على بعد خطوات من ميدان السيدة زينب، وبالقرب من العديد من المصالح الحكومية وفى مقدمتها مقر مجلسى الوزراء والنواب، يوجد مبنى لا يحظى سوى بنظرات سريعة لعابرى المكان الذى يتميز بالزحام الشديد طوال ساعات اليوم، إنه متحف سعد زغلول، زعيم ثورة 1919 والذى دونت قصة حياته بحروف من نور فى قلوب المصريين. أطلق الزعيم الراحل على منزله فى المنيرة «بيت الأمة»، حيث كان لا يغلق بابه فى وجه أحد، يستقبل الزوار من داخل وخارج مصر، وشاركته فى ذلك زوجته «صفية» والتى أطلق عليها لقب «أم المصريين»، وبعد سنوات من رحيلهما أصبح منزلهما مكانًا يروى تاريخ حقبة زمنية هامة فى تاريخ مصر لقائد ثورة 1919. «روزاليوسف» توجهت لمتحف «بيت الأمة» تزامنًا مع ذكرى الأيام الأخيرة فى ثورة 1919م. يتميز بيت الأمة دون غيره من المتاحف باحتفاظه بجميع مقتنياته، ويفتح أبوابه أمام الزوار فى العاشرة صباحًا، ويعمل على مدار الأسبوع عدا الاثنين، وبه مرشدون لشرح تفاصيله للزائرين ومتخصصون وعاشقون للتاريخ فى منزل حضرة سعد باشا زغلول. الدخول ل«بيت الأمة» ما أن تدخل أبواب المتحف وتتجاوز البوابات الإلكترونية التى تم وضعها لتأمين المكان، يستقبلك زعيم الأمة بتمثال ضخم يتوسط حديقة المنزل، مرحبًا بالزائرين، وأكثر ما يلفت الانتباه حالة الحب الشديد من العاملين بالمكان لشخصية وعائلة سعد زغلول، حيث يحرصون على تنفيذ وصية قائد ثورة 19 والذى كان يرحب بضيوفه ويفتح أبواب منزله لكل المصريين، ويتميز المنزل بطبيعته كمكان للسكن، كما كان يعيش به سعد زغلول وزوجته لم تتغير ملامحه. «بيت الأمة» تحول إلى متحف عام 1946، بعد وفاة صفية زغلول، زوجة سعد، الشهيرة ب«أم المصريين»، وتم تجديده وأعيد افتتاحه للجمهور 16 يناير عام 2003، ويضم مقتنيات الزعيم الراحل وزوجته، رافقتنا فى جولة داخله رشا عبدالعزيز، إحدى موظفات المتحف، مؤكدة أن إجمالى ما أنفقه سعد زغلول على البيت 4296 جنيهًا و460 مليمًا، ويقع المبنى على مساحة 600 متر مربع، وقتها اشترى القصر كقطعة أرض فى عام 1901، وانتقل هو وزوجته للقصر عام 1903، وكانت منطقة المنيرة الموجود بها القصر وقتها خاصة بالأتراك، وكانت تتميز بمركز حيوى فهى تتوسط المسافة بين السيدة زينب وجاردن سيتى الخاصة بالأجانب، والقصر يتكون من طابقين الأرضى والعلوى. الطابق الأرضى يضم الطابق الأرضى، عددًا من غرف الاستقبال كصالون «الحرملك» - صالون خاص باستقبال النساء فقط وهم غير المقربين للعائلة، ومن أبرز الشخصيات التى تم استقبالها بالصالون «أم كلثوم» فى عزاء سعد زغلول عام 1927، ويتميز القصر بأنه مبنى على الطراز الفرنسى وكل قاعة لها ديكور خاص بها، ورق الحائط من الحرير، والسجاد يتميز بالأحجام الكبيرة وهو من إيران ما بين سجاد صوف وحرير. بنفس الطابق تقع غرفة السفرة، والتى تتميز بسفرة ضخمة كانت مخصصة للأسرة وكان يجلس سعد زغلول دائمًا فى مقدمتها وزوجته على يمينه، وتحتوى الغرفة على «راديو» مميز فكانوا يفضلون تناول الطعام مع سماع الموسيقى والأخبار السياسية، فضلا عن نيش سفرة به عدد من الكئوس مرسوم عليها صورة سعد زغلول، جميعها تم إهداؤها لزوجته بعد وفاته، ملحق بها باب خلفى للبدروم حيث كان يطهى الطعام بالأسفل بعيدًا عن أجواء المنزل. يضم الطابق غرفة أخرى كانت معروفة بغرفة سعد زغلول بها مكتبه الشهير كان يتخذ به قراراته السياسية، ويستقبل الوفود الأجنبية وبها مكتبة تضم 5 آلاف كتاب ما بين كتب التاريخ والقانون والأدب، كما يستقبلك فى الطابق الأسفل، صالون لاستقبال الضيوف المقربين والأصدقاء للزعيم سعد باشا، وأعضاء حزب الوفد، وكان يتم داخل الغرفة اجتماعات الوفد، وبالغرفة كنبة وريشة خاصة بصفية زغلول، حيث كانت تستقبل ضيوف سعد زغلول من الرجال، خاصة فى فترات المنفى لسعد باشا، بناء على طلب سعد زغلول بعدم غلق الصالون أمام أى مواطن. ويوجد بالطابق الأرضى المكتب الشتوى لسعد باشا، كان يستخدم فى فترة الشتاء فقط، بالغرفة يوجد بلكونة مفتوحة على حديقة القصر، وتضم الغرفة عدة صور لسعد زغلول وهو فى منتصف العمر، وصورة شقيقه الأكبر القاضى أحمد والذى كان له الفضل فى ترجمة عدد من كتب القانون الفرنسى للعربية، ويضم الطابق عددًا من التماثيل التى تم إهداؤها إلى صفية زغلول بعد وفاة زوجها من عدد من الفنانين التشكيليين والنحاتين. اللقاء الأول كان أول لقاء بين سعد باشا وصفية زغلول بالصالون الثقافى، فى قصر الملكة «نازلى»، التى اعتادت تنظيم صالونها الثقافى شهريًا، وكان يضم رجال ومثقفى الدولة، فكان سعد زعلول يحرص على حضور الصالون مرة كل شهر، وكانت تحضره صفية زغلول بنت مصطفى فهمى رئيس وزراء مصر لمدة 14 عامًا، وعائلة صفية زغلول من أصول تركية، جاء لمصر كلاجئ، لكنه استطاع الالتحاق بالكلية الحربية، والتحق بعدها بالعديد من المناصب بمساعد خاله محمد زكى وزير موارد مياه فى ذلك الوقت. وبعد اللقاء الأول الذى جمعهم تكررت اللقاءات، وتقدم سعد باشا لخطبتها فى البداية رفض والد صفية زغلول، حيث كان ينظر لسعد على أنه ابن فلاح وموظف ولكن مع تكرار المحاولات وإصرار صفية وافق الوالد، وكان سعد زغلول يتميز بأن لديه إصرارًا كبيرًا، لذلك استطاع تحقيق أشياء عديدة وهو كبير بالسن منها الالتحاق بالمحاماة بعد أن تم فصله من جريدة الوقائع عقب اعتقاله بسبب تأييد الثورة العرابية، إضافة إلى أنه تزوج فى سن 36 عامًا. الطابق الثانى بالصعود على السلالم الرخامية التى تحتفظ بملامحها حتى الآن تكسو جدرانها صور الزعيم الراحل وزوجته، وقبل فتح أبواب الطابق الثانى المميز بالخصوصية تجد صورة ضخمة، أكد المسئولون فى المتحف أنها آخر صورة التقطت للزعيم سعد زغلول قبل رحيله، ويوجد على باب الدخول وباب الخروج للطابق الثانى قفصان حديديان مميزان باللون الفضى، كل قفص يحمل بداخله «بغبغاء» محنط، قامت السيدة «صفية» بتحنيطهما للاحتفاظ بهما لأهميتهما، حيث كانا يستقبلان سعد زغلول بكلمات متكررة «سعد سعد تحيا سعد»، وبعد وفاته مباشرة ماتا حزنًا عليه. ملابس صفية الغرفة الأولى التى تستقبل الزائر فى الطابق الثانى غرفة ملابس «صفية زغلول»، تعرض نماذج لما كانت ترتديه، التى كانت تتميز باللون الأسود، لأنها كانت تحرص على ارتدائه بعد وفاة سعد زغلول حتى رحيلها، لذلك ما تبقى فى المنزل كانت ملابس سوداء فقط، وحرصت السيدة صفية على وضع صور متعددة فى الغرفة للزعيم سعد زغلول، كما يوجد مكان مخصص فى الغرفة لجلوس السيدة صفية لعمل المشغولات اليدوية بالخيوط حيث إن معظم المفارش الموجودة بالمنزل أعدتها بيدها. غرفة النوم تتميز غرفة النوم الخاصة بالزوجين بالبساطة وتوج سريها بعلم مصر فى تلك الفترة باللون الأخضر وعليه شعار الهلال، كما يوجد مانيكان وضع عليه فستان خاص بالسيدة صفية بجوار السريرين النحاسيين، وفى وجه السريرين يوجد دولاب خاص لملابس سعد زغلول الشهيرة وعدد من الأحذية الخاصة به فى عدد من الأحداث التاريخية منها بدلة التشريفة الرسمية وأخرى خاصة بمجلس النواب. غرفة الزعيم كان الزعيم الراحل يحرص على ارتداء ملابسه بها، وبها دولابان أحدهما للملابس الشتوى والآخر للصيفى، وعدد من زجاجات البرفان، ومكان خاص بالطربوش الخاص به. ويضم الطابق الثانى غرفة الحرملك، وهى من تصميم عربى مميز، وكانت تستقبل فيه السيدة صفية قريباتها وصديقاتها، وتميزت بفن الأربيسك مطعم بالصدف، وبها صور متعددة لأسرتها منها صورة والدتها وصورة الملكة نازلى والدة الملك فاروق فى صغرها مع أسرتها وهى من أهدتها لها. أما غرفة المعيشة فتضم مكتبة خاصة للسيدة صفية زغلول، ومكتبًا خاصًا كتبت عليه خطاباتها لزوجها فى المنفى، وتلك الغرفة تربى بها على أمين ومصطفى أمين ابنا «رتيبة» شقيقة سعد، حيث تمت تربيتهما تحت رعاية سعد زغلول فى بيت الأمة. يوجد بالمتحف ممر مميز بعد غرفة المعيشة، وضع به عدد من الصور توثق حياة سعد زغلول فى المنفى والوحدة والسياسة والانتصار، وبعض من التوكيلات التى قدمها المصريون فى عام 1925 لينوب عنهم أمام لجنة «ملنر»، ويختتم المنزل ملامحه بغرفة صغيرة خاصة بالمساج. ويحرص على زيارة المتحف طلاب المدارس لأهمية الزعيم ودراستهم له فى التاريخ، بالإضافة لعدد من الجنسيات الأجنبية فى مقدمتهم ألمانيا وأمريكا وروسيا وعدد من الدول العربية مثل سوريا وفلسطين والعراق.