أخيرا وبعد طول انتظار مصحوبا بإهدار ملايين من جنيهات المال العام على مدار سنوات عديدة وضعت الدولة روشتة للسيطرة على مارد المحليات الذى خلقه سوء التخطيط للحكومات المتعاقبة وافتقاره لآلية علمية وموضوعية للتعامل مع متطلبات واحتياجات المحافظات. وقبل توضيح الروشتة وكيفية عملها لابد من كشف ما كان يخفى على الكثيرين من أسلوب عمل المحليات وكيفية توزيع برامج التنمية المحلية.. وتتضح الصورة أكثر فأكثر على المستوى القومى للبلاد، حيث كان يتم اختصاص المحافظات الغنية ببرامج تنمية واستثمارات وتناسى المناطق التى تعانى من مستويات مرتفعة فى معدلات الفقر والبطالة. بداية فإن مصر تنقسم إلى 7 أقاليم اقتصادية يتم توزيع الاستثمارات الحكومية عليها كالتالى (حسب بيانات وزارة التخطيط) حيث يستحوذ إقليم القاهرة الكبرى (القاهرةوالجيزة والقليوبية) على أكبر معدل من الاستثمارات بنسبة 34.3 % ثم يأتى إقليم سيناءوقناةالسويس فى المرتبة الثانية بنسبة 22.5 % نظرا للمشروعات الحالية فى منطقة قناةالسويس، ويستحوذ إقليم الدلتا على نسبة 11.8 % ثم يأتى إقليم جنوب الصعيد بنسبة 9.6 % فى المرتبة الرابعة يليه إقليم وسط الصعيد بنسبة 8.8 %، ويحتل إقليم الإسكندرية المرتبة السادسة وقبل الأخيرة بنسبة 8 % لينهى إقليم شمال الصعيد القائمة بنسبة 4.9 %. وعندما ننظر إلى الأمر بكثير من التدقيق والموضوعية نجد أن توزيع الاستثمارات الحكومية على المحافظات يشوبه الكثير من التساؤلات فهو لا يراعى معدلات الفقر المنتشرة فى مصر وسنجد محافظة مثل بورسعيد وهى الأقل فى معدلات الفقر6.7 %، ومع ذلك تستحوذ على نسبة 2.5 % من الاستثمارات لتقارب محافظة مثل سوهاج، والتى تبلغ معدلات الفقر فيها 65 % تقريبا وتستحوذ على 3.7 %، وكذلك الأمر بالنسبة لمعدلات البطالة ورغم ما قلناه عن بورسعيد، إلا أنها تعانى أعلى نسبة من البطالة 24.2 % تليها محافظة البحر الأحمر بنسبة 20.5 % واستثمارات 3.7 %، وقد يزول بعض الاندهاش، عندما نجد أن المحافظات التى تستحوذ على أعلى نسبة من الاستثمارات الحكومية هى أيضا الأعلى نسبة فى المساهمة فى الناتج المحلى الإجمالي، فتحتل محافظة القاهرة أعلى نسبة فى المساهمة 33 % تليها الجيزة 7 % ثم محافظة مرسى مطروح بنسبة 6 % أى أنك حين تضخ استثمارات فإنك تجد المقابل لها. الاستثمارات الحكومية والقطاعية ونأتى للمعضلة والمتمثلة فى المشروعات التى يطالب المحافظون الحكومة بتمويلها فى بداية كل عام مالى لوضعها على برامج التنمية المحلية فى محافظاتهم «ويكون لهم اليد الطولى فى كيفية صرفها» سنجد بأن رصف الطرق الداخلية يحتل الصدارة بنسبة 36.2 % من إجمالى الاستثمارات المستهدفة.. وكأننا نسير بدبابات فى الشوارع مما يؤدى إلى تهالك الطرق بصفة منتظمة.. ثم يأتى تحسين البيئة فى المرتبة الثانية بنسبة 23.8 %، وهى مشروعات النظافة والتشجير وبالطبع فإن مقالب القمامة تطرح تساؤلاً عن مصير تلك الأموال ويأتى مد شبكات الكهرباء والإنارة فى المرتبة الثالثة بنسبة 13.4 %، وقد يكون هناك سبب منطقى لهذا نظرا لسرعة تهالك لمبات الإنارة نتيجة عدم إطفائها طوال ال 24 ساعة فى اليوم ومالم تنج من التهالك فلن تنجو من لصوص سرقة اللمبات وأعمدة الإنارة، وتحتل تدعيم احتياجات الوحدات المحلية المرتبة الرابعة بنسبة 10 %، وتتذيل المشروعات المهمة القائمة فيأتى الأمن والإطفاء والمرور فى المرتبة الخامسة بنسبة 7.9 %، ثم الكبارى والأنفاق والمعديات بنسبة 7.1 % وأخيرا الاستهداف الجغرافى للطرق الأكثر احتياجًا 1.10 %. رصد المشكلات ووضع الحلول ويشرح دكتور خالد زكريا الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ومستشار وزيرة التخطيط المسئول عن تطوير منظومة التخطيط المحلي روشتة الدولة بقوله: نسعى لأن يكون هناك استثمار محلى مبنى على مؤشرات صحيحة حتى يكون لدينا تصور أقرب للواقع لشكل مصر فى 2020-2030 من حيث توزيع الاستثمارات من زراعة وصناعة وإسكان، وقد رصدنا مجموعة من المشكلات على مستوى التخطيط المحلى ووضعنا حلولاً لها منها ما تم تنفيذه وآخر قيد التنفيذ وكانت أولى تلك المشكلات هى انخفاض التكامل بين التخطيط المحلى (وزارة التخطيط) والتخطيط العمرانى (وزارة الإسكان) فكلا الجانبين يعملان فى جزر منفصلة عن الآخر، فقد يهدف التخطيط القومي لزيادة الاستثمار الزراعى فى الوقت الذى يعمل فيه التخطيط العمرانى على زيادة الاستثمار العقارى ولا يمنحنى الحيز الزراعى الذى أريده. المشكلة الثانية وضحت فى عدم وجود خطط للتنمية المحلية المتكاملة على مستوى المحافظات تقوم على منهجية التخطيط الاقتصادى المحلى وإدماج منظومة تقديم الخدمات. أما المشكلة الثالثة فقد تمثلت فى تمويل مشروعات تنمية من القروض والمعونات الأجنبية دون التشاور مع وزارة التخطيط مما قد يؤدى إلى تعارض التمويل مع المستهدفات القومية، ويعتبر مشروع جنوب الصعيد مثالا واضحا لذلك، فقد خصص البنك الدولى مبلغ 500 مليون دولار لتنمية محافظتى قناوسوهاج واشترط مشاركة مصر بنفس المبلغ، ولذلك كان من المهم أن تكون هناك مناقشة عامة فى وزارة التخطيط لكيفية الإنفاق ونوعية المشروعات المفروض تنفيذها فى إطار خطة التنمية الصناعية، ورغم أن هناك بعض التعاون إلا أنه كان يجب التنسيق بصورة أكبر للانتفاع من التمويل بشكل أفضل، وقد تغلبنا على هذه المشكلة بتشكيل لجنة مشتركة بين وزارتى التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى ووزارة الاستثمار والتعاون الدولى لضمان تنسيق التمويل الخارجى للمشروعات على المستوى المحلى والمستهدفات القومية ذات الصلة بهذا التمويل. مشروعات الوزارات بالمحافظات المشكلة الرابعة غياب الرؤية الاستراتيجية لجهات الإسناد (الوزارات) بشأن توفير الخدمات على المستوى المحلى وربطها بمستهدفات التخطيط القومي، ويتضح ذلك بصورة كبيرة فى الاستثمارات القطاعية المنتمية للوزارات، فمثلا تقوم وزارة التعليم بمعظم عمليات الاستثمار الخاصة بها وتسندها لهيئة الأبنية التعليمية المسئولة عن بناء المدارس، وكذلك تفعل وزارة الصحة، حيث تستأثر بجميع الاستثمارات الصحية على مستوى المحافظات دون رؤية لما يتطلبه المخطط القومي، وقد بدأنا حل تلك المشكلات بتكوين لجنة تسريع التنمية فى مصر وهى لجنة مشتركة بين التخطيط العمرانى ووزارة التنمية المحلية والاستثمار والتعاون الدولى والمحافظات ومديريات الخدمات على مستوى المحافظات لصياغة خطة تنمية متكاملة لكل محافظة تراعى الجانب العمرانى والاستثمارى والخدمى ونستهدف ربط تمويل الخطة الاستثمارية بخطط التنمية المتكاملة للمحافظات ولايتم تمويل أى مشروع بالمحافظات إلا لو وافقت تلك اللجنة عليه. المشكلة الخامسة وقد تمثلت فى أن مخصصات الموازنة الاستثمارية لا تستهدف بالأساس الفجوات التنموية (المشكلات) على مستوى المحافظات ولا توجد معادلة تمويلية لتوزيع هذه المخصصات وفقا للفجوات، وهذا ما ظهر جليا فى عدم التناسق بين الإنفاق الحكومى على الاستثمار والفجوات التنموية، وقد بدأنا تحديد 53 مؤشرًا للتعامل مع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والخدمية وأهم تلك الفجوات والمناطق الخاصة بها خلال السنوات الثلاث القادمة بداية من العام المالى 2017-2018 وبدء التنسيق مع مبادرات المجتمع المدنى وبرامج المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص وصندوق تحيا مصر لتوحيد الجهود التنموية لسد الفجوات القائمة ونخطط لتخصيص نسبة من تلك الأموال ونوجهها لاستثمارات معينة، مثلا إذا كان المتوفر 60 مليار جنيه نخصص منها 10 مليارات ونحدد فجوة واضحة مثل الصرف الصحى فى محافظات معينة بحيث نحل مشكلتها التى تؤرق المواطنين فى تلك المحافظات، وقد نعمل على أماكن بدلا من مشكلات مثل استهداف إقليم وسط أو شمال الصعيد ونخصص له المبلغ المتاح. القضاء على المناقلة المشكلة السادسة والمتمثلة فى كثرة عمليات المناقلة خلال العام المالي.. فبعد عدة شهور من تخصيص التمويل اللازم للمحافظات فى صورة ميزانية يلجأ المحافظ إلى طلب نقل تمويل مشروع إلى مشروع آخر لم يكن على خطة المحافظة التى تم تقديمها لوزارة التخطيط وبالطبع لا تملك وزارة التخطيط الإمكانيات الكافية للرقابة على هذه المناقلات وهل تستحق تلك المشروعات أن تنفذ كبديل عن المشروعات التى سبق الموافقة عليها، وهل يتم الموافقة على الصرف أم إيقافه ومن هنا تُفرغ عملية التخطيط من محتواها. المشكلة السابعة الإنفاق غير الفعال والهدر على المستوى المحلى ويأتى ذلك بسبب الإجراءات الحكومية وتتواتر كالتالي.. يطلب المحافظ مبالغ تمويل للمشروعات من الموازنة فيتم دراسة ذلك الطلب وعندما يحين ميعاد صرفه يكون قد مضى ثلاثة شهور (الربع الأول من العام المالي) وبدأ الربع الثانى فيطرح المحافظ المشروع للمناقصة العامة وعندما ينتهى من إجراءاته يكون العام المالى قد أوشك على الانتهاء قبل أن يبدأ فى التنفيذ وصرف التمويل، وإذا لم يصرف التمويل فلن يحصل على ما يريده خلال موازنة العام الذى يليه فيبدأ فى إعادة رصف الشوارع أو تركيب بلاط جديد للأرصفة مما يمثل إهدارًا للمال العام، وقد بدأنا فى إعداد منظومة جديدة ومتكاملة للتخطيط المحلى تبدأ بقطاع التنمية المحلية مع إضافة قطاعات أخرى فى المستقبل القريب وفقا لكفاءة التنفيذ، حيث تقوم المحافظات بإعداد خطط للتنمية المحلية لمدة ثلاث سنوات تبدأ من العام المالى 18-19 وذلك فى إطار الخطة التنموية الشاملة للمحافظة وتحدد وزارة التخطيط سقفًا ماليًا لكل محافظة يغطى سنوات الخطة الثلاث وفقا لمعادلة تمويلية جديدة تأخذ فى اعتبارها الفجوات التنموية القائمة وتحفز المحافظات على زيادة مواردها الذاتية، وتصدر وزارة التخطيط منشورًا شاملاً ومفصلاً يحدد نطاق خطط التنمية المحلية وأسلوب إعدادها ومتابعتها وتُعلم وزارة التخطيط المحافظات بالسقوف المالية، وتتعهد بإتاحتها خلال سنوات الخطة الثلاث على ألا يزيد مخصص كل سنة على 40 % من إجمالى السقف، وفى هذه الحالة يحق للمحافظات ترحيل فوائض المخصصات السنوية لمشروعات التنمية المحلية خلال السنوات الأولى والثانية ويجوز للمحافظات المناقلة بين المشروعات المدرجة فى الخطة دون الرجوع لوزارة التخطيط فيما لا يجاوز السقوف المالية السنوية، ولا يجاوز التكلفة التقديرية للمشروعات المدرجة بالخطة وتحدد وزارة التخطيط مخصصًا ماليًا إضافيًا للتنمية المحلية تتنافس عليه المحافظات من خلال تقديم مقترحات لمشروعات غير مدرجة فى خططها الثلاثية. المشكلة الثامنة تعثر تنفيذ العديد من المشروعات على المستوى المحلى لأسباب متعددة منها ما هو متعلق بالمناقصات والمشاكل مع المقاولين والتضخم وسعر الصرف وإتاحة الأراضى أو نزع الملكيات، وقد بدأنا فى المشاركة مع هيئة الرقابة الإدارية واللجنة الرئاسية لنهو المشروعات المتعثرة التى شكلها الرئيس السيسي، ويتم التعامل مع المشروعات كل على حدة بحيث يتم إيجاد الحلول التمويلية لها ونسعى للنهوض بمكاتب التخطيط الإقليمى بالتعاون مع وزارة التنمية المحلية والتى تمتلك منظومة تفتيش ورقابة على العمل المحلى بصفة مستمرة.