عاد مهرجان لندن السينمائى ليُحيى أجواء المدينة فى الفترة من ( 4 - 15 أكتوبر).. المهرجان المعروف ب «مهرجان المهرجانات» ما زال يعرض - منذ نشأته - أهم الأفلام التى حصدت الجوائز فى مهرجانات عالمية مثل «فينسيا»، «برلين»، و«كان».. وفى هذا العام يوجد 28 فيلم عرض عالمى أول، من ضمن 242 فيلماً روائياً طويلاً من 67 دولة، وهو ليس رقماً كبيراً إذا عرفت أن المهرجان يحتوى على 27 مسابقة! المعاقون هم الأبطال: تم افتتاح المهرجان بعرض الفيلم الإنجليزى Breathe فى أول تجربة إخراج للنجم المعروف «آندى سركيس»، والذى يروى قصة حقيقية لرجل الأعمال «روبين كافينديش» الذى أُصيب بالشلل وهو فى «كينيا»، ومواجهته للإعاقة الجسدية بمساعدة زوجته وصديقه، وقد لعب «كافينديش» وزوجته دورًا فعالاً - فيما بعد - للمطالبة بحقوق المُعاقين فى إنجلترا وأوروبا. والمُلاحظ أن هناك ما لا يقل عن تسعة أفلام أخرى تتناول موضوع الإعاقة الجسدية والنفسية، مثل فيلم Stronger والذى يحكى قصة «جيف بومان» المواطن الأمريكى الذى فقد ساقيه فى حادث تفجير إرهابى فى «بوسطن».. وفيلم The shape of water لمُخرجه الشهير «دل تورو»، والذى يتناول قصة عاملة فى مصنع لا تستطيع الكلام.. هناك أيضاً فيلم The grown ups للمخرج «مايتى البردي»، ويحكى قصة شخصين بالغين من «تشيلي»، يعانيان من متلازمة «داون»، يقرران الزواج والمجتمع يحاول ردعهما لأنه يراهما غير مكتملين جسدياً ونفسياً لتحمل مسئوليات الزواج!.. وهناك ثلاثة أفلام أخرى نجد البطل الرئيسى فيها يعانى من فقدان البصر مثل «مدموازيل باراديس» للمخرج «باربارا ألبرت» من النمسا و«آفا» ل «ليا ميسوس» من فرنسا. هذا التركيز على إلقاء الضوء على مشاكل المعاقين شمل ندوة خاصة ضمن فعاليات المهرجان عن «تصوير شخصية المعاق فى السينما». العرب فى كل مكان: من أهم مميزات المهرجان هذا العام انفتاحه على الثقافات الأخرى، خاصةً العربية، فقد تمثل الواقع المصرى فى فيلمين هما: The Nile Hilton incident لمخرجه المصرى الجنسية «طارق صالح»، وفيلم «البحث عن أم كلثوم» لمخرجته الإيرانية «شيرين نشأت». فيما تناول فيلم «واجب» لمخرجته الفلسطينية «آن مارى جاسر» علاقة متوترة بين ابن ووالده فى فلسطين، حيث يعود الابن من «إيطاليا» ليساعده فى حفل زفاف أخته.. كذلك عُرِضَ «على كف عفريت» ل «كوثر بن هنية»، وعرض المخرج المغربى «نبيل عيوش» فيلمه الفرنسى «رازيا» بالرغم من تناوله لشخصيات مغربية!.. ويعود المخرج العراقى «محمد الدراجي» بفيلم «الرحلة»، ومن لبنان فيلم «مصنع لبنان»، وهو ثلاثة أفلام قصيرة عن واقع لبنان اليوم. أفريقيا أيضاً كانت حاضرة بأفلامها مثل The Wound للمخرج «جون ترينجوف»، ويتناول قصة شاب من جنوب أفريقيا يذهب فى رحلة إعداد له كرجل عن طريق الختان ومشاعره المختلطة تجاه المجتمع الذكورى.. وفيلم I am not a witch للمخرج «رونجانو نيوني» من «زامبيا»، ويتناول فكرة السحر من خلال قصة فتاة يتهمها مجتمع القرية بالشعوذة، ويُصدر الحكم بنفيها. يكفى أن نقول «كيت بلانشيت» و«ديفيد فينشر»!: من أهم فعاليات المهرجان المحاضرات وندوات النقاش مع أهم صناع السينما مثل النجمة «كيت بلانشيت»، المخرج الأمريكى «ديفيد فينشر»، والمخرج اليابانى «تاكاشى ميك».. وتضمنت الندوات حواراً مع الكاتب الإنجليزى «إيان ماكيوان» والموسيقار البريطانى «نيتين سواهني». أهم مخرجى العالم متواجدون فى لندن مع أفلامهم، فلدينا «سالى بوتر» مع فيلمها «الحفلة»، «تود هاينز» مع فيلمه «قصص عائلة ميرويتز»، وهو دراما كوميدية تجمع «داستين هوفمان» و«آدم ساندلر» و«بين ستيلر» مع الإنجليزية «إيما تومسون».. كما حضر المهرجان المخرج الفرنسى الكبير «مايكل هانيكه» بفيلمه «النهاية السعيدة». حفلات العروض الخاصة حظيت هى الأُخرى بحضور العديد من النجوم، مثل «مارى جاى بليج» التى حضرت عرض فيلمها Mudbound مع المخرجة الأمريكية «دى رييس»، حيث أظهرت «مارى جاى بليج» قدرة كبيرة فى تجسيد دور أم فى مزرعة إقطاعى أيام العبودية، ومن المتوقع ترشيحها للأوسكار عن دورها فى الفيلم. كما تسلم المخرج والمنتج والصحفى الإنجليزى «بول جرينجراس» نوط الجدارة وزمالة المركز السينمائى البريطانى فى حفل الختام. المرأة.. المرأة.. ثم المرأة: قضايا المرأة وحقوقها أيضاً من أبرز معالم هذا العام فى أفلام مثل: «معركة الجنسين» من أمريكا، وفيلم الختام «ثلاث لافتات أمام بلدة إيبينج، ميسوري» للمخرج «مارتين ماكدوناه»، وهو يتناول التفرقة العنصرية والعنف الجسدى ضد أم - تقوم بدورها «فرانسيس ماكدورماند» - وهذه الأم تحارب رجال الشرطة بسبب إهمالهم فى التحقيق فى حادثة قتل ابنتها، وحاز الفيلم على صدى رائع من النقاد والجمهور عند عرضه فى مهرجان فينسيا فى مايو من هذا العام. إرضاء جميع الأذواق: هناك ما يرضى جميع الأذواق فى المهرجان، فمن أجمل ما شاهدته هو الفيلم الوثائقى الأسترالى David Stratton: A cinematic life ويروى قصة الإنجليزى «دايفيد ستراتون» الذى أحب السينما منذ طفولته فى إنجلترا وسفره لأستراليا وشغفه بالسينما، حتى أصبح ناقداً ومديراً لمهرجان «سيدنى السينمائي»، بل له برنامج لتحليل الأفلام فى تليفزيون أستراليا لما يزيد على 30 عاماً!.. وقد تم عرض الفيلم فى عدد من المهرجانات مثل «كان» و«سيدني»، وهو من إخراج «سالى إيتكن» التى تواجدت بلندن.. وقد عبرت «سالى إيتكن» عن سعادتها بالعمل مع «ديفيد ستراتون» قرابة العام لإخراج هذا الفيلم، وأضافت: «الفيلم إنسانى، ويلمس حياة العديد من الناس الذين عانوا من رفض أسرهم لاشتغالهم بالسينما، ومن أطرف ذكرياتى عن الفيلم عندما عُرِضَ فى كان ومعى ستراتون، وذكرته ببدايته فى قرية إنجليزية صغيرة اسمها ميركشام، وكيف وصل إلى قمة الشهرة والمجد السينمائى الآن لعرض الفيلم فى كان»!. عودة ومميزات : من المخرجين الجدد يعود الإيطالى «جوناس كاربيجنانو» بفيلمه A Ciambra وهو استعراض لحياة طفل فى مقاطعة «كالاباريا» فى «إيطاليا»، وهو الآن يستعد لفيلم جديد من إنتاج المخرج الأمريكى العالمى «مارتين سكورسيزي». أما من أهم مميزات مهرجان هذا العام أنه فى الوقت الذى تمر إنجلترا فيه بمرحلة الاستعداد للانفصال عن مجموعة الدول الأوروبية، فقد أكدت «أماندا نيفيل» رئيسة المركز السينمائى الإنجليزى أهمية دور السينما الآن فى إنجلترا ليتواصل البريطانيون مع صُناع الأفلام من مختلف أنحاء العالم، فالسينما نافذة على العالم فى وقت التفرقة والشتات، بل أكدت أن لندن منفتحة ثقافيًا وفنياً لكل أشكال الفنون وبالأخص السينما. وهو ما يفسر دعم المهرجان من العديد من الجهات الحكومية والقطاع الخاص فى إنجلترا.. كما أن هناك 11 فيلما فى المهرجان تم إنتاجها بدعم من الNational Lottery أو «منظمة اليانصيب القومية» مثل فيلم الافتتاح «تنفس» وفيلم المخرجة الإنجليزية «لين رامسي» بعنوان You were never really here. تشغل الأفلام التجريبية المختلفة فى شكلها ومضمونها حيزًا من المهرجان أيضاً، ومن أهم تلك الأفلام: فيلم «الوقوع فى حب فينسينت»، والذى يحكى قصة خيالية عن شخص يسعى لاكتشاف سر وفاة الرسام «فينسينت فان جوخ»، وكل مشاهد الفيلم مستوحاة من لوحات ورسومات الفنان العالمى المعروف، والفيلم إنتاج مشترك بين إنجلترا وبولندا، ومن إخراج «دوروتا كوبيلا» و«هيو ويلشمان». يحتوى المهرجان على عرض لأفلام من أرشيف السينما مثل الفيلم الأمريكى الذى صُدِر عام 1945 بعنوان Mildred Pierece وهو من إخراج «مايكل كيرتيز».. وكذلك الفيلم الشهير «حمى ليلة السبت» ل «جون ترافولتا» والذى صُدِرَ عام 1977.. وأيضاً فيلم La Verite وهو فرنسى للنجمة «بيرجيت باردو» عام 1960.