تصنع ما يحدث فيه، فإذا كان الكثيرون منزعجين من المضمون المقدم فى هذه الأغانى فيجب عليهم تغيير البيئة نفسها التى تنشأ منها هذه النوعية من الأغنيات. وأعتقد أن الفنان دوره التعبير عما يهم الناس، ونحن لدينا تقارير رقمية توضح أن الناس تبحث عن الأغانى الاجتماعية، وربما دعوة المغنين العاطفيين لإنتاج أغانى تعبر عن بعض المشاكل الاجتماعية قد يساهم فى زيادة نسب استماع أغانى هؤلاء النجوم ويقلل من كثرة البحث وراء أغانى المهرجانات كما يحدث كل عام. وفى النهاية أدعو المسئولين عن الثقافة والموسيقى فى مصر للنظر إلى ما قاله الرئيس الروسى «بوتين» الأسبوع الماضى عن الأزمة التى حدثت بسبب منع مغنى الراب «هاسكى» من إقامة حفلاته وحبسه لبضعة أيام، ليخرج «بوتين» بمجموعة رسائل إلى الكرملين يقول فيها إن المنع سيعزز من انتشار هذه النوعية من الأغانى، ودعا قادة الثقافة فى بلاده لابتكار وسيلة للسيطرة هذه النوعية من الأغانى وتحسين محتواها بدلًا من حظرها، فالمجتمعات المتقدمة دائمًا ما تبحث عن الحلول والمناقشة وتحاول الابتعاد عن المصادرة والمنع لأنهم أدركوا جيدًا أن المنع ليس حلًا على الإطلاق، فهل نتعلم منهم؟!