محمود عبدالشكور بعد أسابيع قليلة، يكرم مهرجان الإسماعيلية الدولى للأفلام التسجيلية والقصيرة، مؤسس المهرجان وأهم من ترأسه واعتنى به الراحل «على أبو شادى»، والذى كان عزيزا عند هذا المهرجان، وكان المهرجان أيضا من أعز الأشياء فى قلبه ومن أكثر الإنجازات التى كان يحرص ويخاف عليها كثيرا.. التكريم أعلن عنه منذ عدة شهور وكان هناك الكثير من الاستعداد له خاصة والمهرجان يحتفى هذا العام بدورته العشرين. ضمن فعالية تكريم «أبوشادى» يقدم المهرجان كتابا عنه قام بإعداده الناقد «محمود عبدالشكور»، والذى كان قد أنهاه قبل أيام من وفاة «أبو شادى».. وقد أهدى إلى «روزاليوسف» نسخة من هذا الكتاب الذى سوف نقرأه مع انطلاق مهرجان الإسماعيلية فى أبريل القادم. يقول الكاتب محمود عبدالشكور فى مقدمة كتابه (فى رحاب السينما والثقافة) عن الناقد الراحل: رحل الناقد والمؤرخ السينمائى على أبو شادى، بعد أسابيع قليلة من انتهائى من هذا الكتاب عن مشواره الطويل والثرى، صدمنى خبر الرحيل بعنف، فقد ظل الرجل ممتلئا بالحيوية والحضور، ومتمتعا بذاكرة تحتفظ بأدق التفاصيل، وخلال لقاءات ثلاثة لى معه فى بيته، من أجل حوار طويل تجدونه كاملا فى الكتاب، لم يتوقف ليراجع تاريخا أو درجة وظيفية، ولم يفقد روحه الإنسانية العذبة، ولا قدرته على التعليق الساخر اللطيف، وإن تأجل مرة أو مرتين لقائى معه، لشعوره بارتفاع مفاجئ فى الضغط، أمكنه بعد ذلك السيطرة عليه وترويضه. على أبوشادى شخصية استثنائية من جيل استثنائى، كان يعتز كثيرا بأنه حفر فى الصخر لكى يتعلم، ولكى يكون له دور، ولكى يثبت موهبته وجدارته بمواقعه، ستجدون فى حوارى معه تفاصيل مدهشة عن طفولته، وعن تكوينه الثقافى والسياسى، والأهم من كل ذلك، عن قدرة على أبوشادى على أن يقيم علاقة إنسانية ممتازة مع كل من عمل معه، بل إنه ترك منصبه فى الرقابة، وهو صديق للنجوم وللمبدعين، فى كل موقع ومكان ترك أبوشادى بصمة لا تنسى، وفى كل موقع ومكان ستجد من يحتفظون له بأجمل الذكريات. لم أتردد فى الموافقة على فكرة كتاب عنه، رغم انشغالات كثيرة وعاجلة حاصرتنى فى فترة إعداد الكتاب، ذلك أننى طالما ألححت عليه فى جلسات طويلة، ومعى صدبقى الناقد والصحفى إيهاب الملاح، أن يدون ذكرياته الكثيرة والمتشعبة، وقد حاولت أن يكون هذا الكتاب مجرد بداية لفتح كنوز الذكريات، بل إننى تحدثت معه، فى ليلة مناقشته لكتاب الناقد الكبير هاشم النحاس «مقالات مؤسسة فى الثقافة السينمائية»، عن ضرورة جمع مقالاته النقدية النادرة، والتى حصلت على بعضها من أجل الكتاب، وكم كان صديقى أيهاب أيضا متحمسا للقيام بنفس الدور، ليس حبا للرجل فحسب، وإنما حفاظا على ذاكرة قيّمة وثمينة، لشخصية فريدة، عملت لسنوات طويلة، فى رحاب السينما والثقافة. خسارتى فادحة برحيل صديق كبير كان دوما سندا وعونا ومشجعا لى ولجيلى كله، خسارتى لا تعوض فى إنسان يترك فى كل من يقابله طاقة إيجابية هائلة، النقد السينمائى خسر بالتحديد فى العام الماضى أسماء كبيرة، منهم سمير فريد صديق عمر على أبوشادى، وها هو أبوشادى أيضا يغادر بالجسد، وإن كان ما تركه مكتوبا، أو منقوشا فى القلوب، لا يمكن أن يموت. نحتاج فعلا أن نعيد طبع كتبه، وأن تتم محاولات جادة لجمع ما لم يتم جمعه من مقالاته، وبالذات فى نشرة نادى السينما، ونحتاج أن يطلق اسمه على قصر ثقافة أو أى مؤسسة ثقافية عمل فيها، ما زلت أتذكر حماسه الشديد لدور الثقافة الجماهيرية، واعتزازه الأشد بزملائه فى تلك الهيئة، والذين عملوا معه لسنوات طويلة، وما زلت أتذكر اعتزازه بالدفاع عن حرية الفن والإبداع، ومعاركه ضد طيور الظلام، وخفافيش التكفير، وما زلت أتذكر افتخاره بأبناء جيله من النقاد والمخرجين، وانحيازه للدور الثقافى والتنويرى لوطنه، بدون هذا الدور نفقد الكثير من مظاهر القوة، وبدون هذا الدور يستبيح التتار الجدد الساحة، وينشرون الخراب والدمار بين الأجيال الجديدة. وداعا على أبو شادى أحد عناوين جيل الستينيات فى السينما والثقافة، هذا الكتاب لا يمكنه أن يفى بكل ما قدم وأنجز، ولكنها مجرد محاولة للوقوف على شاطئ تجربة شاهد حقيقى على زمنه، فى كل مكان حكاية وذكرى وأصدقاء، وفى كل تجربة دروس وأفكار للمستقبل، ودوما هناك الوفاء للأصدقاء، والقدرة على الحكم، ووضع البشر فى أماكنهم. أهدى هذا الجهد المتواضع إلى روحه الطاهرة.