اللواء سيد غنيم يكتب: «إذا كان الجيش المصرى استطاع أن يفعلها مرة، فإنه يستطيع أن يفعلها كل مرة»، هكذا تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسى - فى الندوة التثقيفية 29 للقوات المسلحة - عن الانتصار الذى حققته قواتنا المسلحة فى حربها ضد إسرائيل فى 1973 ليؤكد مجددًا أن المعركة لم تنته، ولكن العدو بات غير واضح، وأصبح بيننا، وأدوات المعركة اختلفت كثيرًا. ربما تمثلت إحدى هذه الأدوات التى لم يتطرق إليها الرئيس فى عملية التشكيك المتعمد فى حجم النصر الذى تحقق، والذى عادة ما تستخدم فيه وقائع ما جرى فى ثغرة الدفرسوار الشهيرة, وهو أمر يمكن الرد عليه دون عناء ومن واقع ما كتبته أيدى القادة الإسرائيليين أنفسهم وما نقله عنهم الكتاب الغربيون، استغرق جمع هذه الشهادات الموثقة سنوات من البحث والترجمة خلال خدمتى بالقوات المسلحة واختتمتها عندما كنت أعمل قائدًا لمركز المعلومات والدراسات التكتيكية بكلية القادة والأركان عام 2007. لم يفق العدو الإسرائيلى من هول الصفعة التى وجهها له الجيش المصرى فى السادس من أكتوبر إلا بعد أن تمكنت القوات من تثبيت أقدامها تمامًا شرق القناة، فأخذ يفكر فى تنفيذ عمل يبعث به معنويات جنوده المنهارة ويحط به من همة القوات المصرية فكانت «الثغرة» التى تم تنفيذها فى الفترة من 15 – 23 أكتوبر ، والثغرة تكتيك عسكرى قديم تقوم خلاله قوات من الجيش باستغلال إحدى الجبهات التى لم يتم تأمينها بالقوات والنيران، لتسريب قوات ذات قدرة عالية على المناورة، بمهمة توسيع هذا الفاصل للالتفاف على أجناب ومؤخرة قوات الثغرة وتطويقها وحصارها. علاقات الصراع بين القادة الإسرائيليين: قبل المضى فى توضيح حقيقة ما جرى فى الثغرة على لسان الإسرائيليين أنفسهم، علينا أن ننظر إلى طبيعة العلاقات بين القادة الإسرائيليين إبان الحرب: خلال فترة حرب الاستنزاف كان الجنرال «حاييم بارليف»، والذى أُطلق اسمه على المانع «خط بارليف» الحصين، رئيسًا لأركان جيش الدفاع الإسرائيلى.. وكان اللواء «إيريل شارون» وقتها قائدًا للمنطقة الجنوبية المواجهة للجبهة المصرية التى تضمنت سيناءالمحتلة ضمن نطاق مسئوليتها فى ذلك الوقت، وكان الجنرال «شمويل جونين» يعمل تحت قيادة شارون كرئيس لعمليات المنطقة الجنوبية ونائبًا له. وكان لنشأة وتربية شارون ذي الأصول الروسية الأثر الكبير فى تشكيل شخصيته وطباعه وسلوكه الشرس الجرىء غير المتوقع.. فمقتل ابنه طفلًا ببندقيته الشخصية على يد أحد أبناء جيرانه اليهود، وموت زوجته من الحسرة، وذلك بعد اكتشافها حبه الشديد لأختها «لِيلِي» والتى تزوجها بعد ذلك، وغير ذلك الكثير جعل شخصيته تبدو هادئة ولكنها قابعة على بركان، فأطلقوا عليه «الدب الصغير» أثناء طفولته، ثم أطلقوا عليه لقب «البلدوزر» أثناء عمله ضابطًا بجيش الدفاع الإسرائيلى، لأنه لم يكن يتردد فى (فرم) من أمامه إذا اضطر لذلك. أما «حاييم بارليف» فكان منتميًا لل«بلماخ»، وهى (سرايا الصاعقة الإسرائيلية) وجدير بالذكر أن معظم المنتمين للبلماخ قبل الأربعينيات انضموا لحزب «العمل» على يد «إسحق رابين» ورغم ذلك استقرت عليهم صفة «البلماخ».. حيث كان بارليف ذا طابع ناعم فى تعاملاته مع الآخرين، ويعد الشخص الوحيد الذى حاز على ثقة «شارون» فى الوقت الذى لم يثق فيه «شارون» فى أحد أبدًا، خاصة هؤلاء الذين لا ينتمون لحزبه «الليكود»، ولكن من مذكرات وتصرفات «بارليف» لا يبدوا أنه كان جديرًا لهذه الدرجة بثقة «شارون» فيه، وقد وضح ذلك خلال مسير القتال. نعود مرة أخرى للجنرال «شمويل جونين» المنتمى لل«بلماخ» أيضًا، والذى لم يحز مطلقًا على ثقة أو احترام قائده قبل حرب 73 «شارون»، فكان الأخير يتهمه بالغباء وضعف الشخصية وعدم قدرته على قيادة العمليات الحربية.. ورغم ذلك لم يتمكن «شارون» من خلعه من منصبه، بل بقى «جونين» ليتسلم قيادة المنطقة الجنوبية منه عند إحالته للتقاعد، ليقود «شارون» عند استدعائه لحرب 73 كقائد فرقة مدرعة احتياطى تعمل تحت قيادة «جونين».. مما أدى لتداعيات سلبية كثيرة. وننتقل للجنرال «إبراهام آدان» ضابط المدرعات المراوغ اللماح الذى لا يواجه أحدًا أبدًا، فهو بارع فى فن الالتفاف والتطويق والضرب على الأجناب والخلف، وينتمى «آدان» أيضًا لل«البلماخ» وكان ندًا لدودًا ل«شارون» على المسرحين العسكرى والسياسى طمعًا فى المناصب السياسية، وبرغم كونه أكثر ذكاءً وقدرة على استخدام القوات تكتيكيًا مقارنة بشارون، حيث إن «آدان» استطاع أن يقتنص شرف تنفيذ عملية الثغرة «القلب القوى» من «شارون»، والذى كان مخططًا له أن ينفذها كاملة.. إلا أن «آدان» لم ينل نفس حظ «شارون» من الشهرة والمناصب. أما الجنرال «ألبرت مندلر» قائد الفرقة 252 مدرع التى كانت تدافع عن خط بارليف، فقد عانى كثيرًا أثناء حرب الاستنزاف. وورد بمذكرات شارون أنه قتل جراء وابل نيران المدفعية المصرية خلال المراحل الأولى لحرب أكتوبر 73، ليقود الفرقة من بعده نائبه الجنرال «ماجن» والذى ينتمى أيضًا لل«بلماخ» والذى كان له العامل الأكبر فى تأمين دفع مقدمات فرقة «آدان» لتوسيع الثغرة. كان «شارون» يشعر دائمًا بكراهية الجنرالات الإسرائيليين الذى يضطر للقتال بجانبهم كمجرد قائد فرقة وليس قائدًا عليهم كما اعتاد أن يكون.. فكانت عينه على المنصب الحزبى والسياسى بعد الحرب، ويريد أن يدير الحرب فى سيناء بأسلوبه وليس مُنقادًا بينهم.. وبذلك كان التنافس شرسًا على تنفيذ معركة الثغرة لتحقيق مكاسب سياسية بعدها. التمهيد للثغرة كما رواها الإسرائيليون والغرب: تقول مذكراتهم، أنه أمام نجاح القوات المسلحة المصرية يوم 6 أكتوبر 73 فى عبور قناة السويس والاستيلاء على أهم الهيئات الحاكمة شرق القناة، ثم فشل التشكيلات المدرعة الاحتياطية الإسرائيلية فى شن الضربات المضادة على المحاور المختلفة يوم 8 أكتوبر، والذى أطلق عليه الإسرائيليون «يوم الإثنين الحزين»، لم يكن أمام «جونين» قائد المنطقة الجنوبية إلا خيار التمهل وإعادة تجميع تشكيلاته وإيقاف القوات المصرية عند الخطوط المستولى عليها حتى وصول الجسر الجوى الأمريكي. خلال يوم الثلاثاء 9 أكتوبر قامت عناصر من كتيبة استطلاع فى «فرقة شارون» فى محاولة فاشلة أخرى، بمهاجمة بعض القوات المصرية المخترقة على محور شعير، واكتشفت العناصر وجود فاصل خالٍ من القوات المصرية بين الجيشين الثانى والثالث الميدانى، الأمر الذى جعله يفكر فى استغلال الموقف طبقًا للمخطط لفرقته واستكمال مراحل العملية وتسريب أكبر قدر من القوات للعمق وعبورها غربًا . وأقر «شارون» فى مذكراته بصيحاته فى سماعات أجهزة اللاسلكى مطالبة بتصديق «جونين» له باستغلال الثغرة وقيامه بدفع قواته من خلالها تنفيذًا للعملية المخططة ولكن «جونين» لم يوافق، وفى صباح اليوم التالى تلقى «شارون» رسالة لاسلكية تحمل أوامر من «جونين» بعدم موافقته على مطالبه، بل أمره بالقيام فورًا بسحب عناصر الاستطلاع المقاتلة التابعة له من منطقة الثغرة، وذلك لعدم استقرار الموقف بعد.. وكان رد شارون المفاجأة أن «دبابات تلك العناصر ليس لديها وقود كاف للعودة»، وكأنه يرد اللطمة لجونين. كان «جونين» يأمل فى قيام القوات المصرية باستخدام الأنساق التالية والاحتياطيات مبكرًا، فى محاولة لتطوير الهجوم شرقًا وإخلاء العمق التعبوى، مما يهيئ الظروف له لاستغلال الموقف والوصول للعمق التعبوى غربًا. اعتبارًا من يوم 10 أكتوبر رصدت القوات الإسرائيلية هدوءًا نسبيًا على المحاور المختلفة، والذى ترجمته تحليلات غرف الاستخبارات والعمليات على أنه (وقفة تعبوية)، تستعيد خلالها القوات المصرية كفاءتها وتعيد تجميعها، استعدادًا لقيام الاحتياطيات التعبوية بتطوير الهجوم شرقًا. موقف إسرائيلى تجاه التوقف المرحلى المصرى: تم دفع الفرقة 146 مدرع بقيادة «ساسون» على المحور الساحلى لدعم الجبهة وحفظ الاتزان التعبوى.. وفى صباح يوم 15 أكتوبر وباستغلال أعمال قتال (فرقة ماجن) 252 مدرع أمام الجيش الثالث الميدانى كاتجاه هجوم تثبيتى، قام «شارون» وبدون أوامر بدفع كتيبة دبابات لمهاجمة الجانب الأيمن للفرقة 16 مشاة من اتجاه الشرق، بمهمة فتح ممرات على الطرق الواصلة من منطقة (الطاسة على الطريق العرضى رقم 3). قامت كتيبة دبابات تابعة لفرقة «شارون» بمفاجأة الكتيبة 16 مشاة/ اللواء 16 مشاة من اتجاه الجنوب، والذى كان حد يمين الفرقة 16 مشاة ميكانيكى، لتضليل الفرقة عن العناصر القائمة بالتسرب فى اتجاه «الدفرزوار»، فى حين يتقدم باقى اللواء فى اتجاه المزرعة الصينية لضمان تطهير الممرات ولإنشاء رأس كوبرى على ضفتى القناة دون التقيد بالخطة الموضوعة والأوامر المتكررة من جونين بعدم تسريب قوات. كانت المفاجأة أن قوات الكتيبة 16 مشاة المصرية هاجمت وحدات اللواء 14 مدرع الإسرائيلى بشراسة شهد بها «شارون» نفسه فى مذكراته، حيث كبدت قواته خسائر فادحة فى الأرواح والمعدات، خاصة فى منطقة المزرعة الصينية والتى يتردد أن «شارون» قد أُصيب فيها فى رأسه.. ونتيجة للخسائر التى تكبدتها فرقة شارون أمام الفرقة 16 مشاة، وبدءًا من صباح يوم الثلاثاء 16 أكتوبر قام «آدان» بدفع اللواء 600 مدرع لمعاونة فرقة شارون فى تطهير الممرات. نتيجة لتردى أوضاع القوات الإسرائيلية وعدم قدرة «جونين» على السيطرة على «شارون»، اضطر «موشى دايان» لتكليف الجنرال «حاييم بارليف»، مساعد رئيس هيئة أركان جيش الدفاع، لترك مركز القيادة الرئيسى ب«تل أبيب» لينتقل إلى مركز القيادة الأمامى للمنطقة الجنوبية، ليدير العملية بنفسه مع استمرار تواجد «جونين». قلب الأحداث رأسًا على عقب: خلال يوم 17 أكتوبر أمر «بارليف» بعقد مؤتمر عاجل فى مركز القيادة الأمامى للمنطقة الجنوبية بمنطقة «الطاسة» بقيادته ومعه «جونين»، وحضور قادة التشكيلات «شارون» و«آدان» و«ماجن» و«ساسون» لدراسة تطورات الموقف وورد أن «موشى ديان» نفسه قد حضر للجبهة فى نفس التوقيت الحرج، وكان قد اتفق مع «جونين» بتمهيد معنوياتهم لعرض الموقف النهائى على «موشى ديان» و «جولدا مائير» بشأن انسحاب قوات المنطقة الجنوبية شرق المضايق، وبالفعل كادوا أن يصلوا لهذا الحل عدا «شارون» الذى كان يستميت على تحقيق إنجاز عسكرى يحفظ به ماء وجهه تعويضًا لخسائره الفادحة وتمهيدًا لتحقيق النصر السياسى بعد الحرب. أبلغ أحد قادة سرايا الاستطلاع المقاتلة بفرقة «آدان» عن اكتشاف عناصره تحرك حوالى (96) دبابة بحذا القناة من الشرق من «كبريت» فى اتجاه «تل سلام»، فأصدر الجنرال «آدان» أوامره لقائد اللواء 600 مدرع «بالتخلص من معركة تطهير الممرات» مستغلًا مرونة وخفة حركة قواته وسعيًا لتحقيق المبادأة. تكلم آدان عن شجاعة قائد اللواء 25 مدرع، والذى رغم تمكنه من السيطرة ببراعة على الموقف فى البداية، إلا أن انفجار الألغام المبعثرة بحذا القناة تحت جنازير دبابته أربكت سائقى وحكمدارية الدبابات، فأفقدته تلك السيطرة وتكبد خسائر 86 دبابة من إجمالى 96 دبابة.. وكانت معركة اللواء 25 مدرع هى الفرصة الذهبية التى استغلها «آدان» فى استعادة كرامته وتعويض خسائره السابقة، بل ويفوز بتنفيذ عملية الثغرة بدلًا من «شارون» الخاسر مثله. وفى ليلة 17 / 18 أكتوبر تمكنت مقدمات فرقة آدان من عبور القناة والتقدم جنوبًا تجاه (جبل الشهابى – فايد – الجوزة الحمراء) للضربة الرئيسية.. إلا أنها أمام القتال المستميت توقفت أمام اللواء السادس مشاة/ الفرقة الرابعة المدرعة واللواء المدرع الجزائرى. ازداد غضب وغيرة «شارون» رجل حزب «الليكود» من تدبيرات رباعى «البلماخ» فأصر على توسيع الثغرة غربًا فى اتجاه الإسماعيلية شمالًا، فما كان من «بارليف» إلا أنه وافقه ربما على أحد احتمالين وبما يمكنه من استغلال نتائج أى منها.. الأول: نجاح شارون فى حصار الإسماعيلية، فيسهل الوصول للقاهرة بالتعاون مع فرقة آدان.. والثانى: فشل «شارون» فى هذه المعركة الحاسمة، لتكون استكمالا لهزائمه المتكررة فتسكته للأبد وتطفئ غروره. وبالفعل صباح يوم 18 أكتوبر وباستغلال أعمال قتال فرقة «ماجن» فى تأمين رأس الكوبرى على قناة السويس، حاول «شارون» القيام بتطوير الهجوم غربًا وشمالًا لتطويق الجيش الثانى من الغرب، وتعترف المراجع الغربية بأن الهجوم الإسرائيلى قوبل بقتال عنيف من الوحدة 39 قتال بقيادة «إبراهيم الرفاعى»، ذلك القائد الذى جعل من هذا اليوم كابوسًا قاسيًا على فرقة «شارون»، ومن اللواء 182 مظلى بقيادة «إسماعيل عزمى» فى معركة غير متماثلة بين الفرد المقاتل والدبابة، ليثبتا نجاحًا شرسًا أمام وحدات فرقة شارون المدرعة.. فاضطر «شارون» للارتداد جنوبًا فى اتجاه الجوزة الحمراء ووادى العشرة، وتمركزت قواته بها. ورغم قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار يوم 21 أكتوبر قام «آدان» بالتعاون مع وحدات فرقة «ماجن» بمحاولة التقدم جنوبًا (غرب القناة) فى اتجاه (جنيفة – الشلوفة – السويس)، وفى اتجاه (جبل غرة – جبل عتاقة - ميناء الآدبية)، فى محاولة لإحراز أى تقدم يدعم موقفهم لتحقيق مكاسب عسكرية قد تحقق إستفادة سياسية. تبادل الحصار بين القوات على الضفتين: وذكرت المراجع أنه مع حلول يوم 22 أكتوبر، رصدت طائرات الاستطلاع الأمريكية وعناصر الاستطلاع الإسرائيلية قيام الفرقة 21 مدرع بالعبور غربًا من دون أسلحة وتمركزت غرب أبو صوير لإعادة تسليحها، فما كان من القوات الإسرائيلية إلا محاولة حصار السويس الذى فشل بدوره يوم 24 أكتوبر. وفى جلسات علمية مع بعض قادة وضباط حرب أكتوبر، منهم المستشارون حاليًا بكلية القادة والأركان وأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وغيرهم آخرين علمت أمورًا كثيرة.. حيث علمت من اللواء أ.ح/ أحمد المرزبان، والذى كان يعمل وقت الحرب رئيسًا لاستطلاع اللواء 15 مدرع مستقل بقيادة العقيد أ.ح/ تحسين شنن، أن كتيبة دبابات من اللواء عبرت غربًا من القنطرة. كما علمت من اللواء أ.ح/ عبد الغفار حجازى والذى كان (رئيس شعبة عمليات الجيش الثالث الميدانى)، أنه كان قد كُلف بتشكيل (مجموعة لتصفية الثغرة) بقيادته، وسميت وقتها ب(مجموعة حجازى)، لتتمركز شمال جبل عويبد بهدف حفظ الاتزان الاستراتيجى للجبهة، ومحاصرة القوات المخترقة غرب القناة بعد الخسائر التى مُنيت بها القوات الإسرائيلية خلال معركة الثغرة.. تحقق هدفها بالتعاون مع الفرقة الرابعة مدرع والفرقة 23 مشاة ميكانيكى عدا لواء مدرع والفرقة الثالثة مشاة ميكانيكى، ومعهم عناصر من القوات الخاصة. أشارت معظم النقاط بمذكرات الإسرائيليين والمراجع الأجنبية إلى أن الهجوم الإسرائيلى من خلال الثغرة قد تسبب فى خسائر كبيرة فى قواتهم، ولم تشر لها على أنها قد حققت نصرًا حاسمًا لهم، حيث يتحقق النصر العسكرى بتحقيق الهدف منه.. وهنا وجب علينا أن نسأل أنفسنا «ماذا كان هدف الإسرائيليين من الثغرة؟» نجد أن الهدف الأول: كان معنويًا غرضه خفض الروح المعنوية للجيش المصرى ورفع معنويات الجيش والشعب الإسرائيلى مما يؤثر جذريًا على نتائج الحرب وهذا لم يحدث. والهدف الثاني: ضرورة عبور القناة غربًا بواسطة قوات إسرائيلية تحاصر أو تسيطر على مدن مصرية هامة كمدينتى السويسوالإسماعيلية، وبما يمكنها من استمرار التقدم غربًا تجاه القاهرة، وقد نجحت إلى حد كبير فى ذلك حيث عبرت قوات ضخمة القناة غربًا وحاصرت مدينة السويس ولكنها لم تتمكن من السيطرة عليها. أما الهدف الثالث: فكان تدمير الأهداف الاستراتيجية للجيش المصرى والوصول إلى القاهرة والسيطرة على مشارفها، وهذا أيضًا لم يحدث، ولأن الحرب انتهت بتحقيق مصر لأهدافها باستعادة الأراضى المحتلة كاملة سواء بالعمليات العسكرية ثم بالمفاوضات السياسية. خطط الإسرائيليون مسبقًا لمعركة الثغرة.. وكان تخطيطهم مبنىًا على أساس إحداثها بواسطة القوات الإسرائيلية، أو سرعة استغلالها فور اكتشافها نتيجة خطأ من قبل القوات المصرية.. وأكثر ما كانت تخشاه إسرائيل هو عدم توقف القوات المصرية بعد عبورها القناة واقتحامها خط بارليف. لم تكن معركة الثغرة بحدوثها مخاطرة محسوبة من قبل القيادات الإسرائيلية عندما قامت بدفع معظم الحجم المتبقى من قواتها، رغم احتمال قيام الجيش المصرى بشن ضربات مضادة شاملة على المستويين التعبوى والاستراتيجى، وذلك لعزل القوات الإسرائيلية المخترقة داخل الثغرة وتدميرها. كانت القيادات الإسرائيلية المتواجدة بسيناء على خلاف شديد ولديها أطماع سياسية وعسكرية على المستوى الشخصى والسياسى، فكان قادة الفرق المدرعة الاحتياطية يتهافتون على تنفيذ عملية الثغرة لتعويض خسائرهم، محققين ولو نصرًا إعلاميًا باسمهم، وبما يدعم مساراتهم السياسية مستقبلًا، ولكن رغم ذلك نفذوا ما طلب منهم بصعوبة وزادت من خسائرهم فى الأفراد والمعدات. من وجهة نظرى أن حصار القوات كان متبادلًا من الجانبين.