بجوار مقهى «الفيشاوي» الشهير في الحسين، كان الإقبال تاريخيًا وملفتًا، حيث ازدحم شارع خان الخليلي بالأجانب أمام أحد محال بيع «الشيشة»، الزحام لم يكن فقط من أجل الشراء من منتجات المحل الموضوعة أمامه بشكل مرتب وملفت، بل من أجل التقاط صور تذكارية مع «شيشة الست أم كلثوم»، وهي عبارة عن تمثال ضخم لسيدة الغناء العربي وكوكب الشرق «أم كلثوم» بأكثر من لون لفساتينها الشهيرة المتنوعة أحمر وأخضر وأصفر وأزرق ومنديلها الشهير في يدها. التمثال من بعيد يبدو عاديًا، إلا أنه بالاقتراب منه تكتشف مفاجأة فتمثال «أم كلثوم» ما هو إلا «شيشة» للمزاج، ويطلق عليها شيشة «أم كلثوم»، أحدث صيحات «الشيشة» في الأسواق، وبجوارها عشرات الموديلات الأخرى لشخصيات تاريخية تحولت تماثيلها إلى شيشة. صاحب المحل شاب ثلاثيني رفض أن يظهر في الصور خوفًا من الانتقادات التي سيتعرض لها بسبب شيشة «أم كلثوم» والتي يصل سعرها إلى 1600 جنيه، جلس في مقدمة محله التجاري لبيع منتجات الشيشة يقول: «كل سنة لازم يكون فيه موضة للشيشة ودا دورنا، الابتكار جزء من نجاح التسويق والترويج لمنتجاتنا هنا في خان الخليلى، والمنافسة وسط عشرات المحلات التجارية سبب لذلك، فنحن المحل الوحيد في خان الخليلي الذي عرض فيه شيشة «دماغ الست» وتعد بسعرها الحالي الأغلى في السوق. ويكمل أحمد: «عائلتي تعمل في المهنة منذ عشرات السنين كمهن متوارثة، والسياحة هي مصدر الرزق الأول هنا، والسائحون يبحثون دائمًا عن الجديد، والست أم كلثوم لها مكانة كبيرة بين العرب والأجانب من رواد المكان. وعن الفكرة يضيف: «جاءت لي بعد عرض تمثال أم كلثوم بين التماثيل التي تباع للأجانب والحاضرين إلى خان الخليلي والذي لاقى رواجًا كبيرًا نظرًا لقيمة «الست»، وخاصة أن التمثال قطعة كاملة بفستانها ومنديلها وملامحها الشهيرة أثناء الغناء، والتمثال يتراوح سعره ما بين 600 و800 جنيه، ففكرنا في تطوير شكله داخل محلاتنا لينال رضا محبي الشيشة الذين يحضرون إلى خان الخليلى. نفذنا الفكرة في الورشة الخاصة بمحلاتنا في مصر القديمة- يكمل أحمد تفاصيل شيشة الست- وتحويل جوف التمثال من الداخل إلى قارورة للمياه ورأس السيدة أم كلثوم تخرج منها رأس الشيشة، ولاقت الفكرة قبولًا من المشترين، إلا أن المحل تعرض لنوعين من الآراء نقد شديد وتهديد لتحويل شخصية أم كلثوم لشيشة، والشق الآخر رحب بشرائها وأنها تعد زينة في المنزل كتمثال وشيشة وموضة جديدة ننفرد بها. توقف «أحمد» عن الحديث باللغة العامية معنا، ليتحدث بطلاقة لإحدى السائحات الأجنبيات التي أمسكت بشيشة أم كلثوم في يدها وطلبت منه معرفة سعرها، وعلى الفور كانت بيانات الشيشة وجودتها هي كلمات أحمد المرتبة التي تسمعها الزائرة، أخرجت 100 دولار ليسرع أحمد ليخرج للسيدة شيشة جاهزة في شنطة خاصة بها تأخذ شكل تمثال أم كلثوم، وأخذ يشرح لها طريقة إعدادها للتدخين، وبعد انتهاء عملية الشراء، حرصت السيدة على التقاط صورة مع شيشة «أم كلثوم» في المحل وسط عشرات أنواع الشيشة الأخرى. فيوجد بجوار شيشة «الست أم كلثوم» شيشة «توت عنخ آمون» أحد ملوك الأسرة الثامنة عشر، و«أوزيريس» إله البحث والحساب ورئيس محكمة الموتى عند المصريين القدماء، والملكة «نفرتيتي»، والملكة «كليوباترا» آخر ملوك الأسرة المقدونية، وهذه الأنواع من الشيشة كانت الأبرز في واجهة المحل. يرى أحمد أن الشيشة الفرعونية موضة وعمرها على أرض الواقع عام، فالسوق في حاجة لها، والمحال تقدم خدماتها للسائح الأجنبي والعربي في المقدمة، وهم حريصون علي شراء التماثيل الفرعونية فابتكرنا بها من أجل شرائها بكثافة وهذا ما حدث وأسعارها 600 جنيه فقط، مشيرا إلى أن من الصعوبات التى تواجههم رفض علماء الآثار عرض الشيشة الفرعوني بأشهر الشخصيات الفرعونية، مؤكدًا أن الشيشة الفرعونية موجودة في جميع المحلات. محل أحمد لم يكن الوحيد الذي يعرض الشيشة بأشكال الفراعنة، فالعديد من محال خان الخليلي تعرضها ويتباهى بها التجار، وهو ما أكده إسماعيل محمود صاحب محل يمتلك نفس البضاعة ويعرضها، قائلا: «الجمالية والحسين وخان الخليلي المنبع الرئيسي والسوق الشعبية لتصنيع الشيشة، وتتميز بأن لها طابعا خاصا من الابتكار والنقوش العربية المتنوعة». وأضاف أن نجاح سوق صناعة الشيشة، أتاح للتجار تصديرها إلى الخارج خاصة الدول العربية، بالإضافة إلى عدد من الدول الأجنبية ومنها ألمانيا وإيطاليا وهولندا وبريطانيا، فضلا على حرص الفنادق الكبرى على اقتنائها، مؤكدا أن الابتكار سيد الموقف والتنافس كبير لذلك يسعى التجار لمفاجأة السوق قبل المواسم الشهيرة مثل الأعياد ورمضان بأحدث الأشكال التي تنال رضا الزبون ومنها الشخصيات من المشاهير وكانت أول فنانة تنزل السوق المطربة الكبيرة أم كلثوم، إلا أن هناك أنواعا تقليدية للتصنيع وعليها إقبال وهي الشيشة النحاس، والفخار، والزجاج وتبدأ أسعارها من 250 جنيها. وأشار إسماعيل إلى أن الشيشة الصيني لم تستطع منافسة الشيشة المصرية التى يحرص أصحاب الورش على تقديمها في أشكال فنية مختلفة، والطريف في بعض الابتكارات أننا نبتكر للمناسبات «شيش» خاصة مثل رمضان نحول الفانوس إلي «شيشة»، وغيرها من الأشكال التي تخرج لأصحاب المزاج في المواسم فقط، وتعد الشيشة التي تخرج من محلاتنا «أنتيكة» في المنزل. كما عرض ضاحي سيد صاحب محل لبيع «الشيشة» في خان الخليلي بضاعته وكتب عليها أسماء كل نوع من الشيشة ليشاهدها الزوار ويقبلون عليها ليعلم المارة أنها شيشة وليست تحفة، وبسؤاله عن الفكرة ونجاحها في السوق قال: «المزاج» له ذوق خاص ورغم دخول الصيني والأرجيلة السوري علينا لتنافس المصري فإننا لنا بصمة خاصة في التصنيع اليدوي ب1300 ورشة للتصنيع تقريبًاً ويعمل بها آلاف العمال الحرفيين في الجمالية والحسين فقط. ويضيف ضاحي: الحرفة لها أسرارها نتوارثها ويوجد ورش خاصة لاكسسوار الشيشة تخدم الورش بعد التصنيع لتخرج الشيشة في شكلها النهائي في شنط راقية، وتعمل الورش على مدار العام دون توقف خاصة في المواسم، ونستعين بالشخصيات التاريخية للخروج بابتكار جديد على الساحة كل موسم، فمن ناحية تشجيع للشباب على الابتكار وكذلك لجذب السائح والزبون، حيث تفتح محلاتنا أبوابها أمام الأجانب والسياح والزوار من الساعة 9 صباحًا حتى منتصف الليل، وتعتمد جميع المقاهي في مصر القديمة على الشيشة الموجودة هنا في خان الخليلى، مشيرًا إلى أن الشيشة البلدي مازالت تصنع فهناك محافظات تطلبها لسعرها المنخفض بجوار أسعار منتجات الموضة.