على مدار الأسبوع الماضى، نجحت الممثلة الإسرائيلية - الأمريكية «ناتالى بورتمان» فى أمرين: أولهما هو إغضاب دولة الاحتلال الإسرائيلى ورئيس وزرائها «بنيامين نتنياهو»، حينما رفضت استلام جائزة «جينسيس» أو «نوبل اليهودى» كما يسميها الإسرائيليون، التى تبلغ قيمتها مليون دولار، وتقدم للشخصيات التى تلهم المجتمع اليهودى. الأمر الثانى هو أن «بورتمان»، حصلت على إشادة «عربية» واسعة لدرجة أن بعض وسائل الإعلام فى وطننا العربى اعتبرتها- دون مبالغة - «بطلة» بعد أن فسّروا رفضها لزيارة إسرائيل ومقابلة «نتنياهو» على أنه اعتراف ضمنى منها بعدم أحقية الكيان الصهيونى فى احتلال الأراضى الفلسطينية وبأنها رافضة للتطبيع. بينما أطلقت الصحف الإسرائيلية، وتحديدًا كُتاب الرأى السهام السامة عليها، باعتبارها من مُعادى السامية، وتابعة لحركة المقاطعة (BDS) ضد إسرائيل. فضلا عن دعوات بسحب الجنسية الإسرائيلية منها، خصوصًا من قِبَل عضو حزب «الليكود» المتطرف «أورين حزان».. بينما تأسفت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية «ميرى ريجيف» على تصريحات «بورتمان» قائلة: «لقد سقطت كثمرة ناضجة فى أيدى مؤيدى حملات المقاطعة ضد إسرائيل». لكن «بورتمان» استدركت هذا الأمر وحسمت الجدل حينما صرحت على صفحتها الخاصة على موقع «إنستجرام» قائلة إن: «قرارى بعدم حضور حفل توزيع جوائز «جينسيس» قد تم تشويهه من قِبَل الآخرين. اسمحوا لى أن أتكلم عن نفسى. لقد اخترت عدم الحضور لأننى لم أكن أريد الظهور، وكأننى ممن يؤيدون رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو»، الذى كان سيلقى كلمة فى هذا الحفل، لكننى لست جزءًا من حركة «المقاطعة» ضد الحكومة الإسرائيلية، ولا أؤيدها كالعديد من الإسرائيليين، واليهود فى جميع أنحاء العالم». وأشارت إلى إمكانية أن تنتقد القيادة فى الحكومة الإسرائيلية دون الرغبة فى مقاطعة– الأمة- كلها. قائلة: «أنا أقدر أصدقائى وعائلتى الإسرائيليين، الطعام الإسرائيلى، الكتب، الفن، السينما، والرقص. لقد تم إنشاء الكيان الصهيونى قبل 70 عامًا كملاذ للاجئين من «الهولوكوست»، وسوء المعاملة الإسرائيلية ضد مَن يعانون من فظائع اليوم (ربما تقصد الفلسطينيين أو الأفارقة)، لا يتوافق ببساطة مع قيمى اليهودية. ولأننى أهتم بإسرائيل، يجب أن أقف ضد العنف، والفساد، وعدم المساواة، وسوء استخدام السلطة». إذن «بورتمان» نفسها أسكتت أفواه المبالغين الذين غاب عنهم أن حكومة «نتنياهو» يمينية متطرفة. وأن اليسار الإسرائيلى أشاد بقرارها هذا، ومنظمة «صوت اليهود من أجل السلام» شكرتها على موقفها، وأنها لو كانت حقّا ترفض الاحتلال الصهيونى وممارساته تجاه الشعب الفلسطينى، لكانت قضت بذلك على مسيرتها الفنية فى الولاياتالمتحدة بل فى العالم الغربى كله. ولكن كان للإعلام الإسرائيلى رأى آخر، فالأقلام لم ترحمها، والمقالات امتلأت بالجُمل شديدة اللهجة، والكلمات اللاذعة. واتفق كل من جريدتىّ «يديعوت أحرونوت، وجيروزاليم بوست»، وموقع «القناة السابعة» الإسرائيلية، وموقع «تايمز أوف إسرائيل» الإخبارى على كتابة مقالات، كل على حدة، لكن بالعنوان نفسه، وهو «رسالة مفتوحة إلى ناتالى بورتمان». فكتب «آليكسندر أبفيل» بجريدة «يديعوت آحرونوت»: «إن قرار عدم حضورك أمر مخجل، كما أن مقاطعتك لحدث غير سياسى خوفًا من أن ينظر إليه على أنه تأييد ل«نتنياهو» غير منطقى ومتناقض. لقد شوهت صورة الحكومة الإسرائيلية، وتصريحاتك التى تناولتها الصحافة الإسرائيلية، فيما يخص الأحداث الأخيرة (أى أحداث «غزة» الجارية)، بأنها لا تشعرك بالراحة فى المشاركة فى أى أحداث عامة فى إسرائيل، تفتقر إلى القناعة، وقد فشلتِ حتى فى تسليط الضوء عليك، ومن المدهش أنك مازلت تعتزين بأصدقائك، وعائلتك الإسرائيليين، لأننى أفترض أنهم خدموا، أو لايزالون يخدمون فى الجيش الإسرائيلى، إما فى الخدمة الاحتياطية، أو الإلزامية. ربما أنت غير قادرة على التمييز، لأن هذا يعد أمرًا يناقض الأحداث الأخيرة،. وعلى الأرجح قد يكون من المناسب لك تجاهل هذا الأمر». كما اتفق معه «هين مزّيج» بجريدة «جيروزاليم بوست» فى رسالته ل«بورتمان»، بأن قرارها جاء مخزيًا للغاية، ومفتقرًا حتى لأسلوب المعارضة، وأنه من الضرورى أن تفهم جيدًا أن الحكومة الإسرائيلية ليست موجودة لخدمة اليهود الأمريكيين فقط.. فالكيان أكبر من قيمة «بورتمان» بكثير.. ويحاول «هين» ارتداء قناع الناصح فيقول: «لم يفت الأوان لتصحيح خطأك، أعدك بأننى سأبذل كل ما فى وسعى لدعمك إذا قمت بذلك». أمّا «موردخاى سونز» بموقع «القناة السابعة الإسرائيلية» فقد أكد أن الأمر سيتطلب أكثر من بيان مشين، ف«بورتمان» مخطئة، ومضللة، خصوصًا فى الجزء المتعلق ب«الهولوكوست» الذى يخشى من تأثر المراهقين الإسرائيليين به، لأن إنشاء الكيان كموطن للاجئى الهولوكوست غير صحيح، فقط كان دافعًا قويّا. ويتهم «سونز» فى النهاية «بورتمان»، بأنها شريكة للمنظمات المعادية للكيان.. وينصحها بتعلم-التاريخ- كى تفهم حجم الخطأ الذى ارتكبته، الذى لا بأس بأن تعترف به، فهذا واجبها الأخلاقى واليهودى!!. وعلى موقع «تايمز أوف إسرائيل» كتب «جونثان جرين»: «أشعر بأسف شديد لقرارك بعدم المجىء إلى إسرائيل لقبول الجائزة، والبيان الذى تلاه، وأجد كليهما مضللين بشكل مثير للقلق.. وسواء أعجبك ذلك أم لا، فإن قرارك استهانة بإسرائيل، ونابع من جهل شرير.. وقرارك يؤكد أن شكك مكتسب. ولم يعد بوسع العديد من الإسرائيليين أن يساعدوك، ورد الفعل الإسرائيلى ضدك، جاء بسبب تمسك هذه الدولة وأهلها بك، وتسببك فى ألمهم من الطبيعى أن يقابل بعنف وعصبية.. وطالبها فى النهاية أن تعيد النظر وتستمر فى المشاركة كصوت إسرائيلى قوى، خاتمًا رسالته قائلاً: «أنت، بعد كل شىء (واحدة منا)». «ناتالى بورتمان»، هى الابنة الوحيدة لطبيب النساء الإسرائيلى «أفنير هيرشلاج» وربة المنزل «شيلى ستيفنز»، وهى حفيدة «نيور هورويتز» و«آرثرستيفنز»، اللذين هربا من الهولوكوست وعاشا فى الولاياتالمتحدة. وقد وُلِدَتْ «بورتمان» فى القدس وعاشت هناك 3 سنوات، لتنتقل إلى الولاياتالمتحدة وتتعلم فى مدرسة يهودية بحى لونج آيلاند، ثم تلتحق بكيلة آداب علم النفس بجامعة هارفارد، وأثناء دراستها قررت للمرّة الأولى أن تعارض إسرائيل وتكشف عن توجهاتها الليبرالية، فكتبت مقالاً بجريدة الجامعة التى تُعرف باسم «هارفرد كريمسون»، تقول فيه إن الإسرائليين والعرب «أولاد عمومة»، وتروّج لفكرة الدولتين، وتدين القتل والممارسات الاستيطانية من قِبَل الصهاينة. حظيت «بورتمان» بشهرة كبيرة بعد فيلم «Star Wars Episode I» عام 1999، ومنذ ذلك الحين كانت تقول رأيها صراحة فى «وطنها»، إذ أنها أيدت إسرائيل خلال الانتفاضة الثانية وحرب لبنان عام 2006 وحرب غزة الأولى عام 2008 والثانية عام 2012، بل زارت إسرائيل عدة مرات وكانت تخرج بتصريحات صحفية تتحدث فيها عن علاقتها الوطيدة بالمجتمع الإسرائيلى واليهودى. ولكنها كانت أيضًا من أشد المعارضين «السياسيين» ل«نتنياهو» وسياسته، وفيلمها «A Tale of Love and Darkness» عام 2015، وهو أولى تجاربها الإخراجية، الذى كان حلمًا لها منذ نعومة أظافرها وصوّرته فى القدسالمحتلة، خير مثال على هذا، إذ أنه يروى قصة الكاتب الإسرائيلى «اليسارى» وأحد أبرز الدعاة لحل الدولتين «عاموس عوز»، الذى قالت عنه «بورتمان» فى حوار مع صحيفة «الجارديان» البريطانية إنه أحد «أبطالها».. ورُغم أن الفيلم لم يحقق نجاحًا تجاريّا أو نقديّا باهرًا، فإنه أظهر «بورتمان» على أنها من أشد المؤيدين لدولة صهيونية على أرضٍ عربية. وقد وصفت «بورتمان»، رئيس الوزراء الإسرائيلى فى تصريحات لمجلة «هوليوود ريبورتر الأمريكية» عام 2015، ب«العنصرى» وبأنها تشعر بالإحباط لفوزه فى انتخابات 2015، وعلى عكس كراهيتها ل«نتنياهو» فقد صرحت بعد طرح فيلمها الأشهر «V For Vendetta» لموقع «جو بلو» الأمريكى بأن إسرائيل كانت الدافع الرئيسى لظهورها فى الفيلم، وأنها استعانت بالكتاب الذى ألفه «مناحم بيجن» وروى فيه تجربته فى أحد سجون المعسكرات التابعة للاتحاد السوفيتى. وليست «بورتمان» الأمريكية اليهودية التى تعارض إسرائيل «سياسيّا»، فمنذ سنوات ليست بالطويلة، نرى أن هناك تغيرًا ملحوظًا فى موقف اليهود الأمريكيين إزاء المشهد السياسى داخل إسرائيل، خصوصًا بعد فضائح الفساد المتوالية ل«نتنياهو» وحكومته، ومنذ سنوات قليلة نشر موقع «ويكيليكس» تسريبات للعديد من الرسائل الإلكترونية التى تكشف عن طبيعة علاقة فنانى هوليوود بالروابط وجماعات الضغط اليهودية وعدد من أعضاء الحكومة الإسرائيلية على رأسها «بينيامين نتنياهو». وقد كشفت هذه التسريبات عن رفض «بورتمان» للمشاركة فى المخططات والمشاريع التى يحاول فيها أعضاء الروابط اليهودية التعاون مع فنانى هوليوود لدعم إسرائيل ماديّا ومعنويّا. كما أن قرار الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» الأخير، بنقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس ساهم بشكل كبير فى إحباط العديد من اليهود التقدميين فى أمريكا.