بقلم وحزمة من الأوراق قرر الرسام المصري محمد وهبة الشناوى، أن يجول العالم غير عابئ بالنظرات التي ترمقه لهيئته غير المهندمة أو هرولة أدائه التي توحى أنه شخص غير عادي قرر أن يطور من قلمه وينمى موهبته بحيث يصبح من أشهر رسامى ال«كوميكس» المصريين. لم يتوقف محمد عند تطوير موهبته في الرسم بل قرر أن يسلك مسارًا لم يسبقه إليه أحد من المصريين، ولكن ربما يسلكه الكثيرون بعده وهو فن أشبه بفن الرحلات قديمًا، إذ أصدر عددًا من الكتب أو كما يطلق عليها هو «اسكتشات» كان أشهرها كتاب «القاهرة» عن روح العاصمة المصرية وما تزخر به من تنوع ورسم أغلب رسوماته من مناطق مرتفعة ليعبر عن القاهرة من فوق ليخطط بقلمه تاريخها وحكاياتها الشعبية عبر العصور. بدأ فن ال«كوميكس» الانتشار في مصر مؤخرًا وبات يشغل حيزًا كبيرًا في أذهان المهتمين بمجال الفنون بشكل عام، لكن هذا لا يجعل الفن وليد هذا العصر، فالنقش بشكل عام يعود إلى عصر مصر القديمة، حيث نُقشت الرسوم على جدران المعابد، كما أن الكتابة باللغة الهيروغليفية هي عبارة عن توثيق الرسومات لمجريات الحياة اليومية. «روزاليوسف» تحدثت مع محمد وهبة عن فنه الحديث نسبيًا في مصر والمنتشر حول العالم وكيف يرصد من خلاله أوجه التشابه والاختلاف بين ثقافات الدول والشعوب المختلفة. كيف تعلمت فن ال«كوميكس»؟ درست فن «الكوميكس» وتدربت على يد «كيم يونج جى» وهو معلم كورى، يرسم بطريقة الاسكتشات في الشوارع، وهو من علمنى أن أحمل معى دائمًا الاسكتش والقلم وأبدأ في التعبير عن المواقف التي أشاهدها في شكل رسومات كوميكس. كيف كانت بدايتك في هذا المجال؟ منذ سنوات طويلة كنت يوميًا أقوم برواية القصص المصورة المعتادة، وقررت أن أفعل شيئًا جديدًا، بدأت بالتقليد لكنى اكتشفت أنى بإمكانى أن أرسم كأى رسام وأننى أملك مجموعة من الأفكار أرغب في تحقيقها على أرض الواقع لكن لا سبيل لذلك، خاصة لم يكن هناك انفتاحة عصرية وتكنولوجية حينها فكان نطاق البحث والمعرفة أضيق بكثير عن الآن. عثرت على لعبة مشهورة تدعى «القاهرة» لفنان فرنسى أشبه بلعبة «السلم والثعبان»، هذه اللعبة تروى قصة موظف يلف كل القاهرة حتى يصل إلى عربة الفول في النهاية، أعجبت جدًا بالفكرة وقررت أن أقلد رسوماتها. لماذا اخترت الكوميكس بشكل خاص؟ الأمر بدأ بالصدفة، فقد كنت أكثر تشوقًا للاطلاع ودراسة الفنون اليابانية ذاتها، خاصة فن «المانغا» اليابانى وهو فن من فنون الكوميكس، وذلك بعد أن ساعدنى حظى الجيد بالتعرف على فنان في السفارة اليابانية في القاهرة، شاهد رسوماتى وأمدنى بالكتب حتى أطّلع على عالم جديد. متى حددت هدفك كفنان؟ قبل تحديد هدفى كان لي تجربة غيرت حياتى، فمنذ بداية عام 2011 تعرفت على الفنان هانى المصري وهو علامة من علامات «والت ديزنى»، وكان له الفضل في تحول كل حياتى بالكامل، تعرفت من خلالها على معنى الهوية بعد أن كنت أكتفى بتقليد اليابانيين. وجهنى إلى تتبع ثقافتى الأصيلة والتعرف على الأساطير الشعبية، أصبحت أكثر تجولًا في الشوارع والحارات أقوم برسم الاسكتشات بجانب الدراسة في كلية الفنون الجميلة. ماذا عن مجموعة اللقطة الواحدة؟ تعرفت على مجموعة اللقطة الواحدة صدفة وعلمت أنهم يرسمون في الشوارع منذ 20 عامًا، عملت معهم لفترة بجانب الاستمرار مع الفنان هانى المصري واتباع توجيهاته وملاحظاته، ومع الاطلاع على الاسكتشات الخاصة بالشوارع تعلمت وأدركت الكثير. متى شرعت في اتباع أسلوب الفنانين الرحالة؟ قبل البدء تعرفت على فنان كورى عبر الإنترنت وتواصلت معه فيما يشبه «كورس أون لاين» كان يطلع على شغلى ويقيمه، ولكنه منحنى ملاحظة لم أنسها على الإطلاق وهي أن عملى جيد ولكنه لا ينتمى لثقافتى وأننى مصرى ولستُ يابانيًا أو آسيويًا، هذا النقد كان أشبه بالصاعق الكهربائى لي ومن بعد ذلك قررت أن أطور قدراتى ولكن فيما يخدم ثقافتى وبأسلوبى. في إحدى فعاليات «إيجبت كوميكس» التقيت فنانًا فرنسيًا رحالة علّمنى كيف أسرد الواقع من حولى عن طريق الاسكتشات وكيف أكون «فنانًا رحالة» ومن هنا بدأت، كما تعرفت على الفنان الفرنسى صاحب لعبة القاهرة. كيف كنت رحالة في مصر؟ زرت كثيرًا من المناطق داخل مصر مثل «سيوة» التي أخرجت خلال 3 أسابيع كتابًا كاملًا عنها وعن أهالى سيوة، كنت أرسم بشكل شبه يومى ما يحدث في اسكتشات ومن ضمن المواقف الكوميدية أننى في أثناء السفر نسيت كل دفاتر الرسم واكتشفت فور وصولى «سيوة» أننى لا أملك إلا القلم فقررت الرسم على كراسة مسطرة، وتمت طباعة الكتاب على نفس الورق وكان بعنوان «سيوة». ما الذي تسرده في كتابك عن سيوة؟ أسرد ما اكتشفته بالرسومات مثل أن سيوة تملك حضارة قديمة جدًا طبيعتها بدوية، فقد كانوا قبائل رحالة من وقت الفراعنة، ومن يسمونهم الشعب «الأرمخيدى»، يميز حضارتهم شكل البيوت والملابس يعشقون تراثهم ويحافظون عليه وعلى أرضهم حتى تظل كما هي بكرًا لا يدخلها أى مركب كيماوى، ولديهم الكثير من المهرجانات ولديهم أعياد كثيرة غير الأعياد المعروفة مثل عيد التمور. حدثنى عن رحلاتك بعد ذلك داخل مصر؟ بعد ذلك سافرت إلى مدينة القصير وأنتجت كتابًا عن المدينة في أسبوع، لم أنم سوى ثلاث ساعات يوميًا وقمت بسرد كامل عنها في كتاب من خلال حكاوى الناس وتوثيق مصطلحاتهم، وبالطبع كل هذا بالرسومات. وكيف وجدت مدينة القصير كفنان؟ ذهبت إليها مرتين والقصير تتميز بالصيادين والمناجم ومصنع الفوسفات القديم، عرضت سردًا كاملًا لها، من خلال التجول والحكاوى، القصير القديمة تطل على البحر وبها حصن سليم الأول، يميزها شكل الهلال من ناحية البحر وعندما تصل إليها تراها بشكل مختلف تمامًا، كما أنها مشهورة عند الأجانب بالسقالات. من بين الأساطير التي أيقنها الأهالى ويتداولونها، هي أن المدينة منحوسة طوال تاريخها كلما أوشكت على أن تشهد انتعاشة سياحية يحدث أمر ما يعرقل هذا، وذلك منذ عصر الفتوحات حتى وقت قريب، وحتى في الفترات التي انتعشت فيها السياحة انتشر في المدينة وباء. وما مشروعك في النوبة؟ أنشأت جدارية كاملة عن قصة تهجير النوبيين وهذا دفع عددًا كبيرًا من النوبيين لأن يرووا لي القصة كاملة، وهذا بمعزل عن أى وضع سياسى، السياسة خارج إطار أعمالى أنا فقط أسرد ولا أهتم بالسياسة. ما هدفك العام من كل هذا الترحال؟ هدفى وصل الناس ببعضها عن طريق الكتب ولكن بوصف حديث لمصر، بالإضافة إلى أن كل أبطال كتبى حقيقيون التقيتهم جميعًا في الشوارع. ما أهم المدن التي زرتها خارج مصر؟ زرت كثيرًا من المدن حول العالم لكنى لم أنتج اسكتشات إلا عن سيوة والقصير والنوبة داخل مصر وإسطنبول وبرلين خارجها. كيف كانت تجربتك في إسطنبول؟ إسطنبول شبهنا بالضبط، عندما سافرت شعرت أن الفرق الوحيد يتمثل في نظافة الشوارع وشكل البيوت، لكن متشابهون حتى في شكل الجوامع وسماع الأذان، يمتازون بالقهوة بأنواعها وأشكالها والشاى أيضًا، أما في كل الأكلات فلا يوجد اختلاف كبير بيننا وبينهم. كيف استقبلك الألمان كفنان مصري؟ في ألمانيا يهتمون جيدًا بأى رسومات آتية من مصر أو من فنان مصرى، لكنهم لا يعلمون عن مصر إلا معلومات قليلة آتية من الإعلام أو السائحين، فقط يهتمون لبعض الأخبار السياسية لكن لا يدركون أى شيء عن ثقافتها، لذلك استقبالهم لي كفنان مصرى كان مختلفًا، وعلمت منهم أن فكرتهم عن الفنان أو الرسام المصري هى مجرد مستنسخ للفن الألمانى. هل وصل أى من أعمالك خارجيًا؟ كتاب القاهرة بالفعل وصل خارج مصر، كما أن كتاب «القصير» بات معروفًا لبعض الإيطاليين والفرنسيين بشكل ربما أكثر من المصريين أنفسهم. كيف تكون خطتك قبل عزم الترحال؟ عندما أذهب إلى أى بلد لا أضع خطة لشيء وكل ما أهتم به هو القراءة الجيدة عنها ومن ثم أترك لقدمى القرار أين تذهب وأين ترسو، ولست فى أى مرة كنت أعلم أين أنزل ومع من سوف أتعامل، فقط أتعامل مع كل بلد على أنه تجربة. ماذا عن مشروعك القادم؟ أعمل على الانتهاء من كتاب «يوميات رسام شارع»، عبارة عن جولة كاملة في شوارع القاهرة عن الشخصيات التي أصادفها، كل الشخصيات وتجربتى معهم، واسكتش عن القاهرة في 30 يومًا قمت بقطع شهر كامل من ورق النتيجة ولصق كل يوم داخل الاسكتش عنى بالأيام المرتبط بها في الشهر. وماذا عن رحلتك القادمة في القاهرة؟ رحلتى القادمة لا أعرفها أنا فقط أذهب إلى محطة القطار أنظر إلى لوحة المواعيد وأنطلق مع ميعاد أقرب مدينة. أقمت معرضًا بعنوان «مصر من فوق»، ماذا كانت فكرته؟ «مصر من فوق» هو معرض قررت أن أقدم من خلاله مجموعة من الأعمال الفنية لأماكن مهمة في مصر، حيث تم رسم جميعها من مناطق عالية لتوضح صورة مصر من أعلى، وللتعريف بفن الكوميكس الذي بدأ ينتشر في مصر مؤخرًا. وما محتويات كتاب «القاهرة»؟ كان عبارة عن صورة جمعت تكوينات متنوعة لمبان من عصور مختلفة، واحد من العصر المملوكى وآخر من العصر العثمانى، وثالث من العصر الحديث، ومن أعلى برج القاهرة، ومن على ارتفاعٍ عالٍ يظهر نهر النيل والأهرامات والكبارى ومبنى التليفزيون، كما أنه جمع بين زحام المترو وشوارع مصر القديمة، حيث المقاهى والباعة المتجولين، وصولًا إلى أسفل السيارة برفقة الميكانيكى والزيوت، وتم اختتامه برسمة من طائرة هليكوبتر، بمثابة بانوراما للمدينة. أين ترى فن الكوميكس الآن؟ يعيش فن الكوميكس حالة من الإهمال نتيجة تردد الكثير من دور النشر في طباعته نتيجة الخوف من ضعف الإقبال وانخفاض مبيعاته على عكس الروايات والكتب.