إيهود باراك: إسرائيل لا تملك القدرة على خوض حرب شاملة بمفردها لإسقاط إيران    إشادة قوية من المطربة أنغام على أداء محمد الشناوي أمام إنتر ميامي الأمريكي    «كنت رقم 1».. وسام أبوعلي يكشف مفاجأة عن أزمة ركلة جزاء الأهلي    التعليم: فتح ابواب اللجان الامتحانية في الثامنة صباحًا امام الطلاب    الأردن يُطلق صفارات الإنذار وسط تصاعد التوترات الإقليمية    برواتب تصل ل12 ألف جنيه.. العمل تعلن وظائف جديدة بشركة أدوية بالإسماعيلية    250 مصابا و8 قتلى بصواريخ إيران.. سلطات إسرائيل تقيم مركزا للتعرف على الجثث    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 15 يونيو    اليوم.. مجلس النواب يناقش مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد    دعاء امتحانات الثانوية العامة.. أشهر الأدعية المستحبة للطلاب قبل دخول اللجان    أسعار الخضروات والأسماك والدواجن اليوم الأحد 15 يونيو    نقابة الموسيقيين تحذر مطربي المهرجانات والشعبي بسبب الراقصات    "زيزو الأعلى".. تعرف على تقييمات لاعبي الأهلي خلال الشوط الأول أمام إنتر ميامي    سعر الذهب في مصر اليوم الأحد 15-6-2025 مع بداية التعاملات    تحذير شديد بشأن حالة الطقس وانخفاض الرؤية: «ترقبوا الطرق»    محافظ قنا يشارك في الاحتفالية الرسمية لاستقبال الأنبا إغناطيوس بالمطرانية    حارس إنتر ميامي الأفضل في افتتاح مونديال الأندية أمام الأهلي    «المركزى» يُقر خطة تحويل «إنكلود» لأكبر صندوق إقليمي في التكنولوجيا المالية    رقم تاريخي ل زيزو مع الأهلي ضد إنتر ميامي في كأس العالم للأندية    إعلام إسرائيلي: مصرع 5 وأكثر من 100 مصاب جراء القصف الإيراني على تل أبيب    «زي النهارده».. وفاة وزير الداخلية الأسبق النبوي إسماعيل 15 يونيو 2009    تجاوز 63%.. مؤشر تشغيل القروض للودائع يواصل التحليق لمستويات غير مسبوقة    السينما والأدب.. أبطال بين الرواية والشاشة لجذب الجمهور    ذكريات مؤثرة لهاني عادل: كنت بابكي وإحنا بنسيب البيت    إصابات واستهداف منشآت استراتيجية.. الصواريخ الإيرانية تصل حيفا    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    أنظمة عربية اختارت الوقوف في وجه شعوبها ؟    سبب دمارًا كبيرًا.. شاهد لحظة سقوط صاروخ إيراني في تل أبيب (فيديو)    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    الموعد المتوقع لإعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025؟.. رابط الاستعلام برقم الجلوس    "رفقة سواريز".. أول ظهور لميسي قبل مباراة الأهلي وإنتر ميامي (صورة)    أعراض السكتة القلبية، علامات صامتة لا يجب تجاهلها    السفارة الأمريكية في البحرين تدعو موظفيها إلى توخي الحذر عقب الهجوم على إيران    "العسل المصري".. يارا السكري تبهر متابعيها في أحدث ظهور    القانون يحظر رفع أو عرض العلم المصرى تالفا أو مستهلكا أو باهت الألوان    ضبط كوكتيل مخدرات وأسلحة آلية.. سقوط عصابة «الكيف» في قبضة مباحث دراو بأسوان    إغلاق كلي بطريق الواحات لمدة 5 أيام.. تعرف على الطرق البديلة    بداية العام الهجري الجديد 1447.. عبارات مميزة لرسائل تهنئة وأجمل الأدعية    الجلاد: الحكومة الحالية تفتقر للرؤية السياسية.. والتعديل الوزاري ضرورة    سوريا تغلق مجالها الجوي أمام حركة الطيران    رسميًا بعد الارتفاع.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 15 يونيو 2025    كهرباء قنا تفتتح مركزًا جديدًا لخدمة العملاء وشحن العدادات بمنطقة الثانوية بنات    بمشاركة 20 ألف.. مستقبل وطن يُطلق مؤتمر شباب الدلتا بالإسكندرية    شهادة أم وضابطين وتقارير طبية.. قائمة أدلة تُدين المتهم في واقعة مدرسة الوراق (خاص)    إصابة سيدتين وطفل في انقلاب ملاكي على طريق "أسيوط – الخارجة" بالوادي الجديد    نتناولها يوميًا وترفع من نسبة الإصابة بأمراض الكلى.. أخطر طعام على الكلى    دون أدوية أو جراحة.. 5 طرق طبيعية لتفتيت وعلاج حصوات الكلى    ضمن مبادرة "100 مليون صحة".. صحة الفيوم تقدم خدمات المبادرات الرئاسية لأكثر من 18 ألف مواطن خلال عيد الأضحى    أسرار صراع المحتوى «العربي - العبري» في الفضاء الاصطناعي    كأس العالم للأندية| «ريبيرو» يعقد محاضرة فنية للاعبي الأهلي استعدادًا لمواجهة إنتر ميامي    جامعة بدر تفتح باب التقديم المبكر بكافة الكليات لطلاب الثانوية العامة والأزهري والشهادات المعادلة    النيابة تدشن المرحلة الأولى من منصتها الإلكترونية "نبت" للتوعية الرقمية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    فرصة للراحة والانفصال.. حظ برج الدلو اليوم 15 يونيو    رئيس هيئة الرقابة النووية والإشعاعية السابق: لا تأثيرات لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية على مصر    سر دموع عبد الفتاح الجرينى على الهواء فى "صندوق الذكريات" ب"آخر الأسبوع"    بدأت في القاهرة عام 2020| «سيرة» وانكتبت.. عن شوارع مدن مصر القديمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيد حجاب: بدأت المسيرة بنقد أشعار «أبوسنة» و«قاعود» و«سويلم» (الحلقة الثالثة)
نشر في المصري اليوم يوم 16 - 08 - 2010


يا سيد يا بدوى.. مدد...!!!
مدد.. رجعنا فى رحابك لبيت القصيدة البعيدة..
لحضن الوطن والسكن والعشرة والجيرة..
افتح بيبان الزمان..
لاجل ما نشوف اللى كان..
من عاطرى السيرة...
فى لحظات ممتعة، استمعت له فيها يرسل نغماته وتقاسيمه إلى مسامعى، قد تسرب إلىّ رحيق من عباءته العامية بنت البلد، وكأن نقطة من حبر قلمه سالت على لسانى فصبغته بالقافية، وكأننى أكتب من أحد بيوته وأسكن شطرة من شطوره المضيئة، أكتب وأنا فى رحاب « سيد حجاب»..
وهو لايزال يفتح لنا نافذة على صندوق دنياه الملىء بالذكريات والبدايات والنهايات والأساطير، لنلتقى بالعمالقة ونشرب معهم كوباً من الشاى على مقهى الحرية الثقافى، ونستمع لأولى قصائده أمام عمنا فارس الرباعيات «صلاح جاهين»..
مازال لحديثه المسترسل والفياض بالحنين والشوق بقية، بقية باقية فى أذهاننا وأذهان التاريخ..
مازال يفصح عن خطواته الأولى.. ويكشف الستار عن تاريخ تتشرف أقلامنا بسطره وتسجيله عبر سطورنا المقبلة..
■ نعود مرة أخرى للمنطقة الشعرية فى حياة سيد حجاب، ماذا بعد ذلك وأين القفزة الحقيقية فى مسيرتك الفنية؟
- كنت ألتقى دائماً فى «رابطة الأدب الحديث» شاعراً يرتدى بذة مجندى الجيش، وكنا دائماً ما نستمع إلى الشعراء وبعيوننا نتبادل الاستحسان أو الاستهجان فيما قيل من قصائد، وفى مرة من المرات ألقى هذا الشاعر المجند علينا قصيدة بعنوان «مجنون»، فاقتربت منه بعد أن انتهى من إلقائها وهنأته على قصيدته العامية الرائعة ثم قدمت له قراءة نقدية مستفيضة حول قصيدته، فسألنى حول كونى شاعراً أم لا، فأجبت بأننى أحب الشعر فقط وكنت قد نشرت أشعارى من قبل.. فأصر على اصطحابى معه وأصدقائه إلى مقهى فى باب اللوق بعد أن تنتهى الندوة، وكان فى انتظاره هناك الشعراء والفنانون: «محمد إبراهيم أبوسنة»، «سمير سويلم»، و«فؤاد قاعود»، و«سريال عبدالملك»، وعرفنى الشاعر المجند على أننى «واحد بيحب الشعر»، وبدأ كل منهم يلقى قصيدة، وما إن ينتهى أحدهم حتى يبدأ فى سؤالى بعينه حول رأيى، فأقدم قراءة نقدية سريعة نفاذة لكل ما يقال حتى اقترب منى فؤاد قاعود فى شىء من الحدة: «إنت مش واحد بيحب شعر بس.. إنت بتكتب شعر»، فأجبت بخجل وتواضع المغرورين بكلام التهرب المعروف: «مجرد تسجيل لمشاعر»، فأصر «فؤاد» على أن ألقى بقصيدة عليهم، وكانت قصيدة «قال ابتسم» التى تصوّر ولداً ذهب لمصوراتى لكى يلتقط له صورة، وطلب منه أن يبتسم فيبدأ الولد فى الشكوى من حياته فوق السطوح وحبه الذى تركه ويتعجب من طلب المصوراتى.
■ وماذا كان رد فؤاد قاعود..؟
- ابتسم فؤاد وقال إن هناك شيئاً جديداً فى قصيدتى، وفى هذه الفترة كنت قد انتظرت «عمنا بيرم التونسى» فى مقهى الحرية أكثر من مرة، لأحاول أن أتعرف عليه، وكان بالنسبة لى صلاح جاهين وبيرم التونسى هما «كبار القعدة وأهم قارتين شعريتين فى العالم»، ولكننى فوجئت برجل شكس يشاكس ويتشاجر «مع دبان وشه».. يدفع صبى القهوة بيد ويسلم على أحدهم من وراء قلبه بأخرى، فكنت أخشى أن أقترب فى كل مرة واكتفيت برؤيته من بعيد، وبعد فترة من جلستى الأولى مع «فؤاد قاعود» كنا قد أصبحنا أصدقاء، وكنت قد حاولت محاولاتى الخايبة الكثيرة لمقابلة صلاح جاهين، وبعد فترة اصطحبنى ليعرفنى بصلاح جاهين، فى يوم لا ينسى، كان صلاح جاهين يقرأ قصيدة «مصرع لومومبا» التى كتبها «أحمد عبدالمعطى حجازى» على الملحن «سليمان جميل» وكان صلاح «قاعد على إيده.. يقرأ له القصيدة ويشرحها ويوضح إيقاعاتها وتقسيماتها ليخرج لحناً رائعاً، وكانت هذه الصورة الأولى لهذا الرجل الذى بدا كأنما هو مسؤول عن أى شىء جميل يحدث، ويجب أن يمر على يديه».
■ أول لقاء فى حضرة قارة الشعر العامى «صلاح جاهين» كما تقول.. كيف كان، وكيف تلقى شعرك؟
- أخذنا لحظة فى دخولنا وألقينا التحية فى صمت حتى ينتهى عمنا «صلاح جاهين» و«سليمان جميل» من العزف على البيانو، وبعد قليل طلبا استراحة، فقدمنى «فؤاد قاعود» لعمنا «صلاح جاهين» وكان أول ما قال لى: «سمعنا يا سيدى»، كان متجهماً وصامتاً ومتكوراً على نفسه ولا توجد أى ملامح مطمئنة، كنت مرتبكاً بالطبع وأنا ألقى الشعر فى حضرة صلاح جاهين، ويطلب بإشارة من يده قصيدة أخرى دون أن يغير وضعه فألقيتها بارتباك أكثر وبخوف من ردة فعله المجهولة، فهو لا سعيد ولا حزين لا راضى ولا غير راض، فقط يشير بيده وهو فى نفس الوضعية المتكورة ويطلب منى قصيدة ثالثة دون أن تتغير أى تفصيلة من تفاصيل تكوينه أو ملامح وجهه، فألقى بثالثة وأنا فاقد لأعصابى وفى قمة توترى، وما إن انتهيت من إلقاء القصيدة الأخيرة حتى تفككت هذه الكرة البشرية لتقفز فى الهواء وتحتضن «فؤاد قاعود» ليقول عمنا صلاح جاهين وهو فى غاية السعادة له: «كده بقينا كتير يا فؤاد»..
■ بم شعرت بعد قناعة جاهين بقصائدك، وماذا كان يعنى ب«بقينا كتير» يا فؤاد؟
- بالطبع كانت هذه الكلمة التى قالها عمنا «صلاح جاهين» كبيرة جداً بالنسبة لى، ولم تتجاوز أقصى أحلامى تفاؤلاً أن تكون هذه إجابته، ولكنها أعادت شريط ذكرياتى بداية من والدى حين قال لى: «إن الله أعطاك موهبة الشعر ليس لكى تشكره عليها فقط، بل إن هناك أشياء مطلوبة منك وأنت مسؤول عن تحقيقها بشعرك»، وكذلك تفسير أستاذى «شحاتة» الذى طلب منى البحث عن قصائدى التائهة، ثم الدكتور «محمود مندور» وهو يتلقى قصائدى التجريبية بحفاوة، وأخيراً قول جاهين لقاعود، وهذا القول كان بسبب عدم وجود الشعر العامى على الساحة إلا من صوت جاهين «اللى ما صدق وقابل قاعود» ثم غمرته فرحة شيخ القبيلة الذى وجد بين أبناء قبيلته شاعراً، فيحمل مسؤولية أنك موضع ثقة القبيلة، ويجب أن تكون على قدر المسؤولية.. «فؤاد حداد» رفيق عمر جاهين، والشابان: «محسن الخياط» و«سمير عبدالباقى».. الجميع من شعراء العامية فى المعتقل، فكان جاهين محارباً وحيداً فى قلب ساحة المعركة إلى أن التقى الفارس «فؤاد قاعود» ثم شاعراً مثلى كجندى بجانبهما.
■ وماذا عن الشاعر المجند.. من كان هذا الشاعر؟
- عبدالرحمن الأبنودى، وكنت بعد فترة قد اقتربت بشدة من عمنا صلاح جاهين، وحينها كنت أنا من أطلع على بريده لأنتقى ما يقرأ منه وما لا يقرأ، ومن بينها كانت أربع قصائد للأبنودى، من بينها قصيدة «مجنون»، وحين سألنى عمنا جاهين عنه قلت إنه شاعر من قنا عاد إلى هناك مرة أخرى بعد أن انتهى من فترة تجنيده ليعمل كاتباً بمحكمة قنا، وهو يحلم بحلم غنائى هو اقتحام الإذاعة المصرية وملؤها بالأغانى مثلما فعل جاره وابن قريته الشاعر «مصطفى الجوسى» الذى أذيعت له أغنية حينها، فقدمه عمنا صلاح جاهين وهو سعيد جداً وعلق عليه قائلاً: «أنا فى غاية السعادة بهدية الصعيد لنا بشاعر وجودى».
■ وبعد أن وجد المحارب فارسه وجنديه.. كيف كانت المعركة؟
- جاهين «لمنا حواليه».. وافتتح جاهين باب «شاعر جديد» فى مجلة «صباح الخير» لكى يقدم فيه «فؤاد قاعود» الذى بدأ يكتب بعدها فى «روزاليوسف»، وبعدها بأشهر قليلة يقوم بتقديمى تقديماً مليئاً بالحنو والأبوة واستشراق النظرة والأمل..
ويقطع حديثه قائلاً: «أنا مازلت أحتفظ بهذا التقديم الذى أعتز به»، ويغيب للحظات ثم يعود وبيده عدد 27 يوليو 1961 من مجلة «صباح الخير».. ويقول: «اسمعى بقى عم صلاح جاهين بيقول إيه..» «عندما أبحث عن كلمات أقدم بها هذا الشاعر الجديد لا تلبينى إلا الكلمات العاطفية ولو كان هناك حب من اللحظة الأولى، أكون أنا قد أحببت هذا الشاعر من أول شطرة.. اسمه (سيد حجاب) تذكروا هذا الاسم فإنه سيعيش طويلاً فى حياتنا المقبلة وسيكون له شأن عظيم، هو طالب بكلية الهندسة بجامعة القاهرة لم يتم بعد عامه الواحد والعشرين ولكنه بلغ سن الرشد الأدبى بسرعة، انظروا ماذا يقول لى فى خطابه الأخير عن مدينته ببحيرة المنزلة».
وبعد أن يكتب شيئاً من خطابى له، يعلق: «والمهم بعد كل هذا أننى لن ألتزم بحرفية التاريخ ولا حرفية الواقع وربما لا بحرفية الحواديت عنه، سأتخير من كل هذا ما يمكن أن يخدم وجهة نظرى وسأسقط على هذا البطل المنهزم كل ما أفتقده فى البطل، وسأضمنه واقعنا إلى حد كبير.. كل هذا فى صياغة شعبية دارجة، بمعنى أننى سأجر عربة ثقافتى وراء ظهرى ولن أدفعها أمامى».
■ هل حدث واعترضت أو رفضت إحدى وصايا عمنا صلاح جاهين حول قصائدك؟
- حدث هذا مع أول قصيدة أرسلتها إليه، وهى نفس القصيدة التى علق عليها فى «صباح الخير».. وقد علق لى جاهين على هذا الاعتراض فى نفس الافتتاحية التى قدمها فيها بالمجلة فقال: «إن سيد حجاب الشاعر الجديد الذى أتحدث عنه أرسل إلىّ ضمن رسائله ليقول لى (إننى لم أصلح من قصيدة ابن بحر بالشكل الذى اقترحته علىَّ).. وقد ناقشت هذه القصيدة معه وأشفقت عليه من الجو المعتم الذى يختمها به وأحسست به يخوض تجربة نفسية مرهقة».
■ وماذا كان رد فعله على هذا الرفض؟
- علق على هذا الرفض قائلاً: «كم كانت فرحتى عندما كتب لى سيد حجاب فى حزم أنه لن يغير نهاية القصيدة!.. كنت معجباً بهذا العناد وأعتبره عاملاً آخر من العوامل التى ستجعل هذا الشاعر عظيماً، يكتب إحساساته بلغة الشعب، اللغة التى تحمل كل آلامنا الماضية وآمالنا المقبلة.. الشاعر الذى يحمل فى شجاعة مسؤولية الكلمة».
سكت سيد القصيدة قليلاً ودخن فى شراهة نفساً عميقاً من سيجارته ونفثه ليقول: «كانت هذه الكلمات توصى بالتقدم فى المشوار الشعرى والأخذ بالنصيحة والتطور فى الأسلوب، وإن كان فيها جانب مؤرق، خاصةً حينما يأتى من عمنا صلاح جاهين وهو تحميلى مسؤولية هذا المقام الذى وضعنى فيه بكلماته».
■ ومتى جاءك رفض أو اعتراض من عمنا صلاح جاهين؟
- وجودنا بجانب عمنا صلاح جاهين جعلنا ننتشر فى منتديات القاهرة لنتبادل الآراء فيما نكتب، وكذلك كان يحدث أسبوعياً فى كازينو حمام بالجيزة.. أنا والأبنودى وقاعود، وفريدة إلهامى، والشاعر محمود عفيفى، والشاعر حجاج الباى من أسوان.. وكثير من الشعراء الناشئين، وحينها قررت أن أترك كلية الهندسة لأسباب كثيرة وأتجه إلى الصحافة. وفى هذا التوقيت، قرر أيضاً الأستاذ لويس جريس، رئيس تحرير مجلة «صباح الخير»، أن يقوم بتدريبى فى المجلة، فغضب عمنا صلاح جاهين ومنعنى من هذه الخطوة وقال لى بالحرف «الصحافة هاتاكلك وهاتقضى على الشعر اللى جواك»، وقال لى: «سأعطيك ما تريد، فقط عليك أن تجوب مصر وتبحث لنا عن الفنون والأدب الشعبى الموجود فى الأقاليم».. ولأنى بطبعى أرفض التراتبية، رفضت عرضه الكريم وحينها قام بتعيينى فى الإدارة الثقافية لهيئة فنون المسرح والموسيقى.
■ وماذا عن هذه المحطة من حياة سيد حجاب.. العمل المكتبى ألم يمنعك من استكمال مشوارك الفنى؟
- بالعكس تماماً كانت هذه الفترة فترة غنية جداً فى حياتى وتشبعت منها ثقافياً لأقصى حد، خاصةً أننى أعشق قراءة العمل المسرحى، ومنذ صغرى وأنا أفتتح الإجازة بقراءة «يوميات نائب فى الأرياف» و«أهل الكهف» لمدة حوالى 7 أو 8 سنوات، وقمت فى هذه الفترة بمجموعة دراسات بعد أن أرسلت إلينا وزارة الداخلية أرشيف ترخيصات الرقابة من أول القرن، كل المسرحيات التى أجيزت مسرحياً كانت بين يدىّ، فقمت بعمل دراسة عن المسرح المرتجل... «فرقة المسيل» وفرقة «بهجت أفندى»، وكنت أقرأ أيضاً حينها بشغف مسرحيات فتحى رضوان، وتوفيق الحكيم، ومحمود تيمور، والمسرح العالمى لسوفوكل وغيره، وفى هذه الفترة قرأت كل كلاسيكيات المسرح فى كل اللغات المترجمة للعربية، كنت أحب هذا المجال وجاء إلى العمل بالمسرح وأنا أشعر بنهم لقراءته، خاصةً وأنا مثلى مثل كل أبناء جيلى، كنت أحلم بالمسرح الشعرى الذى انتهى منذ أيام أحمد شوقى وعاد بالشرقاوى وصلاح عبدالصبور، كنت موفقاً جداً فى العمل بالمسرح فى هذه الفترة لأدرس مشاكل المسرح.
■ وماذا عن إنتاجك الشعرى فى هذه الفترة؟
- كانت هناك دار الهلال التى يترأسها الأستاذ «أحمد بهاء الدين» وكان يدفع 25 ألف دولار سنوياً للحصول على حقوق نشر مجلة «ميكى»، وكانت هذه الأموال هماً ثقيلاً على عاتق المؤسسة، ويريدون التخلص منه، وكان هناك تفكير فى تأسيس مجلة عربية متخصصة فى كتابات الطفل بعد تجربة بيكار «السندباد»، وكَثُر رواد هذا التيار وأذكر منهم الأساتذة: «محمود سالم» و«عبدالتواب يوسف» و«اللباد» الذى أسس مجلة «كروان».. فبدأت حينها الكتابة للأطفال فى مجلة «سمير وميكى» وكان هذا بالنسبة لى لمدة 5 سنوات مصدر رزقى الحقيقى، كنت أكتب لهم القصص والأشعار وبعضاً من الأعمال العالمية، منها «دونكى شوت» و«أوديسا» وكتبت بعد النكسة سلسلة من المقالات الصغيرة لشرح القضية الفلسطينية وكنت أوقعها باسم صديق استشهد بعد ذلك وهو«مازن أبوغزالة»..
■ ماذا عن الشعر الغنائى.. كيف كانت البدايات؟
- فى هذا التوقيت أصدر جاهين دواوين لنا نحن التلامذة من حوله من دار «ابن عروس»، نشر فى بادئ الأمر ديوان الأبنودى «أبوالعيال»، ثم نشر لى ولم ينشر لقاعود وأجّل أيضاً النشر لنفسه كثيراً من الوقت، وفى هذا الوقت كنت بعيداً عن عالم الأغنية، كنت فى حالة الاستعلاء على عالم الأغنية الذى اندفع إليه الأبنودى وحقق فيه شهرة وذيعاً وانتشاراً ووجوداً، كنت أرى شعراء الأغنية «رصاصين كلام» عدا «أحمد رامى» و«مرسى جميل عزيز» و«جاهين» و«عبدالفتاح مصطفى»، وبعيداً عن هؤلاء لم يكن هناك نص شعرى لائق، كان الأبنودى يعيش من الأغنية وأنا كنت أعيش من الكتابة للأطفال، ورغم ذلك دخلت جو الأغنية مصادفة أيضاً بعد عام 1964، بعد هوجة الأغنية الجماعية، عندما أخذ الأبنودى نصاً منى وقام بتلحينه العظيم الراحل محمد فوزى وكان بعنوان «يا طاير يا طاير»، وأيضاً كانت هناك أغنية أغنيها فى جلساتى مع «إبراهيم رجب» وغيره، وكانت بعنوان «يا مزقزق».. وسمعتها مصادفة أيضاً وأنا فى المعتقل، وكانت البداية الحقيقية مع شعر الأغنية.. بعد النكسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.