ارتفاع سعر الذهب اليوم.. تعرف على سعر عيار 21    حدث ليلا.. شهداء بغزة وهجوم على قاعدة عراقية وكوريا الشمالية تختبر صواريخ جديدة    وفاة السوري محمد فارس ثاني عربي يصعد إلى الفضاء    كوريا الشمالية تختبر رأسا حربيا كبيرا وصواريخ مضادة للطائرات    ملامح التعديل الوزاري المرتقب .. آمال وتحديات    سعر الدولار اليوم في البنوك والسوق السوداء    الحق اشتري.. انخفاض 110 ألف جنيه في سعر سيارة شهيرة    موعد مباراة مانشستر سيتي وتشيلسي اليوم في نصف نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي    عمر مرموش يساهم بهدف في فوز آينتراخت فرانكفورت على أوجسبورج 3-1    تشكيل آرسنال المتوقع أمام وولفرهامبتون    حبس المتهم بقتل سيدة لسرقتها بالبساتين    مشتت وفاصل ..نصائح لتحسين التركيز والانتباه في العمل    بايدن: إنتاج أول 90 كجم من اليورانيوم المخصب في الولايات المتحدة    7 أيام في مايو مدفوعة الأجر.. هل عيد القيامة المجيد 2024 إجازة رسمية للموظفين في مصر؟    فودة وجمعة يهنئان أسقف جنوب سيناء بسلامة الوصول بعد رحلة علاج بالخارج    شعبة المخابز: مقترح بيع الخبز بالكيلو يحل أزمة نقص الوزن    الإفتاء: التجار الذين يحتكرون السلع و يبيعونها بأكثر من سعرها آثمون شرعًا    ارتفاع جديد في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 20 إبريل 2024 بالمصانع والأسواق    بيان عاجل من الجيش الأمريكي بشأن قصف قاعدة عسكرية في العراق    ميدو يكشف احتياجات الزمالك في الميركاتو الصيفي    تراجع سعر الفراخ البيضاء واستقرار البيض بالأسواق اليوم السبت 20 أبريل 2024    ابسط يا عم هتاكل فسيخ ورنجة براحتك.. موعد شم النسيم لعام 2024    الوزيرة فايزة أبوالنجا    اندلاع مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال في بلدة بيت فوريك شرق نابلس    داعية إسلامي: خدمة الزوج والأولاد ليست واجبة على الزوجة    سفيرة البحرين بالقاهرة: زيارة الملك حمد لمصر تأكيد على التكامل الإستراتيجي ووحدة الصف بين البلدين    3 إعفاءات للأشخاص ذوي الإعاقة في القانون، تعرف عليها    بصور قديمة.. شيريهان تنعي الفنان الراحل صلاح السعدني    ملف رياضة مصراوي.. إغماء لاعب المقاولون.. رسالة شوبير.. وتشكيل الأهلي المتوقع    سيف الدين الجزيري: مباراة دريمز الغاني المقبلة صعبة    بركات قبل لقاء الأهلي: مباراة مازيمبي وبيراميدز شهدت مهازل تحكيمية    كرة يد.. تعليمات فنية مطولة للاعبي الزمالك قبل مواجهه الترجي التونسي    خالد منتصر: ولادة التيار الإسلامي لحظة مؤلمة كلفت البلاد الكثير    "شقهُ نصُين".. تشييع جثة طفل لقي مصرعه على يد جاره بشبرا الخيمة (صور)    أهالى شبرا الخيمة يشيعون جثمان الطفل المعثور على جثته بشقة ..صور    فحص السيارات وتجديد الرخصة.. ماهى خدمات وحدات المرور المميزة فى المولات    ضبط نصف طن لحوم فاسدة قبل استعمالها بأحد المطاعم فى دمياط    9 مصابين في انقلاب سيارة ربع نقل في بني سويف    "محكمة ميتا" تنظر في قضيتين بشأن صور إباحية مزيفة لنساء مشهورات    هل يتم استثناء العاصمة الإدارية من تخفيف الأحمال.. الحكومة توضح    GranCabrio Spyder| سيارة رياضية فاخرة من Maserati    حدث بالفن| وفاة صلاح السعدني وبكاء غادة عبد الرازق وعمرو دياب يشعل زفاف نجل فؤاد    إياد نصار: لا أحب مسلسلات «البان آراب».. وسعيد بنجاح "صلة رحم"    نسرين أسامة أنور عكاشة: كان هناك توافق بين والدى والراحل صلاح السعدني    يسرا: فرحانة إني عملت «شقو».. ودوري مليان شر| فيديو    انطلاق حفل الفرقة الألمانية keinemusik بأهرامات الجيزة    بعد اتهامه بالكفر.. خالد منتصر يكشف حقيقة تصريحاته حول منع شرب ماء زمزم    العميد سمير راغب: اقتحام إسرائيل لرفح أصبح حتميًا    تجليس نيافة الأنبا توماس على دير "العذراء" بالبهنسا.. صور    أعظم الذكر أجرًا.. احرص عليه في هذه الأوقات المحددة    أدعية الرزق: أهميتها وفوائدها وكيفية استخدامها في الحياة اليومية    بجوائز 2 مليون جنيه.. إطلاق مسابقة " الخطيب المفوه " للشباب والنشء    آلام العظام: أسبابها وكيفية الوقاية منها    باحث عن اعترافات متحدث الإخوان باستخدام العنف: «ليست جديدة»    مرض القدم السكري: الأعراض والعلاج والوقاية    متلازمة القولون العصبي: الأسباب والوقاية منه    «هترجع زي الأول».. حسام موافي يكشف عن حل سحري للتخلص من البطن السفلية    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوفياء وخونة فى حياة «ناصر»
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 23 - 09 - 2017

فى 29 يوليو عام 1954، وقف الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أمام حشد كبير من المواطنين فى حى الجمالية يقول: «إن فى كل بلد خونة، وفى مصر يضاف إلى الخونة محترفو السياسة وتجار الوطنية، لقد حاولوا مرارا تضليل الأمة لكى تنصرف أو تنفض من حول مبادئ الثورة، ولكنهم لم ينجحوا.. هذه الفئة لن تيأس فى محاولاتها وستعود من جديد إلى تسديد الضربات إلى الوطن، لقد تاجروا بالوطنية فى الماضى وسيتاجرون بها غدا وفى المستقبل، ولا يقصدون بهذه التجارة الخاسرة سوى استغلالكم».
كانت هذه كلمات ناصر فى السنوات الأولى من عمر الثورة، وكأنه كان يقرأ ذلك فى وجوه من حوله، الذين تحولوا عن أفكاره وآرائه بمجرد أن وارى الثرى جثمانه، أو يستشرف المستقبل حول أشخاص استغلوا اسمه ومبادئه من أجل تحقيق مكاسب شخصية، أشخاص رفعوا شعارات ناصر ونادوا بها، من أجل حفنة دولارات، وكوبونات النفط وهدايا القذافى ليست بالأمر البعيد.
هل من قبيل الصدفة أن يصدر كتاب عمرو موسى فى هذا التوقيت والذى يسبق الذكرى ال47 لرحيل جمال عبدالناصر بأيام، وهو الكتاب الذى أهال التراب على الحقبة التى أعقبت الثورة، وهو ما اعتبره البعض محاولة من جانب المرشح السابق لرئاسة الجمهورية لأن يروج لتجارته الجديدة وكتابه الذى يصل سعر نسخته إلى 300 جنيه بمحاولة النيل من عبدالناصر، وفترته، والتى شهدت بداية بزوع نجم عمرو موسى فى العمل الدبلومسي.
عمرو موسي، الذى خصص جزءا كبيرا من مذكراته التى صدرت تحت عنوان «كتابيه» للهجوم على ناصر وفترة حكمه، يعترف شخصيا أنه لم يلتق الرئيس الراحل سوى مرتين فقط، الأولى فى 21 أكتوبر 1966 فى نيودلهي، عندما ذهب وفد ترأسه عبدالناصر للقاء أنديرا غاندي، بعد وفاة نهرو وتوليها رئاسة وزراء الهند، وتقرر عقد قمة ثلاثية لأنديرا مع عبدالناصر والرئيس اليوغوسلافى جوزيف تيتو، وجلس عمرو موسى وعبدالرءوف الريدى خلف الرئيس ليكتبا محضر اجتماعه مع أنديرا، والثانية كانت أثناء عمل عمرو بمكتب وزير الخارجية، قبل هزيمة يونيو 1967، عندما استقبل تليفونا من سامى شرف مدير مكتب عبدالناصر يطلب منه مع وزير الخارجية أن يستقبلا رئيس الوزراء السورى يوسف زعين، ومعه رئيس الأركان السوري، والذهاب بهما على بيت الرئيس.
يقول عمرو موسى عن اللقاء الثاني: «جاءنى ضابط اسمه، على ما أذكر، مصطفي، وبينما كان يتحدث إليّ، ويسألنى عن الوفد الذى بالداخل، إذا بى أراه ينحنى انحناءة خفيفة أخذت تتزايد، للوهلة الأولى لم أفهم ما جري، وسريعًا أدركت أن ورائى شخصًا يتم له هذا الانحناء، التفت فوجدت الرئيس عبدالناصر أمامي، نهضت واقفًا، لم أصدق أننى أمام هذا الزعيم التاريخي، الرجل الذى يهدد إسرائيل وأمريكا، والذى يملأ الدنيا كلها صخبًا، حيث كان فى أعظم مراحل حياته، وآخر لحظات مجده قبل أن تدهمه وتدهمنا جميعًا 5 يونيو 1967».
موقف عمرو موسى الذى لم يلتق ناصر سوى مرتين فقط، وأقام محاكمة لنظامه فى كتابه الجديد، لم يختلف كثيرا عن موقف الرئيس الأسبق محمد أنور السادات والذى كان من المقربين من ناصر منذ ثورة يوليو إلى يوم وفاته، وهو اليوم الذى شهد بداية تحول السادات، الذى كان خلال فترة ناصر لا يكل ولا يمل فى تمجيده و«الثناء على القرارات التى يتخدها، حيث تجده فى كتاب «يا ولدى هذا عمك جمال» والذى صدر فى عام 1957، يصف ناصر بأنه تفوق على أحمد عرابى فى الوطنية والشجاعة.
يقول السادات فى كتابه: «وعمك جمال يا ولدى هو المصرى العربى الذى امتلأت عروقه بالدماء الحارة من نيل مصر.. وجمال عبدالناصر عمك يا بنى الذى سميتك على اسمه.. عمك يمتاز بالإقدام والإيمان بمصر واستقلالها وكرامتها إيمانا صلبا عنيدا»، وهو الكتاب الذى اختفى بعد وفاة ناصر وتم سحبه من الأسواق، وهو ما فسر وقتها بسبب كره السادات لجمال عبدالناصر، وهو ما رواه الدكتور محمود جامع أحد المقربين من السادات، والذى يروى أن «السادات كان يكره ناصر، لأنه اعتاد تهميشه ولم يعطه حقه فى تولى المناصب القيادية، حيث لم يدخله فى التشكيلات الوزارية المتعاقبة واكتفى له بمناصب ثانوية».
كره السادات لناصر والانقلاب على أفكاره ومبادئه ظهرا واضحين فى كتابه «البحث عن الذات»، والذى عظم فيه نفسه ودوره فى الثورة والأحداث التى أعقبتها، مهيلا بالتراب على فترة سابقه، فنجده يقول عن حكم ناصر: «على عكس الحقد الذى ساد فى الثمانية عشر عاما الأولى قبل أن أتولى الرئاسة فهدم كل ما فى طريقه هدما ما زلنا نعانى من آثاره إلى اليوم»، ويضيف واصفا عبدالناصر قائلا: «لم يكن من السهل على عبدالناصر أن ينشئ علاقة صداقة بمعنى الكلمة، مع أى إنسان وهو المتشكك دائما الحذر المليء بالمرارة.. العصبى المزاج».. «كان عبدالناصر.. تختلط عليه الأمور ويفقد البصيرة وخاصة لأنه كان يتأثر بتحليلات المحيطين به والذين لم يكونوا شرفاء فى تقديم النصح له فقد كان كل همهم إن يضخموا ذات عبد الناصر حتى تبقى لهم مناصبهم ونفوذهم».
وبحسب كتاب «جمهورية الفوضي» فقد وظف السادات موهبته فى التمثيل فى خدمة دهائه فى السياسة، ووظف الاثنين فى خدمة طموحاته.. حيث وقف فى 7 أكتوبر أمام أعضاء مجلس الأمة يتعهد بأن يلتزم بالناصرية عقيدة وسلوكا قائلا: «لقد جئت إليكم على طريق عبد الناصر.. وأعتبر ترشيحكم لى توجيهًا بالسير على طريق عبدالناصر»، كما استغل السادات وفاة عبدالناصر وقدم نفسه فى صورة الوريث المخلص لقائده، حيث قبل يد وجبهة عبدالناصر، وانخرط فى بكاء متواصل، فسره البعض برد الجميل، كما انحنى أمام تمثال عبدالناصر فى مجلس الأمة.
ربما هى المصلحة التى جمعت السادات ومحمد حسنين هيكل حول ناصر، فالأول ناصره ثم انقلب عليه، والثانى بزغ نجوميته وعلا اسمه بفضل ناصر، وظل طوال مسيرته المتحدث الرسمى والمؤرخ الوحيد لحقبة الناصرية، وهو الراجل الذى يصفه البعض بأنه رجل كل العصور، فقد كتب ممجدا فى الملك فاروق «فى يوم عيدك يا مولاي»، وعقب ثورة يوليو، أصبح الصحفى المقرب من جمال عبد الناصر بل إن الرئيس الراحل كان يزوره فى مكتبه بالأهرام.
توطدت العلاقة بين هيكل وعبدالناصر حتى أصبح اللسان البليغ فى التعبير عن أفكار الزعيم، وأصبحت مقالاته مقروءة ومؤثرة، وأدى مهمته على خير وجه، وعبر عن أفكار الرئيس بصورة كان يقول عنها عبدالناصر: «هذا بالضبط ما كنت أريد أن أقوله».
وعندما أصبح السادات رئيسا، شارك هيكل فى صناعة شرعيته فى أكتوبر سنة 1970، وكتب فى نوفمبر من نفس العام مقالا تحت عنوان «عبدالناصر ليس أسطورة» وصاغ أساس الشرعية الجديدة فى أكتوبر سنة 1973، بعدما أطلق على السادات: «صاحب قرار أكتوبر العظيم»، وخلال السنوات الأولى استطاع السادات أن ينجح بمعاونة هيكل فى كسب معركة الصراع الحاد مع مراكز القوي.
وعلى النقيض من هيكل يقف أنيس منصور، والذى كان أول صدام بينه وبين ناصر بعد مقاله «حمار الشيخ عبدالسلام» والذى يرى أنيس أنه كان سببا فى فصله من أخبار اليوم، إلا أن الناصريين يردون على ذلك بأن نجم أنيس بزغ واشتهر فى عهد عبدالناصر، ونال كتابه «حول العالم فى 200 يوم» جائزة رئيس الجمهورية من عبدالناصر، كما عمل فى الإذاعة وفى التلفزيون فى عهد عبدالناصر.
منصور الذى يتهمه الناصريون بأنه عراب مرحلة «الساداتية» والترويج للتطبيع مع إسرائيل خصص جزءا كبيرا من كتاباته خلال فترة حكم الرئيس السادات للهجوم على عبدالناصر، وهو ما رأى فيه الناصريون انتهازية من الكاتب الصحفى الذى كان يمجد فى الرئيس الراحل خلال فترة حكمه، ولخص حكاياته مع ناصر فى مجموعة مقالات جمعها فى كتاب «عبدالناصر المفترى عليه والمفترى علينا»، كان أكثر ما فيه من هجوم عندما كتب يقول إنه كان مع عبدالناصر فى رحلة إلى السعودية، وحين كانوا يؤدون مناسك العمرة توقف عبدالناصر أثناء الطواف متسائلا: أهذه هى العمرة أن نطوف حول هذا البناء؟ أهذا الذى تطلبون منا أن نفعله؟ ولم يكمل عبدالناصر الطواف استهزاء بمناسكها.
وفى الجهة الأخرى من المتحولين الذين كانوا بالقرب من ناصر، فإن هناك عدة أشخاص نالهم من ناصر الغضب ومنهم من زج به فى سجون يوليو، وكانوا فى صدارة المدافعين عنه والراثين له بعد وفاته وفى مقدمة هؤلاء الشاعر الكبير نزار قباني، والذى منع من دخول مصر بسبب قصيدته «هوامش على دفتر النكسة»، والتى يقول فيها:
«أنعى لكم، يا أصدقائي.. اللغة القديمة والكتب القديمة.. أنعى لكم.. كلامنا المثقوب، كالأحذية القديمة.. ومفردات العهر، والهجاء، والشتيمة.. أنعى لكم.. أنعى لكم.. نهاية الفكر الذى قاد إلى الهزيمة».
القصيدة تسببت فى منع نزار من دخول مصر وتوقفت الإذاعة عن بث أشعاره وأغانيه، فما كان من الشاعر إلا أن بعث برسالة للرئيس جمال عبدالناصر قال فيها: «أوجعنى يا سيادة الرئيس أن تمنع قصيدتى من دخول مصر، وأن يفرض حصار رسمى على اسمى وشعرى فى إذاعة الجمهورية العربية المتحدة وصحافتها.. لا أطالب يا سيادة الرئيس إلا بحرية الحوار، فأنا أُشتم فى مصر ولا أحد يعرف لماذا أشتم وأنا أطعن بوطنيتى وكرامتى لأننى كتبت قصيدة، ولا أحد قرأ حرفا من هذه القصيدة.. يا سيدى الرئيس لا أصدق أن مثلك يعاقب النازف على نزفه... لا أصدق أن يحدث هذا فى عصرك».
وبناء عليه قام عبدالناصر بفض الحصار الذى كان مفروضا على نزار قبانى وقصائده، وغنت له أم كلثوم قصيدة «أصبح عندى الآن بندقية» عام 1969 والتى كتبها نزار فى عام 1968 لصالح القضية الفلسطينية، ورغم قرار ناصر إلا أن نزار قبانى كان يعرف أن الحاشية كانت متربصة به، وأن القرار لم يغير من موقفها شيئًا، وأن حالة العداء تجاهه ما زالت على حالها.
ورغم ذلك خرج نزار قبانى بقصيدة بعد وفاته يرثى فيها الزعيم الراحل كما لم يرثه أحد من محبيه، واصفًا إياه ب«الهرم الرابع»، يقول فيها: «السيّدُ نامْ.. السيّدُ نام.. السيّدُ نامَ كنومِ السيفِ العائدِ من إحدى الغزواتْ.. السيّدُ يرقدُ مثلَ الطفلِ الغافي.. فى حُضنِ الغاباتْ.. السيّدُ نامَ.. وكيفَ أصدِّقُ أنَّ الهرمَ الرابعَ ماتْ؟.. القائدُ لم يذهبْ أبدًا.. بل دخلَ الغرفةَ كى يرتاحْ.. وسيصحو حينَ تطلُّ الشمسُ.. كما يصحو عطرُ التفاحْ».
ويتشابه موقف نزار قبانى مع موقف الشاعر عبدالرحمن الأبنودى الذى أودعه نظام عبدالناصر السجن، عام 1966، وأودع فى سجن انفرادى بالقلعة لمدة 6 أشهر، حتى أُطلق سراحه استجابةً للمفكر الفرنسى جان بول سارتر، إذ كان شرطه الوحيد للحضور إلى مصر هو الإفراج عن سجينى الرأى والفكر، ومع ذلك ظل وفيا للحقبة الناصرية ومدافعا عنها إلى أخر حياته.
ويصف الخال هذه الفترة فى حديث الذكريات قائلا: «فترة السجن من المنح التى نلتها فى عهد عبد الناصر.. بمعنى أن المبدع لا يكتب إبداعا حقيقيا عن موضوع ما أو شأن ما إلا إذا خاض تجربة خاصة به تماماً مثل تجربتى على خط النار فى حرب الاستنزاف».
الأبنودى كان يرد بقصائده على الهجوم ويبرز نجاح ناصر فى الأغانى التى كتبها لكبار الفنانين كبعدالحليم حافظ وغيرهم، وكان آخرها رده على هجوم الإخوان على فترة عبد الناصر، وعلى خطاب المعزول محمد مرسي، الذى تهجم فيه على جمال عبد الناصر من خلال قوله: «الستينيات وما أدراك ما الستينيات»، وفى القصيدة يتحدث الأبنودى متأسفاً على عهد الناصرية، قائلا:
«يعيش جمال عبدالناصر.. يعيش بصوته وأحلامه.. فى قلوب شعوب عبدالناصر.. مش ناصرى ولا كنت ف يوم.. بالذات فى زمنه وف حينه.. لكن العفن وفساد القوم.. نسّانى حتى زنازينه.. إزاى ينسّينا الحاضر.. طعم الأصالة اللى فى صوته؟.. يعيش جمال عبدالناصر.. يعيش جمال حتى ف موتُه.. ما هو مات وعاش عبدالناصر!!»
ولاء نزار قبانى والأبنودى يقابله ما يمكن توصيفه «ندالة» الإخوان والتى كانت تسعى من خلال جمال عبد الناصر وتوثيق علاقتها بالضباط الأحرار إلى مكاسبها الشخصية وتحقيق حلمها بحكم البلاد، وما إن كشف ناصر مخططاتهم، تحولوا إلى معاداته.
مذكرات كثير من الضباط الأحرار -ومنهم خالد محيى الدين، وزكريا محيى الدين، وعبداللطيف البغدادي، وسامى شرف، وأنور السادات، وجمال عبدالناصر- تكشف أن العلاقة التى كانت كانت تربط الضباط الأحرار وعلى رأسهم جمال عبدالناصر بجماعة الإخوان قبل حرب 48، لم تتطور ولم تصل إلى مرحلة الانضمام الرسمى للجماعة، فقد أكد كثير منهم أنهم تلقوا عددًا من التدريبات العسكرية وطرق صُنْع المفرقعات فى تلك المرحلة على يد عبدالرحمن السندي، المسئول عن التنظيم الخاص للجماعة، لكنهم جميعًا أكدوا أن تعاملهم مع الجماعة كان من منطلق التقرب من فصيل سياسى يسعى إلى تحسين أوضاع البلاد، ولكن سرعان ما اكتشفوا عكس ذلك تمامًا.
خالد محيى الدين عضو مجلس قيادة الثورة وأحد الضباط الأحرار كشف عن هذه التفاصيل فى كتابه (الآن أتكلم)، حينما أكد أن بداية معرفته بجمال عبدالناصر كانت عن طريق الضابط الإخوانى عبدالمنعم عبدالرءوف، الذى كان يحاول دائمًا التأكيد أن عبدالناصر أحد ضباط الإخوان، الأمر الذى اكتشف خالد محيى الدين بعد ذلك عدم صحته، لافتًا إلى أنه اكتشف أن انضمام جمال عبدالناصر للجماعة عقب حرب 48 كان شكليًّا فقط.
المستشار الدمرداش العقالي، الذى كان أحد أبرز أعضاء الجهاز السرى فى تنظيم الإخوان يقول فى مذكراته أن حسن البنا كتب عند صدور قرار بحل جماعة الإخوان فى 1948، موصيا بأن يكون المسئول عن جماعة الإخوان فى حالة اغتياله أو غيابه هو عبدالرحمن السندى رئيس الجهاز الخاص أو التنظيم السرى للإخوان، وإذا لم يكن السندى موجودا يصبح جمال عبدالناصر حسين هو المرشد العام لجماعة الإخوان، وهو الأمر الذى أكده محمد المأمون الهضيبى الأسبق السابق للإخوان فى 2002، قائلا: «إن جمال عبدالناصر قائد ثورة يوليو حلف على المصحف والسيف لمبايعة الإخوان».
الدكتور عاصم الدسوقى أستاذ التاريخ الحديث يقول إن الرئيس الراحل محمد أنور السادات والكاتبين موسى صبرى وأنيس منصور هما أول من خان عبدالناصر، ومبادئه وأفكاره التى كانت ترفع شعار الكرامة الوطنية واستقلال مصر، بعيدا عن ثأثيرات القوى الأجنبية، وفى مقدمتها الولايات المتحدة والتى كانت تسعى بجميع الطرق إلى إزاحته من سدة الحكم فى مصر.
ويضيف الدسوقى أن هيكل رغم أنه يعد المصدر الأقرب لتاريخ الفترة الناصرية، هاجم عبدالناصر فى بداية حكم السادات، ليحجز لنفسه مكانا مع الرئيس الجديد وكتب فى نوفمير 1970 مقالا تحت عنوان «عبدالناصر ليس أسطورة»، وما إن انقلب عليه السادات عاد ليصب جام غضبه عليه فى «خريف الغضب».
أما سيد عبدالغنى رئيس الحزب الناصرى فيرى أن الشعوب العربية ما زالت وفية لفكر عبد الناصر، فثورات الربيع العربى رفعت صورة ناصر، فضلا عن وجود صور الزعيم تزين المنازل فى مصر وسوريا وليبيا وغيرها من الأقطار العربية.
عبدالغنى ينفى اتهام الناصريين بالمتاجرة بعبدالناصر، مؤكدا أن التيار الناصرى مخلص لأفكار قائد ثورة يوليو، وهو تيار فعال فى الشارع المصرى والعربي، وله رصيد شعبي، إلا أنه فى نفس الوقت هناك بعض الأشخاص الذين استغلوا اسم ناصر ودعوته لتحقيق مصالحهم الشخصية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.