أثار خبر الإطاحة ب«دانيال ماير» من منصبه كمدير تنفيذى للجهة الرقابية المسئولة عن حماية المصادر والإبلاغ عن المخالفات داخل مجتمع الاستخبارات الأمريكى، حالة من القلق والمخاوف والشكوك حول تحوله إلى إدوارد سنودن جديد يكشف محاولات التهميش والفساد داخل أكبر جهاز استخباراتى فى العالم، خاصة بعد أن تطور الأمر إلى طرده من مكتبه وإجباره على الحصول على إجازة مؤقتة بعد شهر من تجريده من مهماته وامتيازاته دون الإعلان عن السبب وراء هذا القرار. يتبع ماير مكتب المفتش العام وتتلخص مهمته كمدير تنفيذى لحماية المصادر والإبلاغ عن المخالفات فى التواصل مع المبلغين عن حوادث الفساد والمخالفات التى تحدث داخل مجتمع الاستخبارات الأمريكي. فخلال الشهر الماضي، صدر داخل أجهزة الاستخبارات الأمريكية قرار وصفه البعض بالغريب يقضى بوقف أى تواصل بين ماير والمبلغين - أى أنه منع من ممارسة المهمة الرئيسية لمنصبه كمدير تنفيذى لحماية المصادر والإبلاغ عن أى أخطاء داخل المجتمع الاستخباراتى - ولم يستطع ماير منذ ذلك الوقت إرسال تقارير حول عمله إلى أجهزة الاستخبارات واللجان التابعة للكونجرس الأمريكي، كما اعتاد أن يفعل بشكل منتظم. الأكثر من ذلك أنه لم يعد لدى ماير أى موظفين أو نائب، وأصبحت المهمة الوحيدة له العمل على إعداد كتيب تعليمى للمبلغين عن أخطاء المجتمع الاستخباراتى ولم توكل له أية مهمة أخرى ليقوم بها بعد انتهائه من أعداد الكتيب. تؤكد التقارير الصحفية أن أزمة ماير مجرد جزء من أزمة أكبر تدور داخل «مكتب المفتش العام للمجتمع الاستخباراتي» وهى الجهة التى يعمل لديها ماير، حيث حذرت مجلة «فورين بوليسي» الشهر الماضى من أن أهم جهة رقابية مختصة بالمجتمع الاستخباراتى معرضة للانهيار بسبب سوء الإدارة والبيروقراطية والخلافات بين كبار الشخصيات فضلاً عن تهميش جهود المبلغين فى التدريب والتطوير. وأكدت المجلة أن وجود جهة رقابية قوية يشكل متنفساً مهمًا، وبديلاً مطلوباً للتسريبات التى عانى منها المجتمع الاستخباراتى الأمريكى على مدار السنوات الماضية، إلى جانب أهميتها فى حماية الموظفين من الانتقام منهم عقاباً عند إبلاغهم عن المخالفات داخل أجهزة الاستخبارات، لكن مسئولى أجهزة الاستخبارات لا يرون الأمر من هذا المنظور، وأن أى محاولة للتواصل مع موظفيهم ما هى إلا محاولة للتدخل المرفوض من جهة خارج الوكالات، بل أن بعض مسئولى الاستخبارات يرى أن التواصل مع الموظفين داخل الوكالات تشجيع لهم على تسريب أسرار العمل الاستخباراتى وليست وسيلة آمنة ومناسبة للإبلاغ عن خرق القانون بأشكاله. ومن ناحية أخرى يرى البعض داخل المجتمع الاستخباراتى الأمريكى أن إقصاء ماير الذى يساعد الموظفين على تقديم اعتراضاتهم بشكل قانونى قد يؤدي، دون قصد، إلى ظهور أشخاص مثل «إدوارد سنودن» الموظف السابق بوكالة الأمن القومى NSA والذى اشتهر بتسريباته التى أطلق عليها ويكيليكس، خاصة أن «سنودن» ذكر أنه لجأ إلى تسريب الوثائق لأنه لم تكن أمامه أى وسيلة أخرى لرفع شكواه داخليا. الغريب فى أمر الإطاحة بماير أنه لا يوجد مفتش عام للمجتمع الاستخباراتى الأمريكى حتى اليوم، حيث يعمل المفتش العام الحالى «واين ستون» بشكل مؤقت منذ تعيينه منذ شهور بعد استقالة المفتش العام السابق «تشاك ماكالوف» فى مطلع مارس الماضي. ما يحدث داخل جهاز الاستخبارات الأمريكية، دفعت تشاك جراسلي، السيناتور الجمهورى من ولاية إيوا ورئيس اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ الأمريكى إلى إرساله رسالة فى 29 نوفمبر الماضى إلى «دان كوتس» مدير المخابرات الوطنية و«واين ستون» المدير المؤقت لمكتب المفتش العام على المجتمع الاستخباراتي، متسائلا عن السبب وراء عزل ماير من منصبه بهذه الطريقة. «جراسلى»، المعروف عنه التزامه بحقوق المبلغين عن المخالفات، أشار إلى أنه من المهم حماية «ماير» من الانتقام بسبب إدارته برنامج حماية المبلغين، وطالب بأى سجلات ووثائق تتعلق بقضية «ماير»، وكشفت رسالة «جراسلي» إلى مدير المخابرات الوطنية عن أن مسئولى المخابرات يتخذون خطوات لعرقلة البرنامج الذى يبلغ من العمر 4 سنوات. وأضاف السيناتور الجمهورى أنه سيكون من غير المقبول أن يتم استهداف «ماير» انتقاما منه لتواصله مع الكونجرس حول قضايا المبلغين عن المخالفات، وطلب من مدير مكتب المفتش العام «واين ستون» التأكد من أن محتويات مكاتب «ماير» مؤمنة. ولفتت تصريحات جراسلى للصحافة التى أثارت بدورها عدة تساؤلات حول وجود خطة لعرقلة البرنامج الذى يساعد العاملين فى المخابرات على الإبلاغ عن المخالفات والاحتيال والنصب والفساد، خاصة فى ظل ما تشعر به جماعات المبلغين الذين عملوا مع ماير من قلق إثر قرار الإطاحة به، حيث أعربوا عن مخاوفهم من أن يتم تجاهل «ماير» والعمل على إضعاف برنامجه بهدف التقليل أو الحد من فعاليته. وذكر «ستيفن كون»، المدير التنفيذى للمركز الوطنى للمبلغين، أن «ماير» كان فعالا وعمل بقوة نيابة عن المبلغين عن المخالفات، مؤكدا أن مسئولى المخابرات لا يستطيعون التخلص من البرنامج الذى تأسس بموجب القانون الفيدرالى بل إنهم يريدون التخلص من الشخص الذى يجعل من هذا البرنامج برنامجًا فعالا. بينما وصفت «دانيبال بريان» المديرة التنفيذية لمشروع الرقابة الحكومية - وهى مجموعة تأسست عام 1981 للتحقيق فى الفساد وسوء السلوك - «ماير» ب«بطل المبلغين»، مشيرة إلى أن عمله أكسبه أعداء داخل البيروقراطية، واصفة ما حدث بأنه محاولة سافرة للتخلص منه لأنه يقوم بعمله. والجدير بالذكر أن نهج «ماير» المستقيم إلى حد العدوانية كان واضحا فى تصريحاته حيث وعد المجتمع واصحاب المصالح بأنه سيكون وحشيًا بشأن الحماية، وسيكون سعيدا لمساعدة المبلغين إذا كانوا فى حاجة للمساعدة، إلا أنه على الرغم من تصريحاته تمت الإطاحة به، وهو ما أثار العديد من التساؤلات داخل المجتمع الاستخبارات الأمريكي. يذكر أن الجهات الرقابية على المجتمع الاستخباراتى هى «مكتب مدير الاستخبارات الوطنية» والذى تم إنشاؤه فى أعقاب أحداث 11 سبتمبر ليتولى مهمة تنسيق العمل بين أجهزة الاستخبارات ال16 الأخري، بينما أنشئ «مكتب المفتش العام للمجتمع الاستخباراتي» عام 2010 وأوكلت إليه مهمة التحقيقات وتدقيق الحسابات الخاصة بأجهزة الاستخبارات بشكل مستقل ولذلك يرتدى موظفو المكتب زياً أبيض اللون يميزهم ويعبر عن طبيعة مهمتهم التى تتطلب الاستقلال والموضوعية.