تعتمد الولاياتالمتحدةالأمريكية فى سياساتها الخارجية على فكرة صناعة المؤامرة أو كما سمتها وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس «الفوضى الخلاقة»، وقد فعلتها فى عدة دول.. ومن هذا المنطلق لا يستبعد عاطف الغمرى عضو المجلس الأعلى للثقافة ومدير مكتب الأهرام فى الولاياتالمتحدة، أن تكون أمريكا وراء إثارة الاحتجاجات مؤخرًا فى إيران، مستبعدًا فى الوقت ذاته أن تنشأ حرب مباشرة بين أمريكاوإيران لعدة أسباب منها أن ترامب يعتمد على الحرب النفسية بشكل كبير، كما أن الكثير من القوى العالمية لن تسمح بهذه الحرب لأنها تضر مصالحها خاصة نقل البترول. ويرى «الغمرى» أن السياسة الأمريكية لا تتحرك بعيدًا عن رؤية المخابرات المركزية الأمريكية الCIA فى كل الأحوال، وهو ما اعترف به رؤساء أمريكيون سابقون. ويشير نائب رئيس تحرير جريدة الأهرام إلى أن الاستخ بارات الأمريكية كانت وراء تراجع «ترامب» عن تصنيف الإخوان جماعة إرهابية، لأنها لا زالت ترى فى الإخوان حليفًا هامًا ينفذ السياسات المرسومة له. كيف ترى السياسة الخارجية الأمريكية؟ - «الخارجية» ليست الطرف الوحيد فى إدارة السياسة الخارجية مع العالم، بل الدور الأساسى والمحورى للاستخبارات المركزية ال CIA. وهذه الأمور بدأت فى عهد الرئيسين ولفورد وريجان فى السبعينيات والثمانينيات، خاصة أن عهديهما شهدا غضبا فى الكونجرس من العمليات القذرة التى تقوم بها المخابرات المركزية الأمريكية فى بعض الدول، ومنها تدبير انقلابات عسكرية، واغتيال زعماء، وإشعال حروب أهلية وإقليمية، وكلا الرئيسين اعترف فى بيان رسمى من البيت الأبيض بالجرائم التى ارتكبت فى عهده، بالإضافة إلى إقرارهما أن المخابرات المركزية تلعب دورًا هامًا فى تنفيذ المؤامرة فى السياسة الخارجية. وجدنا نفس الأمر بعد أن خرجت هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية فى فترة، سابقًا، وقالت فى مؤتمر صحفى: «سوف نعود ونواصل اتصالاتنا السابقة بجماعة الإخوان المسلمين»، وفى اليوم التالى عقد المتحدث الرسمى باسم الخارجية مؤتمرًا آخر ووجه له أحد الصحفيين سؤالًا: «هل هذا يعنى أنه كان بينكم وبين جماعة الإخوان اتصالات»؟، فرد المتحدث: «هناك علاقة، لكنها لم تأخذ الخط الرسمى فى الخارجية، بل كانت الاتصالات قائمة بين جماعة الإخوان والمخابرات الأمريكية، والحقيقة أن الاجتماعات المشتركة بين الCIA والإخوان كان يحضرها ممثلون عن الخارجية الأمريكية إلا أنه لم يكن حضورًا رسمًيا، لكن فى النهاية كانت إدارة العلاقة من صميم عمل المخابرات، وهذا جزء هام جدًا فى إدارة السياسة الخارجية الأمريكية. إلى هذا الحد يعرضون الأمور فى الصحافة؟! - بداية ليس كل ما يجرى فى أمريكا يُنشر فى الصحف، والصحافة تخفى الكثير من المعلومات عن الرأى العام، وذلك نابع من العلاقة القومية بين إدارات الصحف والبيت الأبيض، والإدارة الأمريكية تستخدم ذلك بحرفية شديدة، فعلى سبيل المثال عندما تريد الإدارة الأمريكية أخذ موقف من دولة ما فلا تعلن، بل يكون ذلك عبر الصحف. هل توقفت الCIA بعد هجوم الكونجرس عن تنفيذ المؤامرة خارجيًا؟ - توقفت بالفعل، لكنها عادت مع مجيء جورج بوش الابن، واستعاد سياسة المؤامرة على الدول الأخرى، واعترف بذلك رسميًا وبرره قائلًا: «نحن فى زمن حرب»، والحرب مُباح فيها كل شيء، وخلال فترة حكم بوش الابن تم تكليف أحد المقربين من الإدارة الأمريكية ومجلس الأمن القومى فى البيت الأبيض ويُدعى «مايكل لادين» وهو سياسى أمريكى من أصل إسرائيلى، بوضع خطة على مدى 10 سنوات لتغيير الأنظمة فى كل الدول العربية، بالإضافة إلى تغيير شكل المجتمعات ثقافيًا واقتصاديًا وهذا كان جزءا من المؤامرة، وهو ما تحدثت عنه كونداليزا رايس فى مرحلة لاحقة وأسمته «الفوضى الخلاقة»، وهى خطة التنفيذ بإثارة الاضطرابات فى المنطقة وتغيير الأنظمة. لماذا انتهجت أمريكا طريق «الفوضى الخلاقة»؟ - واشنطن كان لديها رعب بعد أحداث 11 سبتمبر وخوف من تكرارها، ومن ثمّ سعت لتفكيك بعض الدولة وهو ما فعله بوش بإعادة إحياء سياسة العمليات القذرة مرة أخرى، وقاد جون بولتون وكونداليزا رايس خطة إقامة علاقات مع جماعات أسماهم «أنصار الإسلام المعتدل»، وكان المقصود بها جماعة الإخوان المسلمين، وفى 2005 عُقد اجتماع فى بروكسل بين المخابرات المركزية الأمريكية وممثلى جماعة الإخوان الموجودين فى أمريكا وأوروبا للتنسيق فيما بينهم على خطة العمل التى توصلهم للحكم. وفى أغسطس 2010 طلب الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما من مستشاريه فى مجلس الأمن القومى إعداد تقرير سرى عن إمكانية حدوث انتفاضات أو ثورات فى الدول العربية، وخاصة فى مصر، وبعد دراسات استمرت شهرًا، وتوقعوا الأمرين فى مصر، وتعاملوا مع الأمر الواقع ووضعوا خطة أن يأتوا بمن ينفذ لهم سياساتهم. لماذا الإخوان بالتحديد؟ - فى عام 1953، تم بإيعاز من اليهودى بيرنر لويس وضع خطة للتعامل مع جماعات الإسلام السياسى، مع ضرورة استغلال وتر أنها ليست على وفاق مع أنظمة الحكم الموجودة، وطبيعى أن يتم الاستقرار على جماعة الإخوان المسلمين، وكلفت الCIA، الضابط روبرت ريهر ليكون حلقة الوصل مع سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا مؤسس الجماعة ومندوب الجماعة فى الخارج، وبعد عقدهم اجتماعًا قال – كما جاء فى كتابه، منذ تلك اللحظة أصبح سعيد رمضان عميلًا للمخابرات المركزية الأمريكية. ماذا عن التعاطى الأمريكى مع الملف الإيراني؟ - أوباما تعامل مع الأمر بمنطق التفاوض، إلا أن ترامب يرفض كل التعاملات التى تمت فى هذا الشأن، لكن فى كل الأحوال الحرب المباشرة بينهما مستبعدة نهائيًا، وسياسة ترامب تعتمد على التصعيد وهى حرب نفسية فى المقام الأول، وليست بهدف الوصول للصدام العسكرى، وهو ما يُحدث تأثيرا على خصوم آخرين ومنهم كوريا الشمالية، كما أنه يجب أن نضع فى الحسبان أن الرئيس الأمريكى الحالى متردد فى قراراته لأن مساعديه ليسوا خبراء من النخبة، كما أنه يعتمد على الحرب الكلامية بشكل أكبر بدليل ترديده كلمة أنه يستطيع أن يفعل ما لم يفعله رئيس أمريكى سابق»، وهنا يتضح أنه لديه غرام بأن يكون مختلفًا عن الرؤساء السابقين ودائمًا يقارن تصرفاته وردود فعله بتصرفات سابقيه. لماذا الحرب مستبعدة؟ - الشعب الأمريكى بعد حرب العراق لا يميل إلى إرسال جنوده لمعارك خارجية بعدما فقد الكثير منهم، ومؤخرًا تنامت نظرية الاعتماد على الوكلاء المحليين فى تنفيذ السياسات والابتعاد عن الصدام بالحرب، وهذه كانت كلمة السر فى تقوية الكثير من المنظمات والجماعات الإرهابية. الاحتجاجات التى اشتعلت مؤخرًا فى إيران هل هى «تثوير أمريكى» لمجتمع طهران؟ - بالتأكيد أمريكا لها يد فى ذلك، لكن لا ننسى أن إيران بيئة خصبة لاشتعال ثورة ولا يخفى على أحد أنها تدعو المجتمع هناك للتمرد والثورة، مستغلة فى ذلك أن النظام الحاكم هناك قائم على القهر والصوت الواحد وهو نظام مخابراتى وبوليسى، لكن حتى الآن الشعب الإيرانى لم يصل إلى القدرة على صناعة ثورة مكتملة، خاصة مع القوة المعروفة للنظام الدينى العسكرى هناك، ويمكن تفهم ما حدث من احتجاجات هناك فى إطار الغضب، خاصة رفضهم لصرف أموال الشعب الإيرانى فى الخارج لأن النظام الإيرانى يوفر دعمًا للحوثيين وحزب الله وللعراق وسوريا. متى يمكن أن تتجه واشنطن لإسقاط النظام فى طهران؟ - لن تأخذ المبادرة، لكنها لن تتأخر فى دعم أى حركة انقلابية شبه ناجحة، فالطبيعى أنها ستتدخل لمساعدتها. هل هذا يعنى أنها لا تستطيع أن تفعل ذلك؟ - الأمر يبدو سهلًا فى دول أخرى، لكن فى طهران الوضع صعب جدًا. إلى أى مدى سيصمد النظام الفارسي؟ النظام صامد لأنه لا يعتمد فقط على قدراته العسكرية بل على نظام الحكم البوليسى ولديه رقابة على كل تصرفات المواطنين وبالتالى أى محاولة تُقهر وتُجهض فى بدايتها. ماذا عن المعارضة الإيرانية؟ - المعارضة تعمل من الخارج، وممثلوها فى الداخل يعملون بشكل مستتر خاصة أن الرقابة الأمنية شديدة، والمعارضة ليست بالقوة التى تجعلها تُقدم على محاولة إسقاط النظام. كيف تتعامل الولاياتالمتحدة مع الدعم الروسى لإيران؟ - الدعم الروسى لإيران يشكل قلقا بالطبع لواشنطن، ويجعلها حريصة فى إصدار عقوبات على طهران، والآن أوروبا غير متفقة مع ترامب فى إعادة العقوبات على إيران. هل وجود لاعبين إقليميين لإيران مثل جماعة الحوثى وحزب الله وغيرهما يشكل قلقا فى المنطق؟ - إيران لديها هدف واحد قالته على لسان رؤسائها ومرجعياتها الدينية وهو إعادة إحياء الإمبراطورية الفارسية مرة أخرى، وصرحوا بأنهم أصحاب قرار فى دول سورياوالعراق واليمن ولبنان، وفكرة الإمبراطورية هى نفس ما يفعله أردوغان أيضًا. لماذا تطور حلم إحياء الإمبراطوريتين فى الفترة الأخيرة؟ - الأمر بدأ بعد تفكك الاتحاد السوفييتى قبل عودة روسيا على يد بوتين، مع وجود فراغ إستراتيجى عربى، ولم يكن لدى الدول العربية خطة إستراتيجية واحدة توجه الطموحات الفارسية ومن ثم كان طبيعيًا أن يكون هناك زحف على الفراغ الإستراتيجى العربى. كيف نقرأ تصريح الأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودى بأنه إذا امتلكت إيران رؤوسا نووية فطبيعى أن نمتلك رؤوسًا أكثر تطورًا؟ - أمريكا والسعودية كل منهما على حدة يرى فى إيران عدوا لدودا، فالرياض تدرك أن إيران تحاربها بأسلحتها عبر الحوثيين من اليمن. هل يمكن أن تتعجل السعودية بخوض حرب مباشرة ضد إيران؟ - لا أعتقد أن السعودية ستلجأ للصدام مع إيران. السعودية لها حلفاؤها.. فهل يمكن أن تنشب حرب عربية فارسية؟ - أمر صعب جدًا ولا أحد يريده، وهناك دول كبرى لن ترحب بمثل هذه الحرب لأنه يؤثر على مصالحها خاصة فى أمر توريد البترول. ماذا تغير فى السياسة الأمريكية بوصول «ترامب» للرئاسة؟ - هناك قاعدة فى السياسة الأمريكية أن الأوضاع الداخلية تؤثر على السياسة الخارجية، وبالتالى تفسير وصول ترامب للسلطة مختلف، فقد جاء بعد تململ 30 عامًا من النخبة المتحكمة فى المشهد، وهم أعضاء مراكز الفكر السياسى وأكثر من يفهم سياسات العالم، ويحضر اجتماعاتهم مندوبون عن الخارجية وجهاز الاستخبارات وكثيرا ما يعتمدون سياسات هذه المراكز كسياسة واقعية للتعامل مع العلم الخارجى. وعند مجيء ترامب كانت هناك حالات احتقان ضد هذه المراكز، والرأى العام ليس له دور فى التأثير على السياسة الخارجية لمثل هذه المراكز التى فى أغلب الأحيان تراعى اللوبى الذى تمثله ولا تضع اعتبارًا للرأى العام الذى تولدت لديه حالة رفض مجتمعى للفجوة الواسعة التى تولدت فى الأجور، ومن هنا لعب ترامب على تقديم نفسه أنه ضد النخبة فكسب الرأى العام. ما المختلف عند ترامب؟ - سابقًا لرسم السياسة الخارجية كان الرئيس الأمريكى ليأخذ قرارًا يجتمع بمجلس الأمن القومى وكل عضو يقول رأيه ويوازن الرئيس بين الآراء، لكن ترامب وجد اختلافات من اختارهم فى موقع المسئولية وهو ما لم يعجبه، لأنه يريد «الكل صوت واحد»، وهذا ما يفسر تخلصه من الكثير من رجاله الذين اختارهم بنفسه ومنهم وزراء العدل والخارجية ومستشار الأمن القومى، وكانت رؤيته بشعار أمريكا أولًا والحرب على الإرهاب. هل اختلفت الرؤية؟ - بالتأكيد اختلفت، بدليل أنه قطع عهدًا على نفسه قبل الانتخابات بتصنيف جماعة الإخوان إرهابية ثم تراجع، كما اتخذ قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس وهناك نية لتأجيل تنفيذ القرار، لأنه إذا كان بالفعل يريد الحرب على الإرهاب فهو بهذه الخطوة يستفز حلفاءه فى المنطقة. ولماذا تراجع عن تصنيف الإخوان «إرهابية»؟ - المخابرات المركزية الأمريكية تصدت له باعتبارها ترى فى جماعة الإخوان حليفًا مهمًا تستخدمه فى الكثير من عملياتها، خاصة أن الCIA شريك فى إدارة السياسة الخارجية. من الذى أثر على ترامب لأخذ قرار نقل السفارة؟ - نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس هو الذى فعل ذلك، وهو من معتنقى المسيحية الصهيونية ويغازل ترامب بالحشد له فى انتخابات الفترة الرئاسية الثانية والقادم أسوأ فى هذا الملف بعد تعيين وزير الخارجية الجديد تيلرسون المنتمى للمسيحية الصهيونية أيضًا، واكتملت الدائرة بتعيين ترامب لجون بولتون مستشاره للأمن القومى، وهو من أشد المؤيدين لإسرائيل، والثلاثة الذين يديرون السياسة الخارجية من أشد المعادين للعرب. ألم يحذر أحد ترامب من الإقدام على نقل القدس؟ - بعض مساعديه حذروه من أن هذا الأمر يهدد مصالح واشنطن، وقد يقود إلى فوضى فى الشرق الأوسط، بل وصل الأمر بأن صرح بعضهم بأن تعيين جون بولتون خطر على الأمن القومى الأمريكى، لأن القرارات التى يشارك فيها تهدد مصالح أمريكا. ماذا عن صفقة القرن التى كثرت الأقاويل حولها ولا أحد يدرك حقيقتها؟ - تفهمنا فى البداية أن الصفقة قد تكون حلا للأزمة استنادًا إلى المبادئ الدولية المستقرة وقرارات الأممالمتحدة القائمة على حل الدولتين، لكن بعد قرار ترامب بنقل السفارة للقدس ظهر أن هناك خروجا عن المفهوم العربى للحل، وليس هناك دولة عربية واحدة ستوافق على التوجه الجديد فى سياسة ترامب، وبالتالى لم يعد هناك صفقة قرن، لأن توجه ترامب ومعاونيه المتطرفين فى العداء مع العرب يتجه لتصفية القضية الفلسطينية. كيف بدأت فكرة التصفية؟ - جاءت بالمخطط الخبيث بمنح أراض للفلسطينيين فى سيناء، وهى فكرة قديمة تجددت فى عهد بوش الابن ورُفضت، وتحددت المساحة من رفح للعريش، وكل هذه الاقتراحات قوبلت بالرفض من أيام مبارك.