لم يعش من أجل نفسه فقط بل من أجل الجميع، ولم يعمل لصالح مصر أو أمته فحسب بل لصالح القارة برمتها وانتصارًا لقيم الحق والعدل والاستقلال والحرية لكافة شعوب الأرض والإنسانية كلها فكان من الطبيعى أن يحظى بحب وتقدير جارف، يتخطى حدود بلده.. فارتبط الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» بعلاقات وطيدة بالعديد من الزعماء، شرقا وغربا جنوبا وشمالا، بدءا من البلاد العربية وأفريقيا مرورا بالهند ويوغوسلافيا وإندونيسيا وصولا إلى كوبا. ارتبط رئيس السلطة الفلسطينية الأسبق «ياسر عرفات» بعلاقات قوية مع «ناصر»، فبالرغم من الاعتراضات التى واجهت حركة «فتح» فى بدايتها إلا أن «ناصر» كان أول من تبنى حركة «فتح» التى أسسها «عرفات» فى عام 1959 ودائما ما كانت مصر برئاسة «زعيم الأمة» تعلن تأييدها الكامل للشعب الفلسطيني. واستطاع «ناصر» أيضا أن يقوم بعقد وساطات بين التنظيمات الفلسطينية والجيش الأردنى من أجل حل النزاع بين الطرفين بعدما نشبت حرب بينهما، لكن فى ذلك الحين أراد الملك حسين تضييق الخناق العسكرى على «عرفات» بمنعه من مغادرة الأردن فى أعقاب أزمة «أيلول الاسود». لكن فى المقابل استطاع «عرفات» مغادرة الأردن بمساعدة مصرية - سودانية، على الرغم من القصف الذى كاد أن يودى بحياته، وأدى ظهور «عرفات» فجأة فى مؤتمر القمة الذى عقد فى القاهرة عام 1970 إلى دهشة واستغراب الملك حسين الذى كان حاضرًا فى المؤتمر. كما شهدت العلاقات المصرية الجزائرية تاريخًا طويلاً من التلاحم لاسيما بين الرئيس الجزائرى أحمد بن بيلا وجمال عبدالناصر حيث أسهمت الصلة القوية التى ربطت «بن بيلا» ب«ناصر» بعدما تمكن «بن بيلا» من الفرار إلى القاهرة فى عام 1952 بعد كشف أمر المنظمة الخاصة التى كانت بمثابة جناح عسكرى سرى ل«حزب الشعب» وصدور أمر باعتقاله والحكم عليه بالسجن لمدة 7 سنوات. وأثناء فترة لجوئه فى القاهرة استطاع «بن بيلا» إقامة شبكة علاقات قوية مع شخصيات مقربة من جمال عبدالناصر من بينهم رئيس الاستخبارات المصرية الأسبق فتحى الديب مما عمل على تسهيل التواصل بينه وبين «ناصر» وبدأت العلاقات المتميزة بينهما باحتضان عبد الناصر «بن بيلا» وزملاءه إلى جانب إعلان الثورة الجزائرية على الاحتلال الفرنسى من مصر. لم تقتصر المساندة المصرية للثورة الجزائرية على الدعم الدولى فقط بل حرص «ناصر» على القيام بدور استراتيجى لتوطيد العلاقات بين البلدين عن طريق إمداد الجزائر بالسلاح والعتاد وقت الثورة فقد أمر «ناصر» بتزويد الجيش الجزائرى بشحنات من البنادق والذخائر، إلى جانب استضافة المناضلين الجزائريين فى القاهرة. وكما أكد «بن بيلا» أن الإمدادات المصرية للثورة الجزائرية لم تتوقف عند السلاح المصرى لكن قام «ناصر» بالتوسط لدى «جواهر لال نهرو» رئيس الوزراء الهندى الأسبق حتى تحصل الجزائر على صفقة أسلحة هندية حتى تستطيع التصدى لقوات الاحتلال الفرنسية. وذكر الرئيس الجزائرى فى مذكراته أن «ناصر» طلب الإفراج عنه بعد ساعات فقط من اعتقاله عقب الإطاحة به على يد هوارى بومدين وزير الدفاع - آنذاك- حيث تكرر هذا الطلب أكثر من 12 مرة إلى أن وصل الأمر ب«ناصر» بتشكيل قوة عسكرية لمحاولة الإفراج عن «بن بيلا» من المعتقل. وفى أحد الحوارات التى أجراها «بن بيلا» عبر عن حبه لمصر وناصر قائلا: أنه يتمنى أن يتحدث مع كل ما يقابله حتى يشرح له قصة مصر مع ثورة الجزائر، مؤكدا أن مصر فى قلبه، وناصر فى قلبه، ولولا مصر لما كانت ثورة الجزائر، وثورات أخرى، مصر كانت كل شيء. وبالانتقال إلى غانا، كان «كوامى نكروما» الرئيس الغانى الأول وأحد أبرز قادة حركة النضال فى إفريقيا التى كانت يربطها بالرئيس جمال عبدالناصر علاقة وثيقة حيث ساعد «ناصر» استقلال غانا. وحينما أراد «نكروما» الزواج من السيدة المصرية «فتحية رزق» التى التقاها الزعيم الأفريقى عن طريق الصدفة أثناء زيارته للقاهرة فى عام 1958 لكن قابلت والدتها هذا العرض بالرفض حتى تدخل «ناصر» لإقناع الأم مؤكدًا أن مصر ستفتح سفارة لها فى غانا مع خط طيران مباشرة بين البلدين حتى يمكنها زيارة ابنتها وقتما تشاء وبذلك تم الزواج المصرى الغانى. وأثمر عن 3 أبناء أطلق على واحد منهم اسم «جمال». وبعدما انقلب الجيش الغانى على نكروما بينما كان خارج البلاد فى إحدى زياراته الدولية أجرت «فتحية» اتصالا ب«ناصر» وروت له ما حدث فرد الرئيس الراحل قائلا: «ما تقلقيش هبعت طيارة من مصر تاخدكم». وتعتبر العلاقات المصرية الهندية من أقدم وأقوى العلاقات حول العالم حيث تعود العلاقة القوية إلى ما قبل ثورة 1952 حيث كانت هناك روابط جمعت بين المهاتما غاندى والزعيم سعد زغلول للتواصل لقواعد الحصول على الحرية من بريطانيا. وبعد اندلاع ثورة 1952 تميزت علاقة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بالزعيم الهندى «جواهر لال نهرو» بكونها علاقة صداقة وطيدة مما ساهم فى اتخاذهما موقفًا سياسيًا موحدًا فى مؤتمر باندونج عام 1955 بتأسيسهما مع الزعيم اليوغوسلافى «جوزيف تيتو» حركة «عدم الانحياز» فى عام 1961. كما عملت الهند على مساندة مصر بعد العدوان الثلاثى عام 1956 حيث قام «نهرو» بالدفاع عن مصر فى جميع المناسبات واللقاءات الدولية الأمر الذى وصل إلى حد التهديد بخروج بلاده من الكومنولث البريطانى ومطالبة الهند بعودة الأراضى المحتلة إلى مصر بعد العدوان الإسرائيلى فى 1967. كان الرئيس الإندونيسى الأول «أحمد سوكارنو» ضمن زعماء وقادة حركة «عدم الانحياز» التى كان يرأسها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وفى عام 1955 كانت أول مرة يزور «ناصر» إندونيسيا للمشاركة فى مؤتمر القمة الآسيوية الأفريقية التى كانت بداية لظهور حركة عدم الانحياز. وفى ختام مؤتمر باندونج ذكر «سوكارنو» جملته المشهورة «إذا اتحد أبوالهول المصرى، والفيل الهندى وطائر الجارودا الإندونيسى، سيعم السلام فى العالم». وقد جمعت علاقة صداقة قوية بين الرئيسين كما سبق وأكدت «مني» ابنة «زعيم الأمة» على ذلك حيث كان الزعيم الإندونيسى - قبل وفاة «عبد الناصر» - مهتما بالاتصال به والسؤال على صحته. ومن المعروف أنه كانت هناك سمات مشتركة جمعت بينهما أهمها أنهما كانا يتبنيان نفس الموقف تجاه أهمية حصول الدول، التى كانت تحت حكم الاستعمار، على استقلالها وحريتها حيث ألقى «سوكارنو» كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى عام 1960 مؤكدًا أن الحقوق الثمينة لكل الدول الوليدة هى الاستقلال والسيادة. أما فيما يتعلق بالثورة الكوبية، فعلى الرغم من أن عبدالناصر لم يكن يثق كثيرا فى الثورة الكوبية وذلك لأنها كانت تحظى بتأييد أمريكي، إلا أنه كان يحظى بحب شديد فى أمريكا اللاتينية وجمعته علاقة صداقة بالعديد من رؤسائها وزعمائها مثل تشى جيفارا وفيدل كاسترو. على الرغم من أن «تشى جيفارا» زار مصر فى عام 1959 لمدة 15 يوما لدراسة تجربة الإصلاح الزراعى فى مصر إلا أنه لم تكن هناك أى علاقات حقيقية بين ناصر والثورة الكوبية إلا بعد الثورة الكوبية حيث كانت مصر هى أولى الدول العربية التى قام «جيفارا» بزيارتها فى عهد «ناصر» فى عام 1965 كمبعوث للثورة الكوبية واستقبله «ناصر» فى القصر الجمهورى بالقبة وأثناء الزيارة اصطحب «جيفارا» معه بعضًا من قادة ورموز الثورة الكوبية وتعتبر هذه المرة الأولى التى يلتقى فيها «ناصر» و«جيفارا» وأبلغه تحيات الشعب الكوبى بينما قام «ناصر» بإهدائه هو ورفاقه أوسمة الجمهورية العربية المتحدة. وخلال زيارته ذكر «جيفارا» ل«ناصر» كيف كانت حكايات صلابة مصر أثناء العدوان الثلاثى فى عام 1956 هى مصدر شجاعة فيدل كاسترو، كما ذكر «جيفارا» أن «كاسترو» وصف «ناصر» بأنه مصدر قوة معنوية وأدبية لجنوده. وفى عام 1966 كان اللقاء الأول الذى جمع بين الرئيس الكوبى «فيدل كاسترو» و«زعيم الأمة» أثناء زيارة الرئيسين لنيويورك لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة. فى نيويورك منح «ناصر» تأييده لكاسترو حينما حاولت الإدارة الأمريكية إجبار الرئيس الكوبى على مغادرة أمريكا من خلال شنها حملة ضده. كان قد حجز له وللوفد المرافق له فى فندق شلبورن حيث قصدت إدارة الفندق توجيه إهانات لهم بمطالبتهم بترك ضمانات مالية وانتشرت قصص على الصحف الأمريكية زعمت بأن غرف الوفد الكوبى امتلأت بريش الدواجن التى ادعت كذبا أن الكوبيين كانوا يذبحونها فى غرفهم ويأكلونها. وعلى أثر ذلك انتقل «فيدل» إلى فندق آخر فى حى هارلم الذى كان- حينئذ- يشتهر بكونه حى الفقراء الخاص بالأمريكيين ذوى البشرة السمراء ذهب «ناصر» لزيارة كاسترو فى ذلك الحى مقترحا عليه نقل الأممالمتحدة إلى بلد آخر.