جدول امتحانات الأزهر الشريف.. وتنويه مهم بشأن المقررات الدراسية    «الصحة»: ميزانية ضخمة للتأمين الصحي الشامل تخدم 70 مليون منتفع    الاتحاد الأوروبي: إيران أبلغتنا بأنها سترد على إسرائيل قبل أيام من هجومها    عاجل...العقوبات المنتظرة على الزمالك بسبب لقاء القمة    كولر يفاجئ لاعبيه بعد الهزيمة من الزمالك    التحقيق مع عاطل لاتجاره في مخدر الآيس في كرداسة    عرض فيلم السرب في سينما قصر الثقافة قريبا    «الوزراء»: توقعات بوصول حجم سوق البناء عالميا ل14.4 تريليون دولار في 2030    دعاء الرزق الواسع.. اللّهم إن كان رزقي في السّماء فأنزله    مستشار الرئيس للشؤون الصحية: الرعاية الأولية توفر 75% من الخدمات الطبية    14 مشروعا كمرحلة أولى لتطوير موقع التجلى الأعظم بسانت كاترين    مسئولو الإسكان يتابعون سير العمل بالمنطقة الصناعية في العاشر من رمضان    "التعليم" تخاطب المديريات بشأن المراجعات المجانية للطلاب.. و4 إجراءات للتنظيم (تفاصيل)    ارتفاع حصيلة ضحايا الأمطار والعواصف وصواعق البرق فى باكستان ل 41 قتيلا    انطلاق 34 شاحنة مساعدات ضمن القافلة السادسة للتحالف الوطنى لدعم غزة..فيديو    ننشر شروط وقواعد القبول في المدارس المصرية اليابانية    وكيل الأزهر للعاملين ب "البحوث الإسلامية": الظروف المحيطة تحتاج مزيدا من الأداء    دوري المحترفين.. «5 مواجهات» في الجولة السادسة بمجموعة الهبوط    "مؤجل منذ فترة".. أول قرار من الخطيب بعد الهزيمة من الزمالك    ثلاثة مصريين في نهائي بلاك بول المفتوحة للاسكواش    ضغوط الفائدة.. المركزي يرفض بيع أذون الخزانة المستهدفة لأول مرة منذ التعويم    "التعليم" تجري تقييمات للطلاب في المواد غير المضافة للمجموع.. والمدارس تحدد المواعيد    ضحايا وسيول بسبب تقلبات الطقس .. ماذا يحدث فى دول الخليج ؟ الأرصاد تجيب    الملاكي لبست في الكارو.. مصرع وإصابة شخصين في حادث بالشرقية    ضبط 171 قضية مخدرات و27 قطعة سلاح خلال 24 ساعة    بضربة شوية.. مقتل منجد في مشاجرة الجيران بسوهاج    لتخفيض سعر الرغيف الحر.. تفاصيل اجتماع شعبة المخابز مع وزير التموين    رئيس الوزراء يُتابع الخطط المستقبلية لجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر.. توفير 319 ألف فرصة عمل.. تسهيل وتقديم الخدمات ل 173 ألف مشروع.. وضخ 3.1 مليار جنيه لتمويل 111 ألف مشروع    توقعات برج الميزان في النصف الثاني من أبريل 2024: «قرارات استثمارية وتركيز على المشروعات التعاونية»    ربنا مش كل الناس اتفقت عليه.. تعليق ريهام حجاج على منتقدي «صدفة»    مستشار المفتي: مصر قدَّمت مع ميلاد جمهوريتها الجديدة نموذجًا محكما في التواصل العالمي    بمعدل نمو 48%.. بنك فيصل يربح 6 مليارات جنيه في 3 شهور    امتى هنغير الساعة؟| موعد عودة التوقيت الصيفي وانتهاء الشتوي    اعتماد مستشفى حميات شبين الكوم من الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية    ميكنة الصيدليات.. "الرعاية الصحية" تعلن خارطة طريق عملها لعام 2024    بالتزامن مع تغيير الفصول.. طرق الحفاظ على صحة العيون    بعد تصديق الرئيس، 5 حقوق وإعفاءات للمسنين فى القانون الجديد    بالأسماء، تنازل 21 مواطنا عن الجنسية المصرية    أوكرانيا: الجيش الروسي يقصف 15 منطقة سكنية في خيرسون    ثقافة الأقصر تناقش دور المرأة بين الالتزام والحقوق والعمل المجتمعي الخدمى    تحرير 31 محضرا بمخالفات لمخابز فى السنبلاوين    رد الدكتور أحمد كريمة على طلب المتهم في قضية "فتاة الشروق    جوتيريش: بعد عام من الحرب يجب ألا ينسى العالم شعب السودان    الرئيس الصيني يدعو إلى تعزيز التعاون مع ألمانيا    الصين تؤكد على ضرورة حل القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين    كول بالمر يصبح أول لاعب في تشيلسي يقوم بتسجيل سوبر هاتريك في مباراة واحدة منذ فرانك لامبارد في 2010    «الصحة» تطلق البرنامج الإلكتروني المُحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    جدول امتحانات المرحلة الثانوية 2024 الترم الثاني بمحافظة الإسكندرية    أحمد كريمة: تعاطي المسكرات بكافة أنواعها حرام شرعاً    أبرزها عيد العمال.. مواعيد الإجازات الرسمية في شهر مايو 2024    لحظات مرعبة.. تعرض كاهن للطعن على يد مجهول بكنيسة في سيدني |فيديو    «حلم جيل بأكمله».. لميس الحديدي عن رحيل شيرين سيف النصر    "كنت عايز أرتاح وأبعد شوية".. محمد رمضان يكشف سبب غيابه عن دراما رمضان 2024    أيمن دجيش: كريم نيدفيد كان يستحق الطرد بالحصول على إنذار ثانٍ    «تحدث بنبرة حادة».. مدحت شلبي: نجم الأهلي طلب الرحيل بعد الخسارة أمام الزمالك    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    لماذا رفض الإمام أبو حنيفة صيام الست من شوال؟.. أسرار ينبغي معرفتها    رئيس تحرير «الأخبار»: الصحافة القومية حصن أساسي ودرع للدفاع عن الوطن.. فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدليل إلى عقل البيت الأبيض!
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 14 - 10 - 2017

السياسة لا تنام فى أمريكا. هذه ليست حكمة بلاغية بقدر ما تُعبّر عن وضع فعلى قائم. «أمريكا دولة لا تنام فيها المناقشات السياسية»، قد تبدو خلاصة بديهية فى كتاب عاطف الغمرى الأخير «think tanks داخل البيت الأبيض» - كتاب الجمهورية - الذى يرصد عمليات صنع القرار السياسى من داخل مطبخ الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
بحث الغمرى هذه المرّة معنى بتفصيل أدوار ما اصطلح على تسميته «بنوك الأفكار»، أو بيوت التفكير، ما عُرف عن مخازن المعلومات، مراكز البحوث والفكر السياسي، مصانع السياسة الأمريكية، وماكينة صناعة السياسة الخارجية، التى لعبت عبر التاريخ دور «حكومة الظل» فى الشئون الخارجية.
ما يُخرج هذه الحكمة من بداهتها أو يمنحها قدرًا من الجدّة محاولة المؤلف فى نهاية الكتاب، استقراء المستقبل الذى ينتظر أمريكا ويُزعزع مكانتها من حيث «القوّة الأوحد» والمهيمنة على الوضع الدولي.
هل أمريكا فى أزمة؟
أحد مقوّمات قوّة أمريكا فى السياسة الخارجية، وجود “التوافق” بين الأمريكيين. لكن ما جرى فى حملة ترامب وفى ردّ فعل النخبة والشارع الأمريكى قد أظهر انقسامات واضحة و«انفراط عقد التوافق».
يسأل المؤلف: هل يتمرّد الأمريكيون؟ لماذا صوّت أغلبية الجمهوريين لترامب رغم وجود تيّار كراهية له داخل الحزب الجمهوري؟!
ويُجيب بأن ظروف قفزة ترامب إلى الأمام تُشبه صعود هتلر للسلطة فى ألمانيا، فى فترة اضطراب اجتماعى ونفسي؛ يُشير تحليل الكاتب الصحافي. فقد حصد ترامب نتائج 11 سبتمبر، التى جعلت “خوفا كامنا فى نفوس الأمريكيين لم يبارحهم للآن”.
فوز وصعود ترامب كمرشح غير مألوف فى الحياة السياسية هو حصيلة “تمرّد داخلى عمره 30 عاما”. هذا التمرّد تقوده تيّارات تدعو لانتخاب أشخاص ليست لديهم خبرة بالسياسة the outsider من هم خارج المؤسسة السياسية والحزبية التقليدية. وما يواجهه الأمريكيون اليوم هو «انعدام المساواة بين الطبقات فى أمريكا».
أبناء الطبقة الوسطي، لم يعودوا يتلقّون الاهتمام المعتاد من النخبة. وكان من ثمرة الانتباه لهذا من قبل رجل الشارع الأمريكي؛ أن تعالت الأصوات فى أجواء انتخابات الرئاسة لعام 2016، بضرورة تغيير النظام الضريبى المنحاز للأغنياء. كل هذا لا يُقارن بوضع فقراء أمريكا، الذين يُقدّر عددهم إحصائيا ب11 مليونا.
ما الذى يضمن لهذه الدولة العُظمى البقاء على خطٍ حسّاس من كل الأحداث فى الداخل والخارج، ويُحافظ على البقاء الأقوي؟ هو بيوت التفكير.
يُقدّر عدد بنوك الأفكار أو مراكز البحوث 4500 مركز بحوث حول العالم، فى أمريكا وحدها 2000 مركز، 100 فى العاصمة واشنطن، و50 مركزا منها هى الأكثر نفوذا.
من هم العاملون فى الthink tanks ؟
هم شاغلو مراكز قيادية فى عهود رؤساء انتهت ولايتهم. مستشارون سابقون للأمن القومي. وزراء خارجية ودفاع سابقون. خبراء وأكاديميون متخصصون فى قضايا السياسة الخارجية. يكتب عاطف الغمري: «الحاجز الفاصل بين هذه المراكز، والسلطة التنفيذية، وخاصة فى البيت الأبيض، هو باب دوّار، يدخلون ويخرجون منه».
اشتدّ نفوذ هذه المراكز مع سبعينيات القرن العشرين. لكن ماذا يدور داخل هذه المراكز؟ الإجابة عن هذا السؤال كانت حصيلته هذا الكتاب.
اضطلعت مراكز بحوث الthink tanks منذ الحرب الباردة بتفسير ومراقبة التغييرات فى العلاقة مع أمريكا، بدول كانت تربطها بها صداقات وتحالفات طويلة من عشرات السنين. من أجل هذا سعت الولايات المتحدة إلى إنشاء شبكات إقليمية ودولية من أجل تحسين صناعة القرار السياسي.
باعتبار «المعلومات رصيدًا استراتيجيًا»؛ يقوم 20 ألف مُحلّل مخابراتى بتقييم المشكلات المحتملة أو «التنبؤات الكبري». كانت بريطانيا الأولى بعد أمريكا فى توجيه الاهتمام بمراكز البحوث. تعود الموجة الأولى إلى القرن التاسع عشر، مع جيرمى بينتام وجون ستيوارت ميل فى إطار مؤسسة philosophic radicals وقد أصدرا لهذا الغرض مجلة «ويستمنستر ريفيو».
سارت على الدرب، الجمعية الفابية، تأسست عام 1884، وضمّت جورج برنارد شو. بالنسبة إلى الموجات التى تلت ذلك من أنشطة مراكز البحوث يقول الغمرى أنها ظهرت ك«نشاط أيديولوجي» موازٍ للنشاط الحكومي. ويُعتبر معهد آدم سميث، 1977 جزءا من الموجة الثالثة من هذه المراكز.
فى ألمانيا، التى عرفت مراكز الأبحاث حديثا، من مئة سنة فقط! فكانت مراكز البحوث فيها الأكثر ميلا إلى تأييد السياسات الرسمية على نقيض ما تدّعيه مراكز البحوث الأكاديمية من استقلاليّتها سياسيا. يقول الغمري: «يشمل عالم مراكز البحوث اليوم، مراكز تُمثّل جماعات مصالح، مرتبط بعضها بأحزاب سياسية».
هذا يقودنا إلى السؤال التالي: هل مراكز البحوث مستقلة عن الدولة وأجهزتها؟
نعرف فى الجزء من الكتاب المُخصّص للإجابة عن هذا السؤال، أن تفاصيل عدوان إسرائيل فى 1967 كانت متداولة فى أوراق أجهزة الدولة فى الولايات المتحدة والبيت الأبيض وقت إدارة ليندون جونسون. تسلّم جونسون من ريتشارد هيلمز مدير وكالة المخابرات المركزية وقتها ورقتين تتضمنان معلومات عن حالة التأهّب العسكرى فى مصر وحقيقة القدرات العسكرية لكل من العرب وإسرائيل.
كانت المخابرات المركزية قبل هذا الوقت قد شكّلت قوّة عمل خصوصا للنزاع العربى الإسرائيلى منذ بدايات عام 1967. الورقة الثانية التى أعدّها هيلمز هى ما تخص طبيعة عمل الthink tanks كان عنوانها «من الذى سينتصر».
نصّت الورقة على أن إسرائيل يمكن أن تدافع عن نفسها بنجاح فى مواجهة أى هجمات عربية، يكتب عاطف الغمري: «لم يكن رد الفعل الأمريكى لعدوان إسرائيل كمن تلبّسته المفاجأة، ولم يكن العدوان فى حد ذاته ردّا إسرائيليا على إجراءات حرب مصرية كما ادّعت، العملية بأكملها كانت خلاصة تفكير وبحوث وخطط ومداولات وأوراق، نفّذتها إسرائيل بعلم البيت الأبيض ومشاركته، ومتابعته سير الحرب يوما بيوم».
مثال آخر. حرب العراق 2003 كانت فكرة وضعها فى خطة تفصيلية عام 1992 مركز مشروع القرن الأمريكى the project for new american Contury، كانت فكرة ديك تشينى عندما كان وزيرا للدفاع فى حكومة بوش الأب وبعد عشر سنوات عرض نفس الخطة على بوش الابن وكان تشينى نائبا للرئيس. وهى نفس الخطة التى نُفّذت بغزو العراق عام 2003 .
كامب ديفيد نفسها، كانت فكرة من معهد بروكنجز من قبل تولى كارتر الحكم، لجأت إليها بعد تأزّم الوضع بين مصر وإسرائيل خصوصا بعد حرب 1973.
قطر تشترى ضمير أمريكا
فى عام 2012 تم توقيع اتفاق بين معهد بروكنجز والحكومة القطرية، وكان من بين أعضاء المجلس الاستشارى للمعهد - الذى يتمتع اليوم بفرع كبير وفخيم فى الدوحة - رئيس وزراء قطر وقتئذ حمد بن جاسم.
فى 2014 طالب الكونجرس بضرورة الامتناع عن تلقى أموال كمنح من حكومات أجنبية، خصوصا من قطر، التى لها علاقات مع منظمات وجماعات متطرفة وتقدم لها تمويلا. من المفترض أن تكون مراكز الأبحاث مصادر مستقلة للمعلومات، وأن توصياتها السياسية معبرة عن المصالح الوطنية. لكن واقع الأمر شيءٌ آخر.
وكانت حكومة قطر فى عام 2013 قد قدّمت التزاما بالإسهام بمنحة 14 مليون دولار لمعهد بروكنجز خلال أربع سنوات. ومن المعروف أن التمويل يهدف إلى التلاعب بتقارير هذه المراكز، «ربما لن تحصل على قصة مزوّرة، لكنك لن تحصل على الحقيقة كاملة».
المحافظون الجدد الذين قوت شوكتهم فى عهد بوش الابن باعتبار كونهم خبراء سابقين بمراكز البحوث اعتلوا منبر «القوّة الذكية». تلك القوة كما يقدم المؤلف تعريفا لها فى كتابه هى التى تُتيح اللجوء إلى التدخّلات العسكرية من خلال الاستناد إلى معنى دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان وتقوية المجتمع المدني.
فى أعقاب حرب أكتوبر 1973 اجتمع أقطاب جماعة المحافظين الجدد مع شخصيات معروف مناصرتها لإسرائيل، واتفقوا على تأسيس مركز بحوث مهمّته تقديم رؤية تمزج بين الأمن القومى الأمريكى وأمن إسرائيل، هذا المركز هو المعروف على نطاق واسع لليوم باسم «المعهد اليهودى لشئون الأمن القومي».
يُعرّفنا الغمرى على وضع المركز من الداخل، وقد تركّزت برامج هذا المركز على التوسّع عسكريا وتسليحيا، وتقديم مُساعدات تتضمّن تقديم السلاح لتركيا، وتأييد الجناح اليمنى فى إسرائيل.
أدلّة المؤامرة على العالم العربي.. بالوثائق، يبرز كعنوان فى إحدى صفحات الكتاب الأخيرة، نقرأ فيها عن «التدمير الخلاق» وغيرها من العناوين الكٌبرى التى يُسطّرها شريط الأخبار على الشاشات، من تلك التى اعتدناها. لا شيء جديد، أمريكا تتعامل مع الشرق الأوسط بمبدأ «كلهم عرب» يقول الغمري. ويبقى كتابه عن مراكز البحوث الأمريكية كسابقيه، جهد بحثى وخبراتى مفيد لقارئ مبتدئ أو طالب مهموم بالسياسة الدولية. 


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.