أستاذ اقتصاد يُوضح أسباب انخفاض الدولار وارتفاع الذهب (فيديو)    توريد 85 ألف طن من محصول القمح إلى شون وصوامع سوهاج    ميدو بعد التتويج بالكونفدرالية: جمهور الزمالك بنزين النادي    إصابة 3 أشخاص في حادث تصادم بأسوان    ويزو: فيلم «اللعب مع العيال» حقق حلمي بالتعاون مع شريف عرفة    خبير تكنولوجى عن نسخة GPT4o: برامج الذكاء الاصطناعي ستؤدي إلى إغلاق هوليود    الديوان الملكى السعودى: الفريق الطبى قرر خضوع الملك سلمان لبرنامج علاجى    «الفن المصري الحديث».. «درة» متاحف الشرق الأوسط ويضم قطعا نادرة    بينها «الجوزاء» و«الميزان».. 5 أبراج محظوظة يوم الإثنين 19 مايو 2024    أتزوج أم أجعل أمى تحج؟.. وعالم بالأوقاف يجيب    طقس سيئ وارتفاع في درجات الحرارة.. بماذا دعا الرسول في الجو الحار؟    مع ارتفاع درجات الحرارة.. نصائح للنوم في الطقس الحار بدون استعمال التكييف    الصحة: طبيب الأسرة هو الركيزة الأساسية في نظام الرعاية الأولية    الكشف على 1528 حالة في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    قصواء الخلالي: نفي إسرائيل علاقتها بحادث الرئيس الإيراني يثير علامات استفهام    الاتحاد الفلسطيني للكرة: إسرائيل تمارس رياضة بأراضينا ونطالب بمعاقبة أنديتها    وزير الأوقاف: الخطاب الديني ليس بعيدًا عن قضايا المجتمع .. وخطب الجمعة تناولت التنمر وحقوق العمال    جدل واسع حول التقارير الإعلامية لتقييم اللياقة العقلية ل«بايدن وترامب»    تحركات جديدة في ملف الإيجار القديم.. هل ينتهي القانون المثير للجدل؟    محافظ الوادي الجديد يبحث إنشاء أكاديميات رياضية للموهوبين بحضور لاعبي المنتخب السابقين    الجمعة القادم.. انطلاق الحدث الرياضي Fly over Madinaty للقفز بالمظلات    متحور كورونا الجديد.. مستشار الرئيس يؤكد: لا مبرر للقلق    داعية: القرآن أوضح الكثير من المعاملات ومنها في العلاقات الإنسانية وعمار المنازل    دعوة خبراء أجانب للمشاركة في أعمال المؤتمر العام السادس ل«الصحفيين»    كيف هنأت مي عمر شقيقة زوجها ريم بعد زفافها ب48 ساعة؟ (صور)    «النواب» يوافق على مشاركة القطاع الخاص فى تشغيل المنشآت الصحية العامة    اقرأ غدًا في «البوابة».. المأساة مستمرة.. نزوح 800 ألف فلسطينى من رفح    مدير بطولة أفريقيا للساق الواحدة: مصر تقدم بطولة قوية ونستهدف تنظيم كأس العالم    ليفاندوفسكى يقود هجوم برشلونة أمام رايو فاليكانو فى الدوري الإسباني    ختام ملتقى الأقصر الدولي في دورته السابعة بمشاركة 20 فنانًا    هل يستطيع أبو تريكة العودة لمصر بعد قرار النقض؟ عدلي حسين يجيب    السائق أوقع بهما.. حبس خادمتين بتهمة سرقة ذهب غادة عبد الرازق    رسائل المسرح للجمهور في عرض "حواديتنا" لفرقة قصر ثقافة العريش    «نيويورك تايمز»: هجوم روسيا في منطقة خاركوف وضع أوكرانيا في موقف صعب    نهائي الكونفدرالية.. توافد جماهيري على استاد القاهرة لمساندة الزمالك    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    بايرن ميونيخ يعلن رحيل الثنائي الإفريقي    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    بنك مصر يطرح ودائع جديدة بسعر فائدة يصل إلى 22% | تفاصيل    افتتاح أولى دورات الحاسب الآلي للأطفال بمكتبة مصر العامة بدمنهور.. صور    "أهلًا بالعيد".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 فلكيًا في مصر وموعد وقفة عرفات    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    رئيس الإسماعيلي ل في الجول: أنهينا أزمة النبريص.. ومشاركته أمام بيراميدز بيد إيهاب جلال    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" في زيارة إلى مدينة العلمين الجديدة    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    «الرعاية الصحية»: طفرة غير مسبوقة في منظومة التأمين الطبي الشامل    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    عرض تجربة مصر في التطوير.. وزير التعليم يتوجه إلى لندن للمشاركة في المنتدى العالمي للتعليم 2024 -تفاصيل    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى بيت سيد حجاب.. ماتت غناوى الفرحة!

لم يتعامل المصريون مع الشاعر الراحل سيد حجاب على أنه مجرد شاعر عامية تأسرهم حكمته التى تظهر من بين ثنايا كلماته، لكنهم كانوا يرونه صوتهم الذى ينطلق عاليًا فى الأفق، ويصور أحلامهم فى دواوينه، فيثبت لهم بكلمات صادقة يملؤها الشجن أن الحلم من حقهم، وأن انتزاع هذا الحق فرض عليهم، فيساهم دون أن يشعر فى تربية ضمائرهم على حب مصر، وحب الحق، والجمال.
كان حجاب أغنية مصرية شديدة العذوبة، بدأت فى الأربعينيات، وانسحبت فى ذكرى الثورة التى تنبأ بها انسحابًا بلا ضجيج، أو كما قال هو: (كأنه سحبة قوس فى أوتار كمان).
«روزاليوسف» ذهبت إلى منزل الشاعر الراحل لتحاور زوجته ميرفت الجسرى، ولتحتفل معها بعيد ميلاده السابع والسبعين الذى يوافق 23 سبتمبر، ولنعيش معها يومًا فى محراب سيد حجاب.
 واحد وعشرون عاما هو عمر زواجكما، حدثينا عنه كزوج، وكيف تلخصين كل هذه السنوات؟
- ألخصها بأنها أسعد أيام حياتى، فلم نكن مجرد زوجين محبين، فقد كنا كيانًا واحدًا، وبيتنا كان مليئًا بالسكينة، وكنا نشعر أننا قضينا عمرنا قبل الزواج نبحث عن بعضنا البعض، لا أذكر أننا تخاصمنا يومًا ما، وأى مشادة تنتهى بأن يتكلم أحدنا مع الآخر، فلا يوجد طقوس للصلح، أما فى جلساتنا سويًا، فكلها سعادة، حتى لو ظل ساكتًا، فقد كنت أتقاسم معه الصمت، لأنى كنت أشعر أننى أجلس مع نفسى، وحتى هو كان أحيانا يقول لى مازحا: «أنا قلقان منك.. أنت بتعرفى كل حاجة فى دماغى من غير ما أتكلم».
 أعلم أن أغنية (دى مكتوبالي) التى غناها على الحجار كتبت لك خصيصًا.. هل أخبرك بذلك وقت كتابتها؟
- لم يخبرنى، رغم أنه يأخذ رأيى فى كل كتاباته، لكنه صارحنى بذلك بعد أن غناها الحجار، وبالمناسبة فمنذ بداية معرفتنا كان يغنى لى أغنية (أنت طلعتى لى منين ودخلتى حياتى إزاى.. فى عنيكى حنان وحنين وفى صوتك بحة ناي) التى كتبها للحجار أيضا قبل أن ألتقيه.
 كيف كنت تحتفلين بيوم ميلاده؟
- كانت حياتنا بسيطة، وطبيعية، وبعيدة عن التكلف، لذلك لم تكن هناك طقوس بعينها لهذا اليوم، فأهم شيء أن نقضيه سويًا، لذلك لم تكن هناك حفلة، أو عزومة، لكننى بالطبع أستعد لوجود زوار فى هذا اليوم، فقد كانت تحضر ابنته ريم، كما كان يأتى ابنا أختى عايدة وصلاح، فقد كان يحبهما جدًا، وأثرا فيه بشدة، لدرجة أنه كتب عنهما فى إحدى المرات.
 ما الذى كان يفرح سيد حجاب؟
- سيد كان متفائلاً بطبعه، ولحظات سعادته كثيرة وسهلة، فقد كان يسعد عندما يسمع موسيقى جميلة، أو يشاهد عرضًا مسرحيًا جيدًا، لكن سعادته الحقيقية من كل قلبه تجسدت فى واقعتين مهمتين فى حياته، أولاهما ثورة يناير التى شارك فيها فى الميدان، واللحظة الأخرى هى وقت كتابته للدستور عقب ثورة 30 يونيو.
 دعينا نتحدث عن كل واقعة بالتفصيل... ما الذى كان يقوله سيد حجاب بعد عودته يوميًا من الميدان؟
- كان يردد دائمًا أن ما توقعه حدث، حيث كان يقول:«أنا كنت بقول دائما إن الطوفان جاى، وقبل ما أكمل كلامى وصل» فى إشارة لقصيدته الشهيرة التى كتبها فى 2010 وكان عنوانها «قبل الطوفان اللى جاي»، وبالفعل كانت كل حواراته الصحفية قبيل الثورة يردد فيها أننا وصلنا لآخر النفق، وسنرى النور قريبًا، وسبب ذلك أنه قارئ جيد لتاريخ البشرية، ولديه قدرة على استشراف المستقبل، فهو كان يعلم تمامًا أن الظلم لن يستمر، وأن الإنسانية ستنتصر فى النهاية، أما الشيء الآخر الذى كان يقوله لى فى أيام الثورة فهو أنه كان يتمنى وجود أصدقائه الذين رحلوا عن دنيانا، لكنهم قاوموا التردى السياسى والفكرى بأعمالهم طيلة حياتهم، فكان رأيه أنه من حقهم أن يقطفوا ثمرة ما زرعوه، فقد كان يردد: «أنا نفسى صلاح جاهين وأسامة أنور عكاشة ومحسن زايد يكونوا عايشين دلوقتي».
أذكر أن صديقة حكت لى أنها رأته فى الميدان، يقف فى مكان عالٍ، وينظر لجموع الناس، وتنهمر دموعه من السعادة، فقد كان يعتبرها لحظة انتصار شخصية له.
 تجلى الشعور السياسى المتأجج لسيد حجاب فى ديباجة دستور 2014 التى كتبها بأسلوب أدبى، وأنهاها بعبارة ملهمة، قال فيها (نحن المواطنات والمواطنين.. نحن الشعب المصرى.. السيد فى الوطن السيد.. هذه إرادتنا.. وهذا دستور ثورتنا) حدثينا عن تلك الفترة فى حياته؟
- استغرقت كتابة الدستور خمسة أشهر من عمر سيد حجاب هى من أسعد فترات حياته، ورغم أنه لم يكن موظفًا يومًا ما، فقد كان يستيقظ مبكرًا جدًا كل صباح ليذهب لكتابة الدستور، وكأنه يجاهد، لذلك شعر الجميع بأن مقدمة الدستور مكتوبة بيد رجل عاشق للوطن، فقد كان مصرًّا على أن يضم كل أسئلة الهوية المصرية فى تلك الديباجة، ويشعر الإنسان المصرى بعظمته، وعظمة ثورته.
 ما أكثر الأماكن المحببة له داخل المنزل؟
- مكتبه بالتأكيد، فقد كان يقضى به وقتًا طويلاً، وكان ينظمه طوال الوقت، كما كان يفضل الكنبة الموجودة فى غرفة الاستقبال، فقد كنا نجلس عليها سويًا لنشاهد التليفزيون، وكان يستقبل زواره فى كلا المكانين.
 لكن أين يأتى الإلهام؟
- الإلهام يأتى له فى أى مكان، وقد كان أحيانًا يستيقظ من النوم ليكتب شيئًا ثم يعود للنوم مجددًا، وقد كانت له مقولة «الفكرة التى لا تبقى فى الذاكرة ليست الأفضل».
 ولمن كان يقرأ؟
- كان قارئًا نهمًا جدًا، ومن الممكن أن يجذبه كتاب فلا يتركه حتى ينتهى من قراءته، حتى لو سهر طوال الليل، وأجمل ما كان يميزه أنه يهضم جيدًا ما يقرأ، ولديه استعداد أن يقرأ فى جميع الثقافات، ولجميع الأجيال، فقد كان يقرأ حتى آخر أيامه، وكان بجوار سريره قبل الوفاة كتابان، أحدهما لطه حسين بعنوان «غرابيل»، يبدو أنه قرر أن يعيد قراءته، و«الجهل المقدس» لأوليفيه روا، وبالمناسبة، فقد كان يقرأ بالفرنسية، والإنجليزية أيضًا.
 هل كتب مذكراته؟
- للأسف لم يحدث، رغم أنه كان يمتلك الكثير ليرويه، لكنه لم يستجب لدعوات الأصدقاء لكتابتها، كما لم يستجب لترشيحه كوزير للثقافة بعد ثورة 30 يونيو، فقد كانت إجابته دائما: «أنا بس محتاج أخلص الشعر اللى جوايا».
 (تاتا خطى السبعين) هى القصيدة التى توفى قبل أن يكملها، ما السبب رغم أنه شرع فى كتابتها منذ عام 2010؟
- هذه القصيدة كانت مقسمة إلى ثلاثة أبواب، هى: باب الخير، وباب الحق، وباب الجمال، وقد انتهى من كتابة الحق، وقد أعاد كتابتها أكثر من مرة، وقد كتب آخر نسخة فى عام 2012، لكنه انشغل فى أكثر من أمر بعد ذلك، وكان يتمنى أن يضع فى هذه القصيدة خلاصة تجربته، ودائمًا ما كان يتحدث عنها على أنها المعادل الإنسانى للقصيدة السياسية (قبل الطوفان الجاي).
 بمناسبة القصائد السياسية اللاذعة التى كان يكتبها، هل قلقت يوما عليه وطلبت منه أن يتوقف عن ذلك؟
- بالطبع كنت أقلق، لكن لم أكن أظهر هذا القلق، لأنى أعلم أن لا شيء يستطيع إيقافه، فهو شخص متسق مع نفسه، ويقول ما يؤمن به حقًا، وكنت دائمًا ما أشعر أنه فى حالة تآمر مع الناس، فقد كان يرى أن من واجبه أن يبث فيهم الأمل، المصاحب دائما للعمل (وده بكرة ييجى منين إلا بإيدينا).
 وما أكثر قصيدة كان يحبها ويرددها لنفسه، ولغيره؟
- هو لا يعترف أبدًا بأفعل التفضيل، فلا يوجد فى حياته ما يعرف بأفضل قصيدة، أفضل فنان، أو أفضل عمل فنى، لكنه كان يمتلك فراسة تجعله يختار الشعر الأنسب فى كل مناسبة، فقد كان أكثر ما يردد فى الندوات العامة قصائد مثل: أراجوز، وهنا القاهرة، أما فى وقفات كفاية فقد كان يردد قصيدة «قانون هذا العصر الأغبر»، وهكذا يختار من بين قصائده ما يناسب اللحظة، أما أكثر ما كان يردده لغيره من الشعراء، فقد كانت قصيدة «القمح مش زى الدهب.. القمح زى الفلاحين.. عيدان نحيلة جدرها بياكل فى طين» لصلاح جاهين.
 ما كواليس كتابته لتيترات المسلسلات، هل كان يحضر تصوير حلقات من المسلسل بنفسه ليتفهم قصته أم أنه يكتفى بقراءة السيناريو فقط؟
- مرات نادرة جدًا التى ذهب فيها لحضور التصوير، لكن فى العادة يقرأ المعالجة والسيناريو، ويضع علامات على أماكن درامية من الممكن أن تغنى فيها أغنية، ثم يلتقى بمخرج العمل، ويتناقش معه ليتعرف من خلاله على الشخصيات المحورية فى العمل، والتى سيقدم على لسانها moral كان يهتم جدًا بلهجة العمل، لتكون كلمات التيتر متناسبة معها، وبالمناسبة رفض كثيرًا من الأعمال ليس لضعف مستواها الفنى، ولكن لأنها لا تتماشى مع ما يعتقد، حتى لو تكلف إنتاجها ملايين.
 ماذا كان يحكى لك عن طفولته؟
- كان يتذكر شخصيات من بلده بالدقهلية، ويحكى ذكريات مع والدته دولت، وأبيه أحمد، فقد أثرا فيه كثيرًا، خاصة أن والده كان معلمه الأول، وكان يمتلك شخصية متسامحة، ومتفتحة، لدرجة أنه أرسل بناته إلى المنصورة عند أقاربهن لكى يتعلمن، لأنه لم تكن هناك مدارس ابتدائية للبنات فى قريته آنذاك، وقد أنجب تسعة أبناء، يتوسطهم سيد، أما والدته فقد كان يحكى عنها أنها سيدة مثقفة، ولها مشاركات نضالية فى قريتهم وقت الحرب، وعمومًا، فإن مشاهد الطفولة كانت ظاهرة بشكل كبير فى ديوانه الأول (صياد وجنية) الذى كان يحمل الكثير من الواقعية السحرية، التى جعلت منه أشبه بالأدب اللاتينى، لدرجة أنه كان يصف جمال القرية بعد أن ينثروا (الجماص) على الأرض وهى القواقع المطحونة التى كانت تنثر فى الشتاء لكى تمتص المطر، ويصف مشهد الصيادين العائدين من رحلة صيد، وكيف كانوا ينشرون شباكهم أمام منازلهم.
 من المعروف أنه اعتقل مرتين إحداهما فى عصر عبدالناصر، والأخرى أيام السادات، ماذا كان يحكى عن ذكريات المعتقل؟
- مبدئيًا سيد حجاب لم يعتقل سوى مرة واحدة فى عهد جمال عبدالناصر لمدة سبعة أشهر، وتحديدًا عام 66، أما فى 77 عام انتفاضة الخبز، فقد كان مطلوبًا من السادات لاعتقاله، لكنه اختفى عند أصدقائه، ولم يعتقل، ورغم أن تجربة السجن تركت أثرًا كبيرًا عليه، لكنها فى واقع الأمر لم تترك مرارة، وكان زملاؤه فى الزنزانة فى هذا الوقت هم: جمال الغيطانى، وصلاح عيسى، وإبراهيم فتحى، والأبنودى، ومحمد عبدالرسول، وكانوا يشبكون أيديهم لتلتحم أجسادهم، ويغنون لفيروز بصوت عال (بدنا نعرف.. نحن جينا لنعرف)، أما عن ذكريات الحبس الانفرادى فقد كان يصمم روتينًا يوميًا لنفسه، يسير فيه عدد خطوات معينًا، ويقرأ كتبًا دينية، وهى التى كان مسموحًا بدخولها إلى الزنزانة فقط.
 تعتبر الأغانى التى كتبها حجاب للأطفال عابرة للأجيال، بم تفسرين ذلك؟
- لأنه لم يكن يخاطبهم بشكل تربوى، بقدر ما كان حديثه كله محملاً بالرسائل، وهذه هى طريقته فى الحياة، فلم أره قط يتحدث بطريقة استرشادية، أو يقول افعل ولا تفعل، وهو لم يكتف فقط بكتابة الأغانى للأطفال، لكنه كتب فى الستينيات لمجلات ميكى وسمير، ونشر فيها قصائد تعرفهم بالقضية الفلسطينية، كما لخص لهم روايات مهمة مثل كفاح شعب طيبة وغيرها.
 وماذا عن ابنته ريم فى حياته؟
- كان يتعامل معها من منطلق كلمات جبران خليل جبران (أولادكم ليسوا لكم.. أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها)، فقد كان يمنحها الحرية الكاملة، ويدفعها دفعا لأن تكون «واحد صحيح»، وكيانًا مستقلاً، وليست فقط ابنة سيد حجاب، فتركها تحفر فى الصخر، وتصنع تجاربها بنفسها دون مساعدة، فقد كانت علاقة حرة وغير تقليدية.
 كانت هناك كيمياء تجمع بينه وبين صلاح جاهين، وعمار الشريعى، لدرجة جعلته يرثيهما بأشعاره بعد وفاتهما، ماذا كان يحكى لك عن علاقته بهما؟
- يعرف الغالبية قصة لقائه الأول بجاهين، عندما اصطحبه الشاعر فؤاد قاعود ليستمع إلى أشعاره، وكيف صرخ، واحتضن قاعود، قائلا: (الشعراء زادوا واحد) وبسبب صلاح جاهين حسم سيد حجاب صراعًا داخليًا عاشه بين الفصحى والعامية، وقرر الكتابة بالعامية المصرية وحدها، والحقيقة أنه أحبه حبًا شديدًا، وأهدى لروحه قصيدة «عشر كلمات عند افتراق الطريق»، التى قال فيها (سامحنى يا صاحبى البريء الجميل.. واحنا هناك على بوابات الرحيل.. سِبتك وسِبت البوابات تاخدك، ورجعت عاجز كليل).
 هل معنى ذلك أنهما لم يتخاصما يومًا؟
- حكى لى أنه غضب من جاهين لأنه كتب قصيدة امتدح فيها جمال عبدالناصر، وظل لا يحدثه وقتًا طويلاً، حتى أرسل له جاهين بأنه مريض ويريد أن يراه، وعندما ذهب له ضربه جاهين معاتبًا على طول فترة الغياب، وكان منطق حجاب أنه لا يصح أن تمتدح من يسجن ويعتقل، بينما شرح له جاهين أن ناصر حقق كثيرًا من الإنجازات، وفى النهاية كان يحكى حجاب هذه الواقعة على أنها طيش شباب منه!
 وماذا عن عمار الشريعى؟
- كانت علاقته به قديمة جدًا، وكانت هناك حياة كاملة بينهما، وحتى بعد زواجنا، ظلت علاقتهما بنفس القوة، رغم أنهما لم يكونا يلتقيان يوميًا كما فى السابق، فقد بدأت معرفتهما فى إحدى السهرات فى السبعينيات، حيث كان الشريعى عازف كيبورد، وشعر حجاب بأنه وجد الصديق، والملحن المجدد، ورشحه بعد ذلك لمسلسل «الأيام»، ومسلسل «بابا عبده» فى نفس العام، وتوالت الأعمال، وزاد القرب، وهو ما دفعه إلى نعيه بعد وفاته قائلاً: «أخيّ الروح يا روح حرة.. يا كروان زمانى
مع مين هفضفض وأبوح.. إذا زمانى رمانى.. هتروح ورا الريح وأنوح عليك أنا والأغانى.. وإزاى يا صاحبى تروح وأنا أعيش وما أشوفكش تاني».
 سمعنا منذ سنوات عن مشروع مع هيئة الكتاب بهدف جمع أعماله الكاملة مسجلة بصوته، هل أنجز جزءًا كبيرًا منه قبل وفاته؟ وما مصير هذا المشروع؟
- للأسف اتسرسبت السنين ولم يسجل سوى ديوان واحد فقط هو ديوانه الأول (صياد وجنية)، لكن يوجد العديد من القصائد الأخرى مسجلة، ونعكف أنا وريم على تجميع تراث سيد حجاب، بالتعاون مع هيئة الكتاب، وستظهر ثمرة هذا التعاون فى معرض الكتاب القادم.
 خلق تاريخ وفاة حجاب فى ذكرى الثورة شجنًا فى قلوب محبيه، ماذا تقولين عن هذا اليوم؟
- شعرت أنه هو من اختار تاريخ وفاته، فثورة يناير كانت ميلاده الثانى، وأذكر الأيام التى سبقت الوفاة جيدًا، بعد العودة من فرنسا، حيث قرر الأطباء هناك أنه من الممكن أن يتناول جرعات الكيماوى المقررة له فى مصر، وكان متعبًا جدًا، لكنه دائما ما كان يقول لى (لولاكى ماكنتش كملت) وكان لدينا أمل كبير فى الشفاء، خاصة أن ذهنه حاضر طوال الوقت رغم الألم، حتى تدهور الوضع يوم 21 يناير، فتحدثت إلى وزير الثقافة، وتم نقله إلى مستشفى القوات المسلحة.
 هل تذكرين كلماته الأخيرة لك؟
- كان يغازلنى حتى آخر لحظة، كان يقول لى أنت مكافأة نهاية الخدمة، أنت قبلة الحياة التى أعيش من أجلها، أنت روحى حرفيًا، حتى فى غير أوقات الزيارة، كنت أتحدث مع الممرضة، وأقول لها: (اديله بوسه وقولى له بحبك) وكانت الممرضات يتعجبن كثيرًا من قصة حبنا، وفى يوم 25 يناير اتصلت به لأسأله عما ينقصه لأحضره له فى الزيارة، قالت لى الممرضة: (بيقولك هاتى مياه ومناديل)، وبالفعل أحضرتها، لكنى لم أستطع أن أعطيه إياها فقد رحل قبل وصولى، وعلمت بالخبر وأنا هناك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.