هل شاهدت فيلم عماشة فى الأدغال؟ الفيلم بشهادة المتخصصين يفتقد إلى مقومات الفيلم الناجح، ولم يكن مطلوبًا أن يكون فيلمًا ناجحًا فنيًا لأنه تم تصويره فى إطار عملية استخباراتية مصرية للتمويه على عملية تفجير الحفار الإسرائيلى فى ميناء بساحل العاج. الفيلم تم عرضه لأول مرة عام 1972م.. أى بعد تنفيذ العملية وشارك فى بطولته فؤاد المهندس وصفاء أبوالسعود ومحمد رضا وسيد زيان ونبيلة السيد بالإضافة إلى الراقصتين سهير زكى ونجوى فؤاد، والإخراج لمحمد سالم. تدور أحداث الفيلم حول عماشة الرابع عشر، الذى قام بدوره الفنان محمد رضا، حيث يسافر عماشة إلى إفريقيا بصحبة عالم الآثار محروس، الذى قام بدوره فؤاد المهندس للبحث عن كنز جد عماشة. قصة عملية تدمير الحفار الإسرائيلى إحدى ملاحم المخابرات العامة المصرية، حيث كانت إسرائيل اتخذت قرارًا بالتنقيب عن البترول فى سيناء باستخدام حفار عرف بأنه الأحدث والأكبر فى العالم، ولم يكن أمام مصر حينها إلا خيارين، السبيل الدبلوماسى تجنبا للحرب أو محاولة ضرب الحفار الذى لم تكن مصر على علم بمكانه أو اسمه. حاولت مصر بالدبلوماسية فوسطت أصدقاءها حول العالم، ومنهم رئيسة وزراء الهند أنديرا غاندى والرئيس اليوغوسلافى جوزيف تيتو بهدف التفاوض مع الولاياتالمتحدة للضغط على إسرائيل، لكن المساعى الدبلوماسية باءت بالفشل أو ربما كان الأمر رغبة أمريكية غربية. وكان الرئيس جمال عبدالناصر يتابع بنفسه كل الأخبار الخاصة بالحفار وتصريحات مسئولى إسرائيل فى هذا الشأن، فالتقى الرئيس عبدالناصر مع رئيس المخابرات العامة آنذاك أمين هويدى وناقش معه الأمر وكلفه بمعرفة مكان الحفار لضربه بالطيران قبل وصوله، وطلب «هويدي» من الرئيس ترك الأمر له ووعده بالوصول إلى مكان الحفار ووضع خطة لتدميره. وبدأت بعدها رحلة البحث عن الحفار المحاط بالغموض، حيث جمعت المخابرات، معلومات وافية ودقيقة عن الحفارات حول العالم والشركات المصنعة لها وتم تكليف أشخاص فى مختلف موانئ العالم برصد أى حفار والإبلاغ عنه فورا وبعد 10 أيام من عمليات البحث، عُثر عليه بشاطئ كندى فى بحيرة «إيري» على الحدود الشرقية بين كنداوالولاياتالمتحدةالأمريكية، وتم جمع بيانات حول الحفار الذى تنوى إسرائيل استخدامه لسرقة ثروات مصر من البترول. كان «كيتنج» هو اسم الحفار الكندى الذى أنشأته شركة «كناديان بتروليم» واستأجرته شركة أمريكية مشتركة سجلت نفسها فى مدينة دنفر عاصمة ولاية كلورادو الأمريكية، وكان للشركة فرع فى بريطانيا، لكنه كان يحمل اسمًا مختلفًا، أما القاطرة التى كانت تجر الحفار فكانت قاطرة هولندية تعرف ب«جاكوب فون ليمز ايرو»، وهنا أيقنت المخابرات أن ضرب الحفار لن يُغضب إسرائيل فقط بل سيغضب كل هذه الدول مجتمعة لأن ضرب الحفار يعنى ضرب المصالح الأمريكية والبريطانية والهولندية والكندية، لكن لم يكن هناك تراجع عن تدميره. أمين هويدى رئيس المخابرات شكل لجنة عمل من 3 ضباط فور لقائه بالرئيس جمال عبدالناصر وقبل معرفة أى تفاصيل حول الحفار، وانقسمت اللجنة إلى مجموعتين الأولى هى التى نجحت فى جمع المعلومات وبدأت التخطيط للعملية التى منحت اسم كودى «الحاج» أما المجموعة الثانية فكانت مسئولة عن الإعداد والتنفيذ. طرقت مصر باب الدبلوماسية مرة أخرى، فى الوقت الذى لم تترك فيه فكرة تدمير الحفار، فبعثت الحكومة المصرية رسائل احتجاج إلى كنداوبريطانيا بوسائل غير رسمية، وسربت هذه المعلومات إلى الصحف الكبري. كان الهدف من الرسائل الخفية أن تتحرك بريطانياوكندا لوقف تفاقم الموقف وفى نفس الوقت إبلاغ إسرائيل أن الغموض الذى أحاطت به الحفار قد زال، لكن تنصلت بريطانياوكندا من عملية الحفار باعتبار أنه تابع لشركات خاصة لا تخضع لسلطة الحكومات، والتزمت تل أبيب الصمت ولم تصدر أى رد فعل قولا أو فعلا. وهنا أغلقت مصر الطريق الدبلوماسى وبدأ التركيز على خطة تدمير الحفار، وتم تكليف محمد نسيم ضابط المخابرات المصرية بمهمة عملية الحاج تحت إشراف رئيس المخابرات العامة، وكان نسيم يتابع عملية جمع المعلومات عن الحفار وتحركه من بحيرة «إيري» إلى المحيط الأطلنطى، حتى دخل الحفار إلى ميناء «بونتا دالجادا» البرتغالى فى جزيرة سان ميجيل التى تبعد حوالى 1100 كيلومتر عن لشبونة العاصمة فى قلب المحيط الأطلنطى على حدود إفريقيا. «نسيم» شعر أن هذه هى اللحظة الحاسمة فقرر انتقاء الضفادع البشرية التى ستتولى تنفيذ المهمة التى خطط لها، فسافر إلى مركز القوات البحرية بالإسكندرية بعد 3 أشهر فقط من تنفيذ عملية إيلات، واختار 8 من أفضل رجال البحرية المصرية، وعندما وصل الحفار إلى ميناء داكار، أصبحت العملية جاهزة للتنفيذ واعتبر نسيم السنغال البلد الأنسب لتنفيذ العملية خاصة أنها بلد مفتوح به كثير من المهاجرين. بعد وصول نسيم إلى مسرح العمليات درسه بدقة وبدأ الاستعدادات النهائية للتنفيذ، واختار مكان رسو الحفار والذى تبين أنه كان بجوار قاعدة بحرية فرنسية مما يصعب من مهمة نسيم ورجال البحرية، ودرس نسيم أيضًا عمق المياه وأفضل الطرق للانقضاض والتوقيت المناسب لذلك كما وضع خطة الانسحاب بعد التنفيذ والمدة المطلوبة لذلك. وطلب نسيم مقابلة السفير المصرى بالسنغال وقتها نجيب قدرى، لإطلاعه على الأمر ليكون مستعدًا لمواجهة أية احتمالات ممكنة خاصة أن السنغال بلد صديق ولم تكن مصر ترغب فى تكدير صفو العلاقة بين البلدين، و حاول السفير المصرى إثناء نسيم عن قراره لكن الأخير أخبره أن هذه أوامر ودوره إبلاغه فقط. العملية لم تنفذ فى داكار حيث غادر الحفار رصيف الميناء بشكل مفاجئ قبل 9 ساعات من وصول الضفادع البشرية، وكان المسئولون عن عملية الحاج يتساءلون وقتها عما دفع الحفار إلى المغادرة بهذه السرعة قبل أن يستكمل إجراءات الصيانة الضرورية. وصل الحفار فى مارس 1968 إلى أبيدجان فى ساحل العاج، وسافر نسيم إلى فرنسا ومن هناك إلى ساحل العاج، واكتشف أثناء دراسته للمكان من طائرته أن هناك منطقة غابات مطلة على الميناء تصلح كنقطة بداية للاختفاء خاصة أن الغابات تبعد عن الحفار بكيلومتر واحد. وساعدت الظروف نسيم ورجاله حيث اكتشف فور وصوله وجود مهرجان ضخم لاستقبال رواد الفضاء الأمريكان الذين يزورون إفريقيا لأول مرة، فأرسل على الفور لاستدعاء مجموعة الضفادع البشرية التى اختارها منذ أشهر لاستغلال هذه الزيارة وصخب الاحتفالات التى تصاحب الزيارة، وبدأ تنفيذ العملية بالفعل باستخدام عمليات تمويه متعددة منها سيناريو الفيلم الذى تحدثنا عنه فى البداية. تجمعت مجموعة الضفادع البشرية المصرية المكونة من 3 ضباط وقائدهم ولم تنتظر المجموعة وصول باقى الأفراد فكان مخططًا أن يكونوا 8 أفراد خوفًا من تحرك الحفار مجددًا قبل تنفيذ العملية وانتقل رجال الضفادع البشرية إلى منطقة الغابات ونجحوا فى تلغيم الحفار والعودة دون أن يكتشفهم أحد، وانفجر الحفار ونجح المصريون فى تدمير وسيلة إسرائيل لسرقة ثروات بلادهم.