تأتى كتابات الكبار من جيل روزاليوسف لتسجل تجربتها الصحفية الرائدة، بينما تشير من بعيد لتجربتها المسرحية الثرية، ولذا وفى أصداء ذكراها رأيت أنه من الضرورى تأمل عالمها المسرحى متعدد الأوجه. إنها ذكرى ميلاد جديد للروح القلقة المحبة لمصر، وللناس وللحياة السيدة روزاليوسف، فقد رحلت إلى عالم الصفاء والسكينة والجلال، إلى بارئها عز وجل فى الثانى عشر من إبريل 1958 وبقى أثرها مستمرا ودورها قائما، وسيظل للمستقبل طالما ظلت القوة الناعمة المصرية تدرك جوهر نسيجها المتداخل متعدد الأدوار بين الفن والثقافة والسياسة والأدب والصحافة، إنها فاطمة محمد محيى الدين يوسف، التى ولدت فى طرابلس شمال لبنان فى الخامس عشر من يناير 1898، فى ظروف قدرية إنسانية شديدة القسوة، فقد كانت فى كفالة أسرة تبنتها لغياب الأب ووفاة الأم، لتهبط أرض مصر من بوابة الإسكندرية الحنون الحرة الطيبة، لتواجه الحياة بمفردها وهى ابنة السنوات العشر ليصبح البحر والدا. ثم جاء الأب الحقيقى ليظهر فى حياتها وهو المخرج المسرحى العبقرى عزيز عيد الذى سمح لها بالدخول للمسرح وغمرها بطيبة وتبنٍ، إنه نوع من الآباء يمكن لك أن تفتح له قلبك وتجاوره فى المقهى وتسير معه فى شوارع القاهرة، وقد ربطهما شعور قوى بالرغبة فى تحسين الحياة، فقد ظلت روزاليوسف تلازمه كظله منذ 1904 حتى رحيله. فقد علمها صاحب مدرسة (الانفعال النفسى) التمثيل الطبيعى بعيدا عن مبالغات وطرق أداء النصف الأول من القرن العشرين فى المسرح المصرى، فقد كان المجد المسرحى ينتظرها عندما رفضت كل ممثلات فرقة عبد الله عكاشة تمثيل دور الجدة، ثم قدمت العديد من الأدوار، ومن الطرائف أيضاً أنها مثلت دور أم الفنان الكبير محمد عبدالوهاب فى فرقة عبدالرحمن رشدى فى مسرحية غنائية ناجحة، وقد عملت مع فرق متعددة خلال رحلتها مع عزيز عيد ومنها فرقة جورج أبيض منذ 1912 ولعل أبرز نجاحاتها معه كانت فى جولتها مع الفرقة بمصر وأقاليمها كلها عام 1918، ولعبت خلالها بطولة مسرحية ذاع صيتها هى (دخول الحمام مش زى خروجه) لإبراهيم رمزى، ثم بطولة مسرحية (الممثل كين) الذى لعبت فيه دور الفتاة الأولى الجميلة الرقيقة وهو دور «آنا» فى مسرحية إسكندر ديماس الأب، كما لعبت دور فتاة لاهية فى «خللى بالك من إميلى» وهى مسرحية ضاحكة بها غناء ورقص مرح، ومنحها النقاد لقب «الفود فيلية الحسناء» نسبة لإجادتها تمثيل النوع المسرحى المسمى «الفودفيل»، وقد عملت مع فرقة الريحانى بعد خلافها مع يوسف وهبى وتركها فرقة رمسيس التى كانت بطلتها الأولى لانحيازها لموقف أستاذها عزيز عيد، وقد عملت أيضا مع فرقة عكاشة التى كان يمولها ويشرف عليها طلعت باشا حرب، ولكنها تركتها لتدخله فى شأنها الشخصى وجهرت بعنادها معه، إنها ابنة البحر والحرية، التى وصفها نقاد زمانها بسارة برنارد الشرق، بل إن بعض النقاد أكد تفوقها فى تمثيل دور غادة الكاميليا على الممثلة البريطانية سارة برنارد التى مثلت ذات الشخصية على مسارح إنجلترا. إنها إذن مسرحية إسكندر ديماس الابن الذى لعب بطولتها أمامها يوسف وهبى فى دور أرمان ديفان المحامى الشاب المستقيم القادم من الريف حديثا ليقع فى حب «مرجريت» المعروفة بغادة الكاميليا، ولعلها أشهر الشخصيات التى مثلتها روزاليوسف على خشبة المسرح المصري، ثم واجهت لحظات يأس عزيز عيد، وكانت قد بلغت ذروة المجد كممثلة، فقررت ترك المسرح معه تقريبا، وهى فى قمة حيويتها قبل أن يتركها المسرح، لقد أدركت جوهر الفن، وهو التعبير عن الناس، فدخلت بعد توترات مسرحية إلى عالم الصحافة المعنى بالتعبير عن الناس أيضا، وقد كانت قد عرفت مصر جيدا وخبرتها من شمالها لجنوبها، ومن أعلى سلمها الاجتماعى لأدناه، فكانت رغبتها فى التعبير عن أحوال الفن والأدب والسياسة عبر إبداع مغاير جديد بعد عالم المسرح، فكانت النجمة اللامعة فى عالم الصحافة وحصلت فى عام 1952 على ترخيص لمجلة أدبية وفنية مسرحية، سرعان ما أصبحت ذات طبيعة سياسية اسمها روزاليوسف، وهى تلك المجلة التى ظلت ولا تزال ذلك الطابع الأول لها إنها المجلة المهتمة بالسياسة وبالشأن العام وبالأدب والفن والثقافة. روزاليوسف المشترك الأهم فى القرن الشعرين فى مصر بلا شك بين المسرح والصحافة. إنها الجميلة التى يصفها ابنها الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس فى مقدمة كتابها «ذكريات» بوصف ربما لا أجد أرق ولا أجمل منه إذ يقول: «إنها ليست كالرجال كما أرادوا أن يصفوها.. إن قوتها مغلفة بالحب، بالرقة، إنها جميلة، جميلة جدا، أجمل سيدة فى حياتى.. عيناها خضروان.. وشعرها طويل تجدلها فى ضفائر من ذهب... وشفتاها فيهما رحمة وكبرياء.. ورأسها مرفوع دائما.. رأس ملاك..».