سكرتير عام محافظة الإسماعيلية يفتتح معرضًا لبيع مستلزمات الأسرة بأسعار تنافسية    الاحتلال يطلق قنابل الغاز على المزارعين خلال محاولتهم الوصول لأراضيهم غرب الخليل    غدا، استئناف مرتضى منصور على تغريمه في سب مبروك عطية    بيراميدز يشيد بدعم الأهلي لرمضان صبحي ويؤكد استمرار الدعم القانوني للاعب    القبض على شخص بتهمة النصب على "صيني" بالشروق    ننشر صور ضحايا حادث تصادم تريلا مع سيارة نقل بقنا    استوديو مصر يطمئن الجمهور: حريق محدود في ديكور «الكينج» دون أي خسائر أو تأثير على التشغيل    رابط وخطوات التقديم على 1450 فرصة عمل بمشروع الضبعة النووي    رفعت فياض يكشف حقيقة عودة التعليم المفتوح    مجموعة بيراميدز.. ريمونتادا مثيرة تمنح نهضة بركان الصدارة    ضمن جولته بالاقصر| وزير الرياضة يتفقد تطوير مركز شباب الاتحاد    محمود بسيونى يكتب: جيل الجمهورية الجديدة    الخارجية التركية تحدد أهداف إسرائيل في سوريا بعد هجومها المدمر على بيت جن    مصير التوكتوك بعد استبداله بالسيارات الحضارية الجديدة فى الجيزة    3 مدن أقل من 10 درجات.. انخفاض كبير في درجات الحرارة غدا السبت    علي ناصر محمد: مصر كانت الدولة الوحيدة الداعمة لجمهورية اليمن الديمقراطية    علي ناصر محمد يكشف تفاصيل أزمة الجيش اليمنى الجنوبى وعفو قحطان الشعبى فى 1968    فايا يونان وعبير نعمة تضيئان مهرجان صدى الأهرامات | صور    غدا، الحكم علي التيك توكر محمد عبد العاطي في قضية الفيديوهات الخادشة    خلاف شخصي والحق سيظهر، حلمي عبد الباقي يوضح حقيقة أزمته مع مصطفى كامل    المفتى السابق: الشرع أحاط الطلاق بضوابط دقيقة لحماية الأسرة    يسري جبر يروي القصة الكاملة لبراءة السيدة عائشة من حادثة الإفك    دولة التلاوة.. تعرف على موعد عرض الحلقة الجديدة من البرنامج    القاهرة الإخبارية: وفد أوروبي رفيع يتفقد معبر رفح ومراكز المساعدات بالعريش ويُدين الانتهاكات الإسرائيلية في غزة    الداخلية تكشف ملابسات فيديو صادم ببورسعيد    أرتيتا: تشيلسى يستحق المنافسة على لقب الدوري الإنجليزي    راموس يستعد للرحيل عن الدوري المكسيكي    جامعة حلوان تطلق المرحلة الثانية من الجلسات التعريفية بالمنح التدريبية المجانية لطلابها    جامعة القاهرة تُكرّم نقيب الإعلاميين تقديرا لدوره البارز فى دعم شباب الجامعات    أكاديمية الشرطة تستقبل عدد من طلبة وطالبات المرحلة الثانوية    فحص 20 مليون و168 ألف شخص ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    زيارة مفاجئة لوكيل صحة أسيوط لمستشفى منفلوط المركزي اليوم    انعقاد 8 لجان وزارية وعليا بين مصر والجزائر والأردن ولبنان وتونس وسويسرا والعراق وأذربيجان والمجر    عمر جابر: مواجهة كايزرتشيفز تختلف عن ستيلينبوش    خلال لقاء ودي بالنمسا.. البابا تواضروس يدعو رئيس أساقفة فيينا للكنيسة الكاثوليكية لزيارة مصر    كامل الوزير يتفق مع شركات بريطانية على إنشاء عدة مصانع جديدة وضخ استثمارات بمصر    سعر اللحوم في مصر منتصف تعاملات اليوم الجمعة    ضبط 3618 قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    عاطف الشيتاني: مبادرة فحص المقبلين على الزواج ضرورة لحماية الأجيال القادمة    تحقيق عاجل بعد انتشار فيديو استغاثة معلمة داخل فصل بمدرسة عبد السلام المحجوب    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابة    فضل سورة الكهف.. لا تتركها يوم الجمعة وستنعم ب3 بركات لا توصف    اسعار الاسمنت اليوم الجمعه 28 نوفمبر 2025 فى المنيا    شادية.. أيقونة السينما المصرية الخالدة التي أسرت القلوب صوتاً وتمثيلاً    محافظة الجيزة تعلن غلق كلى ل شارع الهرم لمدة 3 أشهر لهذا السبب    مشاركة مصرية بارزة في أعمال مؤتمر جودة الرعاية الصحية بالأردن    جدول مباريات اليوم الجمعة 28 نوفمبر 2025 والقنوات الناقلة    استعدادات مكثفة في مساجد المنيا لاستقبال المصلين لصلاة الجمعة اليوم 28نوفمبر 2025 فى المنيا    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الأردني تطورات الأوضاع في غزة    «الصحة» تعلن تقديم خدمات مبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية ل15 مليون مواطن    رئيس كوريا الجنوبية يعزي في ضحايا حريق المجمع السكني في هونج كونج    الزراعة تصدر أكثر من 800 ترخيص تشغيل لأنشطة الإنتاج الحيواني والداجني    صديقة الإعلامية هبة الزياد: الراحلة كانت مثقفة وحافظة لكتاب الله    سريلانكا:ارتفاع عدد الوفيات جراء الانهيارات الأرضية والفيضانات إلى 56    45 دقيقة تأخير على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 28 نوفمبر 2025    حذر من عودة مرتقبة .. إعلام السيسي يحمل "الإخوان" نتائج فشله بحملة ممنهجة!    أبوريدة: بيراميدز ليس له ذنب في غياب لاعبيه عن كأس العرب    أحمد السعدني: دمعت من أحداث "ولنا في الخيال حب".. وشخصيتي في الفيلم تشبهني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات مجهولة لمحفوط والحكيم وحقى وإدريس

«أودّ دراسة اللغة العربية»... بهذه الكلمات صاح الصبى ذو الأربعة عشر ربيعا أمام أبيه وهو يستخرج أوراقه من المدرسة التى سجّل فشلا فظيعا فى متابعة دروس اللاتينية واليونانية بها. فى ذلك الحين لم يكن هذا الولد الإنجليزى الشقيّ الذى عاش طفولته بين القاهرة والسودان، يعى بَعْدُ أنه ارتبط - بطريقة ستكون أعمق من ذلك - بالعالم العربى والشرقى، وأنه سينجرف فى خطوات تلى خطوات، حاملا على عاتقه مهمّة نقل الأدب العربى والطواف بالقصّ العربى وإنتاج أدبائنا حول العالم، وهى الجهود التى لم تتوقّف حتى سنوات عمره الأخيرة.
«شيخ المترجمين»، اللقب الأليق لدينيس جونسون ديفيز، وكان أوَّل من ترجم لمحمود تيمور وتوفيق الحكيم رحل عن عالمنا العام الماضى ودُفن كما أوصى فى البلد الذى طالما أحبّه واقترن به، وكان منه وإليه يعود، مصر،فى الفيّوم. فى مثل هذه الأيام ولم يكن قد مضى على رحيل دينيس أيّام، إلا وجمعت زوجته أصدقاءه ومحبّيه من الكتّاب والمثقّفين المصريين أو ممن يُقيمون فى مصر من مختلف الأجيال حول مائدة إفطار على شرفه.
فى احتفائنا بذكرى ديفيز 19222017 نفرد مائدة أخرى، يحكى فيها المُترجم القدير من واقع مذكّراته التى نشرها فى دار نشر الجامعة الأمريكية، عن حكايات وطرائف ومغامرات ومواقف شديدة الصراحة والصدق توفّرت له من علاقات الصداقة التى ربطته بكبار كتّابنا، من روائيين وكتّاب قصّة.

1 - نجيب محفوظ.. موضة قديمة!
تعارفا فى وقت مُبكّر من عام 1945، يظلّ دينيس جونسون ديفيز هو أوّل من ترجم لنجيب محفوظ، قصّة من مجموعته الأولى «همس الجنون».
قبل سنوات من حصول محفوظ على جائزة نوبل، احتفى جون فاولو، كاتب إنجليزى متميز ، برواية ميرامار، وكتب مقدمة ترجمتها الإنجليزية، وبعد فوز صاحبها بالجائزة الأدبية الأرفع، أصدرت دار نشر الجامعة الأمريكية طبعة جديدة من هذه الترجمة لكن من دون مقدمة فاولو وسنعرف من دينيس السبب الطريف، وهو أن المقدمة قد انتهت بمقتطف طويل لمحفوظ نفسه، يقول فيه إنه يدرج نفسه ضمن الفئة الثالثة من الكتاب، وهو ما لم تجده إدارة النشر لائقًا فى حق أديب نوبل العربي. بينما يعلق دينيس تعليقا غريبا: «وقد والآن أنه فى وقت من الأوقات كان الكثير من مرتادى ريش يصفونه بأنه موضة قديمة».
يكتب دينيس عن محفوظ ولقاءاتهما أنه لم يتخيّل قط أنه يُخاطب أديبا سيحرز يوما ما نوبل : «كنت أنتقد رواياته، مُشدّدا على أن رواية مثل «اللصّ والكلاب» تفتقر إلى تلك الدرجة من الجنس والعنف». وعن اتفاق محفوظ مع دار نشر الجامعة الأمريكية بعد فوزه بنوبل، وكان دينيس بالمناسبة هو صاحب اقتراح تخصيص جائزة باسم نجيب محفوظ تمنحها الجامعة الأمريكية كل عام لرواية مصرية أو عربية، يقول دينيس: «أبلغنى بأنه قد عهد إليها بحقوق ترجمة أعماله من دون أى مدفوعات مسبقة، فصُعقت، فسألنى بابتسامة: وكم من كُتبى قمتَ أنت بنشرها؟». يعلق دينيس فى مذكراته بكل شفافية وصدق بأن: «لم يكن مشروع دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة لترجمة أعمال محفوظ، فى رأيي،الطريقة المثلى للترجمة»، لكنه وفّر كيانا يُعتد به من حيث الحجم من أعماله بالانجليزية، ما ساهم فى فوزه نوبل.
رفض دينيس فكرة الورش فى الترجمة، أو الترجمة الجماعية، أو سياسة الفريق التى اتبعتها الجامعة الأمريكية فى ترجمة روايات محفوظ بعدما تأكد لها فى ذلك الوقت، الأعوام 1970 إلى 1974، غياب المترجم ذى القدر الكافى من التمكن. كما رفض دينيس عرض ترجمة أولاد حارتنا، الرواية المثيرة للنزاع، التى تهّرب منها المترجمون بعد أن تأكدوا من تعرضهم للهجوم بالتبعية. إلى أن صدرت ترجمة جديدة للرواية غير «أبناء الجبلاوي» التى ترجمها فيليب ستيوارت من دار دوبلداي،أنجزها بيتر ثرو ونشرت فى نيويورك فى عام 1996 تحت عنوان «أبناء الحارة».
أما قصّة محفوظ مع نوبل فمُثيرة، هكذا نقرأ فى المذكّرات. «خلال إحدى زياراتى للقاهرة، أثناء سنوات إقامتى فى فرنسا أو إسبانيا، تلقيت اتصالا هاتفيا من صديق لى مفاده أن زوجة السفير الفرنسى لدى تونس، وهى سيدة سويدية، موجودة فى القاهرة وترغب فى مقابلتي.
والتقينا وأخبرتنى بأن لجنة الجائزة تبحث إمكانية فوز كاتب عربى بها». يحكى دينيس أن القائمة بأسماء المرشحين شملت أدونيس، يوسف إدريس، الطيب صالح ونجيب محفوظ. وأن الترشيحات صبت فى صالح محفوظ لغزارة إنتاجه ووجود رواياته فى ترجمات بالفعل، إنجليزية وفرنسية، وهما اللغتان اللتان يعرفهما أعضاء اللجنة. إنما أدونيس ف«لم يكن بالإمكان وصف أدونيس بأنه شاعر يحظى شعره بالانتشار بين عامة الناس، وشعره بعيد عن مدارك الكثير من القراء».
2 - يحيى حقي: لستُ جديرًا بنوبل
سعى دينيس للاتصال بيحيى حقى الذى قرأ أعماله مُبكّرًا وأصبحا فى وقت قصير صديقين حميمين. كان يجده كاتبًا صعبًا يهتم اهتمامًا بالغًا بجوانب دقيقة من اللغة، ومع ذلك ارتبط ارتباطًا قويًّا بأدبه. وتمرّ السنوات بعد ترجمات متفرقة لقصص حقىِ حتى ينشر مجلّدا يحوى أعمال يحيى وعلى رأسها «قنديل أم هاشم» عن دار نشر الجامعة الأمريكية فى 2004. فى عام 1987، عندما دُعى حقّىِ إلى محاضرة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، سأله أحدهم إذا كان يعتقد أنه سيفوز ذات يوم بنوبل، فردّ بأنه لم يراوده هذا الأمر قط، لأنه يعتقد أنه فى مكان آخر من القاهرة، هناك كاتب آخر أكثر موهبة واجتهادًا منه.
3- توفيق الحكيم.. والمترجم الإسرائيلى
أبدى دينيس حماسة لترجمة «يوميات نائب فى الأرياف»، إلا أن الحكيم أخبره آسفا بأنه أتاحها لأبا إيبان، الذى كان فى ذلك الوقت ضابطًا من ضبّاط المخابرات البرطانيين، وفى وقت لاحق وزير خارجية إسرائيل. وجد دينيس فى هذه الرواية، تصويرًا صادقًا للفقر الذى يعيشه الفلاحون المصريون، وتسبّب هذا التعليق فى مشاكل له مع الحاشية الملكية.
اتّجه مُرغما إلى ترجمة مسرحيات الحكيم، «على الرغم من إدراكى أن الطلب ليس كبيرًا على الكتب التى تضمّ مسرحيّات»، ويُتابع دينيس فى مذكراته: «شأن كل ترجماتى من الأدب العربى الحديث، فإن أيّا من هذه الكتب لم يدرّ مالا يُذكر». فى وقت لاحق من ترجمته مسرحية «السلطان الحائر»، دُعى لإلقاء محاضرة بجامعة فى سوريا، شرح فيها أن الترجمة فن أكثر منها علمًا، وطرحًا مثالًا بأن آية الكرسى لا ينبغى أن تُترجم إلى «The Verse of the Chair» ولكن إلى «of the Throne»، لكن مثل هذه الأفكار قوبلت باستهجان شديد من الجامعة، من بينها كذلك، لمّا أشار المترجم إلى قصائد جلال الدين الرومى بالفارسية، ما أثار فزع أساتذة الجامعة هناك، كأن الرومى فى ظنّهم عربيّا عاش فى تركيا وكتب بالعربية، وغير ذلك يُنقص منه.
4 - يوسف إدريس يكتب بالإنجليزية!
«شخصيّة كاريزميّة وكاتبٌ يتمتّع بموهبةٍ كبيرة»، غيور، «عملاق القصّة القصيرة فى مصر»، مرح يسخر حتى من نفسه، هذه أوصاف ذكرها دينيس عن يوسف إدريس. يُخبرنا أنّ اسمه كان مُدرجا فى قائمة المُرشحين عندما جرت استشارة دينيس بشأن كاتب عربى يُمكن ترشيحه للفوز بنوبل فى الأدب، وأنه يحظى فى عيون الشباب بتقدير أكثر ممّا حظى به نجيب محفوظ ذاته. وفى الجزء الخاص بإدريس من مذكّرات دينيس نقرأ: «على الرغم من كل ظُرفه وجاذبيّته، فإنه كانت له فى بعض الأوقات رؤية مُبالغ فيها على نحو مُثير للحرج لوضعه ككاتب، وقد أبلغنى فى مرّة بكل جديّة، بأنّنى قد ارتكبتُ غلطة كبيرة بعدم تكريسى كلّ وقتى ومواهبى لترجمة أعماله».
رأى دينيس فى أعمال يوسف إدريس أنّها فى حاجة إلى «ترجمة قياسية»، أى إلى تنقيح. وكثيرًا ما أفصح إدريس عن خيبة أمله فى حجم مبيعات كُتبه. وفى مرّة أعرب عن رغبته فى الكتابة بالإنجليزية، ظنّا منه بأنها طريقة لكسب نوعية جمهور من الذى يستحق كتاباته، يكتب دينيس عن هذه التجربة من حياة يوسف إدريس: «حاولتُ بأقصى قدر من اللطف أن أشير إلى أنّ لغته الإنجليزية التى تعلّمها فى المدرسة وخلال دراسته للطبّ، أمامها مشوارٌ طويل قبل أن يستطيع أن يكتب بها بصورة إبداعية».
فى موقف آخر، هذه المرّة فى لندن، يتناول يوسف عددًا من مجلة «أصوات» وكان مُخصصًا لقصة «دومة ود حامد» التى ترجمها دينيس للطيّب صالح، وأبدى انتقادًا شديدًا لنشر «مثل هذه القصّة البائسة». بينما كان ردّ دينيس بأنه لا ينبغى أن يَخفى على كاتب بحجم يوسف إدريس تمييز الكتابة الجيّدة من البائسة.
موقفٌ ثالث، يرويه دينيس جونسون ديفيز فى مذكّراته، ويكشف عن بساطة يوسف إدريس وطبيعته التلقائية، لمّا ابتاع لإدريس تذكرة لمسرحية «طليعيّة» اتّضح أنها حافلة بكلمات بذيئة، وانتهت بمشهد جنسى صريح، و«بدا يوسف بعيدًا عن التأثّر بالأداء بكامله، واكتفى فيما بعد بأن قال لى إنّ هناك شيئا لم يفهمه: ماذا كانت كلمة sheet هذه، فأوضحتُ له ما تعنيه كلمةshit، وأحسستُ بالامتنان لأنّ استفساره لم يمض إلى ما يتجاوز ذلك».
5 - المسودّات الأصليّة ل«موسم الهجرة إلى الشمال»
ارتبط دينيس بالطيّب فى إطار علاقة الأوّل القديمة بالسودان، إلى درجة اعتباره «السودانى الوحيد الأبيض». نعرف من مذكّرات دينيس أن رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» كُتبت إلى جانب ترجمتها، بحيث أُنجزت الرواية والترجمة فى آنٍ واحد، (صدرت الترجمة الإنجليزية للرواية فى عام 1969 فى سلسلة «مؤلفون عرب»، ووضعتها صنداى تايمز على قوائم رواية العام). كما نعرف أن المترجم الراحل يمتلك مسودّات الرواية الأصلية، قبل أن يضطّر الطيّب صالح إلى حذف بعض الفقرات الإيروتيكية منها، لكنه فقدها فى مكان ما. قوبلت الرواية فى نصّها العربى باستياء شديد وحظرتها الحكومة السودانية، وأسف دينيس على ألّا تجد مثل هذه الرواية ناشرًا لندنيًّا بارزًا، وأن يكون مصيرها بدلا من ذلك مُجرّد سلسلة تُعنى بالكتابات العربية الحديثة، لكن «الأمر اقتضى فوز محفوظ بنوبل قبل أن يستطيع كاتب عربى الوصول إلى قائمة ناشر ينتمى إلى التيّار الرئيسى لحركة النشر». بعد أربعة عقود من صدور الترجمة، تظهر موسم الهجرة إلى الشمال ضمن سلسلة «بينجوين» الشهيرة للأعمال الكلاسيكية، ويتم ترجمتها إلى 21 لغة أخرى غير الإنجليزية، يحكى لنا دينيس فى طرافة كيف أن أغلب هذه الترجمات اعتمد على الترجمة الإنجليزية التى أعدّها هو. ثم كان هناك اتجاه يتنامى لنقل الرواية إلى السينما، وأن «هارولد بنتر، لا غيره، هو الذى كان من المقرّر أن يكتب سيناريو الفيلم»، لكن لا شيء من هذا حدث. وتمرّ السنوات حتى يحصل الطيّب صالح فى عام 2004 عن «موسم الهجرة»، على جائزة الرواية العربية، التى تمنحها وزارة الثقافة المصرية فى مؤتمر الرواية.
يعيب الطيّب فى وجهة نظر دينيس أنه لم يكتب مزيدًا من الأعمال. وأن روايتى «مريود» و«بندر شاه» اعتمدتا – باعتراف الطيّب ذاته – على بعض الشخصيات التى ظهرت فى «عُرس الزين» و«موسم الهجرة»، ووجدهما غير متماسكتين، مما صعب عليه ترجمتهما.
6 - نائب الوزير يرى يحيى الطاهر «صعلوكا»
تعرّف دينيس على يحيى الطاهر عبدالله، عقب عودته من لبنان إلى القاهرة فى العام 1974. يقول عنه «من شخصيّات العالم الأدبى الغريبة». عاش عيشة كفاف، يتقاسم غرفة صغيرة مع فتى يكسب عيشه من تلميع الأخذية. دأب يحيى الطاهر على زيارة دينيس فى شقّة الدقى مع ابنته الصغيرة وقتها، يكتب دينيس عن تلك الزيارات: «كان أوّل ما يقوم به هو شنّ غارة على ثلّاجتي». وفى مرّة أبلغ يحيى دينيس عن «تضاربا ما» فى إحدى القصص التى كتبها، ولمّا سأله دينيس عمّا يُمكن فعله لتلافى ذلك فى الترجمة ردّ يحيي: «لا شيء، أنا أُحبّها هكذا، القُرّاء عادة لا يُلاحظون التضاربات».
صدرت ترجمات دينيس لقصص يحيى الطاهر عبدالله فى سلسلة «مؤلّفون عرب» التى كان دينيس مُشرفا عليها وتصدرها دار هاينمان، وحرص على أن تكون فى كتاب ذى غلاف سميك على غير العادة علّ النقّاد يلتفتون إليها، ولكى يتحقّق ذلك كان على دينيس الحصول على طلبيّات من هيئات أدبية فى القاهرة، لشراء 300 نسخة على الأقلّ. وكان من بين الموقّعين على الطلب الشاعر صلاح عبدالصبور، وكان وقتها رئيس الهيئة العامة للكتاب، وعندما قرّر دينيس مُقابلة عبدالصبور لإتمام الطلبيّة، كان الشاعر قد توفى فجأة، يكتب دينيس فى مُذكّراته: «وهكذا مضيتُ للقاء من حلّ مكانه فى رئاسة الهيئة المصرية العامة للكتاب، والذى قال لى فى التو: «لكن صلاح عبدالصبور مات»، وأعاد لى الورقة التى تحمل توقيع الشاعر الراحل، فقلت له: «وأنا وأنت سنموت كلانا، إن شاء الله، بعد عمر طويل».
بعدها مضى للقاء توفيق الحكيم فى مكتبه بالأهرام، وتحت إحراج الفنان صلاح طاهر، الذى تصادف وجوده، وهو الذى صمّم غلاف «مصير صرصار»، مجموعة الحكيم القصصية التى ترجمها دينيس من قبل، هاتف الحكيم صديقه نائب وزير الثقافة وأخذ لدينيس موعدًا معه.
يكتب دينيس عن تلك المقابلة العاصفة: «ولكن المقابلة كانت كارثة، حيث بدأ نائب الوزير حديثه معى بسؤال: لماذا أُهدرُ وقتى فى ترجمة أعمال مثل هذا الصعلوك؟ فأجبتُ بأنّنى لا يعنينى ما إذا كان يحيى صعلوكًا من عدمه، كان كاتبًا يتمتّع بموهبة حقيقية.. شربتُ قهوتى واستأذنتُ فى الانصراف».
صدرت الطبعة المُجلّدة تحت عنوان: «جبل الشاء الأخضر وقصص أخري»، لكن المؤلّف لقى حتفه فى حادث السيارة المؤلم، ولم يتجاوز ال39، قبل أن يراها. يقول دينيس: «كان يُمكن لكتابات يحيى أن تكتسب عمرًا جديدًا، كان موهوبًا حتى أطراف أصابعه».
7- الأديبة المجهولة.. زوجة الضابط والإيروتيكا
أبدى دينيس جونسون ديفز اهتمامًا بالغًا بالقصص المصرية من إبداع كاتبات. ووقع ذات يوم على قصّة بعنوان «عالمى المجهول» لكاتبة تُدعى أليفة رفعت، توفّيت عام 1955. كانت القصص التى تكتبها أليفة بالنسبة إلى دينيس غير مألوفة، لكونها ذات «مَسحات جنسيّة مُبطّنة». تُرجمت هذه القصة ونُشرت ضمن «كتاب بنجوين للقصص القصيرة الإيروتيكية النسائية».
قابل دينيس أليفة وعرف أنها زوجة لضابط شُرطة رفيع المستوي، وتبيّن له كيف كانت امرأة متديّنة، ومن هنا يُفسّر السبب فى غياب تلك الكاتبة عن سجلّ الكاتبات العربيات ذوات التأثير فى العالم العربي، فقد كانت الغلبة لليساريّات واليساريّين فى ذلك الوقت. وعلى إثر ترجمات دينيس لكتاباتها ونشرها فى مجلّات أدبية مرموقة، دُعيت أليفة إلى لندن، وحقّقت نجاحًا فى إنجلترا وأمريكا، وترجم لها دينيس لاحقًا مجموعة من قصصها فى كتاب حمل عنوان «منظر بعيد لمنارة». ظلّ هذا المُجلّد محظورًا حتى اليوم فى مصر، بسبب «الصراحة التى كُتبت بها بعض القصص».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.