أمين عام النشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة، شاعر إلى كونه موظّفًا، يقول جرجس شكرى: إنه يؤدّى مهامه على أكمل وجه، لكن «مسئول النشر» ليست من بين رغباته: «أحبُّ التفرّغ لكتابة الشعر والقراءة، هذان النشاطان هما عشقى، أنا الآن فى مهمّة، هى اختيار مجموعة من الكتب وتقديمها للمواطن المصرى، وبعد إنجاز تلك المهمة سأغادر الهيئة العامة لأعود مرّة أخرى إلى صفوف المثقّفين والمبدعين». فكّر صاحب «الخروج بملابس المسرح» الذى نال عنه جائزة الدولة التشجيعية عام 2017، أوّل أيّام تولّيه المنصب فى تغيير فكرة النشر فى الثقافة الجماهيرية، وهى أنه مكان لنشر أى شىء، يقول: «نقوم بتقديم عناوين تحترم عقل القارئ المصرى، فمقولة الجمهور «عايز كده» مزيّفة إلى حد بعيد وغير حقيقية تمامًا». بدأنا حديثنا إلى جرجس شكرى عن الأزمات التى يُعانى منها قطاع النشر فى قصور الثقافة، فكان ردّه: ليست هناك أزمات خاصة، الأزمة عامة فى كل قطاعات النشر سواء الحكومى أو الخاص، بعد تعويم الجنيه وزيادة أسعار الورق. منذ تولّيت قطاع النشر بالهيئة، ونحن ملتزمون بالطباعة فى المطابع الحكومية سواء مطابع وزارة الثقافة أو دار المعارف، والتعاون مع المعارف يأتى فى إطار التكامل بين قطاعات وزارة الثقافة والقطاعات الحكومية بشكل عام، هذا من شأنه المساهمة؛ ولو بقدر فى حلّ أزمة كبيرة والتغلّب عليها، حيث إن أسعار مطابع وزارة الثقافة أو دار المعارف أفضل بكثير من غيرها، وجودة المنتج أفضل أيضًا. يتطرّق الحديث إلى الكتب المتراكمة لسنوات، سواء فى انتظار الطباعة، أو التكدّس فى المخازن انتظارًا للتوزيع، وفى المقابل المؤلّفات التى نفدت من الأسواق وتنتظر إعادة الطبع. من المعتاد أن يتعاقد عددٌ من المؤلّفين مع هيئة قصور الثقافة، ولا ترى مؤلفاتهم النور! فى كلام «شكرى» عدم إنكار لتلك المشكلة ويقول: حاولنا التغلّب على تلك الأزمة من خلال تشكيل لجان لفحص تلك الكتب فحصًا أوّلىًّا، ثم اختيار ما يصلح من تلك الأعمال لإعادة طباعته بعد موافقة تلك اللجان بمعرفة رئيس التحرير، وأغلب السلاسل تخضع لهذا الفرز. أسأله عن ماهيّة أعضاء لجان الفحص تلك؟ فيجيبنى: يتم الاختيار بين الأدباء المتواجدين بهيئة قصور الثقافة لإعادة ترتيب الكتب وفحصها وتقديم كل سلسلة منها لرئيس التحرير، الذى يتّخذ بدوره قرارًا مشتركًا مع أمين عام النشر ولجان الفحص، حيث تصدر مجموعة آراء، ويتم الوصول من خلالها إلى القرار السليم، ومن الطبيعى أن تكون كل قطاعات النشر الحكومى تُعانى من قوائم الانتظار الطويلة، وهناك فكرة عند الجميع أن قطاع النشر الحكومى سواء قصور الثقافة أو غيرها لا بدَّ أن ينشر للجميع بعيدًا عن الجودة، وذلك غير صحيح، تلك الكتب تحظى بدعم كبير من الدولة، وذلك يُحتّم الاختيار بعناية ودقّة شديدتين. وماذا عن أزمة التوزيع؟ لمواجهة أزمة توزيع الكتب، حيث كانت تُباع سلاسل الكتب المدعّمة فى السوق السوداء، وأكثرها سلسلتا الذخائر وذاكرة الكتابة؛ تمّ تحجيم طرح الكتب التى قد تتعرض للسرقة عند الباعة، على أن يُقتصر بيعها وتوزيعها فى منافذ الهيئة فقط بالتعاون مع دار المعارف، حتى تصل الكتب إلى مستحقّيها، ويتم التركيز على البيع بالمعارض لأن جمهور المعارض هو جمهور المثقفين، وقد تم تحقيق مبيعات عملاقة بمعرض الكتاب العام الحالى، وكذلك بالمعارض الأخرى كمعرض الإسكندرية. حدّثنا عن فلسفة النشر التى تعمل وفقها؟ نعمل فى الهيئة العامة لقصور الثقافة وفق اتجاهين: الأوّل هو الصناعة الثقيلة للنشر، ويُقصد به تقديم أمّهات الكتب التى تُمثّل الثقافة المصرية فى صورتها النقيّة، وهنا تُعدّ قصور الثقافة خطّ الدفاع الأوّل عن الهويّة المصرية، بنشرها كتب رفاعة الطهطاوى وابن رشد والغزالى، وجميع الكتب لرموز التنوير التى تحث على إعمال العقل. فرحتُ هذا العام بالطوابير التى رأيتها بمعرض الكتاب أمام جناح البيع لاقتناء نسخ الكوميديا الإلهية. أما الاتجاه الثانى فهو تقديم المواهب الشابّة من خلال الكتب الإبداعية والإنتاج الأدبى. نبحث عن الجودة، وننقّب عن أدباء الأقاليم، لأننا نحرص على التمثيل الجغرافى للمبدعين. لكن قصور الثقافة فى المحافظات حالها يُرثى له، وأغلبها مغلق والبعض لم يتم افتتاحه بعد أو تفعيله؟ أؤكد أن قصور الثقافة بالمحافظات ليست مغلقة فقصور الثقافة تعمل، كذلك يوجد مشروع النشر الإقليمى، ثم فى عصر التكنولوجيا يسهل جدًا انتشار الكتاب بسرعة، فضلًا عن الأدباء الذين كثيرًا ما يُفضّلون القدوم إلى القاهرة، وتقديم أنفسهم وإبداعاتهم عن البقاء فى محافظاتهم. ناديتَ فى أحد تصريحاتك بإعادة هيكلة دور النشر بمصر، كيف وما الغاية؟ أقصد بالطبع النشر الحكومى، وحدث هذا بالفعل، ولكن الهيكلة تمّت وفقًا لما هو مناسب، فقد تشكّلت منذ عامين لجنة كبيرة جدًا كنتُ أحد أعضائها لإعادة الهيكلة بمعرفة مجلس الإدارة، كان من قرارات اللجنة إلغاء سلاسل كانت مكرّرة، حتى تمّ الاستقرار على 18 سلسلة، وتفعيل التعاون والتكامل بين أدوار جميع قطاعات وزارة الثقافة. هل برأيك يكفى هذا لتطوير النشر؟ حدث التطوير بالفعل. الكتب اليوم لا تُكدّس بالمخازن، ولا يتبقّى منها. إلى جانب اختيار العناوين الجيّدة، والكتب التى يحتاجها القارئ بالفعل، وتُضاف إلى مكتبته. كتاب مساجد مصر الذى حصلنا على حقوق نشره من المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وصلت مبيعاته إلى 5 آلاف نسخة، لسنا فى قصور الثقافة جهة إنتاج وإصدار الكتاب الدينى، لكننا فى مواسم مثل شهر رمضان نفضّل استغلال السوق وطرح بعض الكتب الدينية والفكرية التى تتناسب وروح هذا الشهر الكريم، باعتباره أحد أنشط مواسم النشر. ما صحّة النيّة فى تخفيض نسبة الدعم على الكتب؟ لا صحّة لمثل هذه الشائعات. بالعكس، سيزيد الدعم المقدّم لنشر الكتاب الخاص بهيئة قصور الثقافة حتى يصل إلى 70 % بدلًا من 50 % من قيمة الكتاب، فقط هناك مناقشات لم تُحسم بعد لرفع سعر الكتاب بما لا يمسّ محدودى الدخل. تعرّضت قصور الثقافة لانتقادات بعد قرار إلغاء المجلّات الثقافية، ألم يكن هناك بديل لهذا الإجراء؟ المجلّات الثقافية تحتاج إلى تخصّص، وأتصوّر أن المنوط بها إصدار المجلّات الثقافية هى الهيئة العامة للكتاب، مجلّة المسرح مثلًا يجب أن تصدر مرة أخرى من الهيئة العامة للكتاب، فى قصور الثقافة ليس بمقدورنا تقديم عدد كبير من المجلات بسبب الميزانية المحدودة وإمكانيات الطباعة. لجأنا إلى إيقاف إصدار المجلات بسبب انخفاض نسب التوزيع، يجب ألا ننسى أن النشر قطاع صغير فى الهيئة العامة لقصور الثقافة، نحن نُبقى فقط على المجلّات التى تتناسب مع فلسفة النشر الجماهيرى كمجلتىّ الثقافة الجديدة وقطر الندى التى حقت انتشارًا كبيرًا، وكذلك جريدة مسرحنا الشهرية.