كوشنر: الرئيس ترامب واجه اتفاق غزة المستحيل بكل قوة    الضفة.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتقل طفلا فلسطينيا ومستوطنون يعتدون على مزارعين    هالاند يقود النرويج لاكتساح إسرائيل بخماسية فى تصفيات كأس العالم    وزير الرياضة يزور حسن شحاته و"لبيب" ومرتضى منصور    النرويج ضد إسرائيل بتصفيات المونديال.. تعرف على ترتيب المجموعة    نبيل فهمي يهدى مذكراته لمكتبة التلفزيون خلال صالون ماسبيرو الثقافي (صور)    بالأبيض والأسود.. ظهور مفاجئ للفنانة رحمة أحمد.. شاهد    متحدث إغاثة غزة: اللجنة المصرية ترسم الأمل بجهود إنسانية برعاية الرئيس السيسي    وزير الصحة يبحث مع شركة دراجر العالمية تعزيز التعاون لتطوير منظومة الصحة في مصر    وزير الشباب والرياضة يتابع استعدادات الجمعية العمومية للنادي الأهلي    ضبط 5 أطنان دواجن فاسدة داخل مجزر غير مرخص بالمحلة الكبرى    صوروه في وضع مخل.. التحقيقات تكشف كواليس الاعتداء على عامل بقاعة أفراح في الطالبية    اقرأ غدًا في «البوابة».. ترامب وماكرون وعدد من زعماء العالم في مصر    حزب الإصلاح والنهضة: اتفاق شرم الشيخ انتصار للدبلوماسية المصرية يؤسس لواقع جديد بالمنطقة    مياه الغربية: تطوير مستمر لخدمة العملاء وصيانة العدادات لتقليل العجز وتحسين الأداء    شريف فتحي يبحث تعزيز التعاون السياحي مع قيادات البرلمان والحكومة الألمانية    وصول هنادي مهنا للعرض الخاص ل فيلم أوسكار عودة الماموث    أفضل طرق تقليل استهلاك البنزين: نصائح فعالة لتوفير الوقود وتحسين أداء جميع أنواع السيارات    9 مرشحين بينهم 5 مستقلين في الترشح لمجلس النواب بالبحر الأحمر ومرشح عن حلايب وشلاتين    محافظ الأقصر يقوم بجولة مسائية لتفقد عدد من المواقع بمدينة الأقصر    المايسترو محمد الموجى يكشف ل«الشروق» كواليس الدورة 33 لمهرجان الموسيقى العربية    رئيس جامعة الأزهر يوضح الفرق بين العهد والوعد في حديث سيد الاستغفار    وزارة الري: إدارة تشغيل المنظومة المائية تجري بكفاءة عالية لضمان استدامة الموارد    رسميًا.. موعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025 وتغيير الساعة في مصر    لامين يامال يغيب عن مواجهة جيرونا استعدادا للكلاسيكو أمام ريال مدريد    رئيس جامعة قناة السويس يشارك في وضع إكليل من الزهور على النصب التذكاري لشهداء الوطن    وزير خارجية الصين يدعو إلى تعزيز التعاون الثنائي مع سويسرا    وفقًا لتصنيف التايمز 2026.. إدراج جامعة الأزهر ضمن أفضل 1000 جامعة عالميًا    عالم أزهري يوضح أحكام صلاة الكسوف والخسوف وأدب الخلاف الفقهي    عالم أزهري يوضح حكم تمني العيش البسيط من أجل محبة الله ورسوله    هل متابعة الأبراج وحظك اليوم حرام أم مجرد تسلية؟.. أمين الفتوى يجيب "فيديو"    QNB يحقق صافى أرباح 22.2 مليار جنيه بمعدل نمو 10% بنهاية سبتمبر 2025    مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية: لا تفشٍ لفيروس كورونا مرة أخرى    نزلات البرد.. أمراض أكثر انتشارًا في الخريف وطرق الوقاية    التوقيت الشتوي.. كيف تستعد قبل أسبوع من تطبيقه لتجنب الأرق والإجهاد؟    بتهمة خطف طفل وهتك عرضه,, السجن المؤبد لعامل بقنا    قيل بيعها في السوق السوداء.. ضبط مواد بترولية داخل محل بقالة في قنا    معهد فلسطين لأبحاث الأمن: اتفاق شرم الشيخ يعكس انتصار الدبلوماسية العربية    إيهاب فهمي: "اتنين قهوة" يُعرض في ديسمبر | خاص    الداخلية تكشف حقيقة سرقة شقة بالدقي    غدًا.. محاكمة 60 معلمًا بمدرسة صلاح الدين الإعدادية في قليوب بتهم فساد    منظمة العمل العربية تطالب سلطات الاحتلال بتعويض عمال وشعب فلسطين عن الأضرار التي سببتها اعتداءاتها الوحشية    «الري»: التعاون مع الصين فى 10 مجالات لإدارة المياه (تفاصيل)    القنوات الناقلة لمباراة الإمارات وعُمان مباشر اليوم في ملحق آسيا لتصفيات كأس العالم    الجو هيقلب.. بيان عاجل من الأرصاد الجوية يحذر من طقس الأيام المقبلة    الداخلية تكشف تفاصيل ضبط سائق يسير عكس الاتجاه بالتجمع الخامس ويعرض حياة المواطنين للخطر    تفاصيل لقاء السيسي بالمدير العام لليونسكو (صور)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 11-10-2025 في محافظة الأقصر    العرفاوي: لا ندافع فقط في غزل المحلة.. ونلعب كل مباراة من أجل الفوز    زراعة المنوفية: ضبط 20 طن أسمدة داخل مخزنين بدون ترخيص فى تلا    «المشاط» تبحث مع المفوض الأوروبى للبيئة جهود تنفيذ آلية تعديل حدود الكربون    الرباعة سارة سمير بعد التتويج بثلاث فضيات ببطولة العالم: دايمًا فخورة إني بمثل مصر    نائبة وزيرة التضامن تلتقي مدير مشروع تكافؤ الفرص والتنمية الاجتماعية EOSD بالوكالة الألمانية للتعاون الدولي    انتخابات النواب: رقمنة كاملة لبيانات المرشحين وبث مباشر لمتابعة تلقى الأوراق    الرعاية الصحية: تعزيز منظومة الأمان الدوائي ركيزة أساسية للارتقاء بالجودة    منها «القتل والخطف وحيازة مخدرات».. بدء جلسة محاكمة 15 متهما في قضايا جنائية بالمنيا    أسعار اللحوم اليوم السبت في شمال سيناء    «رغم زمالكاويتي».. الغندور يتغنى بمدرب الأهلي الجديد بعد الإطاحة بالنحاس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات مجهولة لمحفوط والحكيم وحقى وإدريس

«أودّ دراسة اللغة العربية»... بهذه الكلمات صاح الصبى ذو الأربعة عشر ربيعا أمام أبيه وهو يستخرج أوراقه من المدرسة التى سجّل فشلا فظيعا فى متابعة دروس اللاتينية واليونانية بها. فى ذلك الحين لم يكن هذا الولد الإنجليزى الشقيّ الذى عاش طفولته بين القاهرة والسودان، يعى بَعْدُ أنه ارتبط - بطريقة ستكون أعمق من ذلك - بالعالم العربى والشرقى، وأنه سينجرف فى خطوات تلى خطوات، حاملا على عاتقه مهمّة نقل الأدب العربى والطواف بالقصّ العربى وإنتاج أدبائنا حول العالم، وهى الجهود التى لم تتوقّف حتى سنوات عمره الأخيرة.
«شيخ المترجمين»، اللقب الأليق لدينيس جونسون ديفيز، وكان أوَّل من ترجم لمحمود تيمور وتوفيق الحكيم رحل عن عالمنا العام الماضى ودُفن كما أوصى فى البلد الذى طالما أحبّه واقترن به، وكان منه وإليه يعود، مصر،فى الفيّوم. فى مثل هذه الأيام ولم يكن قد مضى على رحيل دينيس أيّام، إلا وجمعت زوجته أصدقاءه ومحبّيه من الكتّاب والمثقّفين المصريين أو ممن يُقيمون فى مصر من مختلف الأجيال حول مائدة إفطار على شرفه.
فى احتفائنا بذكرى ديفيز 19222017 نفرد مائدة أخرى، يحكى فيها المُترجم القدير من واقع مذكّراته التى نشرها فى دار نشر الجامعة الأمريكية، عن حكايات وطرائف ومغامرات ومواقف شديدة الصراحة والصدق توفّرت له من علاقات الصداقة التى ربطته بكبار كتّابنا، من روائيين وكتّاب قصّة.

1 - نجيب محفوظ.. موضة قديمة!
تعارفا فى وقت مُبكّر من عام 1945، يظلّ دينيس جونسون ديفيز هو أوّل من ترجم لنجيب محفوظ، قصّة من مجموعته الأولى «همس الجنون».
قبل سنوات من حصول محفوظ على جائزة نوبل، احتفى جون فاولو، كاتب إنجليزى متميز ، برواية ميرامار، وكتب مقدمة ترجمتها الإنجليزية، وبعد فوز صاحبها بالجائزة الأدبية الأرفع، أصدرت دار نشر الجامعة الأمريكية طبعة جديدة من هذه الترجمة لكن من دون مقدمة فاولو وسنعرف من دينيس السبب الطريف، وهو أن المقدمة قد انتهت بمقتطف طويل لمحفوظ نفسه، يقول فيه إنه يدرج نفسه ضمن الفئة الثالثة من الكتاب، وهو ما لم تجده إدارة النشر لائقًا فى حق أديب نوبل العربي. بينما يعلق دينيس تعليقا غريبا: «وقد والآن أنه فى وقت من الأوقات كان الكثير من مرتادى ريش يصفونه بأنه موضة قديمة».
يكتب دينيس عن محفوظ ولقاءاتهما أنه لم يتخيّل قط أنه يُخاطب أديبا سيحرز يوما ما نوبل : «كنت أنتقد رواياته، مُشدّدا على أن رواية مثل «اللصّ والكلاب» تفتقر إلى تلك الدرجة من الجنس والعنف». وعن اتفاق محفوظ مع دار نشر الجامعة الأمريكية بعد فوزه بنوبل، وكان دينيس بالمناسبة هو صاحب اقتراح تخصيص جائزة باسم نجيب محفوظ تمنحها الجامعة الأمريكية كل عام لرواية مصرية أو عربية، يقول دينيس: «أبلغنى بأنه قد عهد إليها بحقوق ترجمة أعماله من دون أى مدفوعات مسبقة، فصُعقت، فسألنى بابتسامة: وكم من كُتبى قمتَ أنت بنشرها؟». يعلق دينيس فى مذكراته بكل شفافية وصدق بأن: «لم يكن مشروع دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة لترجمة أعمال محفوظ، فى رأيي،الطريقة المثلى للترجمة»، لكنه وفّر كيانا يُعتد به من حيث الحجم من أعماله بالانجليزية، ما ساهم فى فوزه نوبل.
رفض دينيس فكرة الورش فى الترجمة، أو الترجمة الجماعية، أو سياسة الفريق التى اتبعتها الجامعة الأمريكية فى ترجمة روايات محفوظ بعدما تأكد لها فى ذلك الوقت، الأعوام 1970 إلى 1974، غياب المترجم ذى القدر الكافى من التمكن. كما رفض دينيس عرض ترجمة أولاد حارتنا، الرواية المثيرة للنزاع، التى تهّرب منها المترجمون بعد أن تأكدوا من تعرضهم للهجوم بالتبعية. إلى أن صدرت ترجمة جديدة للرواية غير «أبناء الجبلاوي» التى ترجمها فيليب ستيوارت من دار دوبلداي،أنجزها بيتر ثرو ونشرت فى نيويورك فى عام 1996 تحت عنوان «أبناء الحارة».
أما قصّة محفوظ مع نوبل فمُثيرة، هكذا نقرأ فى المذكّرات. «خلال إحدى زياراتى للقاهرة، أثناء سنوات إقامتى فى فرنسا أو إسبانيا، تلقيت اتصالا هاتفيا من صديق لى مفاده أن زوجة السفير الفرنسى لدى تونس، وهى سيدة سويدية، موجودة فى القاهرة وترغب فى مقابلتي.
والتقينا وأخبرتنى بأن لجنة الجائزة تبحث إمكانية فوز كاتب عربى بها». يحكى دينيس أن القائمة بأسماء المرشحين شملت أدونيس، يوسف إدريس، الطيب صالح ونجيب محفوظ. وأن الترشيحات صبت فى صالح محفوظ لغزارة إنتاجه ووجود رواياته فى ترجمات بالفعل، إنجليزية وفرنسية، وهما اللغتان اللتان يعرفهما أعضاء اللجنة. إنما أدونيس ف«لم يكن بالإمكان وصف أدونيس بأنه شاعر يحظى شعره بالانتشار بين عامة الناس، وشعره بعيد عن مدارك الكثير من القراء».
2 - يحيى حقي: لستُ جديرًا بنوبل
سعى دينيس للاتصال بيحيى حقى الذى قرأ أعماله مُبكّرًا وأصبحا فى وقت قصير صديقين حميمين. كان يجده كاتبًا صعبًا يهتم اهتمامًا بالغًا بجوانب دقيقة من اللغة، ومع ذلك ارتبط ارتباطًا قويًّا بأدبه. وتمرّ السنوات بعد ترجمات متفرقة لقصص حقىِ حتى ينشر مجلّدا يحوى أعمال يحيى وعلى رأسها «قنديل أم هاشم» عن دار نشر الجامعة الأمريكية فى 2004. فى عام 1987، عندما دُعى حقّىِ إلى محاضرة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، سأله أحدهم إذا كان يعتقد أنه سيفوز ذات يوم بنوبل، فردّ بأنه لم يراوده هذا الأمر قط، لأنه يعتقد أنه فى مكان آخر من القاهرة، هناك كاتب آخر أكثر موهبة واجتهادًا منه.
3- توفيق الحكيم.. والمترجم الإسرائيلى
أبدى دينيس حماسة لترجمة «يوميات نائب فى الأرياف»، إلا أن الحكيم أخبره آسفا بأنه أتاحها لأبا إيبان، الذى كان فى ذلك الوقت ضابطًا من ضبّاط المخابرات البرطانيين، وفى وقت لاحق وزير خارجية إسرائيل. وجد دينيس فى هذه الرواية، تصويرًا صادقًا للفقر الذى يعيشه الفلاحون المصريون، وتسبّب هذا التعليق فى مشاكل له مع الحاشية الملكية.
اتّجه مُرغما إلى ترجمة مسرحيات الحكيم، «على الرغم من إدراكى أن الطلب ليس كبيرًا على الكتب التى تضمّ مسرحيّات»، ويُتابع دينيس فى مذكراته: «شأن كل ترجماتى من الأدب العربى الحديث، فإن أيّا من هذه الكتب لم يدرّ مالا يُذكر». فى وقت لاحق من ترجمته مسرحية «السلطان الحائر»، دُعى لإلقاء محاضرة بجامعة فى سوريا، شرح فيها أن الترجمة فن أكثر منها علمًا، وطرحًا مثالًا بأن آية الكرسى لا ينبغى أن تُترجم إلى «The Verse of the Chair» ولكن إلى «of the Throne»، لكن مثل هذه الأفكار قوبلت باستهجان شديد من الجامعة، من بينها كذلك، لمّا أشار المترجم إلى قصائد جلال الدين الرومى بالفارسية، ما أثار فزع أساتذة الجامعة هناك، كأن الرومى فى ظنّهم عربيّا عاش فى تركيا وكتب بالعربية، وغير ذلك يُنقص منه.
4 - يوسف إدريس يكتب بالإنجليزية!
«شخصيّة كاريزميّة وكاتبٌ يتمتّع بموهبةٍ كبيرة»، غيور، «عملاق القصّة القصيرة فى مصر»، مرح يسخر حتى من نفسه، هذه أوصاف ذكرها دينيس عن يوسف إدريس. يُخبرنا أنّ اسمه كان مُدرجا فى قائمة المُرشحين عندما جرت استشارة دينيس بشأن كاتب عربى يُمكن ترشيحه للفوز بنوبل فى الأدب، وأنه يحظى فى عيون الشباب بتقدير أكثر ممّا حظى به نجيب محفوظ ذاته. وفى الجزء الخاص بإدريس من مذكّرات دينيس نقرأ: «على الرغم من كل ظُرفه وجاذبيّته، فإنه كانت له فى بعض الأوقات رؤية مُبالغ فيها على نحو مُثير للحرج لوضعه ككاتب، وقد أبلغنى فى مرّة بكل جديّة، بأنّنى قد ارتكبتُ غلطة كبيرة بعدم تكريسى كلّ وقتى ومواهبى لترجمة أعماله».
رأى دينيس فى أعمال يوسف إدريس أنّها فى حاجة إلى «ترجمة قياسية»، أى إلى تنقيح. وكثيرًا ما أفصح إدريس عن خيبة أمله فى حجم مبيعات كُتبه. وفى مرّة أعرب عن رغبته فى الكتابة بالإنجليزية، ظنّا منه بأنها طريقة لكسب نوعية جمهور من الذى يستحق كتاباته، يكتب دينيس عن هذه التجربة من حياة يوسف إدريس: «حاولتُ بأقصى قدر من اللطف أن أشير إلى أنّ لغته الإنجليزية التى تعلّمها فى المدرسة وخلال دراسته للطبّ، أمامها مشوارٌ طويل قبل أن يستطيع أن يكتب بها بصورة إبداعية».
فى موقف آخر، هذه المرّة فى لندن، يتناول يوسف عددًا من مجلة «أصوات» وكان مُخصصًا لقصة «دومة ود حامد» التى ترجمها دينيس للطيّب صالح، وأبدى انتقادًا شديدًا لنشر «مثل هذه القصّة البائسة». بينما كان ردّ دينيس بأنه لا ينبغى أن يَخفى على كاتب بحجم يوسف إدريس تمييز الكتابة الجيّدة من البائسة.
موقفٌ ثالث، يرويه دينيس جونسون ديفيز فى مذكّراته، ويكشف عن بساطة يوسف إدريس وطبيعته التلقائية، لمّا ابتاع لإدريس تذكرة لمسرحية «طليعيّة» اتّضح أنها حافلة بكلمات بذيئة، وانتهت بمشهد جنسى صريح، و«بدا يوسف بعيدًا عن التأثّر بالأداء بكامله، واكتفى فيما بعد بأن قال لى إنّ هناك شيئا لم يفهمه: ماذا كانت كلمة sheet هذه، فأوضحتُ له ما تعنيه كلمةshit، وأحسستُ بالامتنان لأنّ استفساره لم يمض إلى ما يتجاوز ذلك».
5 - المسودّات الأصليّة ل«موسم الهجرة إلى الشمال»
ارتبط دينيس بالطيّب فى إطار علاقة الأوّل القديمة بالسودان، إلى درجة اعتباره «السودانى الوحيد الأبيض». نعرف من مذكّرات دينيس أن رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» كُتبت إلى جانب ترجمتها، بحيث أُنجزت الرواية والترجمة فى آنٍ واحد، (صدرت الترجمة الإنجليزية للرواية فى عام 1969 فى سلسلة «مؤلفون عرب»، ووضعتها صنداى تايمز على قوائم رواية العام). كما نعرف أن المترجم الراحل يمتلك مسودّات الرواية الأصلية، قبل أن يضطّر الطيّب صالح إلى حذف بعض الفقرات الإيروتيكية منها، لكنه فقدها فى مكان ما. قوبلت الرواية فى نصّها العربى باستياء شديد وحظرتها الحكومة السودانية، وأسف دينيس على ألّا تجد مثل هذه الرواية ناشرًا لندنيًّا بارزًا، وأن يكون مصيرها بدلا من ذلك مُجرّد سلسلة تُعنى بالكتابات العربية الحديثة، لكن «الأمر اقتضى فوز محفوظ بنوبل قبل أن يستطيع كاتب عربى الوصول إلى قائمة ناشر ينتمى إلى التيّار الرئيسى لحركة النشر». بعد أربعة عقود من صدور الترجمة، تظهر موسم الهجرة إلى الشمال ضمن سلسلة «بينجوين» الشهيرة للأعمال الكلاسيكية، ويتم ترجمتها إلى 21 لغة أخرى غير الإنجليزية، يحكى لنا دينيس فى طرافة كيف أن أغلب هذه الترجمات اعتمد على الترجمة الإنجليزية التى أعدّها هو. ثم كان هناك اتجاه يتنامى لنقل الرواية إلى السينما، وأن «هارولد بنتر، لا غيره، هو الذى كان من المقرّر أن يكتب سيناريو الفيلم»، لكن لا شيء من هذا حدث. وتمرّ السنوات حتى يحصل الطيّب صالح فى عام 2004 عن «موسم الهجرة»، على جائزة الرواية العربية، التى تمنحها وزارة الثقافة المصرية فى مؤتمر الرواية.
يعيب الطيّب فى وجهة نظر دينيس أنه لم يكتب مزيدًا من الأعمال. وأن روايتى «مريود» و«بندر شاه» اعتمدتا – باعتراف الطيّب ذاته – على بعض الشخصيات التى ظهرت فى «عُرس الزين» و«موسم الهجرة»، ووجدهما غير متماسكتين، مما صعب عليه ترجمتهما.
6 - نائب الوزير يرى يحيى الطاهر «صعلوكا»
تعرّف دينيس على يحيى الطاهر عبدالله، عقب عودته من لبنان إلى القاهرة فى العام 1974. يقول عنه «من شخصيّات العالم الأدبى الغريبة». عاش عيشة كفاف، يتقاسم غرفة صغيرة مع فتى يكسب عيشه من تلميع الأخذية. دأب يحيى الطاهر على زيارة دينيس فى شقّة الدقى مع ابنته الصغيرة وقتها، يكتب دينيس عن تلك الزيارات: «كان أوّل ما يقوم به هو شنّ غارة على ثلّاجتي». وفى مرّة أبلغ يحيى دينيس عن «تضاربا ما» فى إحدى القصص التى كتبها، ولمّا سأله دينيس عمّا يُمكن فعله لتلافى ذلك فى الترجمة ردّ يحيي: «لا شيء، أنا أُحبّها هكذا، القُرّاء عادة لا يُلاحظون التضاربات».
صدرت ترجمات دينيس لقصص يحيى الطاهر عبدالله فى سلسلة «مؤلّفون عرب» التى كان دينيس مُشرفا عليها وتصدرها دار هاينمان، وحرص على أن تكون فى كتاب ذى غلاف سميك على غير العادة علّ النقّاد يلتفتون إليها، ولكى يتحقّق ذلك كان على دينيس الحصول على طلبيّات من هيئات أدبية فى القاهرة، لشراء 300 نسخة على الأقلّ. وكان من بين الموقّعين على الطلب الشاعر صلاح عبدالصبور، وكان وقتها رئيس الهيئة العامة للكتاب، وعندما قرّر دينيس مُقابلة عبدالصبور لإتمام الطلبيّة، كان الشاعر قد توفى فجأة، يكتب دينيس فى مُذكّراته: «وهكذا مضيتُ للقاء من حلّ مكانه فى رئاسة الهيئة المصرية العامة للكتاب، والذى قال لى فى التو: «لكن صلاح عبدالصبور مات»، وأعاد لى الورقة التى تحمل توقيع الشاعر الراحل، فقلت له: «وأنا وأنت سنموت كلانا، إن شاء الله، بعد عمر طويل».
بعدها مضى للقاء توفيق الحكيم فى مكتبه بالأهرام، وتحت إحراج الفنان صلاح طاهر، الذى تصادف وجوده، وهو الذى صمّم غلاف «مصير صرصار»، مجموعة الحكيم القصصية التى ترجمها دينيس من قبل، هاتف الحكيم صديقه نائب وزير الثقافة وأخذ لدينيس موعدًا معه.
يكتب دينيس عن تلك المقابلة العاصفة: «ولكن المقابلة كانت كارثة، حيث بدأ نائب الوزير حديثه معى بسؤال: لماذا أُهدرُ وقتى فى ترجمة أعمال مثل هذا الصعلوك؟ فأجبتُ بأنّنى لا يعنينى ما إذا كان يحيى صعلوكًا من عدمه، كان كاتبًا يتمتّع بموهبة حقيقية.. شربتُ قهوتى واستأذنتُ فى الانصراف».
صدرت الطبعة المُجلّدة تحت عنوان: «جبل الشاء الأخضر وقصص أخري»، لكن المؤلّف لقى حتفه فى حادث السيارة المؤلم، ولم يتجاوز ال39، قبل أن يراها. يقول دينيس: «كان يُمكن لكتابات يحيى أن تكتسب عمرًا جديدًا، كان موهوبًا حتى أطراف أصابعه».
7- الأديبة المجهولة.. زوجة الضابط والإيروتيكا
أبدى دينيس جونسون ديفز اهتمامًا بالغًا بالقصص المصرية من إبداع كاتبات. ووقع ذات يوم على قصّة بعنوان «عالمى المجهول» لكاتبة تُدعى أليفة رفعت، توفّيت عام 1955. كانت القصص التى تكتبها أليفة بالنسبة إلى دينيس غير مألوفة، لكونها ذات «مَسحات جنسيّة مُبطّنة». تُرجمت هذه القصة ونُشرت ضمن «كتاب بنجوين للقصص القصيرة الإيروتيكية النسائية».
قابل دينيس أليفة وعرف أنها زوجة لضابط شُرطة رفيع المستوي، وتبيّن له كيف كانت امرأة متديّنة، ومن هنا يُفسّر السبب فى غياب تلك الكاتبة عن سجلّ الكاتبات العربيات ذوات التأثير فى العالم العربي، فقد كانت الغلبة لليساريّات واليساريّين فى ذلك الوقت. وعلى إثر ترجمات دينيس لكتاباتها ونشرها فى مجلّات أدبية مرموقة، دُعيت أليفة إلى لندن، وحقّقت نجاحًا فى إنجلترا وأمريكا، وترجم لها دينيس لاحقًا مجموعة من قصصها فى كتاب حمل عنوان «منظر بعيد لمنارة». ظلّ هذا المُجلّد محظورًا حتى اليوم فى مصر، بسبب «الصراحة التى كُتبت بها بعض القصص».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.