المهتمون بالسياسة الخارجية الأمريكية وخاصة من عملوا في الولاياتالمتحدة وعرفوا القوي والمؤسسات التي تسهم في صنع هذه السياسة يدركون أن من بين هذه المؤسسات مااصبح يعرف بمراكز البحثThinkTanks. ولذلك ليس غريبا أن تهتم الدبلوماسيات والمشتغلين في السياسة الخارجية الأمريكية بمتابعة ورصد ما يصدر عن هذه المراكز ومناقشاتها حول قضايا السياسة الإقليمية والدولية ومبادراتها وتوصياتها للسياسة الخارجية الأمريكية. ومن هنا أهمية كتاب عاطف الغمري الذي يتابع بشكل منتظم السياسة الخارجية الأمريكية منذ أن عمل مديرا لمكتب الأهرام في واشنطن ويخصص كتابة عن هذه المراكز البحثيةمراكز البحث داخل البيت الأبيض كتاب الجمهورية2017, وربما كان الكتاب الأول الذي يخصص للتعريف بهذه المراكز وإنتماءاتها الحزبية وأيديولوجياتها. وهو ينبه منذ البداية أن في أمريكا نحو2000 مركز بحوث منها نحو200 في العاصمة واشنطن حيث تحتل خمسين مركزا وضع الأكثر نفوذا وتأثيرا علي سياسات الولاياتالمتحدة. ومن النماذج التي توحي بتأثير هذه المراكز ومايسميها الغمريالنخبة السياسةذوي الأصول الأكاديمية أن كثيرا منهم قد انتقلوا من نطاق النخبة والعمل الاكاديمي والبحثي إلي العمل في إدارات امريكية وكان لهم تأثير حاسم في توجيه السياسة الخارجية الأمريكية. وربما من أبرز هذه النماذج هنري كيسنجر والذي يفضل كتابه الذي أصدره في أوائل الستينيات بتكليف من مجلس الشئون الخارجية الأمريكي عنالسياسة الخارجية الأمريكية والأسلحة النوويةبفضل هذا الكتاب أصبح كيسنجر من الخبراء الاستراتيجيين وهو مادفع ريتشارد نيكسون أن يختاره مستشار الأمن القومي ثم وزيرا للخارجية بكل ماهو معروف عن تأثير كيسنجر في السياسة الخارجية الامريكية والعالمية. ومن النماذج الأخري ربيجنيو برجينسكي الذي اختاره جيمي كارتر بحكم خبراته في الشئون السوفيتية مستشارا للأمن القومي, والأمثلة عديدة عن هذه النماذج التي اتت من الجامعات ومراكز البحوث لتحتل مناصب في الادارات الأمريكية منهم: الأخوان روبرت وجيمس روستو في عهد جون كينيدي وجورج شولدز الاستاذ بجامعة شيكاغو الذي اختاره رونالد ريجان وزيرا للخارجية في مرحلة من أهم مراحل السياسة الخارجية الأمريكية والعالمية, ثم مارلين اولبرايت وسوزان رايس في إدارة كلينتون وجورج بوش الابن. ولعل من أهم النماذج التي يذكرنا كتاب الغمري بها وتتصل بمصر وقضايا الشرق الأوسط هو معهد بروكينجزBriikingsInstitute ودورة في التمهيد لمؤتمر كامب ديفيد حيث كان التقرير الذي اعده المعهد لإدارة كاتر عن قضية الصراع العربي الاسرائيلي والدور الأمريكي فيها الأساس الذي انطلقت منه دعوه جيمي كارتر لمؤتمر كامب ديفيد وما انتهي إليه من سياسات تحويلية في الصراع العربي الاسرائيلي والعلاقات المصرية الاسرائيلية, وهو مايفسر انتقال خبير أمريكي في قضايا الشرق الأوسط والعلاقات المصرية الأمريكية وهو ويليام كوانت الذي كان له وزميله هارولد سوندرز دور بارز في اعداد هذا التقرير وهو مايفسر انتقال ويليام كوانت بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد من معهد بروكينجز إلي العمل في قسم الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي الأمريكي وينبه الغمري إلي عدد من مراكز البحوث ذات التأثير وانتماءاتها اليمينية المحافظة مثل معهدAmericanEnterpriseInstitute ومعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني وهو المركز الذي يعتبر الذراع البحثية لمنظمة ايباك التي تمثل اللوبي اليهودي في واشنطن فضلا عن معاهد مثل معهد التراثHeritageInstitute ومؤسسةRand التي كانت تقاريرها ودراساتها الأساس الفكري للرئيس الأمريكي ريجان وإدارته. ومن الجهود البحثية التي كان لها تأثير بالغ علي سياسات أمريكا في الشرق الوسط يذكرنا الغمري بمجموعة المحافظين الجدد التي بلورت مفهومالقرن الأمريكي الجديدالذي دعا إلي الهيمنة الأمريكية والاطاحة بنظام صدام حسين. وفي عهد جورج بوش الابن وخاصة بعد أحداث11 سبتمبر شكل فكر هذه المجموعة التي تسربت إلي أركان الادارة الامريكية استراتيجية بوش للأمن القومي التي كانت وراء حروبه في الشرق الأوسط, ولعل من النماذج الدالة علي التداخل بين العمل البحثي وبين المؤسسات الرسمية الأمريكية اختيار الباحث الياباني الأصل فرانسيس فوكوياما للعمل في إدارة التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الأمريكية.